شكري وتقديري
04-04-2008, 04:19 PM
ثقافة الأمن في المجتمع القطري
لو نظرنا إلى الوراء قليلا مطلين على سير الأمن ونوعية ثقافة الأمن في المجتمع القطري في الماضي البعيد نسبيا- أي منذ ما يقرب من خمسين عاما - لوجدنا أن قنوات التثقيف المجتمعي للأسرة كانت تتسم بالتعدد النوعي النسبي المحكوم بحزام أمني واحد وهو أسرة
( الفريج ) ، فعلى الرغم من أن الفرد منذ نعومة أظفاره كان يتصل بعدة مستويات من قنوات النقل البشرية لثقافة المجتمع – من أتراب ووالدين ومن في حكمهم إلى درجة الأجداد – إلا أن هذا لم يتمخض عن اختلافات وتناقضات جيلية في التوجهات والتوجيهات المجتمعية بل نتج عنه الكثير من الاحتواء لأفراد المجتمع ، وما كان ذلك إلا لكون المجتمع العام يتمتع بنوع من الانسجام والاتفاق في المرئيات الآنية والمستقبلية مما ساعد على توحيد مسارات الذاكرة المجتمعية بالنسبة لما يمكن توصيله لأجيال عبر الأجيال وهذا أضفى قدرا كبيرا من الأمن الثقافي المتفق عليه ضمنيا عند الجميع ومنه نتج ما يمكن أن نسميه بـ(العرف السلوكي ) للأفراد صغارا وكبارا وقد أطلق عليه قديما اسم (السَلْك والسَنَع ) والذي عمدت جماعة الفريج على أساسه بعزل من لا يحملون إرث سلك الجماعة عزلا تصنيفيا فارزا لهم كما حدث مع أهل الطرب ومن صنفهم المجتمع في حكمهم ممن يرتادون دور اللهو والسمر والسهر ، ومع ذلك فقد مارس المجتمع بشكل قوي نوعا من الرقابة القيمية للمنتجات الفنية لهؤلاء فلم يسمح سوى بإعلان الأغاني التي تحث على القيم النبيلة وتتغنى بالصفات الأخلاقية لدى الأفراد من رجال ونساء سواء على مستوى حفلات الأعراس أو المناسبات الدينية في الأعياد أو في المناسبات العامة .
ساند ذلك ورافقه أن الأم في البيت كانت تتغنى لأولادها بأغان شعبية متوارثة تحث على الاتصاف بالصفات والقيم الحميدة ، وكانت تتبع في ذلك نهجا تربويا واعيا حين كانت تستبدل أسماء أصحاب الهمة بأسماء أولادها من بنين وبنات والأمثلة على ذلك كثيرة .
وفي المقابل كان المجتمع يرفع القيمة المجتمعية للأفراد الذين يتشربون إرث الجماعة ويقدمهم على غيرهم تعزيزا للقيم التي يحملونها ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل كانوا يستغلون كل أنواع الوسائل الإعلامية التثقيفية المتاحة لغرس هذه القيم في الأفراد حماية لهم ولمجتمعهم ولأجيالهم ، ومن تلك الوسائل الشعر الذي كان يحتل مقاما رفيعا كوسيلة إعلامية متاحة ومرغوبة ومؤثرة في نفس الوقت .
لذا نجد أن الشاعر يقول مخاطبا الفتيان والشباب ملخصا التوجيهات التربوية الوقائية المطلوب أن تتحول إلى ثقافة أمنية للوصول إلى أمن مجتمعي ثقافي :
احذر من الدنيا تغرك وتغراك ولا تحسب إنها على الكيف تعطيك
ولا تغرك يا فتى كثر الأملاك وشعاد لو تربح بكثرة مشاريك
حافظ على التقوى ترى الدين يحماك واصبر على أمر من الله ياتيك
أحذرك من ربعة خبيثين الأسلاك ترى ربعة الحمقين يا صاح تدنيك
ايعرضك طرق على غير مهواك إن صار حزات اللوازم يخليك
احرص على جار يعزك ويدراك عزه وخل الجار حسبة أهاليك
إحذر عدوك لا تخليه وياك ولا تفضي له خفايا مساويك
وقال أيضا
إن كان ما عندك نديم يدلك على الخير ولا يعتريك العيب
هذه الأبيات لم يكن الشاعر ليكلف نفسه عناء إنشائها وإنشادها وكتابتها لو لم يكن على ثقة بأنه سوف يجد له أذنا صاغية وذهنا مستوعبا لما يمكن أن يعنيه الأخذ بتلك الوصايا .
ولو تفحصنا هذه الأبيات لوجدنا تلخص الاتجاهات والمسلمات الثقافية المجتمعية التي أراد مجتمع الأسرة أن يغرسها في نفوس النشء حماية له مما قد يواجهه اجتماعيا وثقافيا ، كما أنها تخلص إلى القناعة بأن الفرد كثير بإخوانه وأن الجماعة للفرد والفرد للجماعة ومن هنا كان التأكيد على أن يكون الجار – ضمنيا - واحدا من العائلة وما ذلك إلا حرصا من الوالدين على تكوين قاعدة بديلة من المشرفين ليحلوا محلهما ويقوموا بأدوارهما- عند الضرورة-وبرضا الأولاد.
كما مارست الأسرة نوعا من التثقيف الأسري الواعي توثيقا للعلاقات بين أفرادها وتأكيدا للهوية الانتمائية عن طريق استحداث نوع من الإلغاز والتسابق بين الأطفال حتى في الجلسات العادية استثمارا لوقتهم للمتوفر من وسائل الترفيه عنهم واختبارا لمعرفتهم للتشعبات الأسرية في عائلتهم فكان أن أوجدت مسابقة " سويرة وبنتها ..عرفنا من تحتها " والتي تتلخص في أن تعمد الأم إلى ذاكرتها القريبة والبعيدة و مخزونها المعرفي عن أعداد أفراد أسرتها من جهة والديها وعائلة زوجها من جهة والديه لتسأل أبناءها عنهم ، فإذا لم يتعرف الطفل على فرع معين من الأسرة عمدت إلى تعريفه بهم عدديا واسميا وحتى يمكن سنيا والتعريف بأماكن سكناهم ، ويتبارى الأطفال المتحلقين حولها في تخزين المعلومات الجديدة للاستفادة منها في مرات قادمة . هذه المسابقة البسيطة في محتواها وسير تنظيمها كانت تهدف وبشكل متعمد لمعرفة الأهل والأقارب مما يشبع لدى الطفل شعوره بالامتداد واتساع الدائرة المجتمعية للرجوع إليها عند الحاجة . هذه القناعة الاجتماعية سيرت توجه الاستقرار والتوطن في المناطق على مدى عقود من الزمن ولا زالت تواصل ذلك ما أمكن وهذا يجعلنا نخلص إلى نتيجة وهي أن المجتمعات لا تستمر في تعزيز سلوك أو اتجاه برفعه من مستوى الممارسة الفردية إلى مستوى التأكيد المجتمعي المتواصل إلا لثبوت نجاحه كشكل من أشكال المحافظة على الكيان والهوية
لو نظرنا إلى الوراء قليلا مطلين على سير الأمن ونوعية ثقافة الأمن في المجتمع القطري في الماضي البعيد نسبيا- أي منذ ما يقرب من خمسين عاما - لوجدنا أن قنوات التثقيف المجتمعي للأسرة كانت تتسم بالتعدد النوعي النسبي المحكوم بحزام أمني واحد وهو أسرة
( الفريج ) ، فعلى الرغم من أن الفرد منذ نعومة أظفاره كان يتصل بعدة مستويات من قنوات النقل البشرية لثقافة المجتمع – من أتراب ووالدين ومن في حكمهم إلى درجة الأجداد – إلا أن هذا لم يتمخض عن اختلافات وتناقضات جيلية في التوجهات والتوجيهات المجتمعية بل نتج عنه الكثير من الاحتواء لأفراد المجتمع ، وما كان ذلك إلا لكون المجتمع العام يتمتع بنوع من الانسجام والاتفاق في المرئيات الآنية والمستقبلية مما ساعد على توحيد مسارات الذاكرة المجتمعية بالنسبة لما يمكن توصيله لأجيال عبر الأجيال وهذا أضفى قدرا كبيرا من الأمن الثقافي المتفق عليه ضمنيا عند الجميع ومنه نتج ما يمكن أن نسميه بـ(العرف السلوكي ) للأفراد صغارا وكبارا وقد أطلق عليه قديما اسم (السَلْك والسَنَع ) والذي عمدت جماعة الفريج على أساسه بعزل من لا يحملون إرث سلك الجماعة عزلا تصنيفيا فارزا لهم كما حدث مع أهل الطرب ومن صنفهم المجتمع في حكمهم ممن يرتادون دور اللهو والسمر والسهر ، ومع ذلك فقد مارس المجتمع بشكل قوي نوعا من الرقابة القيمية للمنتجات الفنية لهؤلاء فلم يسمح سوى بإعلان الأغاني التي تحث على القيم النبيلة وتتغنى بالصفات الأخلاقية لدى الأفراد من رجال ونساء سواء على مستوى حفلات الأعراس أو المناسبات الدينية في الأعياد أو في المناسبات العامة .
ساند ذلك ورافقه أن الأم في البيت كانت تتغنى لأولادها بأغان شعبية متوارثة تحث على الاتصاف بالصفات والقيم الحميدة ، وكانت تتبع في ذلك نهجا تربويا واعيا حين كانت تستبدل أسماء أصحاب الهمة بأسماء أولادها من بنين وبنات والأمثلة على ذلك كثيرة .
وفي المقابل كان المجتمع يرفع القيمة المجتمعية للأفراد الذين يتشربون إرث الجماعة ويقدمهم على غيرهم تعزيزا للقيم التي يحملونها ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل كانوا يستغلون كل أنواع الوسائل الإعلامية التثقيفية المتاحة لغرس هذه القيم في الأفراد حماية لهم ولمجتمعهم ولأجيالهم ، ومن تلك الوسائل الشعر الذي كان يحتل مقاما رفيعا كوسيلة إعلامية متاحة ومرغوبة ومؤثرة في نفس الوقت .
لذا نجد أن الشاعر يقول مخاطبا الفتيان والشباب ملخصا التوجيهات التربوية الوقائية المطلوب أن تتحول إلى ثقافة أمنية للوصول إلى أمن مجتمعي ثقافي :
احذر من الدنيا تغرك وتغراك ولا تحسب إنها على الكيف تعطيك
ولا تغرك يا فتى كثر الأملاك وشعاد لو تربح بكثرة مشاريك
حافظ على التقوى ترى الدين يحماك واصبر على أمر من الله ياتيك
أحذرك من ربعة خبيثين الأسلاك ترى ربعة الحمقين يا صاح تدنيك
ايعرضك طرق على غير مهواك إن صار حزات اللوازم يخليك
احرص على جار يعزك ويدراك عزه وخل الجار حسبة أهاليك
إحذر عدوك لا تخليه وياك ولا تفضي له خفايا مساويك
وقال أيضا
إن كان ما عندك نديم يدلك على الخير ولا يعتريك العيب
هذه الأبيات لم يكن الشاعر ليكلف نفسه عناء إنشائها وإنشادها وكتابتها لو لم يكن على ثقة بأنه سوف يجد له أذنا صاغية وذهنا مستوعبا لما يمكن أن يعنيه الأخذ بتلك الوصايا .
ولو تفحصنا هذه الأبيات لوجدنا تلخص الاتجاهات والمسلمات الثقافية المجتمعية التي أراد مجتمع الأسرة أن يغرسها في نفوس النشء حماية له مما قد يواجهه اجتماعيا وثقافيا ، كما أنها تخلص إلى القناعة بأن الفرد كثير بإخوانه وأن الجماعة للفرد والفرد للجماعة ومن هنا كان التأكيد على أن يكون الجار – ضمنيا - واحدا من العائلة وما ذلك إلا حرصا من الوالدين على تكوين قاعدة بديلة من المشرفين ليحلوا محلهما ويقوموا بأدوارهما- عند الضرورة-وبرضا الأولاد.
كما مارست الأسرة نوعا من التثقيف الأسري الواعي توثيقا للعلاقات بين أفرادها وتأكيدا للهوية الانتمائية عن طريق استحداث نوع من الإلغاز والتسابق بين الأطفال حتى في الجلسات العادية استثمارا لوقتهم للمتوفر من وسائل الترفيه عنهم واختبارا لمعرفتهم للتشعبات الأسرية في عائلتهم فكان أن أوجدت مسابقة " سويرة وبنتها ..عرفنا من تحتها " والتي تتلخص في أن تعمد الأم إلى ذاكرتها القريبة والبعيدة و مخزونها المعرفي عن أعداد أفراد أسرتها من جهة والديها وعائلة زوجها من جهة والديه لتسأل أبناءها عنهم ، فإذا لم يتعرف الطفل على فرع معين من الأسرة عمدت إلى تعريفه بهم عدديا واسميا وحتى يمكن سنيا والتعريف بأماكن سكناهم ، ويتبارى الأطفال المتحلقين حولها في تخزين المعلومات الجديدة للاستفادة منها في مرات قادمة . هذه المسابقة البسيطة في محتواها وسير تنظيمها كانت تهدف وبشكل متعمد لمعرفة الأهل والأقارب مما يشبع لدى الطفل شعوره بالامتداد واتساع الدائرة المجتمعية للرجوع إليها عند الحاجة . هذه القناعة الاجتماعية سيرت توجه الاستقرار والتوطن في المناطق على مدى عقود من الزمن ولا زالت تواصل ذلك ما أمكن وهذا يجعلنا نخلص إلى نتيجة وهي أن المجتمعات لا تستمر في تعزيز سلوك أو اتجاه برفعه من مستوى الممارسة الفردية إلى مستوى التأكيد المجتمعي المتواصل إلا لثبوت نجاحه كشكل من أشكال المحافظة على الكيان والهوية