عبدالله العذبة
20-05-2008, 09:55 AM
(ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا.!!)
عرض الكيبل منذ أسابيع فيلما هوليوديا ذا إنتاج ضخم عن خسارة الصليبيين للقدس وهزيمتهم لصالح صلاح الدين الأيوبي..!!
من العجيب أن نري فيلما من وجهة النظر الغربية يوثق لهزيمتهم النكراء وأسبابها المندية للجبين، ويظهر بين الهوامش والأركان والثغرات ان المسلمين لهم دين إلهي يتمسكون به، وكلمة شرف يتقيدون بها، وشجاعة بطولية وأخلاقيات عارمة يتحلون بها.
جوهر الفيلم يتشكل بوجود أمتين تتعاركان للفوز بالقدس ذات المقدسات الإلهية للجانبين، وقد كان الصليبيون يحتلونها لمدة مائة عام، وقد ربطوا وثاق المسلمين الذين ما فتئوا يحاولون استردادها بمواثيق واتفاقيات (ما أشبه اليوم بالبارحة) بل بصداقة حميمة بين ملكهم الأول المريض قبل أن يموت بالجذام ويخلفه صهره الدموي الذي لم يأل جهدا في إشاعة الكراهية والبغض والسعي للحرب والتدمير وإثارة القلاقل وفك الهدنة مع المسلمين بتحريض من كاهن الكنيسة الأعلي، مما دفع صلاح الدين حينها إلي مهاجمتهم ثأرا لمقتل شقيقته ونهبهم لقافلتها ورفضهم لتسليم قتلتها، بل كان ردهم علي طلبه قتل رسوله وإرسال رأسه إليه تكبرا وعجرفة ودعوة للحرب والإبادة..!!
بين الفيلم أخلاقيات الطرفين بمعزل عن شراسة ملكهم الجديد وراعي كنيسته، فقد كانوا حضاريين سواء في تعاملهم الحياتي أو في مبارزاتهم وتصادمهم الحضاري، كل له قضية وله إيمان مختلف، وكل له بواعثه وجذوره الطائفية والعرقية التي تتصادم مع مفهوم الآخر ولكنها في نفس الوقت تتمتع بأخلاقيات التعامل مع المغاير، وقد جسد الناصر صلاح الدين هذه القيم، عندما عرض علاج خصمه الملك المريض وأرسل إليه أطباءه، وعامله بكل تقدير بما يليق بمكانته ومركزه.
لقد ظلت القدس رهينة سيطرة الصليبيين مائة عام قبل ان يستردها صلاح الدين، فهذا يعلمنا بأن الدوائر تدور، وان المحاور تتغير، وأن الأفلاك تغير أنجمها ومواقع حظوظها. أيضا من الدروس العظيمة التي طرحها الفيلم بأن الاختلاف وخصوصا بين الشعوب يجب إلا يقضي علي الشهامة والنبل في سلوكياتهم، لقد كانوا في مواقع بدائية ومناطق صحراوية ، كانوا اقرب إلي البداوة والجلافة، وكان الرجل منهم معرضا للقتل في إيابه ورواحه، ولكنهم كانوا كلا الطرفين رغم عدم تخليهم عن قيمهم ومبادئ قومهم الوطنية أوتعصبهم لدينهم إلا ان نبل أخلاقهم كان من القوة بحيث احترم كل منهم ديانة خصمه مع تعارضها مع معتقداته، ومع أن أحد الطرفين كان مسيطرا سياديا علي أرض الآخر. توضح لقطة من الفيلم قول احد الفرسان الصليبيين حديثي الوفود إلي القدس للآخر : لم تتركون المسلمين المقيمين بالقدس يؤدون شعائر دينهم..؟؟
فأجابه: أنهم يعبدون الله، فكيف نمنعهم من السجود لله..؟؟
ليس هوالتسامح فقط ولكنه السمو وخوف الله، كيف يقتل رجلا آخر لأنه يعبد الخالق بطريقته، وكيف يمنعه من أن يصلي للإله العظيم..؟؟ لقد أدركوا بأن إلههم واحد، هوالله، ومهما تعددت الطرق فان الصلاة والسجود والخشوع وسائل واحدة لا تتجزأ ولا ينضب معينها الروحي.
وكيف من الدين إجبار الناس علي اعتناق ملتهم اعتقادا بأنها إرادة الرب ورغبته، ان الله أكرم وأجل وأكبر من أن يقبل صلاة رجل مغصوب علي أدائها، انه لا يحتاجها ولديه عباده الأبرار الذين يخاطبونه ويركعون ويسجدون له تذللا وخشية ورغبة بقبوله لهم ورضاه عنهم.
ان الله أعلم بالنوايا والقلوب، وصلاة كل امريء وخشوعه وصلته بربه ليس من شأن بني آدم ولا تحت سلطة شريعتهم مهما كانت أو واجبهم، أنها بين كل عبد وربه، ولا يمكن أن يتدخل فيها حتي الوالد المتدين المتعبد بتشكيل علاقة ولده بإلهه، كل امريء بما نوي، ولا تزر وازرة وزر أخري.
لذلك كل العجب لمن يستنكر وجود كنيسة في البلاد ما دامت لا تتدخل ولا تتطفل ولا تؤثر ولا تضايق ولا تصدر تعاليمها، ولا تتواجد في أي ظرف وحدث ومكان، ولا تتعرض لمواطن أومقيم من غير ملتها..؟؟ كيف نستنكر أداء المسيحيين لصلاتهم في كنيستهم في الوقت الذي نستهجن فيه منعنا كمسلمين من ارتياد مساجدنا في بلادهم..؟؟
ومتي.. بعد الذي فعلناه بديارهم وفاجعة الحادي عشر من سبتمبر، التي شوهت مفهوم الإسلام تماما لدي شعب لا نقول أنه بات يكره هذا الدين ولكن يخاف منه لدرجة الترويع، وقد استغل الرئيس بوش هذا الرعب ليغطي استعماره وخططه لغزوالعراق وكل دولة مختارة بمجرد أن يصمها بالإرهاب، وشعبه منقاد يؤيد كل ما يمكن أن يصد عنه أي هجوم آخر محتمل بات يهدده ويقض مضجعه وقد فقد الأمان للأبد..!!
انه لشيء غريب ان نعتبر وجود المساجد في الديار المسيحية كأمر مسلم به، بل حق لا مزايدة عليه..!! وأن تأديتنا لشعائرنا بوضوح وعلانية واجب يجب أن يحترم ، وارتداء نسائنا للحجاب والنقاب والجلباب من المسلمات التي يجب ألا تمس، نعم هذا من حقنا (بل من مبادئ حقوق الإنسان التي كفلها الميثاق العالمي لكل البشرية، التي يملك أفرادها الحق في مزاولة عباداتهم بأمان واحترام)، ولكن لم نحن نملك هذه التقريرية وهذا التأكيد الجازم بحقنا في أراضيهم، ولم لا نهتم برأيهم ونلغي سلطتهم وتفكيرهم، وهم لا يفهمون ديننا ولا يفقهونه ومع ذلك نطالبهم باحترامه وإتاحة الحرية لمريديه، بل ونستغرب ان رفضوا أوأدانوا أواحتجوا كما نفعل نحن مع دينهم في بلادنا..؟؟
لم نملك كل هذا الإحساس المتفجر بنبل مطالبنا وعلو شأنها، ولا نفكر لحظة واحدة بأن لهم دينا أيضا يعاملونه كما نعامل عقيدتنا، ولديهم نهج يقدسونه ويبجلونه مثلما نري ديننا كمسلمة من مسلمات الطبيعة التي لا تحتمل النقاش.
بالضبط.. ان لدينهم اعتباره وقدسيته واحترامه، وهو دين سماوي أنزله الله، وهوعبادة أولا وأخيرا لله سبحانه وتعالي ، كل يؤدي طقوسه بحسب علاقته بربه، لأن الدين هوالأمر الوحيد الذي لا إكراه فيه، فلا جدوي من تطبيقه بالقوة فلن يتقبله الله، ولكن التعامل الحسن والرقي بالسلوك قد يضيئان أفئدة النصاري وغيرهم من معتنقي الأديان الأخري، ويقربهم لديننا ولعظمته ولسماحته، وان لم يتحقق ذلك فلا نبتئس، فهناك الكثير من المسلمين المتعصبين ظاهريا بالإسلام ولكنهم والعياذ بالله يغشون ويسرقون ويفعلون المحرمات، الإسلام ليس كلمة في خانة الديانة في شهادة الولادة ووثيقة السفر، انه إحساس وإيمان وسلوك قبل كل شيء.
ان وجود كنيسة في قطر أوأي بلد إسلامي لا يعني بداية الانهيار والتحالف مع الكفار، ولا يعني مجاراتهم والاستكانة لتأثيرهم، ولا يعني ضعف القضية وفتور الهمة وانحلال العقيدة. لم يؤثر وجود الكنائس ولا علاقات التحالف ومعاهداته ولا احترام الأديان ولا التحلي بأخلاقيات النبل والشهامة في التعامل مع معتنقي الأديان السماوية الأخري، ولا تقدير الملوك والفرسان في عهد صلاح الدين وقبله من الخلفاء الراشدين وقبلهم جميعا وعلي رأسهم نبينا المصطفي (صلي الله عليه وسلم)، لم يفلح هذا الاحترام في قتل جذوة المسلمين كما لم يؤثر وجود المسلمين المقيمين في القدس وقيامهم بشعائرهم بتقليل تعصب المسيحيين وتأثرهم بالإسلام.
لقد تمسك كل من الجانبين أكثر بهويته مع وجود الآخر يهددها، وهذا ما نراه اليوم، لم يستطع العيش والذوبان في مجتمعات أوروبا وأمريكا من تغيير مذهب ملايين المسلمين المقيمين هناك والحاصلين علي جنسية هذه البلاد، والمختلطين إنسانيا وبشريا في جميع النواحي معهم، رغم أنهم قلة ومشرذمون وأجانب وبالإمكان التأثير فيهم ودمجهم، فكيف نخاف من تأثير كنيسة في موطن الإسلام والمساجد ولا اله إلا الله محمد رسول الله..؟؟
وكيف تؤثر فينا كنيسة لا احد يعلم مكانها، وغير مسموح لها بممارسة التبشير والاستقطاب والتأثير والتواصل مع غير مريديها..؟؟ وهذا كان شرطا واضحا من شروط السماح بإقامتها.
ان خاصية التمسك بالجذور والثوابت المذهبية ليست ظاهرة إسلامية أو صليبية فقط ولكنها موجودة أيضا حتي لدي البوذيين والهندوسيين وغيرهم من عبده الأصنام، أنها أمور عقائدية لا يسهل تخطيها وتغييرها، وليست بالتفاهة واليسر التي تعتقد ان مجرد بناء كنيسة سيؤثر بها، ويشكل تهديدا لعقيدة غيرها، وما هذه الملايين التي خرجت لنصرة رسول الله تدك الأرض بأقدامها وتهدر بحناجرها، وأين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا التي تحتضن مليون مسلم و400 مسجد لم يتأثروا بالموقع ولا بالبابا ولا بالفاتيكان..!!
ذلك أكبر دليل علي ان الدين أعظم من أن تهدده كنيسة وهم في بلاد الكنائس والصلبان، وخصوصا ان كان الهدف منها ليس غزو المسلمين عقائديا، وغير مسموح لها بتاتا بممارسة التبشير ولكن لاحترام حق الآخر في التعبد ومخاطبة الله والتقرب إليه حسب تعاليمهم.
مثلما نرغب أن نحتفظ بحقوقنا في العبادة وارتداء ملابسنا الوطنية وأداء طقوسنا الدينية في بلادهم، فمن العدالة ان نسمح بالمثل للآخرين ما داموا لن يخلوا بشروط الضيافة، ولن يجعلوا وجودهم سلاحا وبؤرة للتبشير والتأثير، وصدق الله العلي العظيم (ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا، أعدلوا هوأقرب للتقوي).
(من يوصل لهم الرسالة ..؟؟)
مريم آل سعد
كاتبة قطرية
المقال طويل بقيته هنا في الراية 20-5-2008 http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=349303&version=1&template_id=24&parent_id=23
عرض الكيبل منذ أسابيع فيلما هوليوديا ذا إنتاج ضخم عن خسارة الصليبيين للقدس وهزيمتهم لصالح صلاح الدين الأيوبي..!!
من العجيب أن نري فيلما من وجهة النظر الغربية يوثق لهزيمتهم النكراء وأسبابها المندية للجبين، ويظهر بين الهوامش والأركان والثغرات ان المسلمين لهم دين إلهي يتمسكون به، وكلمة شرف يتقيدون بها، وشجاعة بطولية وأخلاقيات عارمة يتحلون بها.
جوهر الفيلم يتشكل بوجود أمتين تتعاركان للفوز بالقدس ذات المقدسات الإلهية للجانبين، وقد كان الصليبيون يحتلونها لمدة مائة عام، وقد ربطوا وثاق المسلمين الذين ما فتئوا يحاولون استردادها بمواثيق واتفاقيات (ما أشبه اليوم بالبارحة) بل بصداقة حميمة بين ملكهم الأول المريض قبل أن يموت بالجذام ويخلفه صهره الدموي الذي لم يأل جهدا في إشاعة الكراهية والبغض والسعي للحرب والتدمير وإثارة القلاقل وفك الهدنة مع المسلمين بتحريض من كاهن الكنيسة الأعلي، مما دفع صلاح الدين حينها إلي مهاجمتهم ثأرا لمقتل شقيقته ونهبهم لقافلتها ورفضهم لتسليم قتلتها، بل كان ردهم علي طلبه قتل رسوله وإرسال رأسه إليه تكبرا وعجرفة ودعوة للحرب والإبادة..!!
بين الفيلم أخلاقيات الطرفين بمعزل عن شراسة ملكهم الجديد وراعي كنيسته، فقد كانوا حضاريين سواء في تعاملهم الحياتي أو في مبارزاتهم وتصادمهم الحضاري، كل له قضية وله إيمان مختلف، وكل له بواعثه وجذوره الطائفية والعرقية التي تتصادم مع مفهوم الآخر ولكنها في نفس الوقت تتمتع بأخلاقيات التعامل مع المغاير، وقد جسد الناصر صلاح الدين هذه القيم، عندما عرض علاج خصمه الملك المريض وأرسل إليه أطباءه، وعامله بكل تقدير بما يليق بمكانته ومركزه.
لقد ظلت القدس رهينة سيطرة الصليبيين مائة عام قبل ان يستردها صلاح الدين، فهذا يعلمنا بأن الدوائر تدور، وان المحاور تتغير، وأن الأفلاك تغير أنجمها ومواقع حظوظها. أيضا من الدروس العظيمة التي طرحها الفيلم بأن الاختلاف وخصوصا بين الشعوب يجب إلا يقضي علي الشهامة والنبل في سلوكياتهم، لقد كانوا في مواقع بدائية ومناطق صحراوية ، كانوا اقرب إلي البداوة والجلافة، وكان الرجل منهم معرضا للقتل في إيابه ورواحه، ولكنهم كانوا كلا الطرفين رغم عدم تخليهم عن قيمهم ومبادئ قومهم الوطنية أوتعصبهم لدينهم إلا ان نبل أخلاقهم كان من القوة بحيث احترم كل منهم ديانة خصمه مع تعارضها مع معتقداته، ومع أن أحد الطرفين كان مسيطرا سياديا علي أرض الآخر. توضح لقطة من الفيلم قول احد الفرسان الصليبيين حديثي الوفود إلي القدس للآخر : لم تتركون المسلمين المقيمين بالقدس يؤدون شعائر دينهم..؟؟
فأجابه: أنهم يعبدون الله، فكيف نمنعهم من السجود لله..؟؟
ليس هوالتسامح فقط ولكنه السمو وخوف الله، كيف يقتل رجلا آخر لأنه يعبد الخالق بطريقته، وكيف يمنعه من أن يصلي للإله العظيم..؟؟ لقد أدركوا بأن إلههم واحد، هوالله، ومهما تعددت الطرق فان الصلاة والسجود والخشوع وسائل واحدة لا تتجزأ ولا ينضب معينها الروحي.
وكيف من الدين إجبار الناس علي اعتناق ملتهم اعتقادا بأنها إرادة الرب ورغبته، ان الله أكرم وأجل وأكبر من أن يقبل صلاة رجل مغصوب علي أدائها، انه لا يحتاجها ولديه عباده الأبرار الذين يخاطبونه ويركعون ويسجدون له تذللا وخشية ورغبة بقبوله لهم ورضاه عنهم.
ان الله أعلم بالنوايا والقلوب، وصلاة كل امريء وخشوعه وصلته بربه ليس من شأن بني آدم ولا تحت سلطة شريعتهم مهما كانت أو واجبهم، أنها بين كل عبد وربه، ولا يمكن أن يتدخل فيها حتي الوالد المتدين المتعبد بتشكيل علاقة ولده بإلهه، كل امريء بما نوي، ولا تزر وازرة وزر أخري.
لذلك كل العجب لمن يستنكر وجود كنيسة في البلاد ما دامت لا تتدخل ولا تتطفل ولا تؤثر ولا تضايق ولا تصدر تعاليمها، ولا تتواجد في أي ظرف وحدث ومكان، ولا تتعرض لمواطن أومقيم من غير ملتها..؟؟ كيف نستنكر أداء المسيحيين لصلاتهم في كنيستهم في الوقت الذي نستهجن فيه منعنا كمسلمين من ارتياد مساجدنا في بلادهم..؟؟
ومتي.. بعد الذي فعلناه بديارهم وفاجعة الحادي عشر من سبتمبر، التي شوهت مفهوم الإسلام تماما لدي شعب لا نقول أنه بات يكره هذا الدين ولكن يخاف منه لدرجة الترويع، وقد استغل الرئيس بوش هذا الرعب ليغطي استعماره وخططه لغزوالعراق وكل دولة مختارة بمجرد أن يصمها بالإرهاب، وشعبه منقاد يؤيد كل ما يمكن أن يصد عنه أي هجوم آخر محتمل بات يهدده ويقض مضجعه وقد فقد الأمان للأبد..!!
انه لشيء غريب ان نعتبر وجود المساجد في الديار المسيحية كأمر مسلم به، بل حق لا مزايدة عليه..!! وأن تأديتنا لشعائرنا بوضوح وعلانية واجب يجب أن يحترم ، وارتداء نسائنا للحجاب والنقاب والجلباب من المسلمات التي يجب ألا تمس، نعم هذا من حقنا (بل من مبادئ حقوق الإنسان التي كفلها الميثاق العالمي لكل البشرية، التي يملك أفرادها الحق في مزاولة عباداتهم بأمان واحترام)، ولكن لم نحن نملك هذه التقريرية وهذا التأكيد الجازم بحقنا في أراضيهم، ولم لا نهتم برأيهم ونلغي سلطتهم وتفكيرهم، وهم لا يفهمون ديننا ولا يفقهونه ومع ذلك نطالبهم باحترامه وإتاحة الحرية لمريديه، بل ونستغرب ان رفضوا أوأدانوا أواحتجوا كما نفعل نحن مع دينهم في بلادنا..؟؟
لم نملك كل هذا الإحساس المتفجر بنبل مطالبنا وعلو شأنها، ولا نفكر لحظة واحدة بأن لهم دينا أيضا يعاملونه كما نعامل عقيدتنا، ولديهم نهج يقدسونه ويبجلونه مثلما نري ديننا كمسلمة من مسلمات الطبيعة التي لا تحتمل النقاش.
بالضبط.. ان لدينهم اعتباره وقدسيته واحترامه، وهو دين سماوي أنزله الله، وهوعبادة أولا وأخيرا لله سبحانه وتعالي ، كل يؤدي طقوسه بحسب علاقته بربه، لأن الدين هوالأمر الوحيد الذي لا إكراه فيه، فلا جدوي من تطبيقه بالقوة فلن يتقبله الله، ولكن التعامل الحسن والرقي بالسلوك قد يضيئان أفئدة النصاري وغيرهم من معتنقي الأديان الأخري، ويقربهم لديننا ولعظمته ولسماحته، وان لم يتحقق ذلك فلا نبتئس، فهناك الكثير من المسلمين المتعصبين ظاهريا بالإسلام ولكنهم والعياذ بالله يغشون ويسرقون ويفعلون المحرمات، الإسلام ليس كلمة في خانة الديانة في شهادة الولادة ووثيقة السفر، انه إحساس وإيمان وسلوك قبل كل شيء.
ان وجود كنيسة في قطر أوأي بلد إسلامي لا يعني بداية الانهيار والتحالف مع الكفار، ولا يعني مجاراتهم والاستكانة لتأثيرهم، ولا يعني ضعف القضية وفتور الهمة وانحلال العقيدة. لم يؤثر وجود الكنائس ولا علاقات التحالف ومعاهداته ولا احترام الأديان ولا التحلي بأخلاقيات النبل والشهامة في التعامل مع معتنقي الأديان السماوية الأخري، ولا تقدير الملوك والفرسان في عهد صلاح الدين وقبله من الخلفاء الراشدين وقبلهم جميعا وعلي رأسهم نبينا المصطفي (صلي الله عليه وسلم)، لم يفلح هذا الاحترام في قتل جذوة المسلمين كما لم يؤثر وجود المسلمين المقيمين في القدس وقيامهم بشعائرهم بتقليل تعصب المسيحيين وتأثرهم بالإسلام.
لقد تمسك كل من الجانبين أكثر بهويته مع وجود الآخر يهددها، وهذا ما نراه اليوم، لم يستطع العيش والذوبان في مجتمعات أوروبا وأمريكا من تغيير مذهب ملايين المسلمين المقيمين هناك والحاصلين علي جنسية هذه البلاد، والمختلطين إنسانيا وبشريا في جميع النواحي معهم، رغم أنهم قلة ومشرذمون وأجانب وبالإمكان التأثير فيهم ودمجهم، فكيف نخاف من تأثير كنيسة في موطن الإسلام والمساجد ولا اله إلا الله محمد رسول الله..؟؟
وكيف تؤثر فينا كنيسة لا احد يعلم مكانها، وغير مسموح لها بممارسة التبشير والاستقطاب والتأثير والتواصل مع غير مريديها..؟؟ وهذا كان شرطا واضحا من شروط السماح بإقامتها.
ان خاصية التمسك بالجذور والثوابت المذهبية ليست ظاهرة إسلامية أو صليبية فقط ولكنها موجودة أيضا حتي لدي البوذيين والهندوسيين وغيرهم من عبده الأصنام، أنها أمور عقائدية لا يسهل تخطيها وتغييرها، وليست بالتفاهة واليسر التي تعتقد ان مجرد بناء كنيسة سيؤثر بها، ويشكل تهديدا لعقيدة غيرها، وما هذه الملايين التي خرجت لنصرة رسول الله تدك الأرض بأقدامها وتهدر بحناجرها، وأين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا التي تحتضن مليون مسلم و400 مسجد لم يتأثروا بالموقع ولا بالبابا ولا بالفاتيكان..!!
ذلك أكبر دليل علي ان الدين أعظم من أن تهدده كنيسة وهم في بلاد الكنائس والصلبان، وخصوصا ان كان الهدف منها ليس غزو المسلمين عقائديا، وغير مسموح لها بتاتا بممارسة التبشير ولكن لاحترام حق الآخر في التعبد ومخاطبة الله والتقرب إليه حسب تعاليمهم.
مثلما نرغب أن نحتفظ بحقوقنا في العبادة وارتداء ملابسنا الوطنية وأداء طقوسنا الدينية في بلادهم، فمن العدالة ان نسمح بالمثل للآخرين ما داموا لن يخلوا بشروط الضيافة، ولن يجعلوا وجودهم سلاحا وبؤرة للتبشير والتأثير، وصدق الله العلي العظيم (ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا، أعدلوا هوأقرب للتقوي).
(من يوصل لهم الرسالة ..؟؟)
مريم آل سعد
كاتبة قطرية
المقال طويل بقيته هنا في الراية 20-5-2008 http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=349303&version=1&template_id=24&parent_id=23