amego
15-05-2008, 11:39 PM
" إن لله عـبـاداً فطـنـا تركوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علمـوا أنها ليست لحي وطنـا
جعلوها لجـة واتخـذوا صالح الأعمال فيها سفنا "
هو الإمام العلم محمد بن إدريس الشافعي ، ولد في 150 هـ 766م وتوفى في 204 هـ 820 م ، أحد أكبر أئمة أهل السنة وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي ، ومؤسس علم أصول الفقه ، وأول من جمع بين الحديث والرأي في استنباط الأحكام الفقهية .
ولد الشافعي بمدينة غزة الفلسطينية ، خرج إليها والده إدريس من مكة في حاجة له ، فمات بها وأمه حامل به فولدت فيها ثم عادت به بعد سنتين إلى مكة ، حفظ الشافعى القرآن فى سن السابعة و حفظ موطأ مالك فى سن العشرين فقد كان شديد الذكاء شديد الحفظ حتى إنه كان يضع يده على المقابلة للتى يحفظها لئلا يختلطا حيث أنه كان يحفظ من أول نظرة للصفحة .
اختلط الشافعى بقبائل هذيل الذين كانوا من افصح العرب فاستفاد منهم و حفظ أشعارهم و ضرب به المثل فى الفصاحة ، و قد تلقى الشافعى فقه مالك على يد الإمام مالك و تفقه فى مكة على يد شيخ الحرم و مفتيه مسلم بن خالد الزنجى و سفيان بن عيينه الهلالى و غيرهما من العلماء ثم رحل إلى اليمن ليتولى منصبا جاءه به مصعب بن عبد الله القرشى قاضى اليمن ثم رحل إلى العراق سنة 184 هـ و أطلع على ما عند علماء العراق و أفادهم بما عليه علماء الحجاز و عرف محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة و تلقى منه فقه أبى حنيفة ، و ناظره فى مسائل كثيرة و رفعت هذه المناظرات إلى الخليفة هارون الرشيد فسر منه .
رحل الشافعى بعدها إلى مصر و إلتقى بعلمائها و أعطاهم و أخذ منهم ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195 هـ فى خلافة الأمين و أصبح الشافعى فى هذه الفترة إماما له مذهبه المستقل و منهجه الخاص به و إستمر بالعراق لمدة سنتين عاد بعدها إلى الحجاز بعد أن ألف كتابه " الحجة" ثم عاد مرة ثالثة إلى العراق سنة 198 هـ و أقام بها أشهرا ثم رحل إلى مصر سنة 199 هـ و نزل ضيفا على عبد الله بن الحكم بمدينة الفسطاط و بعد أن خالط المصريين و عرف ما عندهم من تقاليد و أعراف و عادات تخالف ما عند أهل العراق و الحجاز أعاد النظر فى مذهبه القديم المدون بكتابه " الحجة " و جاء منه ببعض المسائل فى مذهبه الجديد فى كتاب " الأم " الذى أملاه على تلاميذه فى مصر و قد دون الشافعى مذهبه بنفسه ، و قد إستمر الشافعى فى مصر يفتى و يعلم حتى توفى - رحمه الله.
ووفق موسوعة المورد فقد كان مذهبه خطةً وسطًا بين منهج أهل الحديث، ومنهج أهل الرأي ، وتفرقت أشعار الشافعي الشاعر في كتب التراث حتى جمعها "زهدي يكن"، ونشرها في بيروت، ثم جمعها "محمد عفيف الزغبي" منذ أكثر من ربع قرن؛ فاستدرك بها ما فات زهدي يكن .
كلمات إنسانية
** كتب الشافعي في كتمان الأسرار
إذا المـرء أفشـى سـره بلسانـه ولام عليـه غيـره فهـو أحمـق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيـق
** وفي تزيين النفس قال :
صن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالما والقول فيك جميل
ولا ترين الناس إلا تجملا نبا بك دهر أو جفاك خليل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد عسى نكبات الدهر عنك تزول
ولا خير في ود امريء متلون إذا الريح مالت ، مال حيث تميل
وما اكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل
** وتعجب من طبائع البشر فقال :
ألم يبق في الناس إلا المكر والملق شوك ، إذا لمسوا ، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضرورات لعشرتهم فكن جحيما لعل الشوك يحترق
** وأراد أن تقابل العدو بالحكمة فقال :
وداريت كل الناس لكن حاسدي مدارته عزت وعز مناله
وكيف يداري المرء حاد نعمة إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
** وكره الإمام الشافعي البخل فقال :
وأنطقت الدراهم بعد صمت ناسا بعد ما كانوا سكوتا
فما عطفوا على احد بفضل ولا عرفوا لمكرمة ثبوتا
** كما أحب الشافعي الكرم وقال :
أجود بموجود ولو بت طاويا على الجوع كشحا والحشا يتألم
وأظهر أسباب الغنى بين رفقتي لم خافهم حالي وإني لمعدم
وبيني وبين الله أشكو فاقة حقيقا فإن الله بالحال أعلم
** واراد أن تود الناس وتحاذر منهم في الوقت نفسه فقال :
إني صحبت الناس مالهم عدد وكنت أحسب إني قد ملأت يدي
لما بلوت أخلائي وجدتهم كالدهر في الغدر لم يبقوا على أحد
** كما اكد أن المشكلة فينا وليست في الزمان فقال :
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا
** ما اجمل الصداقة ، ولكن للصديق شروط قال فيها الشافعي :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه تأسفا
ففي الناس إبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في خل يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده ويظهر سرا كان بالأمس في خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
** لابد أن تكون معتمدا على نفسك في هذه الحياة ، ويقول الشافعي :
ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة فاقصد لمتعرف بقدرك
لا ترهب السفر
** كثير من الناس يرهب السفر ، ولكن الشافعي ينصحه بالترحال لفوائده العظيمة على النفس ، فقال :
ارحل بنفسك من أرض تضام بها ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في مواطنه وفي التغرب محمول على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حاز الفضل اجمعه فصار يحمل بين الجفن والحدق
وقال أيضا
ما في المقام لذي عقل وذي أدب من راحة فدع الاوطان واغترب
سافر تجد عوضا عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه وإن تغرب ذلك عز كالذهب
** قال الشافعي في الدهر :
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيفه وتستقر بإقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها وليس يكسف إلا الشمس والقمر
** وفي حظوظ البشر :
تموت الأسود في الغابات جوعا ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير وذو الأنساب مفارشه التراب
** ولكنه أراد بنا العزة فقال :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساوئا
ولست بهياب لمن لا يهابني ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك مودتي وإن تنا عني تلقني عنك نائيا
كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا
** من أجمل الأشياء الاعتذار عند الخطأ وقال الشافعي :
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا إن بر عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا
** وكثير منا ما يخطيء بنصحه أخاه في العلن ، فيحذره الشافعي بقوله :
تعمدني بنصحك في انفراد و جنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا ارضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
** قال في فضل صاحب العلم :
رأيت العلم صاحبه كريم ولو ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن يعظم أمره القوم الكرام
ويتبعونه في كل حال كراعي الضأن تتبعه السوام
فولا العلم ما سعدت رجال ولا عرف الحلال ولا الحرام
إيمانيات
** أراد الإمام الشافعي التأكيد على تكذيب المنجمين الذين يخادعون الناس فقال :
خبرا عني المنجم أني كافر بالذي قضته الكواكب
عالما إن ما يكون وما كان قضاه من المهيمن واجب
** ودعا الشافعي لترك الهموم والتوكل على الله فقال :
سهرت أعين ونامت عيون في أمور تكون أو لا تكون
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس فحملانك الهموم جنون
إن ربك كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غد ما يكون
كما كتب يقول :
توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزق فليس يفوتني ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب حسرة وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
** في باب الورع كتب :
المرء إن كان عاقلا ورعا أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله عن وجه الناس كلهم وجعه
** وفي خشية الله قال :
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
وأشجع في الوغى من كل ليث والمهلب وبني يزيد
ولولا خشية الرحمن ربي حسبت الناس كلهم عبيدي
**وفي القناعة قال :
إذا أصبحت عندي قوت يوم فخل الهم عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غد ببال فإن غدا له رزق جديد
اسلم إن أراد الله أمرا فاترك ما أريد لما يريد
** محبة القدر قال فيها :
ذل الحياة وهول الممات كلا وجدناه طعما وبيلا
فإن كان لابد إحداهما فمشيا إلى الموت مشيا جميلا
** صدق حب الإله قال فيه :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة منه وأنت لشكر ذاك مضيع
** الحفظ مربوط بالصلاح :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
واخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاص
شافعيات
** كان عالما متواضعا وقال :
كلما أدبي الدهر أر أني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي
** مما كتبه في حب الإمام أبوحنيفة :
لقد زان البلاد ومن عليها إمام المسلمين أبو حنيفة
بآثار وفقه مع حديث كآيات الزبور على صحيفة
فما بالمشرقي له نظير ولا بالمغربين ولا بكوفة
فرحمة ربنا أبدا عليه مدى الأيام ما قرأت صحيفة
** وفي تعامله مع السفهاء قال :
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
** كان شديد التواضع وقال :
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
وردا عليه قال الإمام أحمد بن حنبل في أبيات حكيمة وطريفة :
تحب الصالحين وأنت منهم
ومنكم سوف يلقون الشفاعة
وتكره من تجارتهم معاصي
وقاك الله من شر البضاعة
** كان لا يحب الثرثرة ويفضل الصمت وقال :
وجدت سكوتي متجرا فلزمته إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجر وتاجر يعلو على كل تاجر
** يتضح من كلمات الشافعي كم طعن من صديق وقد قال ذات يوم :
كن ساكنا في ذا الزمان بسيئره وعن الورى كن راهبا في ديره
واغسل يديك من الزمان وأهله واحذر مودتهم تنل من خيره
إني اطلعت فلم أجد لي صاحبا أصحبه في الدهر ولا في غيره
فتركت أسفلهم لكثرة شره وتركت أعلاهم لقلة خيره
** ومن أروع ما كتب دعاء لله يتذلل فيه للخالق ويبكي ذنوبه ويسأله رضاه ونستمتع بأبيات شافعية عطرة :
عبادة
إليك إله الخلق أرفع رغبتي وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما
ولما قسا قلبي وضاق مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابد فكيف وقد أغوى صفيك أدما
فياليت شعري هل أصير لجنة أهنا وأما للسعير فأندما
فلله در العارف الندب إنه تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
منقول للفائدة
نظروا فيها فلما علمـوا أنها ليست لحي وطنـا
جعلوها لجـة واتخـذوا صالح الأعمال فيها سفنا "
هو الإمام العلم محمد بن إدريس الشافعي ، ولد في 150 هـ 766م وتوفى في 204 هـ 820 م ، أحد أكبر أئمة أهل السنة وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي ، ومؤسس علم أصول الفقه ، وأول من جمع بين الحديث والرأي في استنباط الأحكام الفقهية .
ولد الشافعي بمدينة غزة الفلسطينية ، خرج إليها والده إدريس من مكة في حاجة له ، فمات بها وأمه حامل به فولدت فيها ثم عادت به بعد سنتين إلى مكة ، حفظ الشافعى القرآن فى سن السابعة و حفظ موطأ مالك فى سن العشرين فقد كان شديد الذكاء شديد الحفظ حتى إنه كان يضع يده على المقابلة للتى يحفظها لئلا يختلطا حيث أنه كان يحفظ من أول نظرة للصفحة .
اختلط الشافعى بقبائل هذيل الذين كانوا من افصح العرب فاستفاد منهم و حفظ أشعارهم و ضرب به المثل فى الفصاحة ، و قد تلقى الشافعى فقه مالك على يد الإمام مالك و تفقه فى مكة على يد شيخ الحرم و مفتيه مسلم بن خالد الزنجى و سفيان بن عيينه الهلالى و غيرهما من العلماء ثم رحل إلى اليمن ليتولى منصبا جاءه به مصعب بن عبد الله القرشى قاضى اليمن ثم رحل إلى العراق سنة 184 هـ و أطلع على ما عند علماء العراق و أفادهم بما عليه علماء الحجاز و عرف محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة و تلقى منه فقه أبى حنيفة ، و ناظره فى مسائل كثيرة و رفعت هذه المناظرات إلى الخليفة هارون الرشيد فسر منه .
رحل الشافعى بعدها إلى مصر و إلتقى بعلمائها و أعطاهم و أخذ منهم ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195 هـ فى خلافة الأمين و أصبح الشافعى فى هذه الفترة إماما له مذهبه المستقل و منهجه الخاص به و إستمر بالعراق لمدة سنتين عاد بعدها إلى الحجاز بعد أن ألف كتابه " الحجة" ثم عاد مرة ثالثة إلى العراق سنة 198 هـ و أقام بها أشهرا ثم رحل إلى مصر سنة 199 هـ و نزل ضيفا على عبد الله بن الحكم بمدينة الفسطاط و بعد أن خالط المصريين و عرف ما عندهم من تقاليد و أعراف و عادات تخالف ما عند أهل العراق و الحجاز أعاد النظر فى مذهبه القديم المدون بكتابه " الحجة " و جاء منه ببعض المسائل فى مذهبه الجديد فى كتاب " الأم " الذى أملاه على تلاميذه فى مصر و قد دون الشافعى مذهبه بنفسه ، و قد إستمر الشافعى فى مصر يفتى و يعلم حتى توفى - رحمه الله.
ووفق موسوعة المورد فقد كان مذهبه خطةً وسطًا بين منهج أهل الحديث، ومنهج أهل الرأي ، وتفرقت أشعار الشافعي الشاعر في كتب التراث حتى جمعها "زهدي يكن"، ونشرها في بيروت، ثم جمعها "محمد عفيف الزغبي" منذ أكثر من ربع قرن؛ فاستدرك بها ما فات زهدي يكن .
كلمات إنسانية
** كتب الشافعي في كتمان الأسرار
إذا المـرء أفشـى سـره بلسانـه ولام عليـه غيـره فهـو أحمـق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيـق
** وفي تزيين النفس قال :
صن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالما والقول فيك جميل
ولا ترين الناس إلا تجملا نبا بك دهر أو جفاك خليل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد عسى نكبات الدهر عنك تزول
ولا خير في ود امريء متلون إذا الريح مالت ، مال حيث تميل
وما اكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل
** وتعجب من طبائع البشر فقال :
ألم يبق في الناس إلا المكر والملق شوك ، إذا لمسوا ، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضرورات لعشرتهم فكن جحيما لعل الشوك يحترق
** وأراد أن تقابل العدو بالحكمة فقال :
وداريت كل الناس لكن حاسدي مدارته عزت وعز مناله
وكيف يداري المرء حاد نعمة إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
** وكره الإمام الشافعي البخل فقال :
وأنطقت الدراهم بعد صمت ناسا بعد ما كانوا سكوتا
فما عطفوا على احد بفضل ولا عرفوا لمكرمة ثبوتا
** كما أحب الشافعي الكرم وقال :
أجود بموجود ولو بت طاويا على الجوع كشحا والحشا يتألم
وأظهر أسباب الغنى بين رفقتي لم خافهم حالي وإني لمعدم
وبيني وبين الله أشكو فاقة حقيقا فإن الله بالحال أعلم
** واراد أن تود الناس وتحاذر منهم في الوقت نفسه فقال :
إني صحبت الناس مالهم عدد وكنت أحسب إني قد ملأت يدي
لما بلوت أخلائي وجدتهم كالدهر في الغدر لم يبقوا على أحد
** كما اكد أن المشكلة فينا وليست في الزمان فقال :
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا
** ما اجمل الصداقة ، ولكن للصديق شروط قال فيها الشافعي :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه تأسفا
ففي الناس إبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في خل يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده ويظهر سرا كان بالأمس في خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
** لابد أن تكون معتمدا على نفسك في هذه الحياة ، ويقول الشافعي :
ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة فاقصد لمتعرف بقدرك
لا ترهب السفر
** كثير من الناس يرهب السفر ، ولكن الشافعي ينصحه بالترحال لفوائده العظيمة على النفس ، فقال :
ارحل بنفسك من أرض تضام بها ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في مواطنه وفي التغرب محمول على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حاز الفضل اجمعه فصار يحمل بين الجفن والحدق
وقال أيضا
ما في المقام لذي عقل وذي أدب من راحة فدع الاوطان واغترب
سافر تجد عوضا عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه وإن تغرب ذلك عز كالذهب
** قال الشافعي في الدهر :
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيفه وتستقر بإقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها وليس يكسف إلا الشمس والقمر
** وفي حظوظ البشر :
تموت الأسود في الغابات جوعا ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير وذو الأنساب مفارشه التراب
** ولكنه أراد بنا العزة فقال :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساوئا
ولست بهياب لمن لا يهابني ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك مودتي وإن تنا عني تلقني عنك نائيا
كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا
** من أجمل الأشياء الاعتذار عند الخطأ وقال الشافعي :
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا إن بر عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا
** وكثير منا ما يخطيء بنصحه أخاه في العلن ، فيحذره الشافعي بقوله :
تعمدني بنصحك في انفراد و جنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا ارضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
** قال في فضل صاحب العلم :
رأيت العلم صاحبه كريم ولو ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن يعظم أمره القوم الكرام
ويتبعونه في كل حال كراعي الضأن تتبعه السوام
فولا العلم ما سعدت رجال ولا عرف الحلال ولا الحرام
إيمانيات
** أراد الإمام الشافعي التأكيد على تكذيب المنجمين الذين يخادعون الناس فقال :
خبرا عني المنجم أني كافر بالذي قضته الكواكب
عالما إن ما يكون وما كان قضاه من المهيمن واجب
** ودعا الشافعي لترك الهموم والتوكل على الله فقال :
سهرت أعين ونامت عيون في أمور تكون أو لا تكون
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس فحملانك الهموم جنون
إن ربك كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غد ما يكون
كما كتب يقول :
توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزق فليس يفوتني ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب حسرة وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
** في باب الورع كتب :
المرء إن كان عاقلا ورعا أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله عن وجه الناس كلهم وجعه
** وفي خشية الله قال :
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
وأشجع في الوغى من كل ليث والمهلب وبني يزيد
ولولا خشية الرحمن ربي حسبت الناس كلهم عبيدي
**وفي القناعة قال :
إذا أصبحت عندي قوت يوم فخل الهم عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غد ببال فإن غدا له رزق جديد
اسلم إن أراد الله أمرا فاترك ما أريد لما يريد
** محبة القدر قال فيها :
ذل الحياة وهول الممات كلا وجدناه طعما وبيلا
فإن كان لابد إحداهما فمشيا إلى الموت مشيا جميلا
** صدق حب الإله قال فيه :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة منه وأنت لشكر ذاك مضيع
** الحفظ مربوط بالصلاح :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
واخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاص
شافعيات
** كان عالما متواضعا وقال :
كلما أدبي الدهر أر أني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي
** مما كتبه في حب الإمام أبوحنيفة :
لقد زان البلاد ومن عليها إمام المسلمين أبو حنيفة
بآثار وفقه مع حديث كآيات الزبور على صحيفة
فما بالمشرقي له نظير ولا بالمغربين ولا بكوفة
فرحمة ربنا أبدا عليه مدى الأيام ما قرأت صحيفة
** وفي تعامله مع السفهاء قال :
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
** كان شديد التواضع وقال :
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
وردا عليه قال الإمام أحمد بن حنبل في أبيات حكيمة وطريفة :
تحب الصالحين وأنت منهم
ومنكم سوف يلقون الشفاعة
وتكره من تجارتهم معاصي
وقاك الله من شر البضاعة
** كان لا يحب الثرثرة ويفضل الصمت وقال :
وجدت سكوتي متجرا فلزمته إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجر وتاجر يعلو على كل تاجر
** يتضح من كلمات الشافعي كم طعن من صديق وقد قال ذات يوم :
كن ساكنا في ذا الزمان بسيئره وعن الورى كن راهبا في ديره
واغسل يديك من الزمان وأهله واحذر مودتهم تنل من خيره
إني اطلعت فلم أجد لي صاحبا أصحبه في الدهر ولا في غيره
فتركت أسفلهم لكثرة شره وتركت أعلاهم لقلة خيره
** ومن أروع ما كتب دعاء لله يتذلل فيه للخالق ويبكي ذنوبه ويسأله رضاه ونستمتع بأبيات شافعية عطرة :
عبادة
إليك إله الخلق أرفع رغبتي وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما
ولما قسا قلبي وضاق مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابد فكيف وقد أغوى صفيك أدما
فياليت شعري هل أصير لجنة أهنا وأما للسعير فأندما
فلله در العارف الندب إنه تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
منقول للفائدة