عبدالله العذبة
30-04-2008, 11:16 AM
قطريات .. المستقلة.. و الهوية الضائعة
مازال كثير من الناس يشتكون من المدارس المستقلة من طلاب وطالبات وأساتذة وأولياء أمور، وحتي الذين انخرطوا فيها من بعض أصحاب الرخص، والشكوي تتعدد بتعدد موضوعاتها فهي ليست قاصرة علي موضوع بذاته، لذا لا نستطيع تناول تلك الشكاوي جميعها فهي تحتاج إلي دراسة ميدانية ترصد عن كثب أسباب الفشل والضعف، قد نمر علي تلك الاشكالات بشكل إجمالي علنا نتلمس بعض هذه الاشكالات في بعض جوانبها.
فموضوع الشكاوي والتي مازالت تطرح للنقاش، وتثير كثيرا من التساؤلات بين فترة وأخري، والتي من بينها، اسلوب وطريقة التدريسبحيث لا يوجد منهج محدد لكل مادة، وعدم فهم واستيعاب بعض المواد التي تدرس باللغة الانجليزية، وضعف الاهتمام بمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية.
و في هذا السياق قالت لي مدرسة في إحدي المدارس المستقلة: انه ظهر واضحا ضعف الطلاب في اللغة العربية والإسلامية، بينهم وبين طلاب المدارس الحكومية بحيث الأخيرون يتفوقون عليهم بمراحل، وخلو المناهج من القيم والأخلاق، التأصيل القيمي لأي عملية تعليمية التي تشكل هوية الطالب في بعدها الحضاري بالاضافة الي ان بعض المدرسين أجانب، ومن جنسيات مختلفة الأمر الذي يفقد معه الجانب التربوي والأخلاقي من العملية التعليمية فتحديد الهوية من الأهمية بمكان لأنها بعد ذلك هي الأساس الذي نبني عليه صرح القيم، وكيف ستكون عليه تلك المناهج والي أين نريد أن تصل بنا.
والذي أراه أنه ليس للمدارس المستقلة هوية واضحة في التعاطي مع التربية والتعليم، فالذين تناولوا مسألة المدارس المستقلة بالنقد والتحليل، ناقشوا كثيرا من الاشكالات وتفاصيلها، لكنهم لم ينظروا إلي مسألة الهوية - علي الأقل في جانبي لم أقع علي شيء من ذلك، فأي مسألة لها تفاصيل واطار عام يجمعها ويرجعها لها، وإذا اتفقنا علي الاطار العام والمرجعية ستهون عندها الأمور الأخري التفصيلية.
فالهدف من التعليم ليس جمع المعلومات وتكديس المحفوظات، فالطريقة التقليدية تعلم الحفظ وصم المقرر، ولكن لا تعلم البحث والقدرة علي التفكير والنقد والاختلاف في وجهات النظر من حيث تأسيس رأي علي أصول المنطق السليم، وأذكر في هذا السياق عندما اختلف طالب مع أحد الأساتذة في رأي من الآراء كاد يخرجه من الفصل بعد ان استهزأ وسخر منه، لا نختلف أن طريقة الدراسة التقليدية لا تحرك العقل، ولا تربي الفكر علي النقد وتحفيز العقل علي التفكير والابداع، ومعادلة النجاح في أي عملية تعليمية تساوي ثلاثة أضلاع، المعلم والإدارة المدرسية والمناهج، فالتعليم التقليدي لا يوفر للطالب كيف يفكر وكيف يحصل علي المعلومة من ذاته عن طريق البحث والتفتيش، وكيف يتأكد من صحتها النسبية بحسب أدوات البحث العلمي، فالذين يتخرجون من الجامعة كثير منهم لا يفقهون شيئا فيما درسوه، وإن فقهوا لا يتمكنون من تطبيق ذلك في ميدان العمل، فالتعليم الذاتي هو الذي يستطيع معه الطالب ان يعلم نفسه ويطور من ذاته بعد التخرج، فالتعليم عملية مستمرة لا تتوقف بعد التخرج أو يجب ان تكون كذلك.
ومن هنا فالمدارس المستقلة، البديل المتطور عن المدارس الحكومية، وأتت لتعالج ذلك الأمر وتؤهل الطالب لما بعد ذلك، وإلا فلا معني لوجودها، فعندما سمعت أحد المرخص لهم وهو يتحدث مع والد أحد الطلاب شارحا فلسفة المدارس المستقلة، اعتقدنا ان طلابنا سيصبحون عباقرة من ذلك العرض الرائع، وتمنيت أن أعيد الدراسة وأدرس من جديد، و لكن مع التطبيق لمسنا ضعفا كثيرا من الجوانب التعليمية ولم نر لذلك الطرح وذلك التنظير أي أثر في الواقع، فالمدارس المستقلة قد تكون ناجحة علي المستوي النظري أما في التطبيق العملي أثبتت فشلها بنجاح منقطع النظير وهذا يشاطرني فيه كثير من الكتاب والأساتذة.
وأكثر الناس من أولياء أمور وطلاب ومدرسين لم يستوعبوا فلسفة المدارس المستقلة علي ما يبدو، وحتي بعض أصحاب الرخص - فهم في حيص بيص نتيجة الخلط الشديد، ويمكن هذا بسبب الضبابية التي تلقي بظلالها علي الجانب النظري، فالواضح هناك شبه اجماع علي فشل المدارس المستقلة من هؤلاء، قد تكون المدارس المستقلة جيدة من حيث الجانب النظري أما في التطبيق العملي فشأن مختلف، وحتي الجانب النظري قد يكون فيه بعض القصور، فالتعليم يجب ان يكون حكوميا خاصة في المراحل الأولي حتي لا يدخل فيه عامل الربح والخسارة فهذا الجانب في الأغلب يكون علي حساب الجودة التعليمية فإذا كان التعليم يدار بعقلية تجارية بحته وتحت شعار مكسب وخسارة فحتما سينعكس ذلك علي هذا الشأن، فالتعليم يحتاج الي رجال لهم رسالة وغاية، وليس الدخول من أجل الربح والمكسب، فإذا كان المرخص له ليس عنده رؤية واضحة من دخوله هذا المجال حتما سينعكس علي سير التعليم فالاستثمار في التعليم ومدي نجاحه في نهاية السنة الدراسية لا يقاس بكم ربحنا وكم الدخل الصافي من ا لأرباح، كان من الممكن الابقاء علي المدارس الحكومية بتحديث المناهج وتأهيل الكادر الوطني بعقد دورات منتظمة بحسب كل مرحلة، وجلب مدرسين تتوافر فيهم شروط الرؤية الجديدة، فالمعلم هو صلب العملية التعليمية، فإذا حصل علي نصف امتيازات السلك الدبوماسي أو العسكري سيحفزه علي البذل والعطاء دون فسلفة جديدة غير مضمونة.
وفلسفة المدارس المستقلة ليست فلسفة مقدسة لا يعتورها النقص والعيوب، فهي في النهاية انتاج بشري قابل للخطأ، ولا يجب لوم المعترضين وإن كان يشوب هذا الاعتراض قصور، فكل يري من وجهة نظره، والعبرة في النهاية بايجابياتها وسلبياتها؟ هذا أجاب عليه كثير من الناس من ذوي الشأن بأنها سلبية، فإذا كانت المدارس المستقلة كذلك لنكفي المؤمنين شر القتال ونلغيها بعدما ثبت فشلها.
وبناء علي ذلك أري ان جوهر الاشكال في تلك المدارس أنها بلا هوية جامعة، فهي ضائعة بين الوافد والمحلي وتلك الخلطة التي بينهما، وربما هذا سبب لكثير من تلك الاشكالات التفصيلية.
بقلم: محمد بن عبدالرحمن آل ثاني
كاتب قطري
المصدر (http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=344235&version=1&template_id=24&parent_id=23) الراية 30-4-2008
مازال كثير من الناس يشتكون من المدارس المستقلة من طلاب وطالبات وأساتذة وأولياء أمور، وحتي الذين انخرطوا فيها من بعض أصحاب الرخص، والشكوي تتعدد بتعدد موضوعاتها فهي ليست قاصرة علي موضوع بذاته، لذا لا نستطيع تناول تلك الشكاوي جميعها فهي تحتاج إلي دراسة ميدانية ترصد عن كثب أسباب الفشل والضعف، قد نمر علي تلك الاشكالات بشكل إجمالي علنا نتلمس بعض هذه الاشكالات في بعض جوانبها.
فموضوع الشكاوي والتي مازالت تطرح للنقاش، وتثير كثيرا من التساؤلات بين فترة وأخري، والتي من بينها، اسلوب وطريقة التدريسبحيث لا يوجد منهج محدد لكل مادة، وعدم فهم واستيعاب بعض المواد التي تدرس باللغة الانجليزية، وضعف الاهتمام بمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية.
و في هذا السياق قالت لي مدرسة في إحدي المدارس المستقلة: انه ظهر واضحا ضعف الطلاب في اللغة العربية والإسلامية، بينهم وبين طلاب المدارس الحكومية بحيث الأخيرون يتفوقون عليهم بمراحل، وخلو المناهج من القيم والأخلاق، التأصيل القيمي لأي عملية تعليمية التي تشكل هوية الطالب في بعدها الحضاري بالاضافة الي ان بعض المدرسين أجانب، ومن جنسيات مختلفة الأمر الذي يفقد معه الجانب التربوي والأخلاقي من العملية التعليمية فتحديد الهوية من الأهمية بمكان لأنها بعد ذلك هي الأساس الذي نبني عليه صرح القيم، وكيف ستكون عليه تلك المناهج والي أين نريد أن تصل بنا.
والذي أراه أنه ليس للمدارس المستقلة هوية واضحة في التعاطي مع التربية والتعليم، فالذين تناولوا مسألة المدارس المستقلة بالنقد والتحليل، ناقشوا كثيرا من الاشكالات وتفاصيلها، لكنهم لم ينظروا إلي مسألة الهوية - علي الأقل في جانبي لم أقع علي شيء من ذلك، فأي مسألة لها تفاصيل واطار عام يجمعها ويرجعها لها، وإذا اتفقنا علي الاطار العام والمرجعية ستهون عندها الأمور الأخري التفصيلية.
فالهدف من التعليم ليس جمع المعلومات وتكديس المحفوظات، فالطريقة التقليدية تعلم الحفظ وصم المقرر، ولكن لا تعلم البحث والقدرة علي التفكير والنقد والاختلاف في وجهات النظر من حيث تأسيس رأي علي أصول المنطق السليم، وأذكر في هذا السياق عندما اختلف طالب مع أحد الأساتذة في رأي من الآراء كاد يخرجه من الفصل بعد ان استهزأ وسخر منه، لا نختلف أن طريقة الدراسة التقليدية لا تحرك العقل، ولا تربي الفكر علي النقد وتحفيز العقل علي التفكير والابداع، ومعادلة النجاح في أي عملية تعليمية تساوي ثلاثة أضلاع، المعلم والإدارة المدرسية والمناهج، فالتعليم التقليدي لا يوفر للطالب كيف يفكر وكيف يحصل علي المعلومة من ذاته عن طريق البحث والتفتيش، وكيف يتأكد من صحتها النسبية بحسب أدوات البحث العلمي، فالذين يتخرجون من الجامعة كثير منهم لا يفقهون شيئا فيما درسوه، وإن فقهوا لا يتمكنون من تطبيق ذلك في ميدان العمل، فالتعليم الذاتي هو الذي يستطيع معه الطالب ان يعلم نفسه ويطور من ذاته بعد التخرج، فالتعليم عملية مستمرة لا تتوقف بعد التخرج أو يجب ان تكون كذلك.
ومن هنا فالمدارس المستقلة، البديل المتطور عن المدارس الحكومية، وأتت لتعالج ذلك الأمر وتؤهل الطالب لما بعد ذلك، وإلا فلا معني لوجودها، فعندما سمعت أحد المرخص لهم وهو يتحدث مع والد أحد الطلاب شارحا فلسفة المدارس المستقلة، اعتقدنا ان طلابنا سيصبحون عباقرة من ذلك العرض الرائع، وتمنيت أن أعيد الدراسة وأدرس من جديد، و لكن مع التطبيق لمسنا ضعفا كثيرا من الجوانب التعليمية ولم نر لذلك الطرح وذلك التنظير أي أثر في الواقع، فالمدارس المستقلة قد تكون ناجحة علي المستوي النظري أما في التطبيق العملي أثبتت فشلها بنجاح منقطع النظير وهذا يشاطرني فيه كثير من الكتاب والأساتذة.
وأكثر الناس من أولياء أمور وطلاب ومدرسين لم يستوعبوا فلسفة المدارس المستقلة علي ما يبدو، وحتي بعض أصحاب الرخص - فهم في حيص بيص نتيجة الخلط الشديد، ويمكن هذا بسبب الضبابية التي تلقي بظلالها علي الجانب النظري، فالواضح هناك شبه اجماع علي فشل المدارس المستقلة من هؤلاء، قد تكون المدارس المستقلة جيدة من حيث الجانب النظري أما في التطبيق العملي فشأن مختلف، وحتي الجانب النظري قد يكون فيه بعض القصور، فالتعليم يجب ان يكون حكوميا خاصة في المراحل الأولي حتي لا يدخل فيه عامل الربح والخسارة فهذا الجانب في الأغلب يكون علي حساب الجودة التعليمية فإذا كان التعليم يدار بعقلية تجارية بحته وتحت شعار مكسب وخسارة فحتما سينعكس ذلك علي هذا الشأن، فالتعليم يحتاج الي رجال لهم رسالة وغاية، وليس الدخول من أجل الربح والمكسب، فإذا كان المرخص له ليس عنده رؤية واضحة من دخوله هذا المجال حتما سينعكس علي سير التعليم فالاستثمار في التعليم ومدي نجاحه في نهاية السنة الدراسية لا يقاس بكم ربحنا وكم الدخل الصافي من ا لأرباح، كان من الممكن الابقاء علي المدارس الحكومية بتحديث المناهج وتأهيل الكادر الوطني بعقد دورات منتظمة بحسب كل مرحلة، وجلب مدرسين تتوافر فيهم شروط الرؤية الجديدة، فالمعلم هو صلب العملية التعليمية، فإذا حصل علي نصف امتيازات السلك الدبوماسي أو العسكري سيحفزه علي البذل والعطاء دون فسلفة جديدة غير مضمونة.
وفلسفة المدارس المستقلة ليست فلسفة مقدسة لا يعتورها النقص والعيوب، فهي في النهاية انتاج بشري قابل للخطأ، ولا يجب لوم المعترضين وإن كان يشوب هذا الاعتراض قصور، فكل يري من وجهة نظره، والعبرة في النهاية بايجابياتها وسلبياتها؟ هذا أجاب عليه كثير من الناس من ذوي الشأن بأنها سلبية، فإذا كانت المدارس المستقلة كذلك لنكفي المؤمنين شر القتال ونلغيها بعدما ثبت فشلها.
وبناء علي ذلك أري ان جوهر الاشكال في تلك المدارس أنها بلا هوية جامعة، فهي ضائعة بين الوافد والمحلي وتلك الخلطة التي بينهما، وربما هذا سبب لكثير من تلك الاشكالات التفصيلية.
بقلم: محمد بن عبدالرحمن آل ثاني
كاتب قطري
المصدر (http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=344235&version=1&template_id=24&parent_id=23) الراية 30-4-2008