المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرضاوي: لا مانع من مشاركة القبيلة في إنشاء وقف على جهة خيرية



إنتعاش
30-04-2008, 06:38 AM
تلقى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي- رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- استفساراً من أحد القراء يقول فيه:
هل يجوز أن تكون هناك وقفية باسم قبيلة، كأن تكون هناك وقفية قبيلة الكبيسي لبناء المراكز الإسلامية مثلا، بحيث يتحول مبلغ شهري من أفراد القبيلة الراغبين لجمع مبلغ لهذه الوقفية، برعاية الهيئة القطرية للأوقاف، وذلك مما يمكن أن يشجع أهل هذا البلد الطيب إذا ما استثيرت فيه العاطفة القبلية لدعم المشاريع الخيرية، مما سيكون له الخير الكبير بإذن الله.

وقد أجاب فضيلته على السائل بقوله:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد: فإن عمل الخير وإشاعته وتثبيته، يعد من أهداف الرسالة المحمدية، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، وقد حض الله سبحانه وتعالى على فعل الخير فقال: «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» «الحج: 77»، وأمر بالمسارعة إليه فقال: «وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء» «آل عمران: 134،133»، والتسابق عليه: «فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً» «المائدة: 48» ولذا وجدنا صحابة رسول الله يتنافسون على فعل الخيرات، كما في حديث: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا، والنعيم المقيم.. فالمجتمع المسلم مجتمع يتسابق أبناؤه على فعل الخير والمسارعة إليه والتنافس فيه، لا على التنافس في الحياة الدنيا وملذاتها وشهواتها.

ونتيجة لاهتمام الإسلام بالخير وفعله والحض عليه، اهتم بتنويع مصادر الخير وتكثيرها، فبعضها منوط بالفرد، وبعضها منوط بالمجتمع، بعضها دوري وبعضها غير دوريٍ، بعضها مطلوب طلب الفريضة، وبعضها مطلوب طلب الفضيلة. وكلها تكون في مجموعها روافد أساسية ومهمة لتمويل أعمال الخير، وبقائها واستمرارها، حتى تظل محققة هدفها، مؤتية أكلها بإذن ربها.

فهناك الزكاة المفروضة، وزكاة الفطر، والهدي والأضحية، والكفارات الواجبة، والنفقة الواجبة على الأقارب، والوصية من المال قبل الموت، والصدقات التطوعية، والصدقة عن الميت، وهناك الفيء والخراج وموارد الدولة.

وكذلك هناك الصدقات الجارية وهي الأوقاف، وهي التي تبقى للمسلم بعد موته، ويظل أجرها محسوبا له ما دام هناك من ينتفع بها.وفيها جاء الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: "إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

والصدقة الجارية: هي الدائمة المتجددة، وتتمثل في الوقف الخيري، وهو ما يخرجه المسلم من ملكه الخاص، ليجعله لله تبارك وتعالى، أي للخير ومظانه، على التأبيد، فيحبس الأصل المملوك، ويجعل ثمرته لله.وقد وقف عمر رضي الله عنه أرضا بخيبر بمشورة النبي صلى الله عليه وسلم، في الفقراء وذوي القربى، والرقاب، والضيف، وابن السبيل.

اثر الوقف الخيري ملموس
ولقد كان للوقف الخيري- في العصور السابقة- أثره الملموس في المجتمع الإسلامي، فإن المسلمين لم يدعوا حاجة من حاجات المجتمع إلا وقف عليها الخيرون منهم جزءا من أموالهم، حتى وقفوا على من يزور المرضى في مستشفياتهم ويؤنسهم، وعلى من يكسر صحنه من الخدم ليأخذ بدله، حتى لا يؤنبه سيده أو سيدته!!

وقد كانت هذه الأوقاف من السعة والضخامة والتنوع بحيث صارت مفخرة للنظام الإسلامي، وأصبح الفقراء والمحرومون يجدون من (تكاياها): ما يقيهم الجوع والعري، ومن مستشفياتها المجانية: ما يعالجون به الأمراض والأوصاب، ومن (سبلها، وربطها) ما يعينهم على الأسفار وقطع المفاوز والقفار.

والحق أن الأمة الإسلامية في حاجة إلى أن تصل حاضرها بماضيها، فتعيد تفعيل هذا المصدر الثر من مصادر الخير بطرق جديدة، مثل ما يقترحه السائل، بأن تتشارك العائلة الواحدة أو القبيلة كلها في وقف تقفه على وجه من وجوه الخير.

القبلية في خدمة الإسلام
وإذا كان الإسلام قد ساوى بين الناس، وحارب العصبية القبلية والتفاخر بالأحساب والأنساب في مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة"، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم النزعة القبلية في خدمة الإسلام.

ففي جيش النبي الذي أعده لفتح مكة كانت كل قبيلة تقاتل مجتمعة على رايتها، كما اتضح ذلك عندما مروا على أبي سفيان، وهو واقف مع العباس.ففي هذا الحديث: ومرت به القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء، يا عباس؟ قال: أقول: سليم. قال: يقول: ما لي ولسليم. ثم تمر القبيلة فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: مزينة. فيقول: ما لي ولمزينة. حتى نفذت القبائل لا تمر قبيلة إلا سألني عنها، فإذا أخبرته يقول: ما لي ولبني فلان. حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة رسول الله، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان الله، من هؤلاء، يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. فقال: والله، ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله- يا أبا الفضل- لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. فقال: ويحك! إنها النبوة.وفي الفتوحات الإسلامية كان القادة المسلمون يستغلون التناصر القبلي، في إثارة التنافس بين القبائل في نصرة الإسلام، وتوجيه هذه النزعة وجهة إيجابية.

فلا مانع من أن تتشارك القبيلة في إنشاء وقف على جهة من جهات الخير، على أننا ينبغي أن نذكر بألا يكون الدافع للاشتراك في مثل هذا مجرد الرغبة في إعلاء اسم العائلة أو القبيلة، ولكن يجب أن يكون المقصود الأول هو ابتغاء وجه الله وحده لا شريك له، كما قال الله تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا» «الكهف: 110».

السلطان
01-05-2008, 01:42 PM
http://www.almafia.com/vb/up/67547/1155402497.jpg