المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قطر حققت تطورا اقتصاديا هائلا ولا توقعات بتغيير في ارتباط الريال بالدولار



عميد السوق
29-03-2008, 06:29 AM
الخبير الاقتصادي د.غسان العيـّــاش في حوار مع الشرق:

ما يحدث في قطر ليس مجرد طفرة بل تحول شامل لبناء المستقبل وإقامة اقتصاد المعرفة
السلطات لن تسمح بتقلبات حادّة والتضخم ضريبة النموّ الكبير
الانفتاح الاقتصادي أعطى قطر موقعا متميزا وسمعة محترمة وسط المؤسسات الاقتصادية
القوانين والامتيازات أسهمت في جذب الاستثمارات الأجنبية والناتج الإجمالي يرتفع إلى 65 مليار دولار
التذبذبات تحدث في كل الأسواق المالية وهي ناجمة عن المضاربات وليست انعكاسا للعوامل الاقتصادية الجوهرية
سلطات الرقابة على المصارف في قطر والخليج تتميز بالوعي والكفاءة والقدرة على مواجهة المخاطر
عبد الله محمد أحمد :
* هل تتوقع نتيجة ذلك فك الارتباط بين الريال والدولار الأمريكي؟
- هذا أمّر تقرره السلطات في الوقت المناسب والشروط المناسبة. من غير المستغرب أن تفكر قطر ودول الخليج بهذا الخيار يوما ما لأن ارتباط العملات الخليجية بالدولار وإن كان يحقق الاستقرار النقدي ويشكل رابطا بين النظم النقدية الخليجية فهو من نواح أخرى يشكل عبئا على اقتصاديات الخليج. فانخفاض سعر الدولار تجاه اليورو يزيد عبء الصادرات ويساهم في التضخم المتأجج أصلا، كما أنه يكبل السياسات النقدية من خلال موجبات مفروضة على معدلات الفوائد، بما يحدّ من قدرة المصارف المركزية على كبح التضخم. مع ذلك، فإن تصريحات المسؤولين في مصرف قطر المركزي تشير إلى أن قطر ما زالت حتى الآن تفضل ارتباط الريال بالدولار باعتبار أن هذا الارتباط شكل قاعدة الاستقرار النقدي في قطر والخليج خلال المرحلة الطويلة الماضية، وارتباط العملة القطرية بالدولار مستمر على الأرجح في المرحلة التي تسبق ولادة النقد الخليجي الواحد.
* ولكن المتعاملين في السوق بنوا قراراتهم في الفترة الأخيرة على أساس أن الريال القطري مرشح للارتفاع؟
- يمكن أن يكون حدسهم مصيبا أو خاطئا. ولكني ألاحظ أن هناك توقعات وتحليلات غير ناضجة لدى بعض المتعاملين في السوق. هناك تصورات مثلا أن قطر سترفع سعر الريال بطريقة دراماتيكية وأن ذلك سيتم بين ليلة وضحاها. الواقع أن الحكومة ومصرف قطر المركزي يتعاملان بطريقة ناضجة في هذا الموضوع ولا يبدو لي أنهما بصدد إحداث انقلاب دراماتيكي في سوق القطع حتى لو اتخذ القرار بفك الارتباط مع الدولار. فهما يعرفان كل المعرفة أن واجب السلطات المالية والنقدية هو تلافي التقلبات الحادّة في سوق القطع ومنع إفلات الساحة للمضاربات. تجربتنا النقدية الطويلة في لبنان علمتنا أنه عندما تصبح السوق النقدية مجالا لأرباح المضاربين معنى ذلك أن الاقتصاد الوطني هو الذي يخسر ويخسر معه ذوو الدخل المحدود وفئات كثيرة في المجتمع. كما أن قطر تأخذ بعين الاعتبار متطلبات التنسيق في المجال النقدي مع دول الخليج في مرحلة التحضير لقيام الاتحاد النقدي في موعده المقرر. نتيجة لذلك أظن أن إعادة تقييم الريال القطري إذا حصلت، وهذا مستبعد حاليا، فستتم بطريقة سلسة ومتدرجة وضمن هوامش مضبوطة حرصا على استقرار سوق القطع ولمنع إلحاق الضرر بالاقتصاد. الاستقرار النقدي كان السمة التي طبعت السوق النقدي في قطر والخليج منذ الثمانينيات، ولن تفرط قطر بهذا الاستقرار. هذا تقديري الشخصي على كل حال.
* أين النظام المصرفي القطري في هذه الطفرة؟
- النظام المصرفي القطري استفاد بالطبع من الطفرة. التدفقات الخارجية الناجمة عن ارتفاع العائدات النفطية والاستثمارات الخارجية الوافدة انعكست ارتفاعا في حجم ودائع القطاع المصرفي، فازدادت التسليفات المصرفية للقطاع الخاص، وزيادة التسليف المصرفي تؤدي إلى توسيع الكتلة النقدية، أي إلى زيادة الودائع، وتستمر الحلقة التصاعدية في ظروف الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده البلاد. هذا الواقع يزيد من ربحية المصارف ويحسّن كل مؤشراتها. إن أداء القطاع المصرفي القطري هو أداء مميز، حيث ان نسبة كفاية رأس المال تبلغ 15% وهو ضعف المعدّل المعتمد عالميا تقريبا، واعتمدت في قطر قواعد بازل2. لقد انخفض معدل التسليفات الضعيفة منذ سنة 2002 انخفاضا كبيرا وزادت نسبة الأرباح الصافية إلى حقوق المساهمين. نعم كل المؤشرات المصرفية تحسنت في قطر في السنوات الخمس الماضية.
* هل معنى ذلك أن المصارف القطرية والمصارف الخليجية عموما هي بمنأى عن المخاطر؟
- سلطات الرقابة على المصارف في قطر ودول الخليج تتميز بالوعي والكفاءة والقدرة على القيام بمهامها بشكل جيد وفقا لأحدث المعايير العالمية. لقد قرأت هذا التقييم في تقارير دولية عن النظم المصرفية الخليجية. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ظاهرتين رئيسيتين ساهمتا في تطوير النظام المصرفي في الخليج، ولكنهما وضعتاه أيضا أمام تحديات لا يجب التقليل من أهميتها. الظاهرتان هما الطفرة الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية. ومن أبرز التطورات الملحوظة تخفيض تسليفات المصارف الخليجية للقطاع العام وزيادة تسليفاتها للقطاع الخاص. ورغم ان هذا التحول هو لمصلحة الاقتصاد الخليجي، فإن إقراض الدول أقل مخاطرة من تسليف الأفراد والشركات. ففي قطر مثلا انخفضت حصة الحكومة في موجودات المصارف إلى أقل من النصف في ثلاث سنوات فقط. السبب الرئيسي لهذا التحوّل هو تناقص حاجة الحكومات الخليجية للاقتراض من المصارف بفعل ازدياد العائدات النفطية. وبفعل تحول نسبة كبيرة من التسليفات إلى القروض الشخصية فقد ارتفعت قيمة التسليفات الموجهة بصورة خاصة للقطاع العقاري والسوق المالية، باعتبارهما أكثر القطاعات انتعاشا وإغراء للناس. ولكن خضوع هذين القطاعين للجمود أحيانا وللصعود والهبوط في احيان أخرى يلقي على المصارف مسؤولية الحيطة والحذر في منح التسليفات ويضع على كتف سلطات الرقابة واجبات إضافية. اختصارا أقول ان تحوّل نسبة كبيرة من التسليفات إلى القطاع الخاص، لا سيما الإقراض الشخصي، على حساب التوظيف في أدوات الدين العام هو تحوّل طبيعي وصحّي، فالدور الرئيسي للوساطة المصرفية هو تمويل القطاع الخاص، إلا أن هذا التحول يخلق تحديات لا بدّ من مواجهتها بالإدارة المصرفية السليمة والرقابة العامّة الكفؤة.
* ما دمنا نتحدث عن النظام المصرفي في الخليج هل يمكن الإشارة إلى أهمّ التحديات التي تواجهه، إضافة طبعا إلى إدارة التسليفات التي أشرت إليها؟
- في هذا الحيز لا نستطيع أن نفصّل كل التحدّيات، ولكن يمكن الإشارة إلى أبرزها بالطبع. المصارف الخليجية تواجه تحدي المنافسة الخارجية، مع سياسة الانفتاح المتزايدة التي تتبعها بلدان الخليج، وهو اتجاه لا يمكن منعه. وهناك نوع آخر من المنافسة قد يأتي في حال خلق السوق الخليجية الموحدة وتحرير الخدمات بين دول الخليج وهو فتح حدود جميع بلدان الخليج أمام المصارف الخليجية الأخرى. فالمصارف المحمية ضمن الحدود الوطنية ومكتفية برساميل وقدرات محدودة ستجد نفسها معرّضة للمنافسة من مصارف خليجية كبيرة. قد يكون هذا دافعا لحركة دمج لا غنى عنها، وهي مفيدة على أكثر من صعيد. فهي تؤدي إلى وفورات في الكلفة كما أنها تزيد قدرة المصارف الخليجية على المنافسة ليس في الإطار الإقليمي وحده بل في المدى العالمي. كما أن الدمج يمكـّـن الصناعة المصرفية الخليجية من المساهمة بشكل أكبر في تمويل المشروعات العملاقة في المنطقة المتروكة حاليا للمصارف الدولية أو للسوق المالية.
* بالعودة إلى قطر ونظامها المصرفي، كيف تنظر إلى دور مركز قطر للمال؟
- لعب مركز قطر للمال دورا مهما وناجحا في فتح أبواب الاقتصاد القطري أمام أكبر المؤسسات الدولية. في ذروة انطلاقة الفورة الاقتصادية في قطر كانت هناك حاجة إلى خطوات سريعة ومدروسة في آن لإدخال مؤسسات كبيرة تساعد في تأمين التمويل للنهضة الاقتصادية وتستقدم خبرات وتقنيات جديدة تحتاجها قطر لتواكب تقدّمها السريع. إن مركز قطر للمال هو قناة استثنائية لمرحلة استثنائية وقد أدّى دوره بنجاح. المطلوب الآن هو توحيد النظام المالي والمصرفي لأنه لا يمكن وجود نظامين في بلد واحد، كما أن الرقابة على النشاط المصرفي والتحكم بالكتلة النقدية يفترضان أن تكون كل المؤسّسات المصرفية ضمن نظام واحد. صندوق النقد الدولي طالب في هذا الإطار بإدراج ميزانيات مؤسسات المركز ضمن الإحصائيات النقدية والمصرفية. ما يطمئن هو جدية جهود الدولة لتوحيد الرقابة على النشاط المصرفي الذي قد يبصر النور في مدى أشهر قليلة.