إنتعاش
01-05-2008, 08:06 AM
إن كلاً من النمو والتباين الاقتصاديين في المملكة العربية السعودية سيستمران في تحقيق تقدم حقيقي، وسيحافظ الاقتصاد السعودي على زخم نموه في الفترات المقبلة. ويعمل في هذا الاتجاه استمرار الأسعار المرتفعة للنفظ، ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع النفط والغاز، والتحسن الجذري للبيئة الاقتصادية الداعمة للقدرات الهائلة الكامنة للقطاع الخاص. لذا، فاستمرار النمو القوي في استثمارات القطاعين العام والخاص سيسهمان في تحقيق معدلات نمو مستمرة في الناتج المحلي تفوق الستة بالمئة خلال السنوات المقبلة.
- سيبقى القطاع النفطي الركيزة الأساسية للاقتصاد السعودي وسيعزز مساهمته في الناتج المحلي الحقيقي هذا العام لزيادة الإنتاج في النفط الخام وكذلك الاستثمار في طاقته الإنتاجية. ويقدر أن ينمو بالقيمة الاسمية بما يوازي الثلث، لاستمرار قوة أسعاره والطلب العالمي عليه، والقلق على توفر العرض الكافي، وكذلك للمضاربات في الأسواق العالمية.
- ستدعم الزيادة المضطردة في العائدات النفطية المزيد من النفقات الحكومية (والتي تقدر بنحو 15% في السنة الحالية والسنة المقبلة) وسيوجه الجزء الأكبر منه نحو بناء البنية التحتية. كما ستحظى مخصصات الإنفاق على الأجور والرواتب والتحويلات بالزيادة أيضاً للتعويل عن ارتفاع تكلفة المعيشة التي يواجهها الاقتصاد السعودي.
- وبالرغم من الدور المتزايد للانفاق الحكومي في تحفيز الاقتصاد، إلا أن القطاع الخاص غير النفطي أصبح باضطراد المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد السعودي، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الإصلاحات الاقتصادية المتكاملة والمتزامنة الآخذة في التنفيذ دعمت نمو الاستثمارات الأجنبية والمحلية وخاصة في قطاعات الصناعات التحويلية، الاتصالات، الخدمات المالية والمدن الاقتصادية. كما أن المثابرة بالإصلاح ستدعم احتمالات استمرارية نمو استثمارات القطاع الخاص.
- إن نمو الانفاق الحكومي سيبقى متوازناً بالمقارنة مع نمو الإيرادات لتحقيق هدف الحفاظ على فائض للمالية العامة في حدود 20% من الناتج المحلي الإجمالي في كل من العام الحالي والعام المقبل.
- إن وضع ميزان المدفوعات سيكون قوياً وسيحقق الحساب الجاري فائضاً موازياً ل 25% من الناتج خلال الفترة 2008-2009م، مما سيعزز حيازة المزيد من الأصول الخارجية.
- إن التضخم المقدر بحدود 8% هذا العام هو أحد المخاطر الرئيسية التي تواجه الأداء القوي لاقتصاد المملكة. وبافتراض الالتزام بالسياسات الحالية، سيتأثر التضخم بسرعة الإنجاز في قطاع الإسكان وبتطور أسعار المواد الأساسية (وخاصة السلع الغذائية) وقيمة الدولار في الأسواق المالية. ومن المتوقع التحسن التدريجي في هذه العوامل الرئيسية المؤثرة بالأسعار خلال النصف الثاني من العام الحالي وخلال عام 2009م مما قد يؤدي بدوره إلى خمود الضغوط التضخمية والضغوط على الأجور والرواتب. ولا بد للسلطات السعودية أن تستمر بتقييم ودراسة الخيارات المتاحة في قراراتها الاقتصادية خاصة في ضوء الحفاظ على سياسة ربط الريال بالدولار في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من اشتداد الركود الاقتصادي بينما ينعم الاقتصاد السعودي بوضع مغاير جداً، حيث الرخاء الاقتصادي في أوجه.
1- الوضع العالمي والاقتصاد السعودي
يحتل الاقتصاد السعودي دوراً رئيسياً في الاقتصاد العالمي وخاصة لدوره الرائد في الإنتاج النفطي وطاقته الفائضة في الإنتاج وأثره على العرض النفطي في الأسواق العالمية وعلى الأسعار، إضافة إلى ذلك، فإن المملكة تعتبر مصدراً هاماً لتصدير رؤوس الأموال الناتجة عن القطاع النفطي. وعلى الرغم من توجيه المزيد من عائدات النفط نحو الاستثمارات المحلية، فإن الأصول الخارجية آخذة بالارتفاع. ففي عام 2007، ارتفعت الأصول الخارجية لساما (البنك المركزي السعودي) بنحو 80مليار دولار. وقد استثمرت في أغلبها في أصول خارجية مقومة بالدولار الأمريكي، مما يمثل دعماً قوياً للدولار في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من ارتفاع في عجز الحساب الجاري وكذلك من تخوف تجاه إمكانياته في الفترات المقبلة. (سوف نقوم بدراسة أعمق لدور الاقتصاد السعودي في الأسواق المالية العالمية في تقرير لاحق).
حققت المملكة نمواً سريعاً في اقتصادها في السنوات الأخيرة فقد ضاعفت دخلها الاسمي منذ العام 2002.ويقدر أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي ما يقارب من 465مليار دولار هذا العام، مما يرفع بالاقتصاد السعودي إلى منزلة الاقتصاد السويسري، وهذا يوازي ضعف اقتصاد الإمارات العربية المتحدة أو نصف اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة. ويحتل الاقتصاد السعودي منزلة رئيسية في التجارة العالمية، كما أصبح ثاني أكبر مصدر لتحويلات العمالة إلى الخارج بعد الاقتصاد الأمريكي.
أهمية أسعار النفط، أسعار السلع الغذائية وأسعار الفائدة على الدولار في الاقتصاد السعودي.
وفي حين تكتسب المملكة المزيد من الأهمية في الاقتصاد العالمي، كذلك أصبحت التطورات في الاقتصاد العالمي ذات وقع هام على الاقتصاد السعودي، ونذكر أدناه أهمية المتغيرات الثلاثة الرئيسية:
- الطلب العالمي: يؤثر النشاط الاقتصادي العالمي تأثيراً بالغاً في أسعار المنتجات النفطية وهي بدورها محدد رئيسي في حصيلة ميزان المدفوعات والوضع المالي للمملكة ولدرجة أقل في نموها الاقتصادي.
- أسعار الفائدة على الدولار: تؤثر أسعار الفائدة على الدولار في نمو السيولة المحلية في المملكة وذلك للربط المباشر للريال السعودي بالدولار الأمريكي.
- أسعار السلع العالمية: إن ارتفاع السعر العالمي للعديد من السلع وخاصة السلع الغذائية قد أدى إلى ارتفاع حاد في مؤشر أسعار المستهلك في المملكة.
الطلب العالمي للنفط سيبقى ثابتاً
من المتوقع أن يستمر النمو في الطلب العالمي في 2008على النفط حسب تقديرات الوكالة العالمية للطاقة (IEA)، على الرغم من المخاوف السائدة في الأسواق المالية العالمية، تقدر الوكالة ارتفاع الطلب العالمي بمقدار 1.7مليون برميل يومياً في 2008وبزيادة قدرها 0.9مليون برميل يومياً عن الزيادة المحققة في 2007، عاكساً استمرار قوة الطلب على النفط وخاصة وقود الشحن في الصين والشرق الأوسط.
كما أن العرض النفطي سبقى محدوداً على الرغم من ارتفاع سعر البرميل إلى ما يفوق المئة دولار. إن الدول الأعضاء في أوبك حريصة على المحافظة على العرض النفطي وذلك لالتزاماتهم المالية الكبيرة والمتصاعدة. وقد قررت المنظمة في اجتماعها في أوائل شهر مارس الابقاء على الكوتا السارية للإنتاج حتى نهاية الصيف المقبل.
وتشير مصادر ذات اطلاع داخل أوبك أن المنظمة قد تتخذ قراراً بتقليص الكوتا في حال انخفاض سعر البرميل إلى ما دون 80دولاراً. وقد يواجه السوق النفطي تقييداً في العرض من دول نفطية عدة مثل إيران، فنزويلا، العراق ونيجيريا، حيث إن الأوضاع السياسية وكذلك السياسة النفطية لهذه الدول لا تزال غير مستتبة. إن القدرة على زيادة الإنتاج في الدول غير الأعضاء في أوبك ستبقى محدودة خاصة أن تكلفة الإنتاج آخذة في الارتفاع. كما أن المضاربات في أسواق السلع كان لها أثر إضافي في رفع أسعار النفط لتوجه المستثمرين إلى مصادر استثمارات لا تتحلى بالطابع التقليدي ذي الدخل الثابت والأصول الرأسمالية، فإن مؤشر (S&P Goldman Sachs) للسلع ارتفع بمقدار 52% خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في 26مارس المنصرم. ويعكس هذا الانطباع السائد بأن الانخفاض في أسعار الفائدة بما يفوق ما يضمنه الوضع الاقتصادي الحقيقي يؤدي إلى رفع أسعار السلع بسبب المخاوف التضخمية.
... ومن المرجح أن يبقى كذلك
ونقدر أن اللجوء إلى المعاملات الوقائية منذ الأزمة المالية سوف ينفرج في الأشهر المقبلة على إثر انحسار هذه الأزمة. ومن المتوقع أن تتأثر اتجاهات أسعار السلع العالمية في الفترات المقبلة أكثر فأكثر بالنشاط الاقتصادي الحقيقي. وإذا ما اتجه الاقتصاد الأمريكي نحو ركود عميق وعلى أثره انخفاض في النشاط العالمي الكلي، فقد ينتج عنه تخفيف الضغوط على الأسعار للسلع وبما فيها أسعار المنتجات النفطية، ولكن إذا كان الركود في الاقتصاد الأمريكي محدود الوقع ولفترة وجيزة، فإن النمو العالمي قد يعيد وتيرته السابقة أو أكثر، مما سيعزز مزاولة الزيادة في أسعار السلع مرة أخرى.
تشير المعطيات المتوفرة أنه من المرجح أن يبقى سعر المواد النفطية مرتفعاً لفترة ما. إن العقود المستقبلية المبرمة في وسط شهر مارس الماضي والتي يمتد استحقاقها لغاية ديسمبر 2010أبرمت على سعر يفوق 99دولاراً للبرميل. وقد نشاهد تحسناً في وطأة الضغوط السعرية على إثر انحسار الطلب على النفط من قبل الاقتصاد الأمريكي وكذلك لتقليص المضاربة في السوق النفطي من قبل الصناديق الوقائية (Hedge Funds). وبالاستناد إلى مبادئ السوق الجوهرية لا نرى انفراجاً في السوق النفطي ونقدر أن سعر النفط الخام سيكون في حدود 89دولاراً للبرميل الواحد في 2008، وسيرتفع إلى 94دولاراً في العام المقبل بالاستناد إلى توقع استعادة الاقتصاد الأمريكي لعافيته في 2009م.
تتبع الولايات المتحدة سياسة نقدية توسعية
من وجهة نظر السعودية، إن التوسع في السياسة النقدية للولايات المتحدة يثير تحديات أمام السلطات النقدية السعودية، فقد ارغمت ساما، على إثر قرار تخفيض سعر الفائدة الرئيسية بمقدار 300نقطة مئوية من قبل البنك الاحتياطي الفدرالي منذ سبتمبر الفائت ومؤخراً بمقدار 75نقطة في مارس، على اللحاق بالسياسة النقدية الأمريكية لربطها الريال بالدولار. فقد خفضت ساما سعر الفائدة على ودائع المصارف (Repo Rate) في وقت يعاني فيه الاقتصاد السعودي من زيادة في السيولة. إن وسيلة نقل أثر السياسة النقدية قد ضعفت أيضاً لحيازة المصارف على سيولة وفيرة. ولم يكن خفض الفوائد في الاقتصاد السعودي في الوقت المناسب، آخذاً بالاعتبار الضغوط التضخمية السائدة، كما تطلب هذا الإجراء في المقابل زيادة الاحتياطي الالزامي للمصارف.
الأسعار العالمية للمواد الغذائية آخذة في الارتفاع
سجلت الأسعار العالمية للسلع الأساسية ارتفاعاً ملموساً ومن الواضح بأن المملكة العربية السعودية قد جنت مكاسب من ارتفاع أسعار النفط، ولكن في الوقت ذاته عانى اقتصاد المملكة من ارتفاع أسعار الواردات من السلع الغذائية والتي تشكل نحو 26% في مؤشر الرقم القياسي للأسعار. ويظهر مدى الارتفاع في مؤشر مجلة الاقتصادي، حيث سجل لغاية 17مارس زيادة في أسعار السلع الغذائية مقيمة بالدولار قدرها 62% مقارنة مع العام السابق. ويعزى هذا الارتفاع لحد كبير لانخفاض سعر الدولار في الأسواق العالمية. كما ان أسعارها مقيمة باليورو ارتفعت بمقدار 12.6%.
عوامل عدة أثرت في تصاعد أسعار السلع الغذائية. ان المضاربة في أسواق السلع وكما في حالة السوق النفطي كانت عاملاً هاماً في رفع أسعار السلع الغذائية بهدف التعويض عن انخفاض قيمة الأصول المالية. كما اتجهت الأسواق الناشئة نحو تخزين السلع الغذائية لتفادي توقع نقصها في الأسواق المحلية بالإضافة. فقد تبنى عدد كبير من الدول الرائدة في إنتاج السلع الغذائية سياسة فرض تعرفة على صادراتها من تلك السلع بهدف ضمانة وفرتها في الأسواق المحلية. كما ان الأحوال المناخية في بعض المناطق خاصة في أستراليا كانت غير مؤاتية وساهمت بدورها برفع الأسعار ومن العوامل المهمة أيضاً اتجاه بعض الدول وبالأخص الولايات المتحدة واستراليا بتكريس المزيد من الأراضي الزراعية لإنتاج النفط الطبيعي (Bio-Fuel) وتتأثر الأسعار في المدى الأبعد، بزيادة الطلب العالمي المرتبط بزيادة نسبة السكان الحضريين (على سبيل المثال، تقدر الأمم المتحدة ان عدد السكان الحضريين في الصين سيرتفع ب 320مليون نسمة بحلول العام 2030م أي بزيادة قدرها 36%).
عواقب مباشرة للتضخم في المملكة
ينعكس الارتفاع في الأسعار العالمية للسلع الغذائية مباشرة في مؤشر أسعار المستهلك للمملكة العربية السعودية. ويشير المؤشر الأخير إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنحو 13% خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في فبراير (وهذا بالرغم من الدعم الهام لهذه السلع من قبل الحكومة)، ومن غير المتوقع ان يتقلص أثر أي من هذه العوامل في العام المقبل. ويبدو ان الضغط التصاعدي على أسعار المواد الغذائية سيستمر في المملكة.
الاقتصاد يزدهر
يمر الاقتصاد السعودي بمرحلة ازدهار واسعة النطاق ونتوقع استمرار هذه الوتيرة في السنتين المقبلتين على أقل تحديد وتشمل القطاعات الرائدة بالإضافة إلى قطاع النفط والغاز قطاعات الخدمات العامة، الصناعات التحويلية، البناء والنقل، الاتصالات والخدمات المالية.
وتتصدر الحكومة هذا الزخم من النمو وهي مصممة على زيادة طاقتها لإنتاج المنتجات النفطية وتطوير البنية التحتية للاقتصاد. وبالإضافة إلى ذلك فإن القطاع الخاص قد زود بدعم الاصلاحات الهيكلية المستمرة المشجعة للمناخ الاستثماري.
وبزيادة الاستثمار الخارجي المباشر، اكتسب دور طلب القطاع الخاص المزيد من الأهمية في النمو الاقتصادي وعزز هذا الدور ارتفاع أسعار النفط التي تجاوزت 100دولار في يناير من العام الحالي ونحو 110دولارات في أواسط مارس قبل ان تنخفض إلى حدود 100دولار حالياً. من المتوقع ان يحقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً قدره 6.7% مقارنة مع نمو بلغ 3.7% في 2007م. سيتحقق هذا النمو لنهوض الإنتاج النفطي والنمو الحقيقي للقطاع غير النفطي بحدود 6.5% مدعماً بنمو ققوي للقطاع الخاص.
الإنتاج النفطي يتجه نحو الارتفاع
يستمر القطاع النفطي باحتلال الدور الريادي في الاقتصاد السعودي. ويوفر بدوره الموارد لدعم الاستثمار والثقة الاقتصادية بعد ان انخفض الإنتاج النفطي في العام الماضي التزاماً بحدود أوبك، يتجه الإنتاج للارتفاع في العام الحالي. تشير الاحصاءات الأخيرة لمجلة (MEES) Middle East Economic Survey إلى ارتفاع الإنتاج بمعدل 5.7% ليصل الإنتاج اليومي إلى 9.2ملايين برميل في فبراير. ونتوقع ان يرتفع الإنتاج هامشياً لهذا العام إلى 9.25ملايين برميل يومياً في المتوسط أي ما يوازي زيادة قدرها 6.3% مقارنة بالعام السابق.
- سيبقى القطاع النفطي الركيزة الأساسية للاقتصاد السعودي وسيعزز مساهمته في الناتج المحلي الحقيقي هذا العام لزيادة الإنتاج في النفط الخام وكذلك الاستثمار في طاقته الإنتاجية. ويقدر أن ينمو بالقيمة الاسمية بما يوازي الثلث، لاستمرار قوة أسعاره والطلب العالمي عليه، والقلق على توفر العرض الكافي، وكذلك للمضاربات في الأسواق العالمية.
- ستدعم الزيادة المضطردة في العائدات النفطية المزيد من النفقات الحكومية (والتي تقدر بنحو 15% في السنة الحالية والسنة المقبلة) وسيوجه الجزء الأكبر منه نحو بناء البنية التحتية. كما ستحظى مخصصات الإنفاق على الأجور والرواتب والتحويلات بالزيادة أيضاً للتعويل عن ارتفاع تكلفة المعيشة التي يواجهها الاقتصاد السعودي.
- وبالرغم من الدور المتزايد للانفاق الحكومي في تحفيز الاقتصاد، إلا أن القطاع الخاص غير النفطي أصبح باضطراد المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد السعودي، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الإصلاحات الاقتصادية المتكاملة والمتزامنة الآخذة في التنفيذ دعمت نمو الاستثمارات الأجنبية والمحلية وخاصة في قطاعات الصناعات التحويلية، الاتصالات، الخدمات المالية والمدن الاقتصادية. كما أن المثابرة بالإصلاح ستدعم احتمالات استمرارية نمو استثمارات القطاع الخاص.
- إن نمو الانفاق الحكومي سيبقى متوازناً بالمقارنة مع نمو الإيرادات لتحقيق هدف الحفاظ على فائض للمالية العامة في حدود 20% من الناتج المحلي الإجمالي في كل من العام الحالي والعام المقبل.
- إن وضع ميزان المدفوعات سيكون قوياً وسيحقق الحساب الجاري فائضاً موازياً ل 25% من الناتج خلال الفترة 2008-2009م، مما سيعزز حيازة المزيد من الأصول الخارجية.
- إن التضخم المقدر بحدود 8% هذا العام هو أحد المخاطر الرئيسية التي تواجه الأداء القوي لاقتصاد المملكة. وبافتراض الالتزام بالسياسات الحالية، سيتأثر التضخم بسرعة الإنجاز في قطاع الإسكان وبتطور أسعار المواد الأساسية (وخاصة السلع الغذائية) وقيمة الدولار في الأسواق المالية. ومن المتوقع التحسن التدريجي في هذه العوامل الرئيسية المؤثرة بالأسعار خلال النصف الثاني من العام الحالي وخلال عام 2009م مما قد يؤدي بدوره إلى خمود الضغوط التضخمية والضغوط على الأجور والرواتب. ولا بد للسلطات السعودية أن تستمر بتقييم ودراسة الخيارات المتاحة في قراراتها الاقتصادية خاصة في ضوء الحفاظ على سياسة ربط الريال بالدولار في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من اشتداد الركود الاقتصادي بينما ينعم الاقتصاد السعودي بوضع مغاير جداً، حيث الرخاء الاقتصادي في أوجه.
1- الوضع العالمي والاقتصاد السعودي
يحتل الاقتصاد السعودي دوراً رئيسياً في الاقتصاد العالمي وخاصة لدوره الرائد في الإنتاج النفطي وطاقته الفائضة في الإنتاج وأثره على العرض النفطي في الأسواق العالمية وعلى الأسعار، إضافة إلى ذلك، فإن المملكة تعتبر مصدراً هاماً لتصدير رؤوس الأموال الناتجة عن القطاع النفطي. وعلى الرغم من توجيه المزيد من عائدات النفط نحو الاستثمارات المحلية، فإن الأصول الخارجية آخذة بالارتفاع. ففي عام 2007، ارتفعت الأصول الخارجية لساما (البنك المركزي السعودي) بنحو 80مليار دولار. وقد استثمرت في أغلبها في أصول خارجية مقومة بالدولار الأمريكي، مما يمثل دعماً قوياً للدولار في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من ارتفاع في عجز الحساب الجاري وكذلك من تخوف تجاه إمكانياته في الفترات المقبلة. (سوف نقوم بدراسة أعمق لدور الاقتصاد السعودي في الأسواق المالية العالمية في تقرير لاحق).
حققت المملكة نمواً سريعاً في اقتصادها في السنوات الأخيرة فقد ضاعفت دخلها الاسمي منذ العام 2002.ويقدر أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي ما يقارب من 465مليار دولار هذا العام، مما يرفع بالاقتصاد السعودي إلى منزلة الاقتصاد السويسري، وهذا يوازي ضعف اقتصاد الإمارات العربية المتحدة أو نصف اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة. ويحتل الاقتصاد السعودي منزلة رئيسية في التجارة العالمية، كما أصبح ثاني أكبر مصدر لتحويلات العمالة إلى الخارج بعد الاقتصاد الأمريكي.
أهمية أسعار النفط، أسعار السلع الغذائية وأسعار الفائدة على الدولار في الاقتصاد السعودي.
وفي حين تكتسب المملكة المزيد من الأهمية في الاقتصاد العالمي، كذلك أصبحت التطورات في الاقتصاد العالمي ذات وقع هام على الاقتصاد السعودي، ونذكر أدناه أهمية المتغيرات الثلاثة الرئيسية:
- الطلب العالمي: يؤثر النشاط الاقتصادي العالمي تأثيراً بالغاً في أسعار المنتجات النفطية وهي بدورها محدد رئيسي في حصيلة ميزان المدفوعات والوضع المالي للمملكة ولدرجة أقل في نموها الاقتصادي.
- أسعار الفائدة على الدولار: تؤثر أسعار الفائدة على الدولار في نمو السيولة المحلية في المملكة وذلك للربط المباشر للريال السعودي بالدولار الأمريكي.
- أسعار السلع العالمية: إن ارتفاع السعر العالمي للعديد من السلع وخاصة السلع الغذائية قد أدى إلى ارتفاع حاد في مؤشر أسعار المستهلك في المملكة.
الطلب العالمي للنفط سيبقى ثابتاً
من المتوقع أن يستمر النمو في الطلب العالمي في 2008على النفط حسب تقديرات الوكالة العالمية للطاقة (IEA)، على الرغم من المخاوف السائدة في الأسواق المالية العالمية، تقدر الوكالة ارتفاع الطلب العالمي بمقدار 1.7مليون برميل يومياً في 2008وبزيادة قدرها 0.9مليون برميل يومياً عن الزيادة المحققة في 2007، عاكساً استمرار قوة الطلب على النفط وخاصة وقود الشحن في الصين والشرق الأوسط.
كما أن العرض النفطي سبقى محدوداً على الرغم من ارتفاع سعر البرميل إلى ما يفوق المئة دولار. إن الدول الأعضاء في أوبك حريصة على المحافظة على العرض النفطي وذلك لالتزاماتهم المالية الكبيرة والمتصاعدة. وقد قررت المنظمة في اجتماعها في أوائل شهر مارس الابقاء على الكوتا السارية للإنتاج حتى نهاية الصيف المقبل.
وتشير مصادر ذات اطلاع داخل أوبك أن المنظمة قد تتخذ قراراً بتقليص الكوتا في حال انخفاض سعر البرميل إلى ما دون 80دولاراً. وقد يواجه السوق النفطي تقييداً في العرض من دول نفطية عدة مثل إيران، فنزويلا، العراق ونيجيريا، حيث إن الأوضاع السياسية وكذلك السياسة النفطية لهذه الدول لا تزال غير مستتبة. إن القدرة على زيادة الإنتاج في الدول غير الأعضاء في أوبك ستبقى محدودة خاصة أن تكلفة الإنتاج آخذة في الارتفاع. كما أن المضاربات في أسواق السلع كان لها أثر إضافي في رفع أسعار النفط لتوجه المستثمرين إلى مصادر استثمارات لا تتحلى بالطابع التقليدي ذي الدخل الثابت والأصول الرأسمالية، فإن مؤشر (S&P Goldman Sachs) للسلع ارتفع بمقدار 52% خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في 26مارس المنصرم. ويعكس هذا الانطباع السائد بأن الانخفاض في أسعار الفائدة بما يفوق ما يضمنه الوضع الاقتصادي الحقيقي يؤدي إلى رفع أسعار السلع بسبب المخاوف التضخمية.
... ومن المرجح أن يبقى كذلك
ونقدر أن اللجوء إلى المعاملات الوقائية منذ الأزمة المالية سوف ينفرج في الأشهر المقبلة على إثر انحسار هذه الأزمة. ومن المتوقع أن تتأثر اتجاهات أسعار السلع العالمية في الفترات المقبلة أكثر فأكثر بالنشاط الاقتصادي الحقيقي. وإذا ما اتجه الاقتصاد الأمريكي نحو ركود عميق وعلى أثره انخفاض في النشاط العالمي الكلي، فقد ينتج عنه تخفيف الضغوط على الأسعار للسلع وبما فيها أسعار المنتجات النفطية، ولكن إذا كان الركود في الاقتصاد الأمريكي محدود الوقع ولفترة وجيزة، فإن النمو العالمي قد يعيد وتيرته السابقة أو أكثر، مما سيعزز مزاولة الزيادة في أسعار السلع مرة أخرى.
تشير المعطيات المتوفرة أنه من المرجح أن يبقى سعر المواد النفطية مرتفعاً لفترة ما. إن العقود المستقبلية المبرمة في وسط شهر مارس الماضي والتي يمتد استحقاقها لغاية ديسمبر 2010أبرمت على سعر يفوق 99دولاراً للبرميل. وقد نشاهد تحسناً في وطأة الضغوط السعرية على إثر انحسار الطلب على النفط من قبل الاقتصاد الأمريكي وكذلك لتقليص المضاربة في السوق النفطي من قبل الصناديق الوقائية (Hedge Funds). وبالاستناد إلى مبادئ السوق الجوهرية لا نرى انفراجاً في السوق النفطي ونقدر أن سعر النفط الخام سيكون في حدود 89دولاراً للبرميل الواحد في 2008، وسيرتفع إلى 94دولاراً في العام المقبل بالاستناد إلى توقع استعادة الاقتصاد الأمريكي لعافيته في 2009م.
تتبع الولايات المتحدة سياسة نقدية توسعية
من وجهة نظر السعودية، إن التوسع في السياسة النقدية للولايات المتحدة يثير تحديات أمام السلطات النقدية السعودية، فقد ارغمت ساما، على إثر قرار تخفيض سعر الفائدة الرئيسية بمقدار 300نقطة مئوية من قبل البنك الاحتياطي الفدرالي منذ سبتمبر الفائت ومؤخراً بمقدار 75نقطة في مارس، على اللحاق بالسياسة النقدية الأمريكية لربطها الريال بالدولار. فقد خفضت ساما سعر الفائدة على ودائع المصارف (Repo Rate) في وقت يعاني فيه الاقتصاد السعودي من زيادة في السيولة. إن وسيلة نقل أثر السياسة النقدية قد ضعفت أيضاً لحيازة المصارف على سيولة وفيرة. ولم يكن خفض الفوائد في الاقتصاد السعودي في الوقت المناسب، آخذاً بالاعتبار الضغوط التضخمية السائدة، كما تطلب هذا الإجراء في المقابل زيادة الاحتياطي الالزامي للمصارف.
الأسعار العالمية للمواد الغذائية آخذة في الارتفاع
سجلت الأسعار العالمية للسلع الأساسية ارتفاعاً ملموساً ومن الواضح بأن المملكة العربية السعودية قد جنت مكاسب من ارتفاع أسعار النفط، ولكن في الوقت ذاته عانى اقتصاد المملكة من ارتفاع أسعار الواردات من السلع الغذائية والتي تشكل نحو 26% في مؤشر الرقم القياسي للأسعار. ويظهر مدى الارتفاع في مؤشر مجلة الاقتصادي، حيث سجل لغاية 17مارس زيادة في أسعار السلع الغذائية مقيمة بالدولار قدرها 62% مقارنة مع العام السابق. ويعزى هذا الارتفاع لحد كبير لانخفاض سعر الدولار في الأسواق العالمية. كما ان أسعارها مقيمة باليورو ارتفعت بمقدار 12.6%.
عوامل عدة أثرت في تصاعد أسعار السلع الغذائية. ان المضاربة في أسواق السلع وكما في حالة السوق النفطي كانت عاملاً هاماً في رفع أسعار السلع الغذائية بهدف التعويض عن انخفاض قيمة الأصول المالية. كما اتجهت الأسواق الناشئة نحو تخزين السلع الغذائية لتفادي توقع نقصها في الأسواق المحلية بالإضافة. فقد تبنى عدد كبير من الدول الرائدة في إنتاج السلع الغذائية سياسة فرض تعرفة على صادراتها من تلك السلع بهدف ضمانة وفرتها في الأسواق المحلية. كما ان الأحوال المناخية في بعض المناطق خاصة في أستراليا كانت غير مؤاتية وساهمت بدورها برفع الأسعار ومن العوامل المهمة أيضاً اتجاه بعض الدول وبالأخص الولايات المتحدة واستراليا بتكريس المزيد من الأراضي الزراعية لإنتاج النفط الطبيعي (Bio-Fuel) وتتأثر الأسعار في المدى الأبعد، بزيادة الطلب العالمي المرتبط بزيادة نسبة السكان الحضريين (على سبيل المثال، تقدر الأمم المتحدة ان عدد السكان الحضريين في الصين سيرتفع ب 320مليون نسمة بحلول العام 2030م أي بزيادة قدرها 36%).
عواقب مباشرة للتضخم في المملكة
ينعكس الارتفاع في الأسعار العالمية للسلع الغذائية مباشرة في مؤشر أسعار المستهلك للمملكة العربية السعودية. ويشير المؤشر الأخير إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنحو 13% خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في فبراير (وهذا بالرغم من الدعم الهام لهذه السلع من قبل الحكومة)، ومن غير المتوقع ان يتقلص أثر أي من هذه العوامل في العام المقبل. ويبدو ان الضغط التصاعدي على أسعار المواد الغذائية سيستمر في المملكة.
الاقتصاد يزدهر
يمر الاقتصاد السعودي بمرحلة ازدهار واسعة النطاق ونتوقع استمرار هذه الوتيرة في السنتين المقبلتين على أقل تحديد وتشمل القطاعات الرائدة بالإضافة إلى قطاع النفط والغاز قطاعات الخدمات العامة، الصناعات التحويلية، البناء والنقل، الاتصالات والخدمات المالية.
وتتصدر الحكومة هذا الزخم من النمو وهي مصممة على زيادة طاقتها لإنتاج المنتجات النفطية وتطوير البنية التحتية للاقتصاد. وبالإضافة إلى ذلك فإن القطاع الخاص قد زود بدعم الاصلاحات الهيكلية المستمرة المشجعة للمناخ الاستثماري.
وبزيادة الاستثمار الخارجي المباشر، اكتسب دور طلب القطاع الخاص المزيد من الأهمية في النمو الاقتصادي وعزز هذا الدور ارتفاع أسعار النفط التي تجاوزت 100دولار في يناير من العام الحالي ونحو 110دولارات في أواسط مارس قبل ان تنخفض إلى حدود 100دولار حالياً. من المتوقع ان يحقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً قدره 6.7% مقارنة مع نمو بلغ 3.7% في 2007م. سيتحقق هذا النمو لنهوض الإنتاج النفطي والنمو الحقيقي للقطاع غير النفطي بحدود 6.5% مدعماً بنمو ققوي للقطاع الخاص.
الإنتاج النفطي يتجه نحو الارتفاع
يستمر القطاع النفطي باحتلال الدور الريادي في الاقتصاد السعودي. ويوفر بدوره الموارد لدعم الاستثمار والثقة الاقتصادية بعد ان انخفض الإنتاج النفطي في العام الماضي التزاماً بحدود أوبك، يتجه الإنتاج للارتفاع في العام الحالي. تشير الاحصاءات الأخيرة لمجلة (MEES) Middle East Economic Survey إلى ارتفاع الإنتاج بمعدل 5.7% ليصل الإنتاج اليومي إلى 9.2ملايين برميل في فبراير. ونتوقع ان يرتفع الإنتاج هامشياً لهذا العام إلى 9.25ملايين برميل يومياً في المتوسط أي ما يوازي زيادة قدرها 6.3% مقارنة بالعام السابق.