كش ملك!!
02-11-2005, 10:38 PM
قال عبدالله بن معمر القيسي : حججت سنة ، ثم دخلت ذات ليلة مسجد المدينة لزيارة قبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فبينما أنا جالس بين القبر والمنبر ، إذ سمعت أنيناُ فأصغيت إليه . فإذا هو يقول :
شجاك نوح حمائم السدر **** فإهجن منك بلابل الصدر
أم عز نومك ذكر غانية **** أهدت إليك وساوس الفكر
يا ليلة طالت على دنف **** يشكو السهاد وقلة الصبر
أسلمت من تهوى لحر جوى **** متوقد كتوقد الجمر
فالبدر يشهد أنني كلف **** مغرم بحب شبيهة البدر
ما كنت أحسبني أهيم بها **** حتى ، بليت وكنت لا أدري
ثم أنقطع الصوت ، فلم أدر من أين جاء ، وإذا قد عاد البكاء والأنين ، وأنشد :
أشجاك من ريا خيال زائر **** والليل مسود الذوائب عاكر
واغتال مهجتك الهوى برسيسه **** واهتاج مقلتك الخيال الزائر
ناديت ريا والظلام كأنه **** ملك ترجل والنجوم عساكر
وترى به الجوزاء ترقص في الدجى *** رقص الحبيب علاه سكر ظاهر
ياليل ، طلت على محب ماله **** إلا الصباح مساعد ومؤازر
فأجابني : مت حتف أنفك واعلمن **** أن الهوى لهو الهوان الحاشر
قال : وكنت ذهبت عند ابتدائه بالأبيات فلم ينتبه إلا وأنا عنده ، فرأيت شاباً مقتبلاُ شبابه قد خرق الدمع في خده خرقين ، فسلمت عليه ، فقال : اجلس من انت ؟ قلت : عبدالله بن معمر القيسي ، قال : ألك حاجة ؟ قلت : نعم ، كنت جالساً في الروضة فما راعني إلا صوتك ، فبنفسي . أفديك ، فما الذي تجد؟ فقال : أنا عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري ، غدوت يوماً إلى مسجد الأحزاب فصليت فيه ، ثم اعتزلت غير بعيد ، فإذا أنا بنسوة قد أقبلن يتهادين مثل القطا ، وإذا في وسطهن جارية بديعة الجمال، كاملة الملاحة ، فوقفت على فقالت :
يا عتبة : ما تقول في وصل من تطلب وصلك ؟ ثم تركتني وذهبت فلم أسمع لها خبراً ، ولا قفوت لها أثراً ، وأنا حيران أنتقل من مكان إلى آخر ، ثم صرخ وأكب مغشياً عليه ، ثم أفاق ، كأنما سبغت وجنتاه بورس ، ثم أنشد :
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة **** فياهل تروني بالفؤاد على بعدي
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم **** وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم **** ولو كنت في الفردوس في جنة الخلد
فقلت : يا ابن أخي تب إلى ربك واستغفره من ذنبك ، فبين يديك هول المطلع ، فقال : ما أنا بسال حتى يؤوب القارظان ، ولم أزل معه إلى أ ن طلع الصبح ، فقلت : قم بنا إلى مسجد الأحزاب ، فلعل الله أن يكشف كربتك فقال : أرجو ذلك إن شاء الله ببركة طاعتك ، فذهبنا حتى أتينا مسجد الأحزاب فسمعته يقول :
ياللرجال ليوم الأربعاء ، أما **** ينفك يحدث لي بعد النهى طربا
ما إن يزال غزال منه يقتلني **** يأتى إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس أن الأجر همته **** وما أتى طالباً للخير محتسبا
لو كان يبغى ثواباُ ما أتى صلفاً **** مضخماً بفتيت المسك مختضبا
ثم جلسنا حتى صلينا الظهر ، وإذا بالنسوة قد أقبلن وليست الجارية فيهن ، فوقفن عليه ، وقلن له : يا عتبة ما ظنك بطالبة وصلك وكاسفة بالك ؟ قال : وما بالها ؟ قلن : أخذها أبوها وارتحل بها إلى أرض السماوة ، فسالتهن عن الجارية ، فقلن : هي ريا بنت الغطريف السلمي ، فرفع عتبة رأسه إليهن وقال :
خليلي ، ريا قد أجد بكورها **** وسارت إلى أرض السماوة عيرها
خليلي ، إني قد عشيت من البكى **** فهل عند غيري مقلة أستعيرها؟
فقلت له : إني قد وردت بمال جزيل أريد به أهل الستر ، ووالله لأبذلنه أمامك حتى تبلغ رضاك وفوق الرضا ، فقم بنا إلى مسجد النصار ، فقمنا وسرنا حتى أشرفنا على ملأ منهم ، فسلمت فأحسنوا الرد ، فقلت : ِأيها الملأ ، ما تقولون في عتبة وأبيه ؟ قالوا : من سادات العرب ، قلت : فإنه قد رمي بداهية الهوى ، وما أريد منكم إلا المساعدة إلى السماوة ، فقالوا : سمعاً وطاعة , فركبنا وركب القوم معنا حتى أشرفنا على منازل بني سليم ، فأعلم الغطريف بنا فخرج مبادراًًَ فاستقبلنا ، وقال : حييتم يا كرام ، فقلنا : وأنت فحياك . إنا لك أضياف ، فقال : نزلتم أكرم منزل ، ثم نادى : يا معشر العبيد ، أنزلوا القوم ، ففرشت الأنطاع والنمارق وذبحت الذبائح فقلنا : لسنا بذائقي طعامك حتى تقضي حاجتنا ، فقال : وما حاجتكم ؟ قلنا : نخطب عقيلتك الكريمة لعتبة بن الحباب تن المنذر ، فقال : إن التي تخطبونها أمرها إلى نفسها ، وأنا أدخل أخبرها ، ثم دخل مغضباً على ابنته ، فقالت : يا أبت مالي أرى الغضب في وجهك ؟ فقال : قد ورد الأنصار يخطبونك مني ، فقالت : سادات كرام ، استغفر لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلمن الخطبة منهم ؟ فقال : لعتبة بن الحباب ، قالت : والله لقد سمعت عن عتبة هذا : أنه يفي بما وعد ، ويدرك إذا قصد . فقال : أقسمت لا أزوجنك به أبدا ً ، ولقد نمى إلي بعض حديثك معه ، فقالت : ما كان ذلك ، ولكن إذ أقسمت ، فإن الأنصار لا يردون رداُ قبيحاُ . حسن لهم الرد . فقال . بأي شيء ؟ قالت : أغلظ لهم المهر . فإنهم يرجعون ولا يجيبون . فقال : ما أحسن ماقلت . ثم خرج مبادراً . فقال : إن فتاة الحي قد أجابت . ولكن أريد لها مهراً مثلها . فمن القائم به ؟ فقال عبدالله بن معمر : أنا ، فقل ما شئت . فقال : ألف مثقال من الذهب ومائة ثوب من الأبراد . وخمسة أكرشة عنبر . فقال عبدالله : لك ذلك كله . فهل أجبت ؟ قال أجل ، قال عبدالله : فأنفذت نفراً من الأنصار إلى المدينة ، فأتوا بجميع ما طلب ، ثم صنعت الوليمة ، وأقمنا على ذلك أياماُ ، ثم قال : خذوا فتاتكم وانصرفوا مصاحبين ، ثم حملها في هودج وجهزها يثلاثين راحلة من المتاع والتحف . فودعناه وسرنا . حتى إذا بقى بيننا وبين المدينة مرحلة واحدة . خرجت علينا خيل تريد الغارة أحسبها من سليم . فحمل عليها عتبة بن الحباب . فقتل منهم رجالاً . وجرح آخرين . ثم رجع وبه طعنة تفور دماً . فسقط إلى الأرض . وانثنى بخده . فطردت عنا الخيل وقد قضى عتبة نحبة . فقلنا : واعتبتاه . فسمعتنا الجارية . فألقت نفسها من البعير . وجعلت تصيح بحرقة . وأنشدت :
تصبرت لا أنى صبرت وإنما **** أعلل نفسي أنها بك لاحقه
فلو أنصفت روحي لكانت إلى الردى **** أمامك من دون البرية سابقه
فما أحد بعدي وبعدك منصف **** خليلاً ولا نفس لنفس موافقه
ثم شهقت وقضت نحبها ، فاحتفرنا لهما قبراً واحداً ودفناهما فيه ، ثم رجعت إلى المدينة ، فأقمت سبع سنين ، ثم ذهبت إلى الحجاز ووردت المدينة فقلت : والله لآتين قبر عتبة أزوره ، فأتيت القبر ، فإذا عليه شجرة عليها عصائب حمر وصفر ، فقلت لأرباب المنزل : ما يقال لهذا الشجرة ؟ قالوا : شجرة العروسين
:( :( :(
شجاك نوح حمائم السدر **** فإهجن منك بلابل الصدر
أم عز نومك ذكر غانية **** أهدت إليك وساوس الفكر
يا ليلة طالت على دنف **** يشكو السهاد وقلة الصبر
أسلمت من تهوى لحر جوى **** متوقد كتوقد الجمر
فالبدر يشهد أنني كلف **** مغرم بحب شبيهة البدر
ما كنت أحسبني أهيم بها **** حتى ، بليت وكنت لا أدري
ثم أنقطع الصوت ، فلم أدر من أين جاء ، وإذا قد عاد البكاء والأنين ، وأنشد :
أشجاك من ريا خيال زائر **** والليل مسود الذوائب عاكر
واغتال مهجتك الهوى برسيسه **** واهتاج مقلتك الخيال الزائر
ناديت ريا والظلام كأنه **** ملك ترجل والنجوم عساكر
وترى به الجوزاء ترقص في الدجى *** رقص الحبيب علاه سكر ظاهر
ياليل ، طلت على محب ماله **** إلا الصباح مساعد ومؤازر
فأجابني : مت حتف أنفك واعلمن **** أن الهوى لهو الهوان الحاشر
قال : وكنت ذهبت عند ابتدائه بالأبيات فلم ينتبه إلا وأنا عنده ، فرأيت شاباً مقتبلاُ شبابه قد خرق الدمع في خده خرقين ، فسلمت عليه ، فقال : اجلس من انت ؟ قلت : عبدالله بن معمر القيسي ، قال : ألك حاجة ؟ قلت : نعم ، كنت جالساً في الروضة فما راعني إلا صوتك ، فبنفسي . أفديك ، فما الذي تجد؟ فقال : أنا عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري ، غدوت يوماً إلى مسجد الأحزاب فصليت فيه ، ثم اعتزلت غير بعيد ، فإذا أنا بنسوة قد أقبلن يتهادين مثل القطا ، وإذا في وسطهن جارية بديعة الجمال، كاملة الملاحة ، فوقفت على فقالت :
يا عتبة : ما تقول في وصل من تطلب وصلك ؟ ثم تركتني وذهبت فلم أسمع لها خبراً ، ولا قفوت لها أثراً ، وأنا حيران أنتقل من مكان إلى آخر ، ثم صرخ وأكب مغشياً عليه ، ثم أفاق ، كأنما سبغت وجنتاه بورس ، ثم أنشد :
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة **** فياهل تروني بالفؤاد على بعدي
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم **** وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم **** ولو كنت في الفردوس في جنة الخلد
فقلت : يا ابن أخي تب إلى ربك واستغفره من ذنبك ، فبين يديك هول المطلع ، فقال : ما أنا بسال حتى يؤوب القارظان ، ولم أزل معه إلى أ ن طلع الصبح ، فقلت : قم بنا إلى مسجد الأحزاب ، فلعل الله أن يكشف كربتك فقال : أرجو ذلك إن شاء الله ببركة طاعتك ، فذهبنا حتى أتينا مسجد الأحزاب فسمعته يقول :
ياللرجال ليوم الأربعاء ، أما **** ينفك يحدث لي بعد النهى طربا
ما إن يزال غزال منه يقتلني **** يأتى إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس أن الأجر همته **** وما أتى طالباً للخير محتسبا
لو كان يبغى ثواباُ ما أتى صلفاً **** مضخماً بفتيت المسك مختضبا
ثم جلسنا حتى صلينا الظهر ، وإذا بالنسوة قد أقبلن وليست الجارية فيهن ، فوقفن عليه ، وقلن له : يا عتبة ما ظنك بطالبة وصلك وكاسفة بالك ؟ قال : وما بالها ؟ قلن : أخذها أبوها وارتحل بها إلى أرض السماوة ، فسالتهن عن الجارية ، فقلن : هي ريا بنت الغطريف السلمي ، فرفع عتبة رأسه إليهن وقال :
خليلي ، ريا قد أجد بكورها **** وسارت إلى أرض السماوة عيرها
خليلي ، إني قد عشيت من البكى **** فهل عند غيري مقلة أستعيرها؟
فقلت له : إني قد وردت بمال جزيل أريد به أهل الستر ، ووالله لأبذلنه أمامك حتى تبلغ رضاك وفوق الرضا ، فقم بنا إلى مسجد النصار ، فقمنا وسرنا حتى أشرفنا على ملأ منهم ، فسلمت فأحسنوا الرد ، فقلت : ِأيها الملأ ، ما تقولون في عتبة وأبيه ؟ قالوا : من سادات العرب ، قلت : فإنه قد رمي بداهية الهوى ، وما أريد منكم إلا المساعدة إلى السماوة ، فقالوا : سمعاً وطاعة , فركبنا وركب القوم معنا حتى أشرفنا على منازل بني سليم ، فأعلم الغطريف بنا فخرج مبادراًًَ فاستقبلنا ، وقال : حييتم يا كرام ، فقلنا : وأنت فحياك . إنا لك أضياف ، فقال : نزلتم أكرم منزل ، ثم نادى : يا معشر العبيد ، أنزلوا القوم ، ففرشت الأنطاع والنمارق وذبحت الذبائح فقلنا : لسنا بذائقي طعامك حتى تقضي حاجتنا ، فقال : وما حاجتكم ؟ قلنا : نخطب عقيلتك الكريمة لعتبة بن الحباب تن المنذر ، فقال : إن التي تخطبونها أمرها إلى نفسها ، وأنا أدخل أخبرها ، ثم دخل مغضباً على ابنته ، فقالت : يا أبت مالي أرى الغضب في وجهك ؟ فقال : قد ورد الأنصار يخطبونك مني ، فقالت : سادات كرام ، استغفر لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلمن الخطبة منهم ؟ فقال : لعتبة بن الحباب ، قالت : والله لقد سمعت عن عتبة هذا : أنه يفي بما وعد ، ويدرك إذا قصد . فقال : أقسمت لا أزوجنك به أبدا ً ، ولقد نمى إلي بعض حديثك معه ، فقالت : ما كان ذلك ، ولكن إذ أقسمت ، فإن الأنصار لا يردون رداُ قبيحاُ . حسن لهم الرد . فقال . بأي شيء ؟ قالت : أغلظ لهم المهر . فإنهم يرجعون ولا يجيبون . فقال : ما أحسن ماقلت . ثم خرج مبادراً . فقال : إن فتاة الحي قد أجابت . ولكن أريد لها مهراً مثلها . فمن القائم به ؟ فقال عبدالله بن معمر : أنا ، فقل ما شئت . فقال : ألف مثقال من الذهب ومائة ثوب من الأبراد . وخمسة أكرشة عنبر . فقال عبدالله : لك ذلك كله . فهل أجبت ؟ قال أجل ، قال عبدالله : فأنفذت نفراً من الأنصار إلى المدينة ، فأتوا بجميع ما طلب ، ثم صنعت الوليمة ، وأقمنا على ذلك أياماُ ، ثم قال : خذوا فتاتكم وانصرفوا مصاحبين ، ثم حملها في هودج وجهزها يثلاثين راحلة من المتاع والتحف . فودعناه وسرنا . حتى إذا بقى بيننا وبين المدينة مرحلة واحدة . خرجت علينا خيل تريد الغارة أحسبها من سليم . فحمل عليها عتبة بن الحباب . فقتل منهم رجالاً . وجرح آخرين . ثم رجع وبه طعنة تفور دماً . فسقط إلى الأرض . وانثنى بخده . فطردت عنا الخيل وقد قضى عتبة نحبة . فقلنا : واعتبتاه . فسمعتنا الجارية . فألقت نفسها من البعير . وجعلت تصيح بحرقة . وأنشدت :
تصبرت لا أنى صبرت وإنما **** أعلل نفسي أنها بك لاحقه
فلو أنصفت روحي لكانت إلى الردى **** أمامك من دون البرية سابقه
فما أحد بعدي وبعدك منصف **** خليلاً ولا نفس لنفس موافقه
ثم شهقت وقضت نحبها ، فاحتفرنا لهما قبراً واحداً ودفناهما فيه ، ثم رجعت إلى المدينة ، فأقمت سبع سنين ، ثم ذهبت إلى الحجاز ووردت المدينة فقلت : والله لآتين قبر عتبة أزوره ، فأتيت القبر ، فإذا عليه شجرة عليها عصائب حمر وصفر ، فقلت لأرباب المنزل : ما يقال لهذا الشجرة ؟ قالوا : شجرة العروسين
:( :( :(