عبدالله العذبة
28-04-2008, 10:38 PM
نظرات على "قانون الكفالات"
بعد أن نشرت «العرب» في عددها الصادر يوم 17 أبريل مسودة قانون الكفالة..
اتصل بي صحفي غربي متسائلاً إن كنا قد أخطأنا في نشر القانون القديم بدلاً من الجديد، وعندما سألته عن السبب رد مستغرباً: لأنه لم يتغير!!
يبلغ عدد الأجانب في قطر حوالي مليون وربع، يُشكل هذا القانون بالنسبة لهم دستوراً سيحكم حياتهم خلال السنوات القادمة، وهو سيشكل تفاصيلَ حركتهم اليومية، سواء في إحضار العائلة أو السفر أو العلاقة مع الكفيل القطري أو تغيير الوظيفة والترقي، حتى إنه يحكم الآمال والأحلام والحياة والمستقبل.
لم تقدم المسودة بديلاً مرضياً، فالأسئلة ما زالت تتطاير هنا وهناك مثل:
ماذا أفعل لو حصلت على وظيفة أفضل، ولم يرغب كفيلي في تركي؟
لقد توفي كفيلي فماذا أفعل؟ هل تستطيع المرأة أن تكفل زوجها وأبناءها؟ ...أسئلة كثيرة يحتاج الناس للإجابة عليها، وهذا النوع من الأسئلة لا ينتهي، بل إنَّ كل قادم جديد سيكون بحاجة لإيجاد إجاباته الخاصة.
سألني شاب عربي يعمل في وظفية مرموقة، لقد حضرت للدوحة بعقد عمل، ولكني لم أرتح في العمل مع كفيلي الحالي لعدة أسباب، وقيل لي بأنني لو تركته فسأحرم من دخول قطر لفترة سنتين، فهل هذا صحيح؟
لم أكن مهتماً قبل ذلك بتفاصيل قضية الكفالة، حتى وجدت أنها نوع من الثقافة الإجبارية التي يهتم بدراستها مئات الآلاف من البشر، ويعمل على حلِّها المئات من الموظفين سواء في وزارة الداخلية أو العمل أو غيرها من المؤسسات، وكأننا وضعنا نظاماً مقرراً يصعب علينا تغييره، ووظفنا أعداداً كبيرة من الموظفين لحل المشاكل التي تطرأ من جراء تطبيق هذا النظام.
لم يكن الناس متفائلين بالنظام الجديد، ولكنهم قَدّروا أن يكون به نوع من التغيير يحفظ حق الكفيل والمكفول، ويجيب على أسئلتهم، ويجعل حياتهم أكثر سهولة ويسراً.
لقد مررت مؤخراً بتجربة كانت الثانية، فقد أحضرت شخصاً ليعمل سائقاً في المنزل، ودفعت له تذكرة السفر للقدوم، ثم دفعت له رواتبه خلال وجوده معي، وهو لم يحصل بعد على رخصة السواقة، ثم دفعت للمدرسة عدة دفعات حتى يتعلم كيف يسوق، ورسب خلالها مرتين، وفي الثالثة نجح، وبعد أن أخذ رخصة السواقة، واستلم راتب شهرين هرب آخذاً معه ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه، أي رخصة السواقة التي يعتقد أنها ستدر عليه ذهباً، أبلغت الشرطة، وأتوقع أن يتم القبض عليه، ومن ثم سيتوجب عليَّ أن أدفع تذكرة عودته إلى وطنه.
فالقضية ليست هي المكفول فقط، فالكفيل أيضا يقع في الكثير من المشاكل بحكم النظام غير الواضح.
قابلت رجلاً وقوراً وبرفقته خادمة يريد أن يسلمها لقسم الشرطة، وعندما سألته عن السبب قال إنه اكتشف أنها تدخن في البيت، وهو محافظ ولديه بنات لا يريد لهن أن يشاهدن أموراً ليست محمودة، وصاحب المكتب الذي أحضر الخادمة يرفض أن يعيدها، وليس له إلا أن يحضرها لقسم الشرطة ويدفع قيمة تذكرتها بعد أن دفع كل تكاليف إحضارها.
لماذا لا ننشئ مؤسسة أو شركة معنية بإحضار السواقين وخدم المنازل بدلاً من ترك هذه القضية بيد المواطنين الذين يعانون الأمرين قبل وبعد إحضار هؤلاء؟ فلو تم تشكيل شركة معنية بإحضار هؤلاء وتدريبهم، ومن ثم إعارتهم لمن يريد بإيجار يتم الاتفاق على أن يدفع للمؤسسة التي بدورها تدفع للعامل، وفي حال الخلاف بين العامل ورب العمل تتدخل المؤسسة لحله أو يتم استبدال العامل بآخر.
منحت مسودة النظام الجديد وزير الداخلية صلاحية الموافقة على نقل الكفالة في حال ثبوت تعسف الكفيل، فما هو المقصود (بتعسف)؟ إن ترك هذه الكلمة بدون تفصيل لا يحل شيئاً، وستبقي المشكلة معلقة بدون حل.
فهل ممانعة الكفيل على نقل كفالة المكفول لجهة أخرى يعتبر تعسفا؟ قد يكون كذلك لدى البعض، وماذا لو حصل المكفول على عرض مالي أفضل لدى جهة أخرى؟ وماذا لو كانت القضية ظروف عمل غير مناسبة فقط، وكيف نتوقع من المكفول إثبات ذلك لوزارة الداخلية؟
إن قضية تصريح السفر لابد من معاجلتها جذرياً، وهذا يتطلب أن تغير البنوك أنظمتها الإقراضية، وأن تغير المؤسسات أسلوب عملها، فقد يقرر شخص ما أن يغادر بشكل مفاجئ بعد أن يحصل على قرض مالي من البنك أو من جهة عمله ثم يختفي، ولكن هل إبقاء النظام الحالي وما يتبعه من مشاكل تتحملها الدولة هو البديل الوحيد؟
نتفق جميعاً على تعقد الموضوع وتشعبه، ولكننا نتفق أيضا على تسهيل حياة الناس، فوضع العوائق في وجه المكفول خوفاً من ذهابه إلى جهة أخرى ليس عمليا، فلماذا لا يحدد ذلك بسنوات تذكر في العقد يكون المكفول فيها بعد ذلك في حل من كفيله؟ على أن يُعطَى فرصة محددة للبحث عن كفيل آخر.
إن تصريح السفر سيء الذكر أيضا بحاجة لحل جذري، فنحن وضعنا الجميع في قائمة منع السفر، ثم طلبنا من الجميع الحصول على تصريح خروج ، فلماذا لانعكس الوضع، بمعنى أن يسمح للجميع بالخروج عدا أولئك الذين يتم الاتفاق معهم على وضع أسمائهم في قائمة خاصة مثل المسؤولين الماليين والمحاسبين ومن في حكمهم من الذين يجب يقدموا جرداً مالياً أو تقريراً أو أن يسلموا ما في عهدتهم قبل مغادرتهم.
يجب أن لا يضع القائمون على هذا المشروع أنفسهم في ثوب الكفيل، بل أن يأخذوا بعض الوقت ليسألوا المكفولين عن مشاكلهم التي يعانون منها جراء قانون مثل هذا، فهناك الكثير من الشكاوى من القانون القديم، ومن الصعوبة بمكان أن يصدر قانون جديد ليس به جديد، ومن جهة أخرى يحفظ حقوق الكفلاء بوضع أنظمة مؤسساتية تجعل تعاملهم مع مؤسسات وليس مع مكاتب جلب الخدم التي تعمل بعيداً عن أي أنظمة واضحة وقوانين تحدد آلية التعامل معها.
أعتقد أنه قد حان الوقت لوضع معايير لاختيار العمالة، سواء تلك المنزلية أو المهنية، فهل من المعقول أن يترك الأمر لمكاتب جلب العمالة لوحدها لتقوم بذلك؟
عبدالعزيز آل محمود
رئيس تحرير صحيفة العرب
المصدر (http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=10889&issueNo=122&secId=15)
بعد أن نشرت «العرب» في عددها الصادر يوم 17 أبريل مسودة قانون الكفالة..
اتصل بي صحفي غربي متسائلاً إن كنا قد أخطأنا في نشر القانون القديم بدلاً من الجديد، وعندما سألته عن السبب رد مستغرباً: لأنه لم يتغير!!
يبلغ عدد الأجانب في قطر حوالي مليون وربع، يُشكل هذا القانون بالنسبة لهم دستوراً سيحكم حياتهم خلال السنوات القادمة، وهو سيشكل تفاصيلَ حركتهم اليومية، سواء في إحضار العائلة أو السفر أو العلاقة مع الكفيل القطري أو تغيير الوظيفة والترقي، حتى إنه يحكم الآمال والأحلام والحياة والمستقبل.
لم تقدم المسودة بديلاً مرضياً، فالأسئلة ما زالت تتطاير هنا وهناك مثل:
ماذا أفعل لو حصلت على وظيفة أفضل، ولم يرغب كفيلي في تركي؟
لقد توفي كفيلي فماذا أفعل؟ هل تستطيع المرأة أن تكفل زوجها وأبناءها؟ ...أسئلة كثيرة يحتاج الناس للإجابة عليها، وهذا النوع من الأسئلة لا ينتهي، بل إنَّ كل قادم جديد سيكون بحاجة لإيجاد إجاباته الخاصة.
سألني شاب عربي يعمل في وظفية مرموقة، لقد حضرت للدوحة بعقد عمل، ولكني لم أرتح في العمل مع كفيلي الحالي لعدة أسباب، وقيل لي بأنني لو تركته فسأحرم من دخول قطر لفترة سنتين، فهل هذا صحيح؟
لم أكن مهتماً قبل ذلك بتفاصيل قضية الكفالة، حتى وجدت أنها نوع من الثقافة الإجبارية التي يهتم بدراستها مئات الآلاف من البشر، ويعمل على حلِّها المئات من الموظفين سواء في وزارة الداخلية أو العمل أو غيرها من المؤسسات، وكأننا وضعنا نظاماً مقرراً يصعب علينا تغييره، ووظفنا أعداداً كبيرة من الموظفين لحل المشاكل التي تطرأ من جراء تطبيق هذا النظام.
لم يكن الناس متفائلين بالنظام الجديد، ولكنهم قَدّروا أن يكون به نوع من التغيير يحفظ حق الكفيل والمكفول، ويجيب على أسئلتهم، ويجعل حياتهم أكثر سهولة ويسراً.
لقد مررت مؤخراً بتجربة كانت الثانية، فقد أحضرت شخصاً ليعمل سائقاً في المنزل، ودفعت له تذكرة السفر للقدوم، ثم دفعت له رواتبه خلال وجوده معي، وهو لم يحصل بعد على رخصة السواقة، ثم دفعت للمدرسة عدة دفعات حتى يتعلم كيف يسوق، ورسب خلالها مرتين، وفي الثالثة نجح، وبعد أن أخذ رخصة السواقة، واستلم راتب شهرين هرب آخذاً معه ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه، أي رخصة السواقة التي يعتقد أنها ستدر عليه ذهباً، أبلغت الشرطة، وأتوقع أن يتم القبض عليه، ومن ثم سيتوجب عليَّ أن أدفع تذكرة عودته إلى وطنه.
فالقضية ليست هي المكفول فقط، فالكفيل أيضا يقع في الكثير من المشاكل بحكم النظام غير الواضح.
قابلت رجلاً وقوراً وبرفقته خادمة يريد أن يسلمها لقسم الشرطة، وعندما سألته عن السبب قال إنه اكتشف أنها تدخن في البيت، وهو محافظ ولديه بنات لا يريد لهن أن يشاهدن أموراً ليست محمودة، وصاحب المكتب الذي أحضر الخادمة يرفض أن يعيدها، وليس له إلا أن يحضرها لقسم الشرطة ويدفع قيمة تذكرتها بعد أن دفع كل تكاليف إحضارها.
لماذا لا ننشئ مؤسسة أو شركة معنية بإحضار السواقين وخدم المنازل بدلاً من ترك هذه القضية بيد المواطنين الذين يعانون الأمرين قبل وبعد إحضار هؤلاء؟ فلو تم تشكيل شركة معنية بإحضار هؤلاء وتدريبهم، ومن ثم إعارتهم لمن يريد بإيجار يتم الاتفاق على أن يدفع للمؤسسة التي بدورها تدفع للعامل، وفي حال الخلاف بين العامل ورب العمل تتدخل المؤسسة لحله أو يتم استبدال العامل بآخر.
منحت مسودة النظام الجديد وزير الداخلية صلاحية الموافقة على نقل الكفالة في حال ثبوت تعسف الكفيل، فما هو المقصود (بتعسف)؟ إن ترك هذه الكلمة بدون تفصيل لا يحل شيئاً، وستبقي المشكلة معلقة بدون حل.
فهل ممانعة الكفيل على نقل كفالة المكفول لجهة أخرى يعتبر تعسفا؟ قد يكون كذلك لدى البعض، وماذا لو حصل المكفول على عرض مالي أفضل لدى جهة أخرى؟ وماذا لو كانت القضية ظروف عمل غير مناسبة فقط، وكيف نتوقع من المكفول إثبات ذلك لوزارة الداخلية؟
إن قضية تصريح السفر لابد من معاجلتها جذرياً، وهذا يتطلب أن تغير البنوك أنظمتها الإقراضية، وأن تغير المؤسسات أسلوب عملها، فقد يقرر شخص ما أن يغادر بشكل مفاجئ بعد أن يحصل على قرض مالي من البنك أو من جهة عمله ثم يختفي، ولكن هل إبقاء النظام الحالي وما يتبعه من مشاكل تتحملها الدولة هو البديل الوحيد؟
نتفق جميعاً على تعقد الموضوع وتشعبه، ولكننا نتفق أيضا على تسهيل حياة الناس، فوضع العوائق في وجه المكفول خوفاً من ذهابه إلى جهة أخرى ليس عمليا، فلماذا لا يحدد ذلك بسنوات تذكر في العقد يكون المكفول فيها بعد ذلك في حل من كفيله؟ على أن يُعطَى فرصة محددة للبحث عن كفيل آخر.
إن تصريح السفر سيء الذكر أيضا بحاجة لحل جذري، فنحن وضعنا الجميع في قائمة منع السفر، ثم طلبنا من الجميع الحصول على تصريح خروج ، فلماذا لانعكس الوضع، بمعنى أن يسمح للجميع بالخروج عدا أولئك الذين يتم الاتفاق معهم على وضع أسمائهم في قائمة خاصة مثل المسؤولين الماليين والمحاسبين ومن في حكمهم من الذين يجب يقدموا جرداً مالياً أو تقريراً أو أن يسلموا ما في عهدتهم قبل مغادرتهم.
يجب أن لا يضع القائمون على هذا المشروع أنفسهم في ثوب الكفيل، بل أن يأخذوا بعض الوقت ليسألوا المكفولين عن مشاكلهم التي يعانون منها جراء قانون مثل هذا، فهناك الكثير من الشكاوى من القانون القديم، ومن الصعوبة بمكان أن يصدر قانون جديد ليس به جديد، ومن جهة أخرى يحفظ حقوق الكفلاء بوضع أنظمة مؤسساتية تجعل تعاملهم مع مؤسسات وليس مع مكاتب جلب الخدم التي تعمل بعيداً عن أي أنظمة واضحة وقوانين تحدد آلية التعامل معها.
أعتقد أنه قد حان الوقت لوضع معايير لاختيار العمالة، سواء تلك المنزلية أو المهنية، فهل من المعقول أن يترك الأمر لمكاتب جلب العمالة لوحدها لتقوم بذلك؟
عبدالعزيز آل محمود
رئيس تحرير صحيفة العرب
المصدر (http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=10889&issueNo=122&secId=15)