المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الانتعاش المؤقت للدولار هل يخفت الأصوات الداعية لفك الارتباط



سيف قطر
20-02-2008, 05:58 AM
الانتعاش المؤقت للدولار هل يخفت الأصوات الداعية لفك الارتباط
| تاريخ النشر:يوم الثلاثاء ,19 فبراير 2008 11:29 ب.م .



إن صح القول إن تزامن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقدوم جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض وما تلاهما من أحداث كحرب العراق شكلت نقطة تحول في الاقتصاد العالمي، خاصة في الولايات المتحدة، حيث بدأت البطالة نحو التزايد بسبب إفلاس بعض الشركات وتقليص حجم الأعمال في البعض الآخر‏، ‏ فطبقا لأحدث البيانات ارتفعت البطالة في أمريكا لتسجل مستويات قياسية مع اضطرابات في سوق الشغل وفقد عدد كبير من المستثمرين ثقتهم في الاقتصاد الأمريكي، كما أن كثيرا من المستثمرين والبنوك المركزية عاودوا اقتناء المعدن الأصفر "الذهب" إلى خزائنهم كاحتياطي بعد التخلي عن هذه السياسة في السبعينيات من القرن الماضي، حيث قام كثير من البنوك المركزية ببيع احتياطياتها من الذهب بعد أن فقد مكانته، حيث كان مستودعا للقيمة‏، والآن بدأت العودة إليه مجددا وارتفع سعره إلى أرقام قياسية باعتباره ملاذا آمنا للاستثمار في وقت الأزمات. هذه العوامل وغيرها هي التي تحدد مسار العملة، فترتفع أو تنخفض تبعاً لتغير تلك العوامل، مما أدى الى انخفاض سعر الدولار امام العملات الأجنبية والتراجع الحاد في أسعار الأوراق المالية في البورصات العالمية ففي يوليو 2001، كان سعر اليورو 84 سنتاً أمريكياً ليصل الى 1,11 في نهاية 2001، وفي نهاية 2007 وصل سعره إلى 1.4854 دولار وهو اعلى سعر للعملة الاوروبية الموحدة منذ ظهورها.وإذا كان الكونغرس الاميركي اقر مساء الخميس الموافق 7 فبراير 2008 خطة الانتعاش الاقتصادي المعروضة من البيت الأبيض التي تتيح ضخ 150 مليار دولار في الاقتصاد الاميركي للحيلولة دون حصول انكماش وتصريحات حاكم المصرف المركزي الاوروبي جان كلود تريشيت بأن أوروبا لن تتمكن من الإفلات من آثار التباطؤ الاقتصادي الأمريكي ومن ثم إحجام الصرف عن زيادة أسعار الفائدة في منطقة اليورو، وخفض أسعار الفائدة مرتين خلال الشهر الماضي أدى إلى تحسن مؤقت في سعر صرف الدولار لن يلبث ولن يطول، فالاقتصاد الأميركي حاليا يرتكز على الخدمات ولا تحرز الصناعة فيه أي تقدم باستثناء قطاع تقنية المعلومات، وستقوده هذه العوامل المتزامنة مع ضخامة الديون الرسمية والفردية والعجز المالي إلى تباطؤ النمو من جديد فيتدهور سعر صرف الدولار وربما أسوأ من ذي قبل. مما يؤكد دخول العملة الخضراء سلسلة من المنعطفات قد لاتحمد عقباها فهل يتمكن العطار دائما من إصلاح ما أتلف الدهر؟
فمؤكد كذلك أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فظهور الاتحاد الأوروبي ممثلا في عملته اليورو كأكبر التكتلات الاقتصادية في العالم وأكثرها اكتمالا من حيث البنى والهياكل التكاملية، ومن حيث الاستمرار في استكمال المسيرة وشد الأنظار إليه بشكل دائم وذلك من خلال تلميع صورته السياسية والدولية قد فاق كل التوقعات، حيث هيمن تجاريا على أكثر من ثلث التجارة العالمية، وحقق حجم تجارة خارجية يصل في المتوسط إلى حوالي 150 مليار دولار، كما يصل الدخل القومي لهذا التكتل إلى ما يزيد على 7 آلاف مليار دولار وهو أكبر دخل قومي في العالم، قد اتخذ استراتيجية هجومية تجاه الاقتصاد العالمي ويسعى بكل قوة إلى أن يكون على رأس الشكل الهرمي للنظام الاقتصادي العالمي الجديد في القرن الحادي والعشرين، مما تسبب في تقاسم الكعكة وإظهار معانات الاقتصاد الجريح (الولايات المتحدة) وبتزايد المعانات وظهور خيارات بديلة فمن الطبيعي أن تعيد الدول التي تربطها سياسات نقدية مع الولايات المتحدة النظر في ماهية تلك السياسات وأولها دول مجلس التعاون الخليجي مما يقودنا إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الدول ستسعى إلى اتخاذ قرار جماعي بفك ارتباط عملاتها بالدولار وربطها بسلة عملات، أم أنها ستتصرف بانفراد كما فعلت الكويت أم تترك المبادرة للعملة الخليجية الموحدة عام 2010؟
ومن اجل التوضيح للقراء الكرام فان استمرارية ارتباط العملات الخليجية بالدولار، تؤدي الي تتبع البنوك لخطوات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي في خفض الفائدة، التي لجأ إليها مع بدء تباطؤ الاقتصاد الأمريكي في الوقت الذي يتوقع من البنوك المركزية الخليجية رفع أسعار الفائدة لضبط التضخم، وربما تحتاج إلى تكرار هذا اذا احتاج الاحتياطي الفيدرالي ذلك لأن خفض الفائدة يقود إلى تدفق المزيد من السيولة في الأسواق، وهو أمر تحتاجه أمريكا وليس من مصلحة دول الخليج وهو أحد الأسباب المساهمة في التضخم.
لعل اتخاذ قرار جماعي بخصوص فك الارتباط كليا أو جزئيا قد يكون الأحسن للدول الخليجية على الإطلاق ومع ان التحول الى سلة عملات أخرى له تكاليفه ‏لم يبق ملحا حاليا بسبب استعادة الدولار لبعض القوة التي فقدها مقابل العملات العالمية الكبرى في 2007 مما يستدعي الأخذ بمبدأ الحيطة والحذر.
أما التساؤل الثاني فقد تضطر إليه الدول التي لم تنجح في سياسة كبح التضخم وبالتالي تضطر الى فك الارتباط جزئيا او كليا، كما فعلت الكويت من اجل ضبط التضخم والحد من كلفة تمويل الواردات غير المسعرة بالدولار، أي من أوروبا وآسيا.
وفي حال عدم التوصل الى حلول مرضية قبل قدوم العملة الخليجية الموحدة فإنها ستعمل بالتأكيد على اعادة التقييم والعمل على اعادة هيكلة السياسة النقدية وفقا لما تقتضيه التحديات المستقبلية، ومن بينها الاعتماد على أدوات تتيح تحريك الاقتصاد بخفض الفائدة إذا كان هناك تباطؤ، وتهدئة حركته يرفع الفائدة إذا كان هناك تسارع وليس فقط الارتباط أم عدمه.

د. حمادي ولد باب حمادي
محلل اقتصادى موريتانى
E-Mail: hamadikhattari@yahoo.fr