المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تجنباً لتراجع اقتصادي أخطر



سيف قطر
28-05-2008, 07:26 AM
تجنباً لتراجع اقتصادي أخطر
| تاريخ النشر:يوم الأربعاء ,28 مايُو 2008 2:10 أ.م.



بقلم الدكتور: لويس حبيقة :
النتائج الكاملة لمؤتمر الدوحة لن تظهر بين يوم وآخر، وبالتالي لن نشعر بالنتائج الحقيقية الا بعد أسابيع وربما أشهر، ليس كل ما يقال في الاعلام صحيحاً وكاملاً مائة في المائة، واذا كانت هنالك من حقائق مخبأة فلابد وأن تظهر تباعا بعد العودة الى بيروت، فالتسويات ضرورية في معظم الأحيان خاصة في السياسة، الا أن التسوية لا تعطي عموما النتائج الفضلى علما أنها تبقى أفضل الممكن. لذا بعد الدوحة لابد من درس الواقع الاقتصادي والمالي والنقدي اللبناني بموضوعية بعيدا عن السياسة لتقييم ما حصل واقرار السياسات الصحيحة. لبنان ليست الدولة الوحيدة في العالم التي كانت تعرف ازدهارا كبيرا فقدته بسبب السياسة والأمن وسوء الاداء الاداري. كان لبنان سويسرا الشرق، وأصبح اليوم أقرب من هانوي منه الى زوريخ. هنالك حضارات وثقافات وامبراطوريات كاملة غابت أو سقطت أو خسرت، ولابد من التنبه الى كل التطورات داخل لبنان وخارجه حتى لا تتراجع أوضاعنا أكثر.

في نهاية الألفية الأولى كانت حضارات القارة الآسيوية متقدمة جدا على الأوروبية في الغنى والمعرفة. في صناعة النسيج مثلا، امتلكت الصين منذ القرن الثالث عشر ماكينات غزل النسيج التي تعمل على الطاقة وذلك حوالي 500 سنة قبل الثورة الصناعية. بالرغم من تفوقها العلمي لم تستطع الصين تثمير اختراعاتها الرائدة، أي لم تدخلها في الاقتصاد والانتاج للتطوير والازدهار كما كان متوقعا منها. انحدرت أوروبا في زمن القرون الوسطى أي في القرن العاشر من مجد اليونان وروما لتدخل في فوضى لا مثيل لها سببت لها تراجعا علميا واقتصاديا كبيرين. انعزلت أوروبا تجاريا عن العالم وخسرت أفضل مواردها البشرية. نعلم جميعا أهمية التجارة والاستثمار الدوليين لدراسة التكنولوجيا المستوردة واستعمالها في الاقتصاد الوطني. أما العنصر البشري الذي ترك أوروبا لينشر علمه في الدول التي استقبلته، فكان مفيدا جدا لها ومضرا للمصدر الأوروبي. باختصار سددت أوروبا فاتورة وارداتها عبر الهجرة.

بعد حوالي 500 سنة انقلبت الخريطة الاقتصادية الدولية فنهضت أوروبا وتعثرت المسيرة الآسيوية. لماذا تراجعت الصين بعد قرون من التطور والقيادة؟ لماذا لم تنبع الثورة الصناعية مثلا من الصين بالرغم من جهوزيتها العلمية بل أتت بعد قرون من أوروبا؟ منذ أكثر من ألف سنة كانت الصين متقدمة على الجميع بمن فيهم الأوروبيون، فما هي أسباب التراجع وما هي الدروس المفيدة للأوضاع اللبنانية؟

أولا: لم تكن الأسواق التجارية الصينية حرة ولم يكن هنالك نظام ومؤسسات لتسجيل وحماية الملكية الفردية. لم يكن ممكنا للشركات ممارسة أعمالهم بحرية بل كانت القيود كبيرة وصارمة. لابد من تحرير الاقتصاد اللبناني في كل القطاعات بدأ من الاستيراد الى تسهيل الاجراءات التي تخضع لها الشركات خاصة المستثمرين الجدد. أما المؤسسات والأنظمة والقوانين بشكل عام، فلابد من اعادة تكوينها أو تطويرها عندما يستتب الأمن السياسي.

ثانيا: غياب الحريات في الصين ووجود عقلية وعادات تؤكد على الحكمة والاعتدال والاجماع والتوازن الفكري، فالديموقراطية التوافقية ليست اختراعا لبنانيا بل تعود الى قرون مضت وربما الى الصين حيث ساهمت في تأخرها وضياع وهجها العلمي الرائد. هنالك نقاش حول جدوى هذه العقلية التي كانت عائقا أمام التغيير والتجدد. كانت العقلية الصينية ضامنة للاستمرارية الهادئة وليس للتغيير المجدي، فأصبحت في الواقع حصنا منيعا أمام التطور والتغيير. أما لبنان المكون من مجموعات بشرية مختلفة، فلابد وأن تتفاعل ايجابا للتطور، فالغرق في التوافق والاجماع مضر، إذ يؤخر اتخاذ القرارات ويجعل الحكم مستحيلا. لابد وأن نعود الى الديموقراطية الحقيقية المبنية على أكثرية وأقلية شرط أن يتم انتخابهما عبر قانون عادل ومنطقي. بالرغم من شوائبه، يبقى قانون 1960 أفضل الممكن وأنتج مجالس نيابية لم نعرف مثلها فيما بعد.

ثالثا: لم يسع المجتمع الصيني للتطور بل نام على أمجاده الماضية. اعتقد الصينيون أن حضارتهم لا تقهر وبالتالي هزؤوا من التحديات التي وجدت أمامهم. لم يحاول القادة الصينيون معرفة رغبات شعبهم لتلبيتها، بل تمادوا في ممارسة سلطتهم دون حدود أي سلبوا حقوق المواطن. بالرغم من الحضارة الصينية التي تدعو للعمل، لم يكن للصين كما كان لأوروبا سلطة دينية مركزية جامعة تشجع المواطن على التعلم واقتباس المعرفة. هنا تكمن المخاطر الكبرى على لبنان بسبب تأثر اللبنانيين سياسيا أكثر فأكثر بمذاهبهم المتنوعة وبالتالي بما يفرقهم. يخطئ السياسيون إذا أهملوا مطالب اللبنانيين الراغبين في العيش بهدوء وطمأنينة. التركيبة الحكومية وقانون الانتخابات وعلاقة الدولة بالمجموعات الداخلية كلها مهمة، لكن معيشة اللبنانيين ونوعية حياتهم مهمة أكثر ويجب التفكير بها بدأ من الدوحة والى آخر الأرض.

تعود الصين اليوم لتحتل من جديد مكانا مرموقا في الاقتصاد الدولي. تعتمد الصين كما الهند على اليد العاملة للانتاج. نجحت الصين في تصدير السلع الصناعية ونجحت الهند في تصدير كافة أنواع الخدمات. ارتفعت الصادرات الصينية من الناتج من 20% في سنة 2001 إلى 40% في سنة2007 يبلغ حجم الاستثمارات من الناتج الصيني حوالي 40% وهو مرتفع مقارنة بكل المعايير الدولية. تعادل الصادرات الخدماتية الهندية ضعفي الصادرات المماثلة من الصين، مما يؤكد مجددا على جدوى التخصص في الانتاج وبالتالي في التصدير. تستفيد الصين كما الهند من التقدم الهائل الحاصل في عالم الاتصالات وخاصة في الخليوي. هنالك 500 مليون مستعمل للخليوي في الصين، أي ما يعادل المجموع الأوروبي وهذا مدهش. سمح الخليوي للدول النامية بتخطي مرحلة الهاتف الثابت والاستثمار مباشرة فيه. ستصبح الصين قريبا الدولة الأولى في العالم من ناحية استعمال الإنترنت، أي ستتقدم على الولايات المتحدة نفسها. خلال السنوات الثلاث الماضية أصبحت الصين المصدرة الأولى عالميا في قطاع تقنيات المعلومات والحواسب.

خلال السنوات العشرة الماضية، زادت نسبة واردات الدول الفقيرة من السلع ذات الكنولوجيا المرتفعة من الناتج بـ50% علما أن الزيادة بلغت 70% في الدول الناشئة مما يؤكد رغبة المجموعتين النامية والناشئة في اعتماد أفضل التكنولوجيا المستوردة في الانتاج. أما في صادرات السلع ذات التكنولوجيا المرتفعة، كانت النتائج مدهشة إذ زادت حصة الدول الناشئة في السوق العالمي بنسبة 140% بين منتصف التسعينات حتى اليوم. زادت التحويلات كثيرا بسبب عمالة الدول النامية المنتشرة في الدول الغربية والنفطية وتبلغ اليوم حوالي 2% من ناتج الدول النامية أي ما يفوق حجم المساعدات الخارجية التي تحصل عليها. أما حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة الى الدول النامية، فزادت 7 مرات نسبة للناتج منذ الثمانينيات. أما للصين تحديدا، حوالي 50% من الاستثمارات الوافدة أي 20 مليار دولار سنويا تأتي من صينيي الاغتراب المنتشرين في كل دول الغرب.

أخيرا ما هي العوائق أمام استيراد التكنولوجيا الى الدول النامية والناشئة؟ أولا، الوضع التكنولوجي القائم وصعوبة التغيير. هذا موجود في كل الدول حيث يعتاد المواطن والعامل على واقعه ويقاوم التغيير حتى اذا اقتنع بجدواه. هنا تكمن أهمية التدريب والتعليم وكفاءة الادارة التي تسهل الانتقال من وضع تكنولوجي متأخر الى متقدم. أما العائق الثاني فيرتكز على القدرة في استيعاب التطور المستورد التي تحددها المستويات التعليمية ونشاط البحث والتطوير ودرجة تطور الأسواق المالية بالإضافة إلى نوعية الادارة العامة والحكم. في الدول الغنية تتمول الشركات والأفراد من المصارف والأسواق المالية ومؤسسات الاقراض المتخصصة، وهذا غير متوافر أو محدود جدا في أكثرية الدول النامية والناشئة، العوائق لا شك كبيرة، إلا أن ازالتها ممكن بل واجب.