القطوة
09-04-2008, 02:18 PM
نشرت جريدة الراية اليوم مقالة للدكتورة لولوة المسند ...
بصراحة المقالة رائعة جداً وكأنها تروي قصة...وفيها الكثير من الحقائق القوية..خاصة ماكان يحدث من نهب للاراضي اللي جاها القص قديما...وعبارة منفعة عامة اللي يستخدمونها عشان تسمح لهم مع الوقت عمل مايريدون بهذه الاراضي بحجة المنفعة العامة...وايضا محاولة مستميتة من الدكتورة للحفاظ على المقابر من زحف العمران والتطور...وتتطرقت ايضا لكثرة العمال في الجمعيات......فحبيت انقل لكم المقالة عشان تقرونها وتعيشونها معاي
وسلمت اناملك يابنت عبدالله المسند
بقلم: د. لولوة بنت عبدالله المسند ..منذ عام كنت أزور منطقة كينزتون في بريطانيا أخذني منظر مقبرة صغيرة وسط المدينة التجاري احتضنها مركز للتسوق أطلت نوافذه الداخلية علي المقبرة، وعوضاً عن أن يكتسح المركز التجاري المقبرة جعلها قلبه النابض بعبق التاريخ وجذور أبناء مدينة كينزتون فأطلت مقاهيه وممراته الخلفية علي نسمة هواء عليله وذكريات معمري كينزتون وأحاديث أطفالها وقصصها التي تروي ربما أثناء التسلي بفنجان قهوة وكوب من الإيس كريم بعيداً عن صخب الشوارع وعمارات الاسمنت التي تحيط بمركز التسوق من الخارج.
كيف سور مخططو كينزتون هذه المقبرة الصغيرة وجعلوها للمركز التجاري قيمة اضافية؟ ربما لانهم تبنوا مبدأ التخطيط الحضري المدني الذي يتناول البعد الانساني والتاريخي في تخطيط المدن، لا التخطيط العمراني البلدوزوري البحت.
منذ سنوات عدة كنت قد دعيت لحضور احدي الندوات في الكويت ومن نافذتي في الفندق كنت أطل علي مقبرة تاريخية كبيرة دفن فيها الشيخ مبارك الصباح ومعه آخرون من أبناء الكويت، أصدقكم القول أنه لم أتمالك نفسي من أن أسرح في تاريخ الكويت بمجرد أن رأيت المقبرة وأتفكر كيف مر التاريخ بسرعة وكيف أن هؤلاء كانوا يوماً في موقع الأحداث وعلي رأس السلطة وكيف جمعت هذه المقبرة شيخ الكويت وتجارها وأعيانها وربما بحارتها واولئك العاملين في الحرف الصغيرة وبدوها وحضرها وعربها وعجمها، هذه المقبرة تقع في وسط المدينة التجاري حيث يبلغ سعر القدم ربما آلاف الدنانير ويتوسط الفندق هذه المقبرة من جهة ومركز الصالحية التجاري من جهة أخري، لا أدري إن كان وجود الشيخ مبارك هو السبب الوحيد في بقاء المقبرة أم أن مخططي المدينة قد تبنوا مبدأ حضرياً في التخطيط لا مبدأ إسمنتياً.
في عام 2001 حضرت بعثة آثار تطوعية صغيرة وبتمويل من عدد من المؤسسات المحلية أخذت مجموعة من العينات من جزيرة الخور Isle Of Khor بن غنام كما سماها العامة من أهل الخور مؤخراً، هذه المجموعة التطوعية اعتمدت علي الوثائق التي أصدرتها البعثة الفرنسية عام 1985 لآثار تعود إلي مايقارب ثلاثة آلاف سنه قبل الميلاد لصناعة الصبغ الأرجواني أثناء الحقبة البابلية والكيشية في المنطقة، هذه الأصباغ كانت تصدر لمدن البحر المتوسط حيث استخدم الصبغ في صبغ حواشي أثواب رجال الدين والملوك.
ومنذ اكثر من عام كان هناك خبر في إحدي الجرائد المحلية عن تطوير معماري تقوم به شركة بروة في منطقة الجزيرة وماحولها لبناء مساكن وفندق وملعب جولف، وقع الخبر علي كالصاعقة فبعثت بخطاب حول الموضوع للجهات العليا في الدولة ولم أصدق السرعة الشديدة التي تم بها حماية الجزيرة التاريخية بعد أن أحاطها سمو الأمير حفظه الله بكل عناية وحرص وأصدر بعدها سمو ولي العهد قراراً بجعلها محمية طبيعية حيث إن هذه الجزيرة هي الوحيدة من نوعها في العالم التي بقيت من الحقبة الكيشية والتي تؤرخ لصناعة الصبغ الأرجواني، وقامت بعدها شركة بروة ومن حسابها الخاص بتمويل بعثة آثار للتنقيب خارج المنطقة المحمية (الجزيرة) وذلك للاستفادة من أي قيمة تاريخية في المنطقة وإضافتها لمشروعها العقاري خاصة وأن المنطقة المحاذية للجزيرة تزخر بآثار من الفترة البرونزية كما يؤكد بعض علماء الآثار المهتمين بآثار قطر والخليج العربي.
هذه الآثار المخبأة أحياناً تحت طبقة بسيطة من التربة ليست هي نهاية الموضوع فالنظام الأيكولوجي Eco-system لمجري الخور البحري واليابسة حوله وما تشمله من حيوانات بحرية وطيور وأشجار منجروف ربما يتعرض للانجراف إلي غير رجعة إن لم نتوخ الحذر في طبيعة العمران الذي سيطوقه قريباً.
علي الجانب الآخر من ساحل الخور يرتفع أحد الأبراج التاريخية ومقبرتان متلاصقتان من بين المقابر الكثيرة العديدة التي تنتشر حول الخور تحكي قدم المدينة وتاريخ تأسيسها في منتصف القرن الثامن عشر، المقبرتان علي الساحل قرب عين حليتان التي يربطها البحر بمجري جوفي تم إغلاقه بعد بناء الكورنيش منذ أعوام عديدة فتحولت العين إلي مستنقع راكد بعدها وتم إحاطته بسياج من قبل بلدية المدينة خوفاً من وقوع أحد فيه.
هذه العين كانت احدي ثلاث عيون اختبرها ماجد الشقيري المهندي وأخذ منها قراب الماء وعاد إلي قومه من المهاندة الذين أرسلوه لاستكشاف المكان قبل نزولهم فيه وتأسيس مدينة الخور في حوالي 1776 ميلادي ... حليتان لم تكن ماءً شديد العذوبة لاتصالها بالبحر ولكنها كانت مشربا لإبلهم ودوابهم. والبرج هو البرج الأخير الذي ظل معاتياً الزمن من بين سبعة أبراج كانت تحيط بالمدينة شكراً لمن رمموه قبل أربعين عاما من اليوم.
والمقبرتان، الأولي تحوي رفات أجداد قبيلة المهاندة ومن سكن هذه المدينة منذ قرنين ونصف من الزمان، والثانية تحوي رفات آبائنا الذين توفوا حتي وقت قريب كمنتصف وأواخر الثمانينيات ومن بينهم أبي عبدالله بن علي المسند عميد مدينة الخور وابنها البار الذي خدمها وخدم أهلها والذي سيمر علي وفاته اليوم التاسع من أبريل أربعة وعشرون عاما.
لعل توجيهات سمو الأمير المفدي حفظه الله بتقدير مجموعة من أعيان قطر ووجهائها بتسمية بعض المدارس القطرية بأسماء هؤلاء الرجال مثل عبدالله بن علي المسند، وناصر بن عبدالله العطية وغيرهم عديدون، وتوجيهاته بتوثيق أعمال شعرائها مثل الشاعر محمد بن عبدالوهاب الفيحاني والشاعرعمير بن راشد العفيشة الهاجري، ماهو إلا حرص من سموه علي حماية التراث القطري وقناعة بأن قطر لم تولد أمس وأن قطر ليست الغاز المسال وصوامع البتروكيماويات فحسب أوناطحات الهواء الإسمنتية ومجمعات الديار وبروة السكنية فحسب وهي ليست فقط أفواج الهجرة التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي فاحتضنتها قطر وأكرمتها وجنست بعضها وتبنتهم وربتهم، وليست قطر هي المد السكاني الجارف الذي بدأ ينهمر كالسيل مستفيداً ومفيداً من الغليان الاقتصادي الذي نشهده هذه الأيام ومستفيداً من حزمة القوانين والتشريعات التي نظمتها الدولة من أجل حماية الحقوق الإنسانية لهؤلاء، ولعل حدوث اختراقات لمثل هذه التشريعات وارد كما هو وارد في أماكن أخري إلا أن تبني الدولة لهذه التشريعات يعد أهم الخطوات الأساسية لحماية الحقوق ولذا لا يمكن أن تتخلي قطر عن حماية حقوق أبنائها الذين صبروا علي المر والحصي واللواهيب الساخنة ودافعوا عنها بحصاها وبمرها ولواهيبها الساخنة عندما كانت توصف بالبؤس ومن شظف العيش فيها لا ينظر لها أحد .
كان علي أن أتأكد أن جرافات التخطيط وإعادة التخطيط لن تجرف المقبرتين والبرج وعين حليتان خاصة وأنها تقع في موقع استراتيجي في مواجهة البحر، وبعد مكالمات عديدة جاءتني من أهل الخور تؤكد لي أن المقبرتين ستزالان لتكون أرض منفعة عامة يمكن أن تستخدم فيما بعد كحديقة عامة ربما يتنزه بها الموظفون والعمال الذين ينتشرون بكثرة مخيفة هذه الأيام في كل مكان في المدينة إلي درجة أنني في كل مرة أزور الخور وأنزل لشراء شئ من المحال التجارية أعود للوراء لانه لا مكان لامرأة وسط طابور العمال علي الكاشير ، ربما تجد من بينهم عجوزا قطرية وحيدة وخادمتها تتبعها تقف في الطابور منتظرة دورها لشراء شئ أو ربما خرجت لتفرج عنها غربتها التي يشعر بها كثير من كبار السن وسط التغيرات المخيفة التي تقع أمام أعينهم .
الشركات الاستشارية الأجنبية حينما تخطط وهي تجهل تماماً تاريخ المدن وتكوينها والعامل الانساني والاجتماعي والعامل الأيكولوجي قد تستسهل الأمر فتضع عبارة منفعة عامة علي المقابر والأماكن التي تعتقد بحساسية استخدامها في الوقت الحاضر.
وهي عبارة مبهمة تعني استخدام الأرض التي يقع فيها رفات الناس حينما ترتفع القيمة النقدية لسعر القدم المربع خاصة وأن شرعية الاستخدام يتم تبريرها بفتوي من أحد المشايخ وهي فتوي تنقل حق الملكية ومايتبعه من آثار إلي يد المؤسسات الرسمية انتزاعاً من صفته الشرعية كوقف للموتي المدفونين لا يجوز التصرف فيه بالاستغلال والاستخدام حتي وان بقي من رفات هؤلاء عظم واحد. ما كان وقفاً علي كل الميت كان وقفاً علي جزء منه انظر فقه السنة لسيد سابق.
حتي لا أسهب أو أقع في مغبة الظن رفعت سماعة الهاتف لسعادة السيد علي العبدالله المدير العام لهيئة التخطيط والتطوير العمراني، لأتأكد من حقيقة ماسمعت خاصة وان خارطة الخطة العمرانية للخور المنشورة في الجرائد وعلي موقع الهيئة في الإنترنت لا يظهر منها بوضوح بقاء المقبرتين، جاء كلامه طيباً مريحاً حيث قال إن هاتين المقبرتين ستكونان مكانهما ولن تمسهما الخطة الجديدة، طبعا السيد العبدالله يشكر أنه قد أعلن الخطة العمرانية للخور لأن هذا قدر من الشفافية لم نعهده من أهل التخطيط وإعادة التخطيط من قبل ...علي الأقل حتي يحافظ الأهالي علي ممتلكاتهم ولا يقتنصها أحد موظفي التخطيط وموظفي البلديات قبل إعلان الخطة ومن هؤلاء من اثروا في السنوات السابقة أيما إثراء متسلحين بسلاح الأرشيف ومعلومات التخطيط فانتقلوا من بيننا نحن العامة إلي فئة دخل أخري وأصبحوا من البزنس بيبل بقدرة قادر!.. هذا القادر هو التجرؤ علي الحق العام وخيانة الأمانة.
أشكر السيد العبدالله الذي وعد بإنشاء مجسم للخطة العمرانية للخور. سيوضع في الخور علي مرأي ومسمع الجميع من أهالي الخور وأتمني عليه أن يعود لبعض العارفين منهم بتاريخ المدينة والوثائق المرتبطة بها لإغناء روح الخطة العمرانية بالبعد التاريخي لهذه المدينة.
المقابر القديمة التي تحيط بالخور هي حدود المدينة القديمة وعددها الذي قد يتجاوز العشر هو مؤشر لعمر الخور وكما هي ديناميكية الموت والحياه تزحف المدن وتتخطي مقابرها ولكن تبقي المقابر أحد أهم الموارد التاريخية القيمة لأي وطن فهي ذاكرة الأجيال المتعاقبة وهي التي تعطي المدن شخصيتها وذاتيتها وهي التي تكشف عن انماط وتطور العمران الحضري وطرق الحياة والأحداث التاريخية وعلم الأنساب والأنثروبولجي وربما التطور الجيني للجماعات بعد سنوات طويلة قادمة .
مقابر قطر التاريخية ليست في الخور فقط فهناك مقبرة الريان التي يرقد بها العديد من شيوخ آل ثاني وربما كان أيضا من بينهم حاكم قطر في عشرينيات القرن الماضي الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني ومقبرة الوسيل حيث يرقد الشيخ جاسم بن محمد مؤسس الدولة ومعه ابنه الشيخ فهد بن جاسم ومعه راشد بن جابر آل شرعان الخيارين الملقب بأللوتي وربما أقل من عشرين قبراً آخر، أصحاب هذه القبور معروفون لدي أبنائهم وأحفادهم، وقد قامت الدولة مشكورة بتسويرها والحفاظ عليها وهناك مقبرة السيق حيث يرقد ناصر بن خليل الشهواني راعي البويضا وسيف بن خرباش المنصوري والد الشاعر حميد بن خرباش، ومقبرة الحصين حيث يرقد الشاعر عمير بن راشد العفيشه الهاجري والعديد العديد من المقابر في جميع أراضي الوطن لا يوجد لها توثيق وحصر رسمي بعد ومقابر أخري قد طالتها يد الإزالة للأسف.
نهيب بهيئة المتاحف والآثار ان تضع يدها علي هذه المقابر بحيث تكون ملكية هذه المقابر القديمة تابعة لها وكذلك المساجد التاريخية الصغيرة المتناثرة التي قضي عليها الإهمال، ونتمني أن تتبني الهيئة سياسة وبرنامجاً لحصرها والحفاظ عليها كمواقع أثرية وإعداد تقرير عن كل منها اعتماداً علي ذاكرة من بقي من كبار السن قبل أن يقضي عليها زحف الإسمنت
بصراحة المقالة رائعة جداً وكأنها تروي قصة...وفيها الكثير من الحقائق القوية..خاصة ماكان يحدث من نهب للاراضي اللي جاها القص قديما...وعبارة منفعة عامة اللي يستخدمونها عشان تسمح لهم مع الوقت عمل مايريدون بهذه الاراضي بحجة المنفعة العامة...وايضا محاولة مستميتة من الدكتورة للحفاظ على المقابر من زحف العمران والتطور...وتتطرقت ايضا لكثرة العمال في الجمعيات......فحبيت انقل لكم المقالة عشان تقرونها وتعيشونها معاي
وسلمت اناملك يابنت عبدالله المسند
بقلم: د. لولوة بنت عبدالله المسند ..منذ عام كنت أزور منطقة كينزتون في بريطانيا أخذني منظر مقبرة صغيرة وسط المدينة التجاري احتضنها مركز للتسوق أطلت نوافذه الداخلية علي المقبرة، وعوضاً عن أن يكتسح المركز التجاري المقبرة جعلها قلبه النابض بعبق التاريخ وجذور أبناء مدينة كينزتون فأطلت مقاهيه وممراته الخلفية علي نسمة هواء عليله وذكريات معمري كينزتون وأحاديث أطفالها وقصصها التي تروي ربما أثناء التسلي بفنجان قهوة وكوب من الإيس كريم بعيداً عن صخب الشوارع وعمارات الاسمنت التي تحيط بمركز التسوق من الخارج.
كيف سور مخططو كينزتون هذه المقبرة الصغيرة وجعلوها للمركز التجاري قيمة اضافية؟ ربما لانهم تبنوا مبدأ التخطيط الحضري المدني الذي يتناول البعد الانساني والتاريخي في تخطيط المدن، لا التخطيط العمراني البلدوزوري البحت.
منذ سنوات عدة كنت قد دعيت لحضور احدي الندوات في الكويت ومن نافذتي في الفندق كنت أطل علي مقبرة تاريخية كبيرة دفن فيها الشيخ مبارك الصباح ومعه آخرون من أبناء الكويت، أصدقكم القول أنه لم أتمالك نفسي من أن أسرح في تاريخ الكويت بمجرد أن رأيت المقبرة وأتفكر كيف مر التاريخ بسرعة وكيف أن هؤلاء كانوا يوماً في موقع الأحداث وعلي رأس السلطة وكيف جمعت هذه المقبرة شيخ الكويت وتجارها وأعيانها وربما بحارتها واولئك العاملين في الحرف الصغيرة وبدوها وحضرها وعربها وعجمها، هذه المقبرة تقع في وسط المدينة التجاري حيث يبلغ سعر القدم ربما آلاف الدنانير ويتوسط الفندق هذه المقبرة من جهة ومركز الصالحية التجاري من جهة أخري، لا أدري إن كان وجود الشيخ مبارك هو السبب الوحيد في بقاء المقبرة أم أن مخططي المدينة قد تبنوا مبدأ حضرياً في التخطيط لا مبدأ إسمنتياً.
في عام 2001 حضرت بعثة آثار تطوعية صغيرة وبتمويل من عدد من المؤسسات المحلية أخذت مجموعة من العينات من جزيرة الخور Isle Of Khor بن غنام كما سماها العامة من أهل الخور مؤخراً، هذه المجموعة التطوعية اعتمدت علي الوثائق التي أصدرتها البعثة الفرنسية عام 1985 لآثار تعود إلي مايقارب ثلاثة آلاف سنه قبل الميلاد لصناعة الصبغ الأرجواني أثناء الحقبة البابلية والكيشية في المنطقة، هذه الأصباغ كانت تصدر لمدن البحر المتوسط حيث استخدم الصبغ في صبغ حواشي أثواب رجال الدين والملوك.
ومنذ اكثر من عام كان هناك خبر في إحدي الجرائد المحلية عن تطوير معماري تقوم به شركة بروة في منطقة الجزيرة وماحولها لبناء مساكن وفندق وملعب جولف، وقع الخبر علي كالصاعقة فبعثت بخطاب حول الموضوع للجهات العليا في الدولة ولم أصدق السرعة الشديدة التي تم بها حماية الجزيرة التاريخية بعد أن أحاطها سمو الأمير حفظه الله بكل عناية وحرص وأصدر بعدها سمو ولي العهد قراراً بجعلها محمية طبيعية حيث إن هذه الجزيرة هي الوحيدة من نوعها في العالم التي بقيت من الحقبة الكيشية والتي تؤرخ لصناعة الصبغ الأرجواني، وقامت بعدها شركة بروة ومن حسابها الخاص بتمويل بعثة آثار للتنقيب خارج المنطقة المحمية (الجزيرة) وذلك للاستفادة من أي قيمة تاريخية في المنطقة وإضافتها لمشروعها العقاري خاصة وأن المنطقة المحاذية للجزيرة تزخر بآثار من الفترة البرونزية كما يؤكد بعض علماء الآثار المهتمين بآثار قطر والخليج العربي.
هذه الآثار المخبأة أحياناً تحت طبقة بسيطة من التربة ليست هي نهاية الموضوع فالنظام الأيكولوجي Eco-system لمجري الخور البحري واليابسة حوله وما تشمله من حيوانات بحرية وطيور وأشجار منجروف ربما يتعرض للانجراف إلي غير رجعة إن لم نتوخ الحذر في طبيعة العمران الذي سيطوقه قريباً.
علي الجانب الآخر من ساحل الخور يرتفع أحد الأبراج التاريخية ومقبرتان متلاصقتان من بين المقابر الكثيرة العديدة التي تنتشر حول الخور تحكي قدم المدينة وتاريخ تأسيسها في منتصف القرن الثامن عشر، المقبرتان علي الساحل قرب عين حليتان التي يربطها البحر بمجري جوفي تم إغلاقه بعد بناء الكورنيش منذ أعوام عديدة فتحولت العين إلي مستنقع راكد بعدها وتم إحاطته بسياج من قبل بلدية المدينة خوفاً من وقوع أحد فيه.
هذه العين كانت احدي ثلاث عيون اختبرها ماجد الشقيري المهندي وأخذ منها قراب الماء وعاد إلي قومه من المهاندة الذين أرسلوه لاستكشاف المكان قبل نزولهم فيه وتأسيس مدينة الخور في حوالي 1776 ميلادي ... حليتان لم تكن ماءً شديد العذوبة لاتصالها بالبحر ولكنها كانت مشربا لإبلهم ودوابهم. والبرج هو البرج الأخير الذي ظل معاتياً الزمن من بين سبعة أبراج كانت تحيط بالمدينة شكراً لمن رمموه قبل أربعين عاما من اليوم.
والمقبرتان، الأولي تحوي رفات أجداد قبيلة المهاندة ومن سكن هذه المدينة منذ قرنين ونصف من الزمان، والثانية تحوي رفات آبائنا الذين توفوا حتي وقت قريب كمنتصف وأواخر الثمانينيات ومن بينهم أبي عبدالله بن علي المسند عميد مدينة الخور وابنها البار الذي خدمها وخدم أهلها والذي سيمر علي وفاته اليوم التاسع من أبريل أربعة وعشرون عاما.
لعل توجيهات سمو الأمير المفدي حفظه الله بتقدير مجموعة من أعيان قطر ووجهائها بتسمية بعض المدارس القطرية بأسماء هؤلاء الرجال مثل عبدالله بن علي المسند، وناصر بن عبدالله العطية وغيرهم عديدون، وتوجيهاته بتوثيق أعمال شعرائها مثل الشاعر محمد بن عبدالوهاب الفيحاني والشاعرعمير بن راشد العفيشة الهاجري، ماهو إلا حرص من سموه علي حماية التراث القطري وقناعة بأن قطر لم تولد أمس وأن قطر ليست الغاز المسال وصوامع البتروكيماويات فحسب أوناطحات الهواء الإسمنتية ومجمعات الديار وبروة السكنية فحسب وهي ليست فقط أفواج الهجرة التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي فاحتضنتها قطر وأكرمتها وجنست بعضها وتبنتهم وربتهم، وليست قطر هي المد السكاني الجارف الذي بدأ ينهمر كالسيل مستفيداً ومفيداً من الغليان الاقتصادي الذي نشهده هذه الأيام ومستفيداً من حزمة القوانين والتشريعات التي نظمتها الدولة من أجل حماية الحقوق الإنسانية لهؤلاء، ولعل حدوث اختراقات لمثل هذه التشريعات وارد كما هو وارد في أماكن أخري إلا أن تبني الدولة لهذه التشريعات يعد أهم الخطوات الأساسية لحماية الحقوق ولذا لا يمكن أن تتخلي قطر عن حماية حقوق أبنائها الذين صبروا علي المر والحصي واللواهيب الساخنة ودافعوا عنها بحصاها وبمرها ولواهيبها الساخنة عندما كانت توصف بالبؤس ومن شظف العيش فيها لا ينظر لها أحد .
كان علي أن أتأكد أن جرافات التخطيط وإعادة التخطيط لن تجرف المقبرتين والبرج وعين حليتان خاصة وأنها تقع في موقع استراتيجي في مواجهة البحر، وبعد مكالمات عديدة جاءتني من أهل الخور تؤكد لي أن المقبرتين ستزالان لتكون أرض منفعة عامة يمكن أن تستخدم فيما بعد كحديقة عامة ربما يتنزه بها الموظفون والعمال الذين ينتشرون بكثرة مخيفة هذه الأيام في كل مكان في المدينة إلي درجة أنني في كل مرة أزور الخور وأنزل لشراء شئ من المحال التجارية أعود للوراء لانه لا مكان لامرأة وسط طابور العمال علي الكاشير ، ربما تجد من بينهم عجوزا قطرية وحيدة وخادمتها تتبعها تقف في الطابور منتظرة دورها لشراء شئ أو ربما خرجت لتفرج عنها غربتها التي يشعر بها كثير من كبار السن وسط التغيرات المخيفة التي تقع أمام أعينهم .
الشركات الاستشارية الأجنبية حينما تخطط وهي تجهل تماماً تاريخ المدن وتكوينها والعامل الانساني والاجتماعي والعامل الأيكولوجي قد تستسهل الأمر فتضع عبارة منفعة عامة علي المقابر والأماكن التي تعتقد بحساسية استخدامها في الوقت الحاضر.
وهي عبارة مبهمة تعني استخدام الأرض التي يقع فيها رفات الناس حينما ترتفع القيمة النقدية لسعر القدم المربع خاصة وأن شرعية الاستخدام يتم تبريرها بفتوي من أحد المشايخ وهي فتوي تنقل حق الملكية ومايتبعه من آثار إلي يد المؤسسات الرسمية انتزاعاً من صفته الشرعية كوقف للموتي المدفونين لا يجوز التصرف فيه بالاستغلال والاستخدام حتي وان بقي من رفات هؤلاء عظم واحد. ما كان وقفاً علي كل الميت كان وقفاً علي جزء منه انظر فقه السنة لسيد سابق.
حتي لا أسهب أو أقع في مغبة الظن رفعت سماعة الهاتف لسعادة السيد علي العبدالله المدير العام لهيئة التخطيط والتطوير العمراني، لأتأكد من حقيقة ماسمعت خاصة وان خارطة الخطة العمرانية للخور المنشورة في الجرائد وعلي موقع الهيئة في الإنترنت لا يظهر منها بوضوح بقاء المقبرتين، جاء كلامه طيباً مريحاً حيث قال إن هاتين المقبرتين ستكونان مكانهما ولن تمسهما الخطة الجديدة، طبعا السيد العبدالله يشكر أنه قد أعلن الخطة العمرانية للخور لأن هذا قدر من الشفافية لم نعهده من أهل التخطيط وإعادة التخطيط من قبل ...علي الأقل حتي يحافظ الأهالي علي ممتلكاتهم ولا يقتنصها أحد موظفي التخطيط وموظفي البلديات قبل إعلان الخطة ومن هؤلاء من اثروا في السنوات السابقة أيما إثراء متسلحين بسلاح الأرشيف ومعلومات التخطيط فانتقلوا من بيننا نحن العامة إلي فئة دخل أخري وأصبحوا من البزنس بيبل بقدرة قادر!.. هذا القادر هو التجرؤ علي الحق العام وخيانة الأمانة.
أشكر السيد العبدالله الذي وعد بإنشاء مجسم للخطة العمرانية للخور. سيوضع في الخور علي مرأي ومسمع الجميع من أهالي الخور وأتمني عليه أن يعود لبعض العارفين منهم بتاريخ المدينة والوثائق المرتبطة بها لإغناء روح الخطة العمرانية بالبعد التاريخي لهذه المدينة.
المقابر القديمة التي تحيط بالخور هي حدود المدينة القديمة وعددها الذي قد يتجاوز العشر هو مؤشر لعمر الخور وكما هي ديناميكية الموت والحياه تزحف المدن وتتخطي مقابرها ولكن تبقي المقابر أحد أهم الموارد التاريخية القيمة لأي وطن فهي ذاكرة الأجيال المتعاقبة وهي التي تعطي المدن شخصيتها وذاتيتها وهي التي تكشف عن انماط وتطور العمران الحضري وطرق الحياة والأحداث التاريخية وعلم الأنساب والأنثروبولجي وربما التطور الجيني للجماعات بعد سنوات طويلة قادمة .
مقابر قطر التاريخية ليست في الخور فقط فهناك مقبرة الريان التي يرقد بها العديد من شيوخ آل ثاني وربما كان أيضا من بينهم حاكم قطر في عشرينيات القرن الماضي الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني ومقبرة الوسيل حيث يرقد الشيخ جاسم بن محمد مؤسس الدولة ومعه ابنه الشيخ فهد بن جاسم ومعه راشد بن جابر آل شرعان الخيارين الملقب بأللوتي وربما أقل من عشرين قبراً آخر، أصحاب هذه القبور معروفون لدي أبنائهم وأحفادهم، وقد قامت الدولة مشكورة بتسويرها والحفاظ عليها وهناك مقبرة السيق حيث يرقد ناصر بن خليل الشهواني راعي البويضا وسيف بن خرباش المنصوري والد الشاعر حميد بن خرباش، ومقبرة الحصين حيث يرقد الشاعر عمير بن راشد العفيشه الهاجري والعديد العديد من المقابر في جميع أراضي الوطن لا يوجد لها توثيق وحصر رسمي بعد ومقابر أخري قد طالتها يد الإزالة للأسف.
نهيب بهيئة المتاحف والآثار ان تضع يدها علي هذه المقابر بحيث تكون ملكية هذه المقابر القديمة تابعة لها وكذلك المساجد التاريخية الصغيرة المتناثرة التي قضي عليها الإهمال، ونتمني أن تتبني الهيئة سياسة وبرنامجاً لحصرها والحفاظ عليها كمواقع أثرية وإعداد تقرير عن كل منها اعتماداً علي ذاكرة من بقي من كبار السن قبل أن يقضي عليها زحف الإسمنت