تاجر
14-05-2008, 03:02 PM
الثلاثاء,نيسان 15, 2008
نعم، الخلل السكاني اعتداء على حقوق المواطن في أي بلد كان. وتفاقم الخلل السكاني في بعض دول الخليج العربي هو اعتداء صارخ على حقوق المواطن مع سبق الإصرار والترصد. فمن حق المواطنين في وطنهم أن يكون لهم دور، وأن يكونوا هم التيار الرئيس في المجتمع، وأن تكون هويتهم هي الهوية الجامعة ولغتهم هي اللغة السائدة.. ومصالحهم المشروعة عبر الأجيال وحماية مصير مجتمعهم من التفكك والنكوص، هي محط الخيارات والموجّه للقرارات العامة وعلى رأسها السياسة السكانية. هذا إلى جانب حقوق الإنسان التي يشاركهم فيها كل من يقيم على أرض وطنهم. فأين دول الخليج العربي عموماً من مراعاة حقوق المواطن هذه. وخصوصاً، أين الإمارات وقطر وربما البحرين من مراعاة حقوق المواطن باعتباره مواطناً وباعتباره إنساناً؟
لقد فاجأتني الإحصاءات والتصريحات الرسمية في كل من الإمارات وقطر والبحرين في مطلع ,2008 كما سوف تفاجئ المتتبعين الآخرين لمخاطر استمرار الخلل السكاني والداعين إلى تصحيحه. إن هذه الإحصاءات المفاجئة والتصريحات الرسمية التي تؤكدها، تعبر عن توجهات تجارية مخيفة، يمكن أن نطلق عليها «توجهات ما بعد الخلل السكاني» أو زمن التحول والتراجع عن القول بضرورة تصحيح الخلل السكاني. لقد أصبحت الخيارات والقرارات العامة تبدو اليوم غير معنية بالخلل السكاني وغير مراعية لحقوق المواطن والحفاظ على لغته وهويته ووجوده.
وأصبح خيار التوسع غير العقلاني في نشاط العقارات غير المبرر من وجهة نظر وطنية، هو أهم خيارات ما يسمى بالتنمية التي سبق أن أسميتها بـ «تنمية الضياع»، ضياع الأوطان ونكوص المجتمعات الوطنية وتهديد مستقبل الأجيال المتعاقبة، عندما يصبح المواطنون أقلية في وطنهم ويهمش دورهم الثقافي والإنتاجي والإداري وتصبح أوضاعهم المعيشية رهينة المكرمات والقرارات الإدارية، وما تبقى من حماية قانونية هي اليوم عرضة للتغيير في أي وقت. وعندها يُلقى بالمواطنين في أتون منافسة غير عادلة مع نخب الوافدين من جميع أنحاء العالم. منافسة ينتظر أن يتحول بموجبها وضع المواطنين وثقافتهم ومجتمعهم في الإمارات وقطر خصوصاً، إلى ما يشبه وضع المالاويين في سنغافورة والذي تراجع لصالح المهاجرين الصينيين وأصبح المالاويون (السكان الأصليون) في الدرجة السفلى سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
وفي قطر التي كان المسؤولون فيها ينتقدون نموذج دبي وينأون بأنفسهم عن تقليده، فاجأني ما حصل في الأعوام الثلاثة الماضية. فقد بدأت المعلومات المخيفة والتصريحات الرسمية تشير إلى تفاقم الخلل السكاني بشكل أصبح الوضع السكاني في قطر أشبه بالإمارات، وربما يسير بوتيرة أسرع ينافس فيها نموذج دبي. وما يخيف ليس مجرد الزيادة المذهلة في حجم السكان وتدني نسبة المواطنين فقط وإنما أيضاً استمرارية السبب الرئيس الذي أدى إلى ذلك التفاقم المفاجئ للخلل السكاني في قطر، في وقت كنا نظن فيه أن قطر واعية لمخاطر استمرار الخلل السكاني وأبعاده وتداعياته غير محمودة العاقبة.
والسبب الرئيس لهذه الزيادة المخيفة في حجم سكان قطر هو السياسة الجديدة التي قامت بموجبها الحكومة ببيع أراضي عامة، كما سمحت باستملاك الأجانب للعقارات والقيام بالاستثمار العقاري، ووافقت على منح إقامات مفتوحة لكل من يملك شقة في المناطق المخصصة لشراء غير القطريين.
ومن هذه المناطق مدينه الوسيل التي صممت لإسكان 200 ألف نسمة، معظمهم إن لم يكن كلهم من غير القطرين. وهو ما أدى إلى جانب سياسة الاستملاكات، إلى توسع هائل في النشاط العقاري تسبب في إزالة مناطق سكنية جديدة أربكت إزالتها الفجائية حياة المواطنين، حتى أطلقت إذاعة لندن على الوضع «سنامي». هذا إلى جانب ما أدت إليه من استقدام عمالة كثيفة.
الدكتور علي خليفة الكواري ، باحث قطري متخصص في قضايا الديمقراطية
المصدر عن : صحيفة الوقت البحرينية 15 أبريل 2008
نعم، الخلل السكاني اعتداء على حقوق المواطن في أي بلد كان. وتفاقم الخلل السكاني في بعض دول الخليج العربي هو اعتداء صارخ على حقوق المواطن مع سبق الإصرار والترصد. فمن حق المواطنين في وطنهم أن يكون لهم دور، وأن يكونوا هم التيار الرئيس في المجتمع، وأن تكون هويتهم هي الهوية الجامعة ولغتهم هي اللغة السائدة.. ومصالحهم المشروعة عبر الأجيال وحماية مصير مجتمعهم من التفكك والنكوص، هي محط الخيارات والموجّه للقرارات العامة وعلى رأسها السياسة السكانية. هذا إلى جانب حقوق الإنسان التي يشاركهم فيها كل من يقيم على أرض وطنهم. فأين دول الخليج العربي عموماً من مراعاة حقوق المواطن هذه. وخصوصاً، أين الإمارات وقطر وربما البحرين من مراعاة حقوق المواطن باعتباره مواطناً وباعتباره إنساناً؟
لقد فاجأتني الإحصاءات والتصريحات الرسمية في كل من الإمارات وقطر والبحرين في مطلع ,2008 كما سوف تفاجئ المتتبعين الآخرين لمخاطر استمرار الخلل السكاني والداعين إلى تصحيحه. إن هذه الإحصاءات المفاجئة والتصريحات الرسمية التي تؤكدها، تعبر عن توجهات تجارية مخيفة، يمكن أن نطلق عليها «توجهات ما بعد الخلل السكاني» أو زمن التحول والتراجع عن القول بضرورة تصحيح الخلل السكاني. لقد أصبحت الخيارات والقرارات العامة تبدو اليوم غير معنية بالخلل السكاني وغير مراعية لحقوق المواطن والحفاظ على لغته وهويته ووجوده.
وأصبح خيار التوسع غير العقلاني في نشاط العقارات غير المبرر من وجهة نظر وطنية، هو أهم خيارات ما يسمى بالتنمية التي سبق أن أسميتها بـ «تنمية الضياع»، ضياع الأوطان ونكوص المجتمعات الوطنية وتهديد مستقبل الأجيال المتعاقبة، عندما يصبح المواطنون أقلية في وطنهم ويهمش دورهم الثقافي والإنتاجي والإداري وتصبح أوضاعهم المعيشية رهينة المكرمات والقرارات الإدارية، وما تبقى من حماية قانونية هي اليوم عرضة للتغيير في أي وقت. وعندها يُلقى بالمواطنين في أتون منافسة غير عادلة مع نخب الوافدين من جميع أنحاء العالم. منافسة ينتظر أن يتحول بموجبها وضع المواطنين وثقافتهم ومجتمعهم في الإمارات وقطر خصوصاً، إلى ما يشبه وضع المالاويين في سنغافورة والذي تراجع لصالح المهاجرين الصينيين وأصبح المالاويون (السكان الأصليون) في الدرجة السفلى سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
وفي قطر التي كان المسؤولون فيها ينتقدون نموذج دبي وينأون بأنفسهم عن تقليده، فاجأني ما حصل في الأعوام الثلاثة الماضية. فقد بدأت المعلومات المخيفة والتصريحات الرسمية تشير إلى تفاقم الخلل السكاني بشكل أصبح الوضع السكاني في قطر أشبه بالإمارات، وربما يسير بوتيرة أسرع ينافس فيها نموذج دبي. وما يخيف ليس مجرد الزيادة المذهلة في حجم السكان وتدني نسبة المواطنين فقط وإنما أيضاً استمرارية السبب الرئيس الذي أدى إلى ذلك التفاقم المفاجئ للخلل السكاني في قطر، في وقت كنا نظن فيه أن قطر واعية لمخاطر استمرار الخلل السكاني وأبعاده وتداعياته غير محمودة العاقبة.
والسبب الرئيس لهذه الزيادة المخيفة في حجم سكان قطر هو السياسة الجديدة التي قامت بموجبها الحكومة ببيع أراضي عامة، كما سمحت باستملاك الأجانب للعقارات والقيام بالاستثمار العقاري، ووافقت على منح إقامات مفتوحة لكل من يملك شقة في المناطق المخصصة لشراء غير القطريين.
ومن هذه المناطق مدينه الوسيل التي صممت لإسكان 200 ألف نسمة، معظمهم إن لم يكن كلهم من غير القطرين. وهو ما أدى إلى جانب سياسة الاستملاكات، إلى توسع هائل في النشاط العقاري تسبب في إزالة مناطق سكنية جديدة أربكت إزالتها الفجائية حياة المواطنين، حتى أطلقت إذاعة لندن على الوضع «سنامي». هذا إلى جانب ما أدت إليه من استقدام عمالة كثيفة.
الدكتور علي خليفة الكواري ، باحث قطري متخصص في قضايا الديمقراطية
المصدر عن : صحيفة الوقت البحرينية 15 أبريل 2008