المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة أبطال سقطوا من التاريخ-(حملة الكشف عن رجال جاهدوا وضحوا بأنفسهم لنصرة الإسلام)



يونيك
27-06-2008, 05:12 PM
بــســم الله الرحــمـن الرحــيــم



http://www.hiramagazine.com/images/konular/4/7.jpg



إن فخر كل أمة ومصدر عزها بعد ربها يكمن في الترجمة العلمية لعقيدة هذه الأمة والتي تظهر وتتضح في صورة رجال قاموا بأدوار في خدمة دينها وأمتها وعقيدتها وإننا لنرى أمم تعيش على ذكريات أبطال محليين ينسجون عنهم الكثير من الأساطير والأكاذيب من أجل رفع شأنهم بين أبطال الأمم الأخرى ليتباهوا بهم وتصير ذكراهم بعد ذلك أعيادًا رسمية بل مقدسة عندهم.

وإن في أمة الإسلام رجالاً وأبطال سطروا صحائف من نور بدمائهم وأرواحهم وجهدهم وعرقهم من أجل خدمة الدين والأمة وحفظ لهم التاريخ ذلك ولكنهم وللأسف الشديد سقطوا من ذاكرة المسلمين فلم يعرفهم وتاهوا في طي النسيان والغفلة.

هذا رغم أننا نرى الأمم من حولنا في كل يوم تخرج علينا باحتفالية جديدة لقزم من أقزامهم أو مجرم من مجرميهم لا عمل له صالح إلا أن محاربته للإسلام كانت سر شهرته نذكر منهم 'رولان الفرنسي' الذي قتل في حربه ضد المسلمين وخلد الفرنسيون ذكراه بأنشودة رولان الشهيرة في الأدب الفرنسي، ومنهم 'شارل مارتن' قائد الصليبيين الذي انتصر على المسلمين في معركة بلاط الشهداء سنة 114هـ عند حدود فرنسا والذي صار من يومها قديسًا، ومنهم 'رودريجو دي بيبار' أو السيد 'الكمبيادور' الأسباني الذي قضى حياته في محاربة المسلمين في الأندلس والذي نسجوا عليه الكثير من الأكاذيب والأباطيل حتى صار بطل أسبانيا القومي حتى الآن رغم أنه كان قاطع طريق ولص ولا يهمه سوى الأموال، ومنهم 'لويس التاسع' ملك فرنسا الذي قاد حملتين فاشلتين وهما الحملة الصليبية السابعة على دمياط وفشل ووقع في الأسر ثم قاد الحملة الصليبية الثامنة على تونس وفيها فشل وقتل فصار بطل فرنسا القومي وأعطي لقب قديس، وهكذا نرى الأمم من حولنا ترفع رجالها ليرفعوها.



http://www.islamonline.net/arabic/history/1422/05/images/pic04.jpg
لويس التاسع





وفي هذا الباب من أبواب ذاكرة الأمة نعيد اكتشاف هؤلاء الرجال والأبطال ونحي ذكراهم مرة أخرى آملين أن يأجرنا الله عز وجل.


و بإذن الله نبدأ







(البطل الأول)


الفقيه عبد الله بن ياسين الجزولي
مؤسس دولة المرابطين




http://almaghrib.canalblog.com/images/t-morav_sm.png



عندما فتح المسلمون بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر سنة 20هـ كان ذلك إيذانًا بطور جديد من أطوار الجهاد والدعوة وفتح أرض جديدة خصبة لنشر الإسلام ألا وهي بلاد المغرب العربي الممتدة من غرب بلاد مصر من برقة حتى ساحل بحر الظلمات أو المحيط الأطلنطي كما كانوا يسمونه وكانت تلك المناطق الشاسعة المترامية الأطراف يسكنها قبائل البربر وينقسمون إلى قسمين: قبائل البرانس الكبرى وهم بربر الحضر الذين يسكنون السهول وأعظم قبائلهم 'قبيلة صنهاجة'؛ والنوع الثاني: قبائل البُتر وهم بربر الصحراء في جنوبي المغرب والسودان فيما يعرف الآن بدولة 'موريتانيا' وكانوا مقاتلين أشداء ممتازين وأشهر هذه القبائل قبيلة 'لمتونة'.



وكانت القبائل البربرية تدين بالمجوسية حتى جاء الإسلام وانتشر بينهم بفضل رجال أمثال عقبة بن نافع وأبو المهاجر دينار وحسّان بن ثابت وموسى بن نصير ولكن بقيت قبائل بربر الصحراء بعيدة عن الإسلام حتى فتح الأندلس فذاع صيت الإسلام في كل مكان وكان ملك قبيلة 'لمتونة' اسمه 'تيولوثان بن تيكلان' فدخل في الإسلام وحارب القبائل الوثنية ونشر بينهم الإسلام وجاء أولاده من بعده فقاموا بنفس الدور حتى وصلت رئاسة القبيلة إلى الأمير 'يحى بن إبراهيم' الذي حارب الوثنيين في غرب أفريقيا 'السنغال/غانا' ونشر الإسلام بينهم حتى سنة 427هـ عندما قرر أن يقضي فريضة الحج فترك الرئاسة لولده إبراهيم ثم اتجه للحج.



وفي رحلة الحج تأثر 'يحي بن إبراهيم' بما رآه وقد رأى أن قومه البربر في جهل شديد بالإسلام وأصوله وتعاليمه وأثناء عودته مر في الطريق على مدينة القيروان منارة العلم في المغرب العربي وقتها والتقى بالفقيه أبي عمران الفاسي شيخ المالكية وشكا إليه من جهل قومه وطلب منه أن يرسل معه فقيهًا من تلاميذه لتثقيف البربر فبعث كتابًا إلى تلميذ من تلاميذه بالسوس الأقصى وهو 'أبو محمد واجاج اللمطي' وكان فقيهًا ورعًا يدرس العلم لتلاميذه في رباط خاص به فلما وصل 'يحي' إليه قرأ الرسالة على تلاميذه فاستجاب للدعوة الفقيه 'عبد الله بن ياسين الجزولي' وكان من أنبه تلاميذه وأكثرهم علمًا وورعًا فرحل مع 'يحي' حتى وصل الصحراء حيث البربر.



عبد الله بن ياسين:



كان عبد الله بن ياسين الجزولي فقيهًا شديد الورع غزير العلم والغيرة على تعاليم دين الإسلام وكان فوق ذلك خطيبًا موهوبًا قوي التأثير يجيد اللغة العربية والبربرية أيضًا وكان قد رحل إلى الأندلس لطلب العلم وأمضى بها عدة سنوات ورأى دولة الطوائف وما أصاب الإسلام على أيديهم وبسبب بعدهم عن الدين، وعندما وصل 'عبد الله بن ياسين' الصحراء وجد أن البربر بأعداد ضخمة ومهولة وأيضًا في قمة الجهل والبعد عن الدين فأخذ في نشر تعاليم الدين بينهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر واشتد عليهم في ذلك لشيوع المنكرات والعادات المخالفة للإسلام مثل الزواج بأكثر من أربع فلم يقبل البربر نصح 'عبد الله بن ياسين' وأعرضوا عنه.


http://almaghrib.canalblog.com/albums/base_de_donne/m-1191.gif



السياسية التربوية لـ 'عبد الله بن ياسين'


عندما رأى 'عبد الله بن ياسين' إعراض البربر عن نصحه ودعوته قرر وصديقه وتلميذه الوفي 'يحي بن إبراهيم' على نبذ أولئك البدو الجهلة والانقطاع عنهم إلى العبادة والزهد في جزيرة نائية بنهر النيجر وانضم إليهم سبعة رجال من قبيلة 'كدالة' ومعهم 'يحي بن عمر' من رؤساء 'لمتونة' وبنوا بالجزيرة مسجدًا ورباطا للعلم والعبادة وما لبث أن اشتهر أمر هذا الرباط ووفد إليه كثير من أشراف 'صنهاجة' ممن آثروا الزهد والعبادة فأخذ 'عبد الله بن ياسين' في تثقيفهم وتربيتهم أخلاقيًا وسلوكيًا ودينيًا وأخذ يعلمهم الكتاب والسنة ويعظهم بالجنة والنار ويربيهم على معاني الجهاد في سبيل الله ويذكرهم بعاقبة الشهادة في سبيل الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر؛ أي أن 'عبد الله بن ياسين' اتبع مع تلاميذه سياسة تربوية شاملة تقوم على:



[1] تربية إيمانية. [2] تربية أخلاقية. [3] تربية سلوكية.



[4] تربية تحفيزية 'وعظية'. [5] تربية دعوية. [6] تربية جهادية.



[7] تربية عقائدية 'الولاء والبراء'.



وسميت هذه الفرقة بفرقة المرابطين أي الملازمين للرباط الذي أقامه 'عبد الله بن ياسين' الذي كان يشعر في داخله بضرورة وحتمية إقامة دولة الإسلام بين قبائل البربر المتخلفة تلك الدولة التي تحكم بشرع الله وبالكتاب والسنة فعندما بلغ عدد المرابطين ألف وتأكد 'عبد الله بن ياسين' من سلامة تربيتهم وأنهم على استعداد لتطبيق ما تعلموه؛ دعاهم للمرحلة الأخطر.



جهاد عبد الله بن ياسين:



بعد أن بلغ عدد المرابطين ألفًا دعاهم 'عبد الله بن ياسين' إلى خطوة عملية فبعثهم إلى أقوامهم لينذروهم ويطلبوا إليهم الكف عن البدع والضلالات وتحكيم شرع الله ففعلوا ذلك ولكنهم وجدوا الإعراض من أقوامهم فعاد 'عبد الله بن ياسين' للجوء لإعلان الجهاد على هؤلاء الضلاَّل.



أول معاركه كانت مع قبيلة 'كدالة' سنة 434هـ فانتصر عليهم وأسلمت القبيلة من جديد.
ثم حارب قبيلة 'لمتونة' وضيق عليهم حتى أذعنوا للطاعة وبايعوه على الشريعة.



وهكذا تعاقب خضوع قبائل 'صنهاجة' الواحدة تلو الأخرى حتى خضعوا جميعًا لهم وزادت قوة وسلطان 'عبد الله بن ياسين' الروحية على قبائل بربر الصحراء وصارت الرئاسة لـ'يحي بن إبراهيم' الذي ما لبث أن توفي فخلفه 'يحي بن عمر' أخلص تلاميذ 'عبد الله بن ياسين' وأكثرهم طاعة له وكان 'عبد الله بن ياسين' يحبه ويقدره حتى أنه ذات مرة جلده عشرين سوطًـا لأنه باشر القتال بنفسه مع جنده وهو الأمير الذي يجب المحافظة عليه للصالح العام.



* انضم لجماعة المرابطين الفتية الكثير من المسلمين الناقمين على فساد بلادهم وحكامهم وبعدهم عن الدين ففي سنة 444هـ بعث فقهاء مدن 'سجلماسة' و'درعة' بكتبهم إلى 'عبد الله بن ياسين' و'يحي بن عمر' يشكون من ضروب الظلم والطغيان والخروج عن أحكام الإسلام ويدعونهم إلى إنقاذ المسلمين من هذا النير المرهق وعندها خرج المرابطين يقودهم 'عبد الله بن ياسين' في حشد كبير ضخم وتوجهوا إلى مدينة 'درعة' فاستولوا عليها وأخرجوا الطغاة منها وأمر 'عبد الله بن ياسين' بإزالة المنكرات ورفع المكوس الجائرة وعيّن عليها حاكمًا من المرابطين وأمره بالتزام شرع الله عز وجل.



* توجه 'عبد الله بن ياسين' والمرابطين بعدها إلى الجنوب حيث غانا والسنغال فاستولوا على عدة مدن سنة 446هـ ونشروا الإسلام وفي 447هـ توفي الأمير 'يحي بن عمر' فتولى الأمر مكانه وقرر مع 'عبد الله بن ياسين' فتح كل بلاد المغرب.



* توجه 'عبد الله بن ياسين' إلى قتال الروافض بقايا الدولة الخبيثة الفاطمية زورًا 'العبيدية' بمدينة 'فارودنت' وكانت تعاليم الرافضة بتلك البلد كلها إلحاد وإباحية وزندقة فانتصر 'عبد الله بن ياسين' عليهم واسلموا من جديد على مذهب أهل السنة والجماعة.



* استشهاد 'عبد الله بن ياسين':



كان 'عبد الله بن ياسين' منذ أن أعلن حركته الجهادية من سنة 434هـ وهو يركز على أمر واحد وهو محاربة أعداء الإسلام من الفرقة الضالة والمبتدعة والملاحدة والزنادقة والإباحيين.



وكان من أشهر القبائل الضالة المارقة بالمغرب هي قبائل 'برغواطة' وتقع بأقصى جنوب المغرب على حدود المحيط الأطلسي 'موريتانيا' وكانت تدين بمذهب الإباحية الذي أسسه رجل يهودي الأصل يدعى 'صالح بن طريف الأندلسي' في القرن الثاني من الهجرة وقد استغل غباوة وجهالة أهل تلك البلاد فادعى النبوة وشرع لهم شرعًا جديدًا أساسه الإباحية فتبعه كثير من الهمج الرعاع حتى صاروا قبائل كبيرة وقرر 'عبد الله بن ياسين' محاربة هؤلاء الكفرة فقاد جيوش المرابطين لمعركة طاحنة مع قبائل 'برغواطة' وفي أثناء المعركة أصيب 'عبد الله بن ياسين' إصابات بالغة قاتلة وقبيل وفاته جمع أشياخ المرابطين وحثهم على الاتحاد والثبات ومواصلة الجهاد ونشر الدين وحذرهم من عواقب التفرقة والتحاسد في طلب الرياسة واستشهد 'عبد الله بن ياسين' هذا الفقيه المجاهد منشئ دولة من أعظم دول الإسلام في المغرب وسيكون لها أعظم الدور في الأندلس في 24 جمادى الأولى سنة 451هـ ودفن في مكان يعرف بـ'كريفلة' وما زال قبره معروفًا حتى الآن، وقبل وفاة 'عبد الله بن ياسين' أوحى للمرابطين بتأمير 'أبي بكر بن عمر اللمتوني' عليهم وكأنه ينصح للأمة قبل وفاته وكان نعم الاختيار كما أثبتت الحوادث والأيام.



كان 'عبد الله بن ياسين' فقيهًا شديد الورع والتقشف شديد الحمية والغيرة على تعاليم الإسلام داعية من طراز فريد جدًا استطاع أن يدخل صحراء شاسعة مترامية الأطراف وحده وعلى أمم كثيرة وكبيرة في غاية الجهل والبعد عن الدين ولا تتحدث العربية فكون منهم أمة قوية مترابطة قامت على أساس ديني وعقائدي قوي وأصبح البربر قوة حركية تعمل على خدمة الإسلام ويكفي أن تعرف أن الإسلام انتشر في وسط وغرب أفريقيا عن طريق تلك الحركة المباركة التي يرجع الفضل لإنشائها وتكوينها بعد فضل الله للفقيه 'عبد الله بن ياسين الجزولي'.




يتبع البطل الثاني --------------->

الوعد2016
27-06-2008, 05:32 PM
كانت قلوبهم معلق بالله سبحانه وتعالى وكان الله معهم

يونيك
27-06-2008, 05:58 PM
كانت قلوبهم معلقة بالله سبحانه وتعالى وكان الله معهم


صدقت - وسنرى منهم كثير .


تابعنا

لاداعي
27-06-2008, 06:01 PM
جزاك الله خير أخوي يونيك

الوعد2016
27-06-2008, 06:15 PM
صدقت - وسنرى منهم كثير .


تابعنا

معك على الخط

بوخالد911
27-06-2008, 06:19 PM
مشكووور للنقل


والله يوفق الجمييع

؛؛؛؛

بولينجر
27-06-2008, 06:43 PM
متابع اخوي يونيك...جزاك الله خيرا...

بالفعل التاريخ يحتاج إلى نفض الغبار عنه وإعادة تسطيره ليكون أقرب إلى الواقع بتمجيد هؤلاء الأبطال...

هم صنعوا مجد الأمة

يونيك
27-06-2008, 07:11 PM
(البطل الثاني)


المنصور بن عامر المنتصر دائمًا


http://cvc.cervantes.es/actcult/jardin_andalusi/cordoba/imagenes/almunias_01.jpg


سيظل تاريخ الأندلس معينًا لا ينضب وواديًا لا يجدب من كثرة ما فيه من الدروس والعبر والأخبار الطوال ودولة الإسلام في الأندلس لهي أطول دول الإسلام مدة فقد استمرت طيلة ثمانية قرون خلالها برز العديد من الرجال والأبطال والقادة الذين كانوا وقتها ملء السمع والبصر وظلت أخبارهم تتردد في جنبات الأندلس لعصور متعاقبة ولكنهم وللأسف طوت أخبارهم وإنجازاتهم غير المسبوقة في خدمة الإسلام من ذاكرة المسلمين الآن ووجب علينا أن ننفض عنها الغبار عن تاريخ وأخبارهم المسلمون الآن.


http://www.backfocus.es/files/images/almanzor_0.preview.jpg
تمثال المنصور في الجزيرة الخضراء/اسبانيا - (الاندلس).




* من هو المنصور:


هو 'محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي عمار المعافري' جده من الداخلين الفاتحين الأوائل وكان من الأبطال الشجعان فنزلت أسرة بني عامر بالجيزة الخضراء وأسرة بني عامر من أعرق الأصول العربية، ونشأ محمد في بيت علم ودين فأبوه عبد الله كان من أهل العلم والتقي عالماً بالحديث والشريعة وتأثر محمد بذالك فطلب العلم من صغره وأنتقل إلي قرطبة وهو حدث ودرس علي علمائها الكبار الأدب والشريعة ومنهم أبو علي القالي وابن القوطيه وأبو بكر بن معاوية القريشي، أما عن صفاته فقد كان ذكياً طموحاً قوي العزم متعدد المواهب سخي اليد كريم النفس ولكن أبرز ما يميزه حتى صار قدوه هائلة في هذا الباب هو همته العالية التي تناطح السحاب طولاً وتملأ الأرض عرضاً فلم يعلم من قادة المسلمين ونبلائهم من هو أشد منة همة وطموحاً إلا ما كان من رجال القرن الأول رضي الله عنهم وأرضاهم



* سلم النجاح:

* المتأمل لترقي المنصور ابن عامر في سلك القيادة والمناصب يرى عجب العجاب فالمنصور أول ما قام به وهو شاب صغير أن افتتح مكتباً بجوار قصر الخلافة لكتابة الشكاوى المرفوعة للخليفة الأموي وذلك للإنفاق على تعليمه بقرطبة وهذا العمل الصغير مكنة من الاتصال بأهل القصر من الخدم والحراس وغيرهم والذي نقلوا أخباره إلي سادة القصر خاصة السيدة [صبح] أم ولي العهد و[هشام المؤيد] فعهدت إلية بعدة وظائف كتابية، وهذا مهد إلية السبيل لئن يتصل بالخليفة الحكم بن عبد الرحمن الذي أسند إلية مهمة الإشراف على أملاك ولي العهد [هشام] ثم إدارة الخزانة العامة ودار المواريث وغيرها من المناصب العامة لما رأى من عزمه وطموحه وتفانيه في العمل، وكان عمر المنصور وقتها لم يتجاوز السابعة والعشرين فلقب 'بفتي الدولة' وذلك بفضل مواهبه وإمكاناته الباهرة .



* ظل المنصور مضطلعاً بالمناصب الهامة والأعمال الجسيمة في الدولة وهو محط أنظار الجميع لرفيع خلاله وجميل صفاته والقلوب حوله مؤتلفة ولكنة قام بعمل كان هو الأعظم في هذه المرحلة من حياته حيث استطاع بقوة عزمه وسرعة تصرفه أن يقضي علي مؤامرة دبرت من جانب بعض الصقالبة الموالي بالتعاون مع بعض الأمويين؛ وكانت تهدف تلك المؤامرة إلى قتل الخليفة الجديد [هشام المؤيد] وتعيين عمه 'المغيرة' وذلك سنة 366هـ فحفظ بذلك دولة الخلافة من السقوط في دائرة الصراعات الداخلية التي عادة تعصف بأساس أي ملك ثابت مهما كانت قوته وثباته .




* رجل الأندلس القوى:

* ارتفعت مكانة المنصور ابن عامر في الأندلس بعد دوره الرائع في إنقاذ الخلافة من هوة الصراعات والخلافات الداخلية فقام الخليفة 'هشام المؤيد' بتعينه وزيراً للدولة الأندلسية وأصبحت مسئوليات المنصور بن أبى عامر أعظم مما سبق بكثير وهذا جعله يفكر ملياً في وضع الأندلس ويحاول خدمة دولة الإسلام بها وذلك بعد أن أتضح له عدة أمور منها:-


أولاً:- ضعف شخصية الخليفة الجديد 'هشام المؤيد' وعدم صلاحيته لهذا المنصب الخطير خاصة أنه صغير السن مشتغل باللهو واللعب مع أقرانه.

ثانياً:- زيادة الأخطار المحدقة بالمسلمين والآتية من ناحية الشمال حيث أسبانيا النصرانية خاصة بعد أن تنفسوا الصعداء بموت الخليفة القوى عبد الرحمن الناصر الذي خضد شوكتهم سنوات طويلة .

ثالثاً:- ظهور بوادر لانقسامات داخلية خطيرة في دولة الإسلام بالأندلس؛ وذلك لزيادة العصبيات القبلية وكثرة الطامعين من ولاة الأقاليم المترامية في الانعزال والاستقلال عن جسد الدولة الأم .

رابعاً:- فساد بعض رجال الحكم والوزارة أمثال 'جعفر المصحفي' وولده محمد الذي كان يتولى رئاسة الشرطة وفي عهدهما انتشر الفساد والفسق وأختل الأمن واضطربت الأمور.

خامساً:- زيادة نفوذ الصقالبة الموالي وهم في الأصل عبيد عند الخليفة 'الناصر' اشتراهم واصطفاهم في الحراسة والجند والجيش وترقوا حتى صاروا قوة كبيرة يخشى بأسها وقد زاد نفوذها داخل قصر الخلافة حتى أنهم هموا بالانقلاب علي الخليفة 'المؤيد' عدة مرات.




كل هذه الأسباب دفعت 'المنصور أبي عامر' لأن يمعن التفكير والترتيب في كيفية مواجهة كل هذه الأخطار المحدقة وفي النهاية قرر أن يتحرك وبسرعة لمواجهة هذه الظروف العسيرة وأن يأخذ زمام المبادرة بنفسه فقام بالخطوات الآتية:

[1] قام بحجز الخليفة الصوري الصبي 'هشام المؤيد' بقصره واستقل هو بتدبير الأمور وتولي لقب الحجابة- تلقب بالحاجب المنصور- وهذه الخطوة وإن كانت سبب نقمة كثير من الناس على المنصور إلا أنها في واقع الأمر كانت أهم خطوة لأن غياب القائد الموجه والرأس المدبر يجعل كل الجهود تذهب هباءًا منثورًا وسنرى أن المنصور لم يستخدم سلطانه إلا لخدمة الإسلام.

[2] بعد أن أصبح المنصور هو الحاكم الحقيقي للأندلس قام بعزل الوزير 'جعفر المصحفي' وولده 'محمد' وحاسبهما على أموالهما الطائلة من أين جاءت وكيف تضخمت؟ وأسفر التحقيق عن كثير من الانحرافات لدى الوزير 'المصحفي' الذي زج بالسجن وقضى فيه نحبه وانتهى عصر الفساد معه.

[3] أما الصقالبة الأشداء فقد شعروا بأن المنصور يعمل على سحق نفوذهم فقرروا القيام بمبادرة وانقلاب سريع واجتمعوا على قائد لهم اسمه 'درسي' ولكن 'منصور' اليقظ كان أسرع منهم فقبض على قادة التمرد وحاكمهم بشدة وفرق شملهم ووزعهم على الأقاليم حتى لا يعودوا للتجمع والتذمر.

[4] أما الطامعين من رجال الدولة وولاة الأقاليم البعيدة والعصبيات العربية القديمة والموروثة منذ أيام الفتح الأول إضافة إلى التهديد الخارجي المتمثل في أسبانيا النصرانية المتربصة والتي قامت بالفعل بالهجوم على ديار المسلمين وذلك في شهر رجب 366هـ كلا الخطرين رأى 'المنصور' أن يواجههم بأفضل الأساليب على الإطلاق وهو شرارة الحملات الجهادية وبذلك يرد عادية الصليبيين وفي نفس الوقت يشغل هؤلاء الطامعين من الولاة بقضية إسلامية ويوجه طاقتهم لحرب أعداء الإسلام وكانت هذه الحملات هي أنجح الحملات الجهادية التي قام بها مسلمو الأندلس ضد أسبانيا الصليبية طوال عمر دولة الإسلام في الأندلس على طول عمرها 'ثمانية قرون'.




* المنتصر دائمًا:

* منذ أن أطلق 'المنصور بن عامر' شرارة الحملات الجهادية ضد أسبانيا سرت روح جديدة في قلوب المسلمين واشتعلت الحمية في قلوبهم فتقاطر المجاهدون المتطوعين على الأندلس من كل مكان، وخاض 'المنصور' أكثر من خمسين معركة ضد الصليبيين انتصر فيها جميعًا ولم تنكس له راية أبدًا حتى سرى الاعتقاد بين كل الناس مسلمهم وكافرهم بأن 'المنصور' مؤيد من السماء، والحق أن 'المنصور' قد اعتمد في سياسته الجهادية على أسلوب الغزوات المستمرة المتعاقبة والذي كان يرمي من خلاله إلى غاية بعيدة المدى لم يفكر فيها أحد من قبله من أمراء الأندلس أو لم يقدروا عليها وهي سحق الممالك الأسبانية الصليبية سحقًا تامًا وأن يفكك عراها التي بدأت في الالتحام والترابط وبالتالي يجعل أسبانيا النصرانية كلها أرض مسلمة وكانت معظم حروب المسلمين من قبل 'المنصور' للدفاع ورد عادية النصارى فلما جاء عهد 'المنصور' كان هو البادئ بالغزو دائمًا ولم يقبل من النصارى قط صلحًا أو مهادنة ولم يقنع إلا بالنصر الكامل لذلك فهو أحق الناس بوصف 'المنتصر دائمًا' وبالقطع بعد 'خالد بن الوليد' رضي الله عنه وجيل الصحابة الأفذاذ، ومن أشهر معارك 'المنصور' ضد الصليبيين ما يلي:

* معركة شنت منكس: وكانت سنة 371هـ وفيها واجه 'المنصور' تحالفا صليبيًا مكونًا من أقوى أمراء الأسبان وهم 'راميرو الثالث' أمير 'ليون' وجرسيا فرنانديز' أمير 'قشتالة' و'سانشو' أمير 'نافار' وانتصر المسلمون على النصارى الذين قتل منهم عشرات الألوف وتفككت عرى التحالف الصليبي الوليد.

* معركة برشلونة: وهي من أعظم ثغور أسبانيا وقد فتحها المسلمون الأوائل مع بداية الفتح الأول ولتثبت مع المسلمين قرنًا من الزمان ولكنها سقطت سنة 185هـ وأصبحت شوكة في جسد الأمة المسلمة بالأندلس حتى جاء 'المنصور' في سنة 375هـ واقتحمها بجيوشه الجرارة بعد معركة طاحنة مع أهل المدينة الذين قتل معظمهم ودحر المسلمون المدينة تمامًا وأسر أمير 'برشلونة' وظل في السجن حتى مات ودمر 'المنصور' قوى النصارى تمامًا في هذا الطرف النائي من شبه الجزيرة الأسبانية.

* معركة جليقية: وهي أعظم المعارك على الإطلاق وتقع 'جليقية' في أقصى غرب أسبانيا وتوجد بها مدينة 'شنت ياقب' الدينية كعبة أسبانيا النصرانية ومزارها المقدس ورمز زعامتها الروحية وبها قبر القديس 'يعقوب' بزعمهم ويقام له سنويًا احتفالاً ضخمًا مثل الموالد المعروفة يفد إليه النصارى من كل حدب وصوب من داخل أسبانيا، وقد قصدها بجيشه الجرار لأمرين أولهما: أنها كانت ملجأ لملوك وأمراء 'ليون' الخارجين على طاعة 'المنصور'، ثانيهما: ضرب إسبانيا النصرانية في صميم معقلها القاصي وصميم زعامتها الروحية وبالفعل بعد معركة طاحنة ورحلة شاقة عبر مفاوز الجبال الوعرة وفي 2شعبان 387هـ اقتحم المسلمون المدينة وخربوها تمامًا مع عدم المساس بقبر 'يعقوب' القديس وأخذ 'المنصور' نواقيس الكنيسة العظمى وحملها الأسرى على كواهلهم حتى قرطبة وعلقت رؤوسًا للثريات الكبرى لمسجد قرطبة.

* معركة صخرة جربيرة: وكانت في 24 شعبان 390هـ وفيها تحالفت كل قوى النصرانية من أجل الصمود في وجه المسلمين والتقى الفريقان عند مكان شديد الوعورة يسمى 'بصخرة جربيرة' وكاد 'المنصور' أن يهزم لأول مرة في معاركه ولكن بسالة المسلمين وشدة بأسهم في القتال أنهت المعركة بهزيمة مروعة للتحالف النصراني وقتل معظم قادة الصليبيين وواصل 'المنصور' سيره حتى فتح مدينة 'برغش' عاصمة 'قشتالة'.




* وفاة المنصور:

إن من عاش على شيء وداوم عليه فلابد أن يموت عليه و'المنصور' قضى حياته كلها في الجهاد في سبيل الله فلابد أن يموت مجاهدًا وقد كانت تلك أسمى أمانيه حتى أنه كان يحمل أكفانه حيثما سار إلى غزوة وهي أكفان صنعت من غزل بنانه واشتريت من خالص ماله الموروث وقد استجاب الله دعاءه فوافته المنية في 27 رمضان سنة 392هـ بمدينة 'سالم' ودفن بها بعد أن دفن معه غبار كل معاركه التي خاضها في سبيل الله وكان يحتفظ بها طوال رحلته الجهادية الطويلة لأعدائها وتحقيقه أمنها ورخائها ولم يستخدم قط سلطانه إلا لخير الإسلام وخير الأمة، وقد كتب هذان البيتان من الشعر على شاهد قبره :



آثـاره تنبيـك عن أخباره ----- حـتى كأنـك بالعيـان تــراه

تالله لا يأتي الزمان بمثله ----- أبدًا ولا يحمي الثغور سواه




يتبع البطل الثالث --------------->

الغزال العارضية
27-06-2008, 07:19 PM
لاهنتي اختي

وبإنتظار البقية

يونيك
27-06-2008, 07:57 PM
معك على الخط


بوركت
:)

يونيك
27-06-2008, 07:57 PM
مشكووور للنقل


والله يوفق الجمييع

؛؛؛؛


الشكر لله ... ممتن :)

يونيك
27-06-2008, 08:05 PM
متابع اخوي يونيك...جزاك الله خيرا...

بالفعل التاريخ يحتاج إلى نفض الغبار عنه وإعادة تسطيره ليكون أقرب إلى الواقع بتمجيد هؤلاء الأبطال...

هم صنعوا مجد الأمة




ولك من الجزاء بمثله ان شاء الله

صنعوا .... وسيأتي غيرهم بإذن الله.

يونيك
27-06-2008, 08:35 PM
لاهنتي اختي

وبإنتظار البقية



ان شاء الله تعالى يا أخيه ..... للعلم إني رجل. :shy:

يونيك
27-06-2008, 09:02 PM
(البطل الثالث)



الأخوين 'عروج وخير الدين'


إن من الأمور المبهجة حقًا والمحزنة في نفس الوقت أن ينوب أعداء الإسلام عن المسلمين في قراءة تاريخهم وتراث أمتهم فنجد أن كثيرا من كتب التاريخ والتراث والموسوعات الكبار قام بجمعها وترتيبها وإخراجها للحياة والعلن مجموعة من المستشرقين الذين في جملتهم ما قاموا بذلك حبًا في الإسلام والبحث العلمي، إنما قاموا بذلك للطعن في الإسلام والنيل منه وأهله؛ حيث يستطيع هؤلاء وبسهولة أن يزيفوا الحقائق التاريخية ويروجوا الأكاذيب ويضخموا الأخطاء ويبدوا المثالب؛ ثم يأتي المسلمون من بعدهم فيهتدون بعلمهم ويتبعون صنعهم ويصبحوا ببغاوات تردد نفس الأكاذيب والأباطيل الاستشراقية.

وبطلنا الذي سنتحدث عنه واحد من كبار أبطال المسلمين الذين انهال عليه أعداء الإسلام طعنًا وتشويهًا وطمسًا حتى ضاعت ذكراه العطرة وبقيت الأوصاف الكاذبة تلوح في الذاكرة، وهذا أوان تصحيحها .



http://falsafa.info/images/galeres_barbaresques.jpg



الأخوين 'عروج وخير الدين' :

يرجع أصل الأخوين المجاهدين 'عروج وخير الدين' إلى الأتراك المسلمين، والدهما 'يعقوب بن يوسف' من بقايا المسلمين الأتراك الذين استقروا في جزيرة 'مدللي' إحدى جزر الأرخبيل وأمهما سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثر على الأخوين في توجيههما للجهاد في سبيل الله ضد الصليبيين الأسبان والبرتغاليين، وقد حاول المؤرخون الصليبيون وخاصة المستشرقين منهم الطعن في جهاد الأخوين ووصفهما بأنهما قراصنة ولصوص البحر وقد توصل المؤرخ الجزائري 'أحمد توفيق مدني' إلى ما يدل على صحة نسب الأخوين، والمحزن حقًا أن كثيرًا من المراجع الإسلامية المعاصرة وقعت في هذا الخطأ وسارت على نهج الأعداء ووصفتهما بالقراصنة.




جهاد الأخوين ضد الصليبيين:

اتجه الأخوان عروج وخير الدين إلى الجهاد البحري منذ الصغر بدافع من والدتهما الأندلسية خاصة بعد السيطرة الأسبانية والبرتغالية على البحر المتوسط واحتلالهما لعدة مواني في شمالي أفريقيا وقد استطاع الأخوان أن يكونا مجموعة قتالية قوامها عدة سفن صغيرة لبحارة مسلمين؛ واستطاعت هذه المجموعة تحقيق عدة انتصارات رائعة على القراصنة الصليبيين الذين كانوا يعبثون في المنطقة فسادًا ويستولون على سفن المسلمين ويأخذونهم كأسرى وعبيد، فأثارت هذه الانتصارات إعجاب القوى المسلمة الضعيفة في شمال إفريقيا فأعطاهم السلطان 'الحفص' حق الإقامة بجزيرة 'جوبة' التونسية فزادت شعبية الأخوين بين مسلمي إفريقيا فاستجار بهم الأهالي عدة مرات للتصدي للهجوم الأسباني الصليبي فاستطاع الأخوين تحرير 'بجانة' سنة 918هـ من الاحتلال الأسباني لتكون محطة عمليات لإنقاذ مسلمي الأندلس.


http://arabs2day.ws/images/up/uploads1/610ef39d20.jpg




تحالف الأخوين مع العثمانيين :

يرجع تاريخ تحالف الأخوين 'عروج وخير الدين' مع العثمانيين إلى سنة 920هـ بعد تحرير ميناء 'جيجل' حتى شعر كل من الجانبين بأهمية التحالف فالأخوين وجدا أنهما يواجهان قوى منظمة تكبر يومًا بعد يوم وهم في حاجة لأسلحة حديثة وسفن قوية، والعثمانيون شعروا بأهمية الجهاد البحري ضد صليبيي أسبانيا والبرتغال لتهديدهما المباشر للمسلمين في الخليج العربي والهند بعد احتلال البرتغاليين لعدن ومدن أخرى في جنوب الجزيرة بنية التوجه للأماكن المقدسة بها ونبش قبر النبي .



بعد فتح ميناء 'جيجل' حوصر الأخوان من كل جانب غربًا من حاكم الجزائر العميل 'سالم التومي' وشرقًا وجنوبًا من 'الحفصيين' العملاء للأسبان وشمالاً من أسطول الأسبان وفرسان القديس يوحنا؛ فأرسل الأخوان برسالة للسلطان 'سليم الأول' يشرحان الموقف وخطورته فأرسل إليهما أربعة عشر سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود، حيث كان لهذا المدد أثره الكبير في انتصار 'عروج وخير الدين' على حاكم الجزائر وقتله.




استشهاد 'عروج':

كانت مدينة 'تلمسان' ذات موقع استراتيجي مؤثر على مقاليد الحكم بالجزائر، وكان الأسبان محتلين للبلد ويعملون على إثارة القلاقل على الأخوين بالجزائر فقررا تحرير المدينة وإعداد جيش كبير سنة 923هـ للمهمة وبعد أن نجحا بالفعل في السيطرة علي المدينة تمكن الأسبان بالتعاون مع بني حمود الخونة أن يستعيدوا المدينة، وأثناء الحصار والقتال استشهد 'عروج' وأخ له اسمه [إستاق] وكثيرون من رجال الأخوين، وتركت تلك الحادثة أثراً بالغا على 'خير الدين' الذي قرر أن يشن حربا ضروسًا ضد الصليبين أينما كانوا خاصة الأسبان منهم .




الجزائر ولاية عثمانية وقائدها خير الدين:

شعر أهل الجزائر بشدة الموقف وخطورته في ظل كثرة التهديدات الخارجية وضعف السلطة المحلية وارتماء الكثير منهم في أحضان الصليبيين فصاروا لهم عبيدًا ولدينهم وأمتهم خونة ومارقين، فاجتمع زعماء البلد وقرروا إرسال رسالة هامة للسلطان 'سليمان الأول' الذي خلف أباه السلطان 'سليم الأول' يطلبون فيها إخضاع الجزائر للسيادة العثمانية، وحاول 'خير الدين' أن يذهب بنفسه للقاء السلطان ولكن أهل البلد توسلوا إليه ألا يغادر البلد خوفًا من هجوم الصليبيين، فنزل عن رغبتهم وأناب بالرسالة الفقيه 'أبا العباس أحمد بن قاض' وكان من أكبر علماء الجزائر، ولم يفت أهل الجزائر أن يثنوا على 'عروج' في مدافعته للصليبيين ونصرة الدين والجهاد حتى الشهادة وكانت فحوى الرسالة ترتكز على عدة مطالب منها:

[1] ضم الجزائر للسيادة العثمانية وتم ذلك ابتداءًا من سنة 926هـ.

[2] تعيين 'خير الدين' قائدًا عليهم.

[3] إقامة سوق الجهاد بتلك البلاد ضد صليبي أسبانيا والبرتغال.




فاستجاب السلطان لتلك المطالب وعين 'خير الدين' قائدًا على البلد وأرسل فرقًا من الانكشارية وأذن لمن شاء من رعاياه المتطوعين للجهاد بالذهاب للجزائر مع منحهم نفس امتيازات الجند النظاميين.




جهود 'خير الدين' لنصر الدين:

كان أمام 'خير الدين' الكثير من الأعمال التي يجب أن يقوم بها وكان عليه أن يحارب على جبهتين:

* الجبهة الأسبانية الصليبية المتمركزة في عدة جيوب بالجزائر مثل 'عنابة' و'قالة' و'حصن بنيون' وقد استطاع 'خير الدين' بفضل الله عز وجل أن يقضي على تلك الجيوب ويطهر البلد من بقايا الصليبين وذلك سنة 936هـ .

* الجبهة الداخلية العميلة والخائنة ممثلة في مؤامرات أمراء بنى زياد والحفصيين وغيرهم من القبائل الصغيرة التي تقوم على مدد صليبي وعون خارجي وتعمل على الحيلولة من توحيد الصف في المغرب الأوسط، وكان ملك الحفصيين الممتد منذ أيام دولة الموحدين قد ترهل وكثرت المنازعات والخلافات الداخلية بينهم حتى مزقت تلك الأسرة ولجأ أحد أمرائها واسمه 'الرشيد' إلى 'خير الدولة' لمساعدته ضد أخيه السلطان 'الحسن بن محمد' فوجدها 'خير الدين' فرصة مواتية للقضاء على تلك الأسرة المشئومة على البلاد؛ فأرسل 'خير الدين' للسلطان 'سليمان' يعرض عليه فكرة ضم تونس للسيادة العثمانية فوافق وأرسل إليه الأسطول العثماني كله، وتوجه الجميع لتونس ففر منها سلطانها الخائن 'الحسن بن محمد' ودخل أسبانيا وعمل على جعل الإمبراطور 'شارلكان' يحتل تونس مرة أخرى ليعيده سلطانًا على رقاب العباد، وهكذا نرى أن الخونة يبيعون دينهم وأمتهم وأرضهم وعرضهم في سبيل ملك زائل ودنيا فانية وسلطان خادع، والذي يقرأ ما تعهد به الخائن 'الحسن بن محمد' لـ'شارلكان' حال مساعدته في احتلال تونس يتضح له حجم الخيانة حيث تعهد الخائن بما يلي:

[1] أن يسلم 'الحسن' عدة مدن كبيرة منها المهدية و'بونة' لـ'شارلكان'.

[2] أن يكون مساعدًا حليفًا لفرسان القديس يوحنا أعدى أعداء المسلمين.

[3] أن يناصب العثمانيين العداء ويعمل على حربهم في بلاد الجزائر والمغرب.

[4] أن يتحمل نفقات إقامة ألفي جندي أسباني يتركون بالبلاد كحامية بالبلد.




وبالفعل حشد 'شارلكان' أسطولاً جرارًا قاده بنفسه ولم يتمكن 'خير الدين' من رد عاديته فاحتل 'شارلكان' تونس سنة 942هـ وارتد 'خير الدين' راجعًا إلى الجزائر وهو ينوي رد الصفعة لـ'شارلكان'.


* قرر 'خير الدين' الرد على ضربة تونس بضربة أشد منها وجيعة فقام بالهجوم على جزر البليار الأسبانية والبرتغالية وكانت محملة بالذهب والفضة والعبيد وأخذ الكثير من النصارى عبيدًا وسبايا، واهتزت لتلك الضربة كل نواحي أوروبا، وشعر 'شارلكان' أن قوة 'خير الدين' مازالت قائمة، ونظرًا لتلك الانتصارات الرائعة قرر السلطان 'سليمان الأول' تعيين 'خير الدين' وزيرًا للبحرية العثمانية في كل البلاد واستدعاه لاستنبول لتلك المهمة ونقل 'خير الدين' نشاطه للجبهة الشرقية من البحر المتوسط.


http://www.osmanischesreich.com/Geschichte/Armee/Marine/LEPANTO.JPG


* أصبح 'خير الدين' شبحًا ورعبًا يشغل عقول الصليبيين في أوروبا وأسبانيا لفترة طويلة واستولى على تفكيرهم حتى إذا تحركت ريح أو سمع صوت قالوا إن 'خير الدين' قادم ويعلوا صراخهم وعويلهم ويفر السكان من ديارهم ومتاجرهم ومزارعهم حتى إذا حطمت العواصف سفنهم نسبوا ذلك إلى 'خير الدين'، وبلغ الخوف مداه حتى إذا ما وقعت سرقة أو تخريب أو حتى مرض ووباء نسبوا ذلك إلى 'خير الدين' وجنوده.




'خير الدين' قائد الأسطول العثماني:

* عين السلطان العثماني 'سليمان الأول' القائد 'خير الدين' قائدًا عامًا على الأسطول العثماني ونقله للعمل في الجهة الشرقية من البحر المتوسط للقضاء على نفوذ أسبانيا و'شارلكان' وقد دخل 'سليمان' في حلف مع فرنسا العدوة اللدودة لأسبانيا وجعل 'خير الدين' مدينة 'مارسيليا' قاعدة لعملياته وصار قائدًا عامًا للأساطيل المشتركة بين العثمانيين وفرنسا وقام بتوجيه ضربات للوجود الأسباني بالمنطقة وأسر كثيرًا من الأسبان وباعهم رقيقًا وتداولتهم أيدي الناس حتى صاروا بأبخس الأثمان لكثرتهم.


http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/05/images/pic03a.jpg
خيرالدين



وفاة 'خير الدين':

* ظل 'خير الدين' ناصبًا لسوق الجهاد في سبيل الله في البحر المتوسط وخضد شوكة 'شارلكان' والأسبان وقاد كثيرًا من الحروب ضد الصليبيين حتى صار كابوسًا يؤرق مضاجع أعداء الإسلام وحفظ لنا التاريخ العديد من مواقفه البطولية التي توضح البعد الإيماني في جهاده؛ فعندما حاصر 'شارلكان' الجزائر بعد استشهاد 'عروج' خرج 'خير الدين' بكل حزم وعزم وقرأ على جنوده قوله عز وجل: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، ثم قال: إن المسلمين في المشرق والمغرب يدعون الله بالتوفيق لأن انتصاركم انتصار لهم وإن سحقكم لهؤلاء الجنود الصليبيين سيرفع من شأن المسلمين وشأن الإسلام.



* وظل 'خير الدين' مجاهدًا حتى آخر لحظة في حياته حتى آتاه اليقين وتوفاه الله على فراشه حتف أنفه سنة 953هـ رغم أنه ظل طوال حياته مجاهدًا وقد استشهد أخوه فلا نامت أعين الجبناء.



يتبع البطل الرابع --------------->

al-fahad
27-06-2008, 09:10 PM
جزآك الله خيرا أخي يونيك على الطرح القيم .. متابع ..

يونيك
27-06-2008, 09:13 PM
جزآك الله خيرا أخي يونيك على الطرح القيم .. متابع ..

ولك من الجزاء بمثله أخي الكريم :)

يونيك
27-06-2008, 09:28 PM
(البطل الرابع)


مجاهد العامري




فتنة الأندلس:

عاشت دولة الأندلس أياما سعيدة تحت الحكم الموحد للخلافة الأموية التي أسسها عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش منذ سنة 138 هـ، وظلت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان حتى آل الأمر للتفرق وفساد ذات البين واقتتال المسلمين فيما بينهم على الحكم، وسقطت الخلافة القوية وسقطت معها وحدة المسلمين وقوتهم وتحول جسد الأمة المسلمة الكبير في الأندلس إلى أشلاء ينتهب منها كل طامع نهبته ويقضم من أجزائها قدر ما يستطيع من الأراضي والبلدان.


وكانت قواعد الأندلس الشرقية عند الفتنة من نصيب الفتيان العامريين موالي القائد العظيم 'المنصور بن أبي عامر'، وكان معظم أولئك الفتيان من الصقالبة من أصول أجنبية [ألمان وفرنسيين وإيطاليين ومن أهل البلقان] حيث يؤتى بهم وهم أطفال، ويربون في البلاط تربية إسلامية خالصة.



من هو مجاهد العامري؟

هو أبو الجيوش 'مجاهد بن يوسف بن علي' الملقب بـ'مجاهد العامري' نسبة إلى أستاذه ومعلمه الأول 'المنصور بن أبي عامر' والذي اعتنى به عناية خاصة لما رآه فيه من خلال وصفات باهرة من قوة وشجاعة إلى نسك وورع وتضلع في علم اللغة والقرآن؛ وهي صفات رشحته لأن يكون واليا على حكم 'دانية' ومنطقة الجزائر الشرقية، وظل عليها واليا حتى اضطرمت الفتنة بالأندلس بعد وفاة المنصور بن أبي عامر وما تبعه من سقوط الخلافة الأموية التي كان مجاهد العامري من أشد مؤيديها، فرأى مجاهد أن من المصلحة أن يستقل بحكم منطقة الجزائر الشرقية ويبحث عن رجل من بني أمية ينصبه خليفة للمسلمين على أمل إحياء الخلافة الإسلامية من جديد بالأندلس، ووجد ضالته في رجل من أهل العلم يلقب بـ 'المعيطي' وينتسب إلى بني أمية، وبالفعل نصبه خليفة على المسلمين بشرق الأندلس عام 405 هـ .



صفات مجاهد العامري :

كان مجاهد العامري نسيجا منفردا حيث جمع بين كثير من الخصال والصفات الحميدة وذلك في مجالات شتى؛ فهو بطل شجاع من أعظم فرسان عصره لا يباريه في المبارزة والرماية إلا القليل، يباشر القتال بنفسه وكثيرا ما كان يخرق صفوف العدو أثناء القتال، وكان لا ينضم لكتيبته الخاصة إلا أعظم الفرسان .


وفي التجارة كان مجاهد من أذكى ملوك الطوائف وأعلمهم بالشئون المالية والتجارية، وأنشأ أسطولا من السفن التجارية حقق من ورائه ثروة طائلة أحسن استغلالها في زيادة قوة ومناعة وعمران شرق الأندلس .


ولكن أعظم صفات مجاهد العامري كانت تتمثل في حبه للقرآن وعلوم القراءات والتفسير واللغة العربية؛ فقد كان مجاهد رغم أنه من الموالي إلا أنه شديد العروبة محبا للقرآن منذ صباه، صيتا به، معنيا بعلومه؛ حتى صار في المعرفة نسيج وحده، وجمع من كتب العلم خزائن جمة، فأمه جل العلماء وأنسوا بمكانه، وخيموا في ظل سلطانه؛ فانتشر العلم في دولته وقصده أكبر العلماء في القرآن واللغة أمثال 'أبو عمرو بن سعيد الداني' صاحب القراءات الشهير و'أبو عمر بن عبد البر' صاحب كتاب الإجماع، و'ابن معمر' اللغوي، و'ابن سيده' صاحب كتاب المحكم، وغيرهم كثير حتى فشا العلم بين الجواري والغلمان وصارت الجزائر الشرقية منارة العلم والقرآن بالأندلس .




مجاهد أسطورة البحر المتوسط:

كان مجاهد العامري من أعظم بحارة الإسلام في هذا العصر ومن أكثرهم تمرسا بالحروب والغارات البحرية حتى أصبح أسطورة البحر المتوسط وأحيطت شخصيته في المراجع الأجنبية بالكثير من الخيال والروعة، بل إن تفاصيل حملاته البحرية على أوروبا نجد ذكرها في المراجع الإيطالية واليونانية، ولا نجد لها ذكرا في المكتبة الإسلامية، وقد أطلق عليه المؤرخون الغربيون اسم 'موجيتوس' وهو اسم كان كفيلا أن يلقي الرعب والفزع في قلوب سكان إيطاليا وفرنسا لفترة تزيد عن ثلاثين سنة، وكانت غزوة جزيرة 'سردانية' هي أعظم معاركه وغزواته البحرية، والسبب الرئيس كان لشهرة مجاهد في أوروبا وحوض البحر المتوسط الغربي .


http://arabs2day.ws/images/up/uploads1/349edc92aa.jpg


غزوة جزيرة سردانية [ربيع الثاني 406 هـ ]

بينما كانت دول الطوائف الأخرى تخوض غمار المنازعات والحروب المحلية الصغيرة، كان مجاهد العامري يفكر في مشروع ضخم ربما كان أعظم مشروع فكر فيه أمير من الأمراء في دولة الأندلس، ذلك هو غزو جزيرة سردانية وفتحها، وقد كان مجاهد زعيما قوي النفس خبيرا بحريا يرى أن إمارته الساحلية وأملاكه البحرية تقتضي أن يكون اعتمادها في القتال على الأساطيل قبل كل شيء، فاهتم بتقوية الأسطول فجدد دار الصناعة القديمة التي كانت بدائية واستكثر من شراء السفن والمعدات الحربية حتى صار عنده خلال فترة وجيزة أقوى أساطيل البحر المتوسط، واستعد لمشروعه الخطير، فحشد أسطولا قوامه مائة وعشرين سفينة مشحونة بالأبطال والعتاد الحربي، وأقلعت الحملة البحرية من 'دانية' في ربيع الأول سنة 406 هـ [أغسطس 1015 م] وكانت جزيرة سردانية موضع اهتمام المسلمين منذ فتح الأندلس وقد غزاها المسلمون عدة مرات سنة 711 م، 752 م، 813 م، 816 م، 817 م، 838 م بيد أن هذه الحملات كلها كانت عارضة لا تخطط للبقاء بالجزيرة، وكانت هذه الجزيرة تحت حكم الدولة البيزنطية ثم حكم الإفرنج ولكنها كانت مستقلة ذاتيا يحكمها قادة محليون، وكانت طبيعتها الوعرة وشجاعة أهلها الجبليين واعتزازهم بحرياتهم مما يعاون على دفع الغزاة ورد الحملات الغازية العارضة .


http://img242.imageshack.us/img242/5127/1684hh4.jpg


كانت حملة مجاهد العامري على جزيرة سردانية كبيرة قوية تخطط للبقاء بالجزيرة وإقامة سلطان الإسلام فيها بكل عزم وقوة، ووصلت الحملة إلى الجزيرة بعد ثمانية أيام ورست في خليج كالياري في جنوب الجزيرة ثم انساح الغزاة المسلمون إلى داخل الجزيرة بمنتهى القوة كالسيل الهادر ووقعت بينهم وبين أهل الجزيرة معارك دموية قتل فيها جمع غفير في مقدمتهم قائد الجزيرة 'مالوتو' وأسر المسلمون جموعا غفيرة وأصبحت الجزيرة تحت حكم المسلمين .

شرع مجاهد في توطيد وضع المسلمين بالجزيرة فأنشأ بها مدينة واسعة ونقل أهالي المجاهدين والمسلمين الفاتحين إليها واستقدم هو زوجته وولده الوحيد عليا وباقي أسرته .


كان لهذه الغزوة الجريئة رد فعل عنيف وقوي لدى البابوية والدول الإيطالية القريبة خاصة أن مجاهد العامري جعل جزيرة سرداينه قاعدة انطلاق جهادية على شواطئ إيطاليا خاصة 'جنوه' و'بيزا' وكلاهما من أقوى الدول البحرية في البحر المتوسط، وفي الحال أعلن البابا 'بندكتوس الثامن' الحرب الصليبية ضد المسلمين وكون أسطولا ضخما أضعاف أضعاف الأسطول المسلم وقرر الهجوم على سردانية لتحريرها من المسلمين .


وصلت أخبار الحملة الصليبية البحرية لمجاهد العامري فقرر الاستعداد لها بقوة وبالغ في تحصين الجزيرة ولكن تضافرت عليه عوامل كثيرة أدت ف النهاية لهزيمة المسلمين؛ منها مقاومة أهل الجزيرة من الداخل، وسآمة الجنود المسلمين من رداءة الطقس وقلة الغنائم والبعد عن الأوطان وهبوب الرياح والعواصف العاتية على الأسطول المسلم الراسي في خليج كالياري مما أدى لغرق الكثير من سفن الأسطول المسلم .


كانت الهزيمة التي حلت بالمسلمين من الشدة بمكان أن أسرة مجاهد نفسه قد وقعت في الأسر كلها ولم ينج من الأسطول الضخم البالغ قوامه مائة وعشرين سفينة سوى بضع سفن فقط عادت إلى الأندلس تجتر هزيمة شنيعة وتبكي قتلى وأسرى بالآلاف، وهكذا تحطم هذا المشروع الضخم ولم يتح للمسلمين أن يستقروا في سردانية كما أتيح لهم من قبل أن يستقروا في صقلية، ولو نجح مجاهد العامري في مشروعه واستقر المسلمون في سردانية لكان مرجعا أن تزدهر بها حضارة إسلامية كبيرة تشع على ظلمات أوروبا ولربما صارت أوروبا بعدها كلها مسلمة.



ولكن هذه الهزيمة القادحة لم تمنع مجاهد العامري من أن يواصل حملاته البحرية القوية في حوض البحر المتوسط مما جعله أسطورة البحار وكابوسا يقلق كرسي البابوية سنوات طويلة .





يتبع البطل الخامس --------------->

زقرتي ومزاجي
27-06-2008, 09:36 PM
يعطيك العافيه

الامل القديم
27-06-2008, 09:38 PM
يعطيك العافيه اخي يونيك على ما قدمت

بوركت وجزاك الله خيرا

انتظر المزيد

يونيك
27-06-2008, 09:59 PM
يعطيك العافيه

الله يعافيك


:)

يونيك
27-06-2008, 09:59 PM
يعطيك العافيه اخي يونيك على ما قدمت

بوركت وجزاك الله خيرا

انتظر المزيد

وفيكِ بارك الله .... ولك من الجزاء بمثله ان شاء الله .

:)

يونيك
27-06-2008, 10:16 PM
(البطل الخامس)



ليو الطرابلسي


http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/0/09/Aboukir.jpg/200px-Aboukir.jpg



كان القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الثالث الهجري هو عصر السيادة البحرية الإسلامية، وكان البحر الأبيض المتوسط والذي كان يعرف قبل ظهور الإسلام ببحر الروم، والذي تحول بعد ذلك إلى بحر العرب هو ميدان هذه السيادة، وقد بدأ المسلمون العرب معاركهم البحرية الأولى في تردد وخوف من البحر وأهواله، ولكن لم يمض سوى نصف قرن حتى كان البحر لهم كاليابسة محط الغزوات والفتوحات الكبيرة، وكان فتح جزيرة قبرص سنة 28 هـ على يد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما إيذانا بتدشين عصر الفتوحات البحرية التي استمر خطها البياني في تصاعد مطرد حتى وصل لقمته في القرن الثالث الهجري، وفي هذه الفترة ظهر بطلنا المغوار الملقب بأمير البحار .



أمير البحار ... ليو الطرابلسي :

في أواخر القرن الثالث الهجري ظهر في شرق البحر المتوسط أعظم بحار مسلم سمعت به كتب التاريخ على الإطلاق، وهو أمير البحر الذي فاضت المراجع والكتب الغربية في وصف وسرد حملاته وغزواته البحرية الجريئة على ثغور الدولة البيزنطية، في حين أغفلت بكل أسف كتب التاريخ الإسلامية حياة هذا البطل العظيم حتى لا نكاد نرى له أي ذكر بها سوى بضعة سطور لابن الأثير في أحداث سنة 291 هـ، فمن هو 'ليو' أو 'ليون الطرابلسي'؟ .


المصادر الإسلامية كما ذكرنا لا تكاد تذكره وعند البحث والتحقيق عنه ينتهي الكلام إلى أنه الملقب باسم 'غلام زرافة' أو 'رشيق الورادني' وكان أمير البحر لوالي طرابلس أيام الخليفة 'المستكفي' العباسي، وليس في الرواية الإسلامية ما يلقي الضوء على نشأته، ولكن الروايات الغربية خاصة البيزنطية تكشف لنا عن نشأة هذا البطل العظيم وأعماله الهائلة في ميادين الجهاد في سبيل الله، ومما يزيد من حسرتنا وألمنا أن يكون أعداؤنا أولى منا برجالنا .


ولد 'ليون الطرابلسي' لأبوين نصرانيين في بلدة تدعى 'أتاليا' في جنوب شرقي الأناضول، لكنه منذ حداثته أيقن أن الإسلام هو الدين الحق، وأن النصرانية ضلال وتحريف فاعتنق الإسلام صغيرا، وحاول أبواه بكل طريق أن يحولا بينه وبين الإسلام، وضغطا عليه بقوة ليرتد إلى النصرانية، ولكنه ثبت على دين الحق، وفر منهما وانضم إلى المجاهدين من البحارة المسلمين الذين كانوا يجوبون البحار لمحاربة الأساطيل البيزنطية لردعها عن شواطئ المسلمين، وكان هؤلاء المجاهدون يركزون غاراتهم على شواطئ بحر الأرخبيل [بحر إيجه] وثغوره وجزره .



بزوغ النجم :

انتقل ليون منذ حداثته من بلده إلى مدينة طرابلس من أعمال الشام وبها استقر وترعرع على متن السفن وتلقى دروسه العربية في لجة البحر، واشترك منذ صغره في كثير من الحملات الجهادية التي كانت تقوم بها الجماعات البحرية المسلمة، واكتسب خبرة وشجاعة وجراءة كبيرة، خاصة في قتال الأساطيل البيزنطية، واشتهر بخفة حركته وسرعته في اتخاذ القرارات الحاسمة، فاشتهر عند المسلمين باسم 'رشيق' .



تدرج 'ليون' أو 'رشيق' في سلم قيادة الأساطيل حتى صار من كبار قادة البحر ثم انتقل إلى مدينة 'طرسوس' وكانت تعتبر المرتكز الرئيسي في محاربة الدولة البيزنطية بل تعتبر رأس الحربة الإسلامية في هذا المضمار، فأصبحت 'طرسوس' محط رحاله ومرفأ سفنه، وجمع 'ليون' تحت لوائه أمهر وأشجع البحارة المسلمين المجاهدين، حتى صار له ما أراد من وجود عصبة قوية مغامرة تعد خلاصة أبطال الجهاد البحري، وليتحول هو وزمرته الميمونة إلى قوة بحرية عظيمة تروع الدولة البيزنطية وتدخل الرعب في قلوب أعداء الله .




معركة تسالونيكا :

استمر 'ليون الطرابلسي' أو 'غلام زرافة' في غزواته البحرية الجريئة على ثغور الدولة البيزنطية وأصبح كابوسا مفزعا يقض مضاجع تلك الثغور، ولكن أعظم غزوات 'ليون' والتي خلدت ذكره في المراجع الأجنبية قبل الإسلامية معركة 'تسالونيكا'، حيث تعتبر تلك المدينة من أعظم الثغور البيزنطية وأمنعها وأغناها بعد 'القسطنطينية' وتقع على هضاب 'أولمبوس' وتشرف على رأس خليج ضيق تستطيع أن تمتنع به السفن وكان يفصلها عن هذا الخليج سور ضخم يمتد نحو ميل على طول الشاطئ وتحميها بعد ذلك قلاع حصينة شيدت على آكام مرتفعة .



وفي سنة 291 هـ استعان 'ليون الطرابلسي' بالله وخرج من 'طرسوس' في أربع وخمسين سفينة في كل منها نحو مائتي مقاتل عدا جماعة مختارة من الرؤساء والضباط، وانضم إليه في سيره أشجع أبطال البحر المسلمين في مياه المشرق .



ولم يجرؤ الأسطول البيزنطي الذي بعثه الإمبراطور 'ليون السادس' لحماية ثغور الدولة على لقاء سفن المسلمين، فارتد إلى ضفاف 'الدردنيل' تاركا مياه بحر 'إيجه' مفتوحة لسفن المسلمين تتجه بمنتهى السرعة إلى ثغر 'تسالونيكا' .




كان قائد الحامية البيزنطي بالمدينة رجلا شجاعا ذكيا اسمه 'بتروناس' حاول أن يرد سفن المسلمين بعدة وسائل منها إلقاء مقادير كبيرة من الصخور الضخمة وقطع الرخام التي كانت تزدان بها القبور اليونانية ليعطل سير السفن المسلمة ويجعلها في مرمى نبال ونيران اليونانيين، واجتهد 'بتروناس' في تحصين المدينة، ولما مات 'بتروناس' فجأة كان خليفته واسمه 'نيكيتاس' صلبا هو الآخر كسابقه .

أما أهل المدينة فقد وضعوا آمالهم في أحد قديسيهم الهالكين ويدعى 'ديمتريوس' وقد كان مدفونا في كنيسة خاصة به، فهرعوا إليه في هذه الكنيسة وانهمكوا في الصلاة ليلا ونهارا داعين وليهم 'ديمتريوس' هذا أن يكشف عنهم الضر .


أما 'ليون الطرابلسي' ومن معه من العصبة المؤمنة المجاهدة فقد قرر الهجوم على المدينة من ناحية الخليج الحصين وهو يضمر في نفسه خطة ذكية لفتح المدينة الحصينة .



وفي يوم الأحد الموافق 29/7/904 هـ بدأ الهجوم على المدينة من ناحية المدخل الأمامي ليختبر دفاعات البلد ومدى استعداد أهلها للدفاع عنها .


http://upload.wikimedia.org/wikipedia/en/b/ba/Battle_of_Preveza_(1538).jpg




وفي اليوم التالي هاجم المسلمون المدينة من ناحية الشرق وحاول استخدام عدة وسائل للاقتحام بالسلالم وإطلاق المجانيق وإضرام النار تحت أبواب المدينة وشغل أهل المدينة بالقتال عامة اليوم، وكان 'ليون' يرجو بكل هذه المقدمات إلى تحويل عناية المدافعين عن غايته الحقيقية .



فقد رأى من خلال استطلاعه لأسوار المدينة عدة مواضع معينة يمكن اقتحام المدينة من خلالها، فبدأ بتنفيذ خطته النهائية بمنتهى السرعة والبراعة، فربط عدة سفن كل اثنين معا ربطا وثيقا محكما، وأقيم فوق كل اثنتين برج خشبي مرتفع، وفي صباح اليوم التالي دفعت هذه الأبراج نحو المواضع المنخفضة في السور وفي كل منهما نخبة من المسلمين تستطيع أن تقضي على المدافعين عن الأسوار، ونشبت معركة هائلة بين الفريقين، وكان بحارة سفن الإسكندرية أول من اقتحم الأبراج، وانقضوا على المدافعين كالصواعق المرسلة وأجبروهم للفرار تحت ضغط الهجوم الكاسح، فنزل الأبطال وفتحوا أبواب المدينة لينقض المسلمون عليها من كل ناحية واستولوا عليها بأكملها في سويعات وتم أسر اثنين وعشرين ألفا من أهلها حملوا جميعا إلى مدينة 'طرسوس' قاعدة الانطلاق ليتم مبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى البيزنطيين، حيث كان من الأهداف الرئيسية لحملات 'ليون الطرابلسي' أخذ أكبر عدد من الأسرى البيزنطيين لاسترجاع أسرى المسلمين عندهم .


http://ramidiabi.maktoobblog.com/userFiles/r/a/ramidiabi/images/1201138967.jpg


واستمر 'ليون الطرابلسي' أمير البحار في حملاته وغزواته البحرية الجريئة بمنطقة بحر 'إيجه' حيث لم يقوم له أحد ولم ترده أساطيل الدولة البيزنطية الضخمة، وهو في ذلك كله تابع وموالي للخليفة العباسي يأتمر بأمره ولا يرد له طلبا، ويقوم بأعظم الخدمات للدولة المسلمة من إضعاف للقوة البيزنطية، وفك أسرى المسلمين، وجمع الغنائم والثروات لصالح الدولة المسلمة، حتى استحق وعن جدارة لقب 'أمير البحار' بل وأعظم بحار مسلم عرفه التاريخ .



يتبع البطل السادس --------------->

يونيك
27-06-2008, 10:40 PM
(البطل السادس)



المجاهد الكبير حسن الطوشي

إن المسلم لا يدرك القيمة الحقيقية لقدراته ومواهبه إلا إذا وضع في الاختبار الحقيقي والمحك العملي الذي تظهر فيه الكوامن وتقهر فيه الصعاب، فالمسلم لا يستصعب العوائق أبدا لأنه بإذن الله عز وجل أقوى منها ولا يحبس نفسه أسر أوهامه بأن الأمور فوق إمكاناته وسوف يأتي اليوم الذي تسقط الأوهام وتفيق الأمة من غفلتها وتستعيد ذاكرتها وأبطالها وما أكثرهم وهذه قصة واحد من أعظمهم :


خير الدين وحسن الطوشي

بعد أن فتح السلطان سليمان الأول مدينة بلجراد عزم على السفر بسائر جنوده إلى إسبانيا للاستيلاء عليها وإعادة دولة الإسلام في الأندلس المفقود وبدا للسلطان الاعتماد على رجل ذي خبرة واسعة ودراية بقتال هؤلاء الصليبيين فوقع اختياره على القائد الكبير خير الدين بربروسا فأرسل يستدعيه إلى إستامبول وعينه قائدا عاما للأساطيل العثمانية ونقل جهاده للجبهة الشرقية من البحر المتوسط فلما ذهب خير الدين استخلف مكانه أخص رجاله وأشجع أبطاله حسن الطوشي وكان يتصف بالعقل والعلم الواسع هذا إضافة لورعه وتدينه الشديد وحميته الإسلامية العالية ومن يومها سطع نجم حسن الطوشي في سماء البطولة والجهاد بتلك البقاع والبلاد.


شرع حسن الطوشي في عمله الجديد فعمل على توطيد الأمن الداخلي ووضع الأسس للإدارة المستقرة ومحاولة جمع أطراف البلاد حول السلطة المركزية بالجزائر وعمل على قهر القرصنة الأوروبية الصليبية فأبلى في ذلك بلاءًا حسنا وسار شخصه مثالا بارزا في البطولة والتضحية الإسلامية في سبيل الدفاع عن بلاد الإسلام في الشمال الإفريقي فأكسب الجزائر مهابة وجلالا ومخافة في قلوب الأعداء.


واستطاع حسن الطوشي أن يحرر مدينة 'مستغانم' ويضمها للجزائر ثم تقدم نحو الجنوب الشرقي واستولى على مدينة بكرة وشيد هناك حصنا وأقام به حامية قوية، وفي سنة 949 هـ جهز ثلاث عشرة سفينة حربية برجالها وعتادها وهجم بهم على السواحل الإسبانية وجعل تلك الفرقة دائمة الإغارة على سواحل إسبانيا فأخذ الكثير من السبايا والأسرى يسوقهم للبيع في المدن المغربية الشمالية خاصة مدينة 'تطوان' وذات مرة اصطدمت تلك الفرقة الصغيرة بأسطول إسباني كبير ودارت رحى حرب عنيفة وقاسية استشهد على إثرها الكثير من المسلمين ولكن خسائر الصليبيين كانت أضعاف أضعاف المسلمين .



الإمبراطور شارلكان الصليبي


http://imagecache2.allposters.com/images/BRGPOD/16711.jpg
شارل الخامس (شارلكان)

يعد الإمبراطور شارل الخامس أو شارلكان من أكبر وأعدى ملوك النصارى للإسلام والمسلمين على مر العصور فهو شارل الخامس حفيد كل من فرناندو وإيزابيلا قديسا إسبانيا اللذان على أيديهما سقطت غرناطة آخر معاقل الإسلام بالأندلس سنة 897 هـ وقد أصبح شارلكان إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة والتي تضم كل من إسبانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والنمسا وإيطاليا مما جعل شارلكان محط أنظار ومنتهى آمال كل صليبي على وجه الأرض وقتها عدا فرنسا وإنجلترا فقط.


عندما توالت ضربات خير الدين وحسن الطوشي على الصليبيين في البحر المتوسط هرع البابا بول الثالث لعاهل الصليبيين الأكبر شارلكان وطلب منه مواجهة خير الدين وحسن الطوشي وأهل الجزائر.




الحملة الصليبية الإسبانية على الجزائر

عزم شارل كان على تجهيز حملة صليبية كبيرة يقودها بنفسه ليقضي بها على حركة الجهاد الإسلامي في غرب البحر المتوسط فبدأ أولا بتأمين كيد أعدائه الفرنسيين فعقد معاهدة نيس في سنة 945 هـ مع فرنسا لمدة عشر سنوات وبذلك تفرغ للجزائر .

قاد شارلكان الحملة الصليبية على الجزائر سنة 948 هـ ووصل إلى شواطئ الجزائر في 28 جمادى الأول سنة 948 هـ وهو ينوي تخريب البلاد وقتل العباد وقمع الجهاد .



ملحمة الصمود الجزائري

http://www.archeonavale.org/Alger_2005/im_docs/Bringantin-de-Andrea-Doria.jpg

عندما وصلت الأساطيل الصليبية للشواطئ الجزائرية جمع القائد حسن الطوشي أعيان البلد وقادتها وعلمائها وحثهم على الجهاد والدفاع عن البلاد والدين وقال لهم: 'لقد وصل العدو عليكم ليسبي أبنائكم وبناتكم فاستشهدوا في سبيل الدين الحنيف هذه الأراضي فتحت بقوة السيف ويجب الحفاظ عليها وبعون الله النصر حليفنا فنحن أهل الحق وهم أهل الكفر والباطل'، فوافقه الزعماء ودعا له المسلمون فأخذ البطل في تجهيز دفاعاته وحشد جيوشه.


أراد شارلكان أن يفت في عضد المسلمين فأرسل برسالة تهديد ووعيد للقائد حسن الطوشي وقال فيها: 'أنت تعرفني فأنا سلطان كل ملة المسيحيين إذا رغبت في التشرف بمقابلتي سلمني القلعة مباشرة وأنقذ نفسك من يدي وإلا أمرت بإنزال أحجار القلعة في البحار ثم لا أبقي عليك ولا سيدك ولا الأتراك وأخرب كل البلاد' .


فماذا كان رد حسن الطوشي هل خاف وارتعد وسلم مباشرة ؟ كما يفعل الآن كلا بل رد عليه ردا قويا جريئا فيه استهزاء وسخرية بهذا الطاغية الغاشم قال له فيه: ' أنا خادم السلطان سليمان تعال واستلم القلعة ولكن لهذه البلاد عادة أنه إذا جاءها العدو لا يعطى إلا الموت، ولقد غزت إسبانيا الجزائر في عهد عروج مرة وفي عهد خير الدين مرة ولم تحصل على طائل بل انتهبت أموالها وفقدت جنودها وستحصل المرة الثالثة إن شاء الله' .


تدفقت أعداد كبيرة من المجاهدين المتطوعين لنصرة الدين إلى الجزائر بمجرد سماعهم أن إسبانيا تقود حملة صليبية ضد المسلمين وكانوا مدربين جيدا على القتال خاصة بتلك البلاد.



وما يعلم جنود ربك إلا هو

أرسل حسن الطوشي إلى شارلكان يطلب منه الإذن بالسماح لمن أراد من أهل الجزائر بالمغادرة خصوصا النساء والأطفال وعندها أيقن شارلكان أن مجاهدي البلد سيقاتلون حتى الموت وأنه من المحال احتلال الجزائر إلا إذا تم تدميرها تدميرا تاما وأخذا المجاهدون في استغلال ميزة معرفتهم بطبيعة الأرض والبلد فشنوا حربا شديدة على الصليبيين باستخدام الكر والفر وظهرت بطولات رائعة للمجاهدين أمثال 'الحاج بشير' الذي تخصص في حصد رؤوس الصليبيين.

ثم كانت المنة الإلهية والمدد الرباني لأهل الإيمان والجهاد المقدس حيث سخر الله عز وجل لجند الإسلام جندا من عنده فأرسل على جيوش الصليبيين الأمطار الغزيرة والرياح العاصفة والأمواج العاتية فاقتلعت الريح الخيام وارتطمت السفن بعضها ببعض وحملت الأمواج العاتية بعض السفن إلى الشاطئ فأخذها المسلمون غنيمة وأفسدت الأمطار مفعول البارود ووسط هذه الضربات الإلهية حاول شارلكان مهاجمة الجزائر عدة مرات ولكنه فشل في كل مرة وفي نفس الوقت كان القائد حسن الطوشي يقود المجاهدين لهجمات قاسية وشديدة أوجعت وأذهلت الصليبيين في نفس الوقت حتى قال أحد فرسان المعبد في تقريره عن القتال 'لقد أذهلتنا هذه الطريقة في الحرب لأننا لم نكن نعرفها من قبل'.

بعد الضربات الهائلة التي نالها شارلكان من مجاهدي الجزائر بالإضافة إلى العقاب الإلهي المتمثل في العواصف والأمطار والأمواج لملم شارلكان فلول جيشه وما تبقى من سفنه وانسحب خائبا يجر أذيال الخيبة ويعض على أنامله من الغيظ ومن شدة خجله وحزنه من الهزيمة لم يعد لإسبانيا بل توجه إلى إيطاليا يتوارى من الناس من شر هزيمته المنكرة، وأرسل حسن الطوشي للسلطان سليمان يبشره بالنصر قائلا: 'إن الله سبحانه وتعالى عاقب شارل الخامس وجنوده بعقاب أصحاب الفيل وجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم ريحا عاصفا وموجا قاصفا فجعلهم بسواحل البحر ما بين أسير وقتيل ولا نجا منهم من الغرق إلا قليل' .




مصير شارلكان

كان فشل شارلكان في حملته الصليبية إيذانا بأفول نجمه في سماء النصرانية ونزلت أخبار الهزيمة نزول الصاعقة على أوروبا كلها وتطورت الأحداث هناك بسرعة وانفض حلفاؤه من حوله وتحولوا إلى خصمه ملك فرنسا فرانسوا الأول الذي كان أسعد الناس بهزيمة شارلكان لخوفه على أملاكه ولم يبق مع شارلكان أحد سوى هنري الثالث ملك إنجلترا الذي حالف شارلكان نكاية في فرنسا وقد حفظ الشعر العربي هذا الحدث الهام فقيل فيه:



سلوا شارلكان كم رأى من جنودنا ------ فليس له إلا هم من زواجر

فجهز أسطولا وجيشـا عرمرمـا ------ ولكنه قد آب أوبة خـاسر


والخلاصة أن شارلكان عظيم النصارى انكسر بعدها كسرة ما قام بعدها واختتم حياته الحافلة بالعداوة للإسلام بهزيمة يلحقه عارها وإثمها إلى يوم الدين وذلك كله على يد القائد الكبير والمجاهد البطل حسن الطوشي الذي لا يعرفه أحد الآن في زماننا هذا .






يتبع البطل السابع --------------->

يونيك
27-06-2008, 11:02 PM
(البطل السابع)



الفقيه القاضى الأمير أسد بن الفرات


أن يكون المسلم متميزا فى باب معين من أبواب الخير فهذا شىء عظيم يستحق أن يثني عليه الناس به ويذكرونه ولكن أن يكون المسلم فقيها وعالما ومحدثا ومجاهدا وأميرا للجيوش وقائدا لأساطيل أعالى البحار وقاضيا ومعلما ومدافعا عن السنة وقامعا للبدعة ومرابطا فى سبيل الله حتى الموت، فهذا النوع من الرجال الأبطال لابد أن نؤرخ له وبماء الذهب خاصة أن أبناء المسلمين الآن لا يعرفون عنه شيئا .



من هو الأسد

هو الأمير الكبير والفقيه البارع والمحدث الثقة وأمير المجاهدين أبوعبد الله 'أسد بن الفرات بن سنان' ولد سنة 142 هجرية بمدينة 'حران' من أعمال ديار بكر بالشام ثم انتقل إلى بلاد المغرب مع أبيه 'الفرات بن سنان' سنة 144 هجرية والذى كان قائدا للمجاهدين الذين خرجوا لنشر الإسلام فى بلاد المغرب، واستقر مع أبيه بالقيروان، ونشأ منذ صغره على حب العلم وحفظ كتاب الله حتى أتمه فى مرحلة الصبا وأصبح هو نفسه معلما للقرآن وهو دون الثانية عشر .


رحلته العلمية

بعدما أتم أسد حفظ كتاب الله بدأ فى تحصيل العلوم الشرعية حتى برع في الفقه وكان محبا للنظر والمسائل المتفرعة وإعمال العقل فمال ناحية مذهب أبى حنيفة وظل هكذا حتى التقى مع 'علي بن زياد' والذى يعتبر أول من أدخل مذهب الإمام مالك بن أنس بالمغرب، فسمع منه أسد كتاب الموطأ وتلقى منه أصول مذهب مالك، وبعدهاقرر أسد أن ينتقل إلى المشرق فى رحلة علمية طويلة ابتداءا من سنة 172 هجرية وهو فى ريعان الشباب .

دخل أسد بن الفرات المدينة النبوية لسماع الموطأ من الإمام مالك مباشرة، وكان الإمام مالك له ترتيب خاص فى إسماع الموطأ حيث كان يقسم السامعين إلى ثلاثة أفواج:

• الفوج الأول أهل المدينة .
• الفوج الثانى أهل مصر .
• الفوج الثالث بقية الناس .



ولاحظ الإمام مالك حرص أسد على سماع الحديث وشغفه بالعلم فأدخله مع الفوج الثانى أهل مصر، و لكن أسد بن الفرات كان شديد الشغف بالعلم فاستقل مرويات مالك فى الموطأ واستزاده فى السماع فقال له مالك 'حسبك ما للناس' فخشي أسد أن يطول به الأمر ويفوته ما رغب فيه من لقية الرجال وسماع الحديث، فارتحل إلى العراق بعدما انتهى من سماع الموطأ.


بالعراق التقى أسد مع كبار تلاميذ أبى حنيفة أمثال 'محمد بن الحسن' وكان من كبار رواة الحديث والقاضى أبو يوسف أخص تلامبذ أبى حنيفة وأفقههم، فتعلم أسد أولا المذهب الحنفي وأكثر من سماع الثقات في الحديث، واستفاد أسد من محمد بن الحسن استفادة كبرى وكتب عنه الكثير من مسائل المذهب الحنفي المشهور .


استمر أسد فى رحلته إلى العراق جامعا بين طلب الحديث والفقه إلى سنة 179 هجرية وهي السنة التي توفي فيها الإمام مالك فارتجت العراق لموته وأقبل الناس من كل مكان للسماع من تلاميذ مالك، وعندها ندم أسد على أنه لم يبقى بجوار مالك وقال لنفسه 'إن كان فاتني لزوم مالك فلا يفوتني لزوم أصحابه' .


ارتحل أسد بن الفرات إلى مصر وكان بها أخص تلاميذ مالك وأكثرهم علما وورعا أمثال ابن وهب وابن القاسم، فدخل أسد أولا على ابن وهب وعرض عليه كتبه التي كتبها على مذهب أبي حنيفة وطلب منه أن يجيب عليها على مذهب مالك، فتورع ابن وهب عن ذلك، فدخل أسد على ابن القاسم فأجابه على هذه المسائل وتفرغ له ابن القاسم ولقنه المذهب كله بأصوله وفروعه ودون هذه المسائل كلها فى الكتاب الشهير 'المرونة' أو 'الأسدية' وحررها وضبطها حتى صارت المرجع الأول للفقه المالكي ببلاد المغرب وقتها، وأخيرا عاد أسد بن الفرات إلى القيروان سنة 181 هجرية بعد رحلة علمية شاقة وحافلة بالفوائد حيث تنقل فيها بين المدينة ومكة وبغداد والكوفة والفسطاط فى طلب العلم حتى صار من كبار علماء المغرب وإمام من أئمة المسلمين الذين بلغوا درجة الاجتهاد فلا يفتي إلا بعد النظر والترجيح ولا يتقيد بمذهب معين .



نشاطه العلمى بالمغرب

عاد أسد بن الفرات إلى القيراون حاضرة أفريقية وقتها ومنارة العلم الأولى فى الشمال الأفريقى بعلم جم فى الحديث والفقه بمدرستيه الأوليتين الحنفية والمالكية وجلس بجامع عقبة وأقبل عليه الناس من كل مكان من المغرب والأندلس واشتهر أمره وظهر علمه، وارتفع قدره، وانتشرت إمامته، وجاءته الأسئلة من أقصى البلاد ليجيب عليها .


بلغ أسد درجة الإجتهاد المطلق فلم يكن يلتزم برأي واحد بل يفتي بما يوصله إليه إجتهاده ويلتزم من أقوال أهل المدينة وأهل العراق بما يوافق الحق عنده، وكان إذا جلس في المجلس وسرد أقوال العراقيين، أي مذهب أبي حنيفة، في مسألة ما، قال له المشايخ الذين يجالسونه ممن يذهب مذهب أهل المدينة، أي مذهب مالك، 'يا أبا عبد الله أوقد القنديل الثاني' فيسرد أقوال المدنيين مما يوضح سعة علمه.


كان أسد بن الفرات شديد الضبط والتحرير والدقة لكتبه حتى صار مضرب الأمثال فقد بيعت يوما كتب فقيه مات، فنودي عليها 'هذه كتب فقيه قد قوبلت على كتب الأفريقي 'أى أسد بن الفرات' فبيعت بأغلى الأثمان .



محاربته للبدع

كان أسد بن الفرات على عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة السلف الصالح لذلك كان من أشد علماء المغرب على أهل البدعة، معروفا بنشر السنة حتى خارج أفريقية 'تونس الأن' وكان يكثر من تقريع المبتدعين، قرأ يوما قوله عز و جل 'إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى' ثم قال 'يا ويل أهل البدع يزعمون أن الله عز وجل قد خلق كلامه، آمنت بالله عز وجل، وبأنه قد كلم موسى تكليما، وأن الكلام غير مخلوق، ولكن لا أدرى كيفيته' .



الأسد أمير المجاهدين

لم يكن أسد بن الفرات من هذا النوع السلبي من العلماء الذين يقبعون خلف كتبهم ومصنفاتهم ومحابرهم ولا يتحركون بعلمهم بين الناس، بل كان من العلماء العاملين وأيضا من كبار المجاهدين فى سبيل الله، فلقد ورث حب الجهاد عن أبيه الذي كان أمير المجاهدين في حران والذي حمل ولده الصغير 'أسد' وخرج به مجاهدا فى سبيل الله، فشب عالما نابها وأيضا جنديا جريئا، وبحارا مغامرا، حتى أنه في سن الشباب وقبل أن يقوم برحلته العلمية المشهورة اشترك فى العديد من المعارك البحرية في مياه البحر المتوسط، ويقول العلامه ابن خلدون أن أسد بن الفرات هو الذى افتتح جزيرة 'قوصرة' وهي جزيرة صغيرة تقع شرقي تونس الآن.


حيث كانت أفريقية أو تونس واقعة تحت حكم دولة الأغالبة التي استقلت بحكم البلاد منذ سنة184هجرية ولكنها كانت تابعة للدولة العباسية، وكانت هذه الدولة في بداياتها معنية بأمر الجهاد ونشر الإسلام، فاتجه ولاة هذه الدولة بأبصارهم ناحية الجزر الكبرى الواقعة في منتصف البحر المتوسط مثل جزيرة صقليه، وكورسيكا، وسردانيه، وغيرها ولكن التركيز الأكبر كان على جزيرة صقلية .



فتح جزيرة صقلية

http://alx605.jeeran.com/المناطق%20المسيطر%20عليها.JPG

تعتبر جزيرة صقلية أكبر جزر البحر المتوسط مساحة وأغناها من حيث الموارد الاقتصادية وأفضلها موقعا، ولقد انتبه المسلمون لأهمية هذه الجزيرة مبكرا منذ عهد الصحابة حيث حاولوا فتحها فى عهد عبد الله بن سعد رضي الله عنه ثم معاوية بن حديج ثم عقبة بن نافع ثم عطاء بن رافع وكان آخرهم عبد الرحمن بن حبيب وذلك سنة 135هجرية، ثم وقعت الفتن الداخلية ببلاد المغرب بين العرب والبربر وانشغل المسلمون عن جهاد العدو الذي انتهز الفرصة وأغار على سواحل المغرب عند منطقة إفريقية مما جعل المسلمون يتوحدون و يتهيؤن للرد على هذا العدوان البيزنطى .


في هذه الفترة وقعت العديد من الاضرابات بجزيرة صقلية والتي كانت تتبع الدولة البيزنطية حيث وقع نزاع على حكم الجزيرة بين رجلين أحدهما اسمه 'يوفيميوس' وتسميه المراجع العربية 'فيمي' والآخر اسمه 'بلاتريوس' وتسميه المراجع العربية 'بلاطه' وانتصر 'بلاطه' على 'فيمي' الذي فر هاربا إلى إفريقية واستغاث بزيادة الله ابن الأغلب حاكم إفريقية وطلب منه العون في استعادة حكمه على الجزيرة، فرأى زيادة الله فيها فرصة سانحة لفتح الجزيرة .


استنفر 'زيادة الله' الناس للجهاد وفتح صقلية فهرعوا لتلبية النداء وجمعت السفن من مختلف السواحل و بحث ابن الأغلب عمن يجعله أميرا لتلك الحملة البحرية الكبيرة فلم يجد خيرا ولا أفضل من الأسد الهصور والبطل المقدام 'أسد بن الفرات' على الرغم من كبر سنه في هذه الفترة ربيع الأول 212 هجرية أي سبعين عاما، وكان هذا الاختيار دليلا على فورة المشاعر الإسلامية في هذه الفترة والأثر الكبير لعلماء الدين الربانيين على الشعب المسلم، وكان أسد بن الفرات يبدى رغبته فى هذه الغزوة كواحد من المسلمين لأنه كان محبا للجهاد عالما بمعانى ومقتضيات آيات النفرة فى سبيل الله ودور العلماء فى ذلك وأيضا كان يكره الشهرة والرياء ولكن ابن الأغلب أصر على أن يتولى قيادة الحملة العسكرية وأيضا يكون قاضيا للحملة أي جمع له القيادة الميدانية والروحية لعلمه بمكانة أسد بن الفرات وأثره في الناس وحبهم له .



الجهاد حتى الممات

خرج أسد بن الفرات من القيروان في حملة عسكرية كبيرة قوامها عشرة آلاف من المجاهدين المشاة وسبعمائة فارس بخيولهم فى أكثر من مائة سفينة كبيرة وصغيرة خرجت من ميناء سوسة على البحر المتوسط وسط جمع عظيم من أهل البلد الذين خرجوا لتوديع الحملة المجاهدة.

تحرك الأسطول الإسلامى يوم السبت 15 ربيع الأول سنة 212 هجرية متجها إلى جنوبي جزيرة صقلية وبالفعل وصلت الأساطيل المسلمة إلى بلدة 'فازر' في طرف الجزيرة الغربي بعد ثلاثة أيام من الإبحار أى يوم الثلاثاء، ونفذ أسد بن الفرات على رأس جنده إلى شرقي الجزيرة، وهناك وجد قوة رومية بقيادة الثائر 'فيمي' الذي طلب مساعدة 'ابن الأغلب' لاستعادة حكمه على الجزيرة، وعرض 'فيمى' على 'أسد بن الفرات' الاشتراك معه في القتال ضد أهل صقلية ولكن القائد المسلم العالم بأحكام شريعته المتوكل على الله عز وجل وحده يرفض الاستعانة بالمشركين تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم الذي رفض الاستعانة باليهود يوم أحد .


استولى 'أسد' على العديد من القلاع أثناء سيره مثل قلعة بلوط والدب والطواويس حتى وصل إلى أرض المعركة عند سهل 'بلاطه' نسبة إلى حاكم صقلية، وعندها أقبل 'بلاطه' في جيش عدته مائة ألف مقاتل، أي عشرة أضعاف الجيش المسلم وعندها قام أسد بن الفرات في الناس خطيبا فذكرهم بالجنة وموعود الله عز وجل لهم بالنصر والغلبة وهو يحمل اللواء في يده ثم أخذ يتلو آيات من القرآن ثم اندفع للقتال والتحم مع الجيش الصقلي الجرار واندفع المسلمون من ورائه ودارت معركة طاحنة لايسمع منها سوى صوت قعقعة السيوف وصهيل الخيول والتكبير الذى يخترق عنان السماء والأسد العجوز أسد بن الفرات الذي جاوز السبعين يقاتل قتال الأبطال الشجعان حتى أن الدماء كانت تجري على درعه ورمحه من شدة القتال وكثرة من قتلهم بنفسه وهو يقرأ القرآن ويحمس الناس، وتمادت عزائم المسلمين حتى هزموا الجيش الصقلي شر هزيمة، وفر بلاطه من أرض المعركة وانسحب إلى مدينة 'قصريانة' ثم غلبه الخوف من لقاء المسلمين ففر إلى إيطاليا وهناك قتل على يد بني دينه بسبب جبنه وإحجامه عن قتال المسلمين.

بعد هذا الانتصار الحاسم واصل أسد بن الفرات زحفه حتى وصل إلى مدينة 'سرقوسة' ومدينة 'بلرم' فشدد عليها الحصار وجاءته الإمدادات من 'إفريقية' واستطاع أسد بن الفرات أن يحرق الأسطول البيزنطي الذي جاء لنجدة 'بلرم' وأوشكت المدينة على السقوط ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان؛ حيث حل بالمسلمين وباء شديد أغلب الظن أنه الكوليرا أو الجدري فهلك بسببه عدد كبير من المسلمين فى مقدمتهم القائد المقدام 'أسد بن الفرات' فلاقى حمام الموت مرابطا مجاهدا بعيدا عن أهله وبيته وحلق دروس العلم، مجافيا لفراشه وداره، مؤثرا مرضات ربه ونصرة دينه، وذلك فى شعبان سنة213هجرية، فجمع بين خصال الخير كلها من علم وورع، وجهاد وشهادة، فياليت علماء الأمة يتعلمون شيئا من سيرة هذا البطل الذى سقط من ذاكرة المسلمين الآن .





يتبع البطل الثامن --------------->

LOLOO
27-06-2008, 11:17 PM
نحتاج اليهم في زماننا هذا
اللهم ارزقنا من دريتنا من ينصر ديننا اللهم ارزقنا بمثل هؤلاء الابطال
لنصرة هذا الدين
اللهم امين ..
جزاك الله خيرا اخي الكريم على هدا الموضوع المتميز....

ومتابعين معك....

يونيك
27-06-2008, 11:52 PM
نحتاج اليهم في زماننا هذا
اللهم ارزقنا من دريتنا من ينصر ديننا اللهم ارزقنا بمثل هؤلاء الابطال
لنصرة هذا الدين
اللهم امين ..
جزاك الله خيرا اخي الكريم على هدا الموضوع المتميز....

ومتابعين معك....



اللهم آمين

ولكِ من الجزاء بمثله ان شاء الله .

:)

يونيك
27-06-2008, 11:56 PM
(البطل الثامن)



الأمير بركة خان




يتبادر إلى ذهن الكثير من الناس عند ذكر كلمة 'التتار' أو 'المغول' جميع الصفات التي لا تمت للإنسانية بصلة من وحشية وقسوة وإبادة شاملة وجميع المآسي والأهوال التي خلفها الاكتساح التتري لبلاد الإسلام فى القرن السابع الهجري، حتى أن كثيرا من مؤرخي الإسلام ظنوا أن هذه النازلة هي النهاية فنعى الإسلام والمسلمين؛ ومن أراد تفاصيل ذلك فليراجع ما كتبه المؤرخ ابن الأثير عنها بعبارات تقطر أسىً وحزنا عميقين


ووسط هذه الصورة الحالكة السواد عن التتار كشعب وأمة، ضاعت آثار وأخبار رجل من أعظم الرجال وصاحب فضل كبير بعد الله عز وجل في دخول الأمة التترية دين الإسلام، بل إن هذا الرجل يضرب أروع الأمثال في رسوخ عقيدة الولاء والبراء فيحارب بني جلدته في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين.




تقسيم دولة المغول الكبرى

http://www.q8manar.com/vb/uploaded/14328/1196812368.jpg

نستطيع أن نقول أن المغول قد ورثوا ديار الإسلام من أقصى الشرق إلى حدود المنطقة العربية وحدود وسط أوروبا، وهي منطقة شاسعة مترامية الأطراف، لذالك وضع 'جنكيزخان' نظاما خاصا فى تقسيم هذه الامبراطورية الواسعة، حيث قسمها بين أبنائه من زوجتة الأولى على النسق التالي:

الابن الأكبر جوجى : بلاد روسيا والقوقاز وبلغاريا وما يفتحه من غرب المعمورة.
الابن الثاني جفطاي : بلاد الأوبجور وتركستان الغربية وبلاد ما وراء النهر.
الابن الثالث تولوي : خراسان وفارس وبلاد العرب وآسيا الصغرى.
الابن الرابع أوغطاي: بلاد المغول 'منغوليا الآن' والصين وتركستان الشرقية وما يفتحه من شرق المعمورة.

وكان من المقرر أن يكون 'جوجي' الابن الأكبر لـ 'جنكيزخان' هو الخليفة بعد موت أبيه، ولكن الطاغية 'جنكيزخان' شعر بطموحات 'جوجي' واستعجاله لنيل المنصب بعد أبيه فدس عليه من قتله وعين بدلا منه أخاه 'أوغطاي' في منصب ولي العهد.



القبيلة الذهبية

هذا هو الاسم الذى أطلق على أسرة 'جوجي' وممتلكاتها وما عرفوا به تاريخيا، وكانت أسرة 'جوجي' مميزة بين باقي الأسر فقد كانت لهم ثلث الغنائم التي يحصل عليها التتار في حروبهم.

وكان للإسلام بالغ الأثر فى نفوس أبناء 'جوجي' ويرجع السبب في ذلك لأن أباهم 'جوجي' تزوج من الأميرة 'رسالة بنت خوارزم شاه' التي وقعت في الأسر وهي أخت السلطان جلال الدين 'منكبرتي' آخر سلاطين الدولة الخوارزمية، مع مراعاة أن هذا الزواج باطل ولا ينعقد أصلا لكفر 'جوجي'، وأغلب الظن أنها كانت سبية مكرهة معذورة، والدليل أن 'رسالة' هذه ظلت محافظة على إسلامها وشعائرها، وإلا ما تأثر بها أبناء 'جوجي' حتى دخل بعضهم في الإسلام كما حدث مع بطلنا هذا.




من هو بركة خان ؟

هو السلطان العظيم والتتري الأول ناصر الدين أبو المعالي 'بركة خان بن جوجي بن جنكيزخان' حفيد الطاغية الدموي الذي روع العالم في القرن السابع الهجري 'جنكيزخان'، وهو أحد سبعة أبناء لجوجي وهم 'باتو، أوردا، شوبان، بركة – بطلنا -، جمتاي، بركجار، توقاتيمر' وكان الابن الأكبر 'باتو' قد ورث منصب أبيه وأصبح زعيما للقبيلة الذهبية، والتي تعد أولى قبائل التتار إسلاما وأكثرها تعاطفا وتأدبا مع المسلمين.

وبسبب تعاطف 'باتو' مع المسلمين في بلاده أخذ النصارى خاصة الرهبان والقساوسة في بلاد المغول، وكان لهم دور وتأثير كبير على الحرب المروعة على بلاد الإسلام، في تحريض الزعيم الكبير للتتار 'كيوك بن أوغطاي' لمحاربة 'باتو' قبل أن ينتشر الإسلام في كل ربوع الشمال .

وتوفي 'باتو' سنة 650 هجرية وخلفه من بعده في رئاسة القبيلة الذهبية ابنه 'حرتق' الذي لم يعش طويلا حتى توفي وانتقلت الرئاسة لعمه البطل المقدام 'بركة خان' وذلك سنة 653 هجرية .

دخل 'بركة خان' الإسلام سنة 650 هجرية وكان من قبل محبا ومتأثرا بالإسلام بسبب امرأة أبيه 'رسالة' وقد التقى 'بركة خان' في مدينة 'نجارى' مع أحد علماء المسلمين واسمه 'نجم الدين مختار الزاهدي' وكان بركة عائدا لتوه من زيارة عاصمة المغول 'قرة قورم' وأخذ 'بركة' في الاستفسار عن الإسلام من هذا العالم المسلم وهو يجيبه بكل وضوح وسلاسة، فطلب بركة منه أن يؤلف له رسالة تؤيد بالبراهين رسالة الإسلام وتوضح بطلان عقائد التتار والتثليث وترد على المخالفين والمنكرين للإسلام، فألف 'الزاهدي' الرسالة ودخل 'بركة خان' الإسلام إثر قرائتها عن حب واقتناع وإخلاص ورغبة عارمة في نصرة هذا الدين.




أهم أعمال 'بركة خان'

لم يكن دخول 'بركة خان' الإسلام كدخول آحاد الناس بل دخل الإسلام بطلا ملكا سلطانا لقبيلة تترية، والتتار وقتها هم الكابوس المفزع للبشرية جمعاء وللمسلمين خاصة، لذلك جاءت أعمال هذا البطل العظيم على نفس المستوى الفائق من المسؤلية والقيادة، وتحول هذا السلطان الوثني إلى جندي من أخلص جنود الإسلام شديد الحب والتفاني في نصرة الدين وأهله، حيث ضرب أروع الأمثلة في الولاء والبراء وهذه طائفة من أهم أعمال 'بركة خان' في نصرة الإسلام.

أولا: مبايعة خليفة المسلمين

بعدما أعلن 'بركة خان' إسلامه كان أول ما فعله أن أرسل ببيعته للخليفة العباسي 'المستعصم' ببغداد، وهذا الإجراء رغم أنه بسيط وبه كثير من الشكلية؛ لأن خليفة المسلمين وقتها لم يكن له أى نفوذ حقيقي إلا على مساحة ضيقة من الأرض، إلا أنه يعطي صورة واضحة جلية نحو ولاء 'بركة خان' لسلطان المسلمين وانضواءه تحت جماعة المسلمين.


ثانيا: إظهار شعائر الإسلام

بعدما اعتلى 'بركة خان' رئاسة القبيلة الذهبية أخذ فى إظهار شعائر الإسلام وكانت مندثرة فى بلاد التتار منذ عهد 'جنكيزخان' الذي كان يقتل من يجهر بتلك الشعائر شر قتلة، وقام 'بركة خان' بإكمال بناء مدينة 'سراي' وهي مدينة 'سراتوف' الآن فى روسيا على نهر الفولجا وجعلها عاصمة القبيلة الذهبية، وبنى بها المساجد والحمامات ووسعها جدا حتى صارت أكبر مدن العالم وقتها، وجعلها على السمت الإسلامي الخالص.


ثالثا: غيرته على المسلمين

نظرا لأن 'بركة خان' قد دخل الإسلام بحب واقتناع وإخلاص، فلقد تجمعت معاني العقيدة الصحيحة ومقتضيات لا إله إلا الله فى قلبه وجاءت ردود أفعاله وغيرته على الإسلام والمسلمين لتذكرنا بمواقف الصحابة رضوان الله عليهم والرعيل الأول من سلف الأمة، فقد كان 'بركة خان' شديد الغيرة على الإسلام والمسلمين.

وقد ظهرت هذه العقيدة بوضوح عندما فكر الطاغية 'هولاكو بن تولوي بن جنكيزخان' في الهجوم على بغداد بعدما كاتبه الخائن الرافضي 'ابن العلقمي' وزير الشؤن ببغداد وطلب منه الحضور، وكان 'مانغو بن تولوي' أخو 'هولاكو' هو الخان الأكبر لجميع التتار، وقد نال هذا المنصب بمساعدة قوية من 'باتو' الأخ الأكبر 'لبركة خان'.

وحاول 'هولاكو' إقناع أخيه الأكبر 'مانغو' بهذه الفكرة، وبالفعل وافق 'مانغو' على الفكرة ورحب بالهجوم على باقي بلاد المسلمين، وبدأ 'هولاكو' في الإعداد لذلك، وما أن وصلت الأخبار إلى 'بركة خان' حتى التهبت مشاعره وأسرع إلى أخيه 'باتو' وألح عليه فى منع الهجوم على المسلمين وقال له: [إننا نحن الذين أقمنا 'مانغو' خانا أعظما وما جازانا على ذلك إلا أنه أراد أن يكافينا بالسوء فى أصحابنا ويخفر ذمتنا ويتعرض إلى ممالك الخليفة وهو صاحبي وبينى وبينه مكاتبات وعقود ومودة وفي هذا ما لا يخفى من القبح].

http://www.7or.netmyne.com/Holako.jpg
هولاكو

وبالفعل أقتنع 'باتو' تماما بكلام أخيه وبعث إلى هولاكو يكفه عما ينويه من قتال المسلمين؛ وبالفعل أجل 'هولاكو' الهجوم على المسلمين حتى وفاة 'باتو'.


رابعا : محالفته للمماليك

العجيب في إسلام 'بركة خان' هذه الحالة الإيمانية الفائقة وترسخ عقيدة الولاء والبراء في قلبه، وتجلي ذلك في كل مواقفه التي كانت تنبع من أصل هذه العقيدة السليمة النقية.

فقد دخل 'بركة خان' في حلف مع المماليك الذين بهروا العالم عندما انتصروا على التتار في موقعة 'عين جالوت' سنة 658 هجرية، وكثرت المراسلات والاتصالات بين السلطان 'بيبرس' و 'بركة خان' وكان لها أثر كبير في توجيه 'بركة خان' لحرب 'هولاكو' وأن هذا الأمر من مقتضيات الولاء والبراء.

وبالفعل اتفق 'بركة خان' و'بيبرس' على محاربة 'هولاكو' وكتب 'بركة خان' برسالة إلى 'بيبرس' يقول له فيها: [قد علمت محبتي للإسلام وعلمت ما فعل هولاكو بالمسلمين، فاركب أنت من ناحية حتى آتيه أنا من الناحية الأخرى؛ حتى نهزمه أو نخرجه من البلاد، وأعطيك جميع ما كان بيده من البلاد].

فالله الله على 'بركة خان'؛ ولاء وبراء، مع تجرد وإخلاص، مع جهاد وزهد في الدنيا، وهكذا يكون الأبطال الذين تسطر أخبارهم بماء الذهب.


خامسا : محاربته لهولاكو والتتار

لم يكتف 'بركة خان' بمناصرة المسلمين والدخول في جماعتهم وحلفهم ولكن طبق عقيدة الولاء والبراء بشقيها وفي أنقى صورها، فلقد انقلب حربا ضروسا على التتار الوثنيين عموما وعلى 'هولاكو' خصوصا حيث لم ينس 'بركة خان' ما فعله 'هولاكو' بالخلافة العباسية أبدا عندما اكتسح هولاكو بجحافله بغداد.

فقد حاول 'بركة خان' بشتى الوسائل أن يوقف هذا المد الجارف الذي ينذر بمحو الإسلام من الوجود، ولكن لأن معظم جنوده كانوا لا يزالون على الوثنية فقد رفضوا الانصياع لأمره بمحاربة 'هولاكو' لأنهم بذلك سيخالفون الخان الأعظم للتتار والذي قد وافق على الهجوم الهولاكي على بغداد.

http://www.gilgamish.org/images/hulagu_baghdad.jpg
حصار هولاكو لبغداد سنة 1258م

فأخذ 'بركة خان' في اختلاق الذرائع والحجج لإشعال الحرب ضد 'هولاكو' ووجد ضالته فى مسألة الغنائم حيث كان من عرف 'جنكيزخان' القديم أن أسرة 'جوجى' لها ثلث الغنائم التي يحصل عليها التتار جميعا في أي معارك يخوضونها.

وبالقطع لم تكن الغنائم دافعا لـ'بركة خان' بل كان حبه للإسلام ورغبته في مقاتلة 'هولاكو' الطاغية فأرسل 'بركة' رسلا من طرفه وأمرهم أن يشتدوا ويغلظوا على 'هولاكو' في السؤال، وبالفعل نجحت الحيلة واستشاط 'هولاكو' غضبا وقتل رسل 'بركة خان' وسير جيشا لمحاربة 'بركة خان' فانهزم جيش هولاكو شر هزيمة وذلك سنة 660 هجرية، فعاود الهجوم مرة أخرى بجيش أكبر فانهزم جيش 'بركة خان' وكان يقوده أحد قواده واسمه 'نوغاي'، فأراد 'هولاكو' أن يجهز بالكلية على 'بركة خان' فأرسل جيشا جرارا فيه معظم جنوده يقودهم ابنه الخبيث 'أباقا'، فخرج لهم 'بركة خان' بنفسه على رأس الجيش ومزق جيش هولاكو شر تمزيق سنة 661 هجرية في منطقة القوقاز ولم ينج منهم سوى القليل.


سادسا : تفريقه لوحدة التتار الوثنيين

عندما يكون للمرء هدف يعمل من أجله ويحيى في سبيل الوصول إليه فإنه عادة ما يصل إليه بإذن الله عز وجل، وبطلنا 'بركة خان' كان يحيى من أجل نصرة الإسلام ومحاربة أعدائه، لذلك نجده يعمل من أجل هذا الهدف على عدة محاور، فهو يحالف المسلمين المماليك ويحارب بني جلدته من التتار، وعمل أيضا على محور شديد الخطورة وذلك بذكاء ودهاء محمود للوصول إلى تفتيت دولة التتار الوثنية وإضعافها.

فقد استغل 'بركة خان' خروج الخان الأعظم 'مانغو' لقتال بعض الخارجين عليه ومعه أخاه 'قبلاي' وترك أخاه الأخر 'أرتق بوكا' مكانه لتسيير الأمور لحين عودته، فاستغل 'بركة خان' وفاة 'مانغو' فى الطريق لإثارة الفتنة بين 'أرتق بوكا' و'قبلاي'، حيث اتفق الجند والأمراء على تولية 'قبلاى'، فأرسل 'بركة خان' إلى 'أرتق بوكا' بقوة عسكرية لمنازعة أخيه 'قبلاي' على منصب الخان الأعظم، وحرض أيضا أسرة 'أوغطاي' على مساعدة 'أرتق بوكا' ووقعت الحرب بينهما سنة 658 هجرية وذلك قبل معركة 'عين جالوت' بقليل مما جعل هولاكو يعود مسرعا من الشام لفض النزاع.

واستمرت الحروب عدة سنوات، وكان 'بركة خان' في نفس الوقت يقنع ويحث كثيرا من جنود 'هولاكو' بالشام على الدخول في الإسلام والانضمام إلى جيش 'بيبرس'؛ وبالفعل أقنع الكثيرين منهم وتحولوا إلى حرب 'هولاكو'.

أما 'هولاكو' فوجد أن كل البلايا والمعارك التي حدثت له وللتتار جميعا كان سببها 'بركة خان' فاشتد غيظه وحقده على 'بركة خان' وحاول محاربته عدة مرات ولكنه هزم شر هزيمة مما أشعل الغيظ في قلبه حتى وصت نيران غيظه إلى عقله وجسده، فأصيب بجلطة فى المخ بعد وصوله خبر هزيمة ولده 'أباقا' أمام 'بركة خان' سنة 661 هجرية وظل يعاني من الصرع حتى هلك الهالك 'هولاكو' سنة 663 هجرية، فانتقم 'بركة خان' للإسلام والمسلمين من هذا المجرم الطاغية الذي دمر دولة الخلافة الإسلامية وسفك دم الملايين من المسلمين.



رحيل البطل

ظل 'بركة خان' طوال حياته مجاهدا مناصرا للإسلام والمسلمين في كل موطن وعلى عدة محاور، تشغلة قضية الإسلام وتلتهب مشاعره ويهتز قلبه من أجل خدمة هذا الدين، لذلك كان من الطبيعى أن يموت هذا البطل على درب النصرة والجهاد، فبعدما هلك الطاغية 'هولاكو' من شدة الغيظ والحقد على ما جرى على يد 'بركة خان' ورث مكانه ابنه 'أباقا' وورث عنه أيضا حقده وحسده على 'بركة خان' خاصة أن 'بركة' قد هزمه هزيمة كبيرة سنة 661 هجرية، لذلك كانت محاربة 'بركة' هي أولى خطوات وقرارات 'أباقا بن هولاكو'.


وبالفعل أعد 'أباقا' جيشا جرارا لمحاربة 'بركة' وأرسل 'بركة' أولا قائده 'نوغاي' ولكنه هزم وأصيب بسهم في عينه، وكان 'بركة خان' يحب 'نوغاي' لإسلامه وجهاده معه في كل موطن، فخرج 'بركة خان' بنفسه للقاء 'أباقا' وفي نيته محاربة عدو الإسلام وإزالة هذا الفرع الخبيث من شجرة التتار التى بدأت تتحول للإسلام شيئا فشيئا.


وفى الطريق أتاه اليقين وتوفي البطل العظيم مجاهدا مناصرا سنة 665 هجرية بعدما قضى حياته الحقيقية، خمسة عشر سنة، فى خدمة الإسلام ومحبة المسلمين ومحاربة أعداء الإسلام حتى مات رحمه الله وبلل بالمغفرة ثراه على نية الجهاد، ولم يكن له أولاد ولم يترك ذرية ولكنه ترك سجلا حافلا في العمل للدين والفهم الصحيح لعقيدة الولاء والبراء، حتى أن السلطان المملوكي الظاهر 'بيبرس' قد سمى ولده الأكبر 'بركة خان' حبا في شخصية هذا البطل العظيم والذى وبمنتهى الأسف والأسى لا يعرفه معظم المسلمين الآن.
يتبع البطل التاسع --------------->

jo0ory.56
28-06-2008, 02:31 PM
ما اروعها من سيرة .. ليتها تدرس في مدارسنا بهذا العمق .. وبهذه التفاصيل .. حتى تذكي روح الجهاد في

نفوس أبنائنا .. وتتعلق أرواحهم بهذه النماذج المشرفة من أعلام الامة ويتخذونهم أمثال تحتذى .. بدلا من

الفساق من أهل الفن والطرب .. الذين يدعونهم الى التخاذل والفتور والتعلق بالشهوات وبالدنيا الفانية .. فأين

نحن الان مما نواجه من ذل واستصغار لشأننا من رسالة العز والشموخ التي ارسلها هارون الرشيد الى حاكم

الروم .. وقال فيها من هارون الرشيد أمير المؤمنين الى نقفور كلب الروم الوعد ما تراه لا ما تسمعه ..

سلمت يمينك وبارك الله لك في أناملك.. على ما نقلت لنا من سير أبطال الامة التي يجب ان تنقش بماء الذهب

جزاك الله بكل خير .. وجعلها في موازين حسناتك ...

يونيك
28-06-2008, 04:03 PM
ما اروعها من سيرة .. ليتها تدرس في مدارسنا بهذا العمق .. وبهذه التفاصيل .. حتى تذكي روح الجهاد في

نفوس أبنائنا .. وتتعلق أرواحهم بهذه النماذج المشرفة من أعلام الامة ويتخذونهم أمثال تحتذى .. بدلا من

الفساق من أهل الفن والطرب .. الذين يدعونهم الى التخاذل والفتور والتعلق بالشهوات وبالدنيا الفانية .. فأين

نحن الان مما نواجه من ذل واستصغار لشأننا من رسالة العز والشموخ التي ارسلها هارون الرشيد الى حاكم

الروم .. وقال فيها من هارون الرشيد أمير المؤمنين الى نقفور كلب الروم الوعد ما تراه لا ما تسمعه ..

سلمت يمينك وبارك الله لك في أناملك.. على ما نقلت لنا من سير أبطال الامة التي يجب ان تنقش بماء الذهب

جزاك الله بكل خير .. وجعلها في موازين حسناتك ...



صدقتي يا أخيه

ولك من الجزاء بمثله ان شاء الله


:)

يونيك
28-06-2008, 04:04 PM
بقي 7 أبطال .... تابعونا :)

يونيك
28-06-2008, 04:05 PM
(البطل التاسع)



السلطان المجاهد محمود بن سبكتكين


http://mayiz.jeeran.com/mahmud.jpg


لقد ظلت شخصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه مضربا للأمثال في كل باب في العدل والحق والقوة والورع والجهاد والزهد والخوف واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان له من المواقف المشهورة والأثار المحمودة ما جعلت العالم بأسره يعترف بفضله وأثره في البشرية وقتها، حتى أن 'مايكل هارت' صاحب كتاب 'العظماء مائه' قد وضعه ضمن هؤلاء العظماء.


وظن المسلمون أن هذه الشخصية لن تتكرر مرة أخرى عبر التاريخ، والحق أننا لن نجد في التاريخ شخصية تتطابق مع الفاروق عمر رضى الله عنه، ولكننا سوف نجد في أحداث التاريخ بعض أبطال المسلمين الذين تشبهوا بالفاروق عمر في كثير من مواقفه، وبطلنا هنا هو أكثر القادة المسلمين على مر العصور تشبها واقتداءا بالفاروق عمر حتى كأنه هو، ومع الأسف لا يعرفه معظم المسلمين رغم أنه قد أضاف لبلاد المسلمين واحدة من أغلى أراضيهم ألا وهى 'أفغانستان'، وقهر أعدى أعداء المسلمين وهم الهندوس.




الدولة السبكتكينية والخلافة العباسية


http://arabs2day.ws/images/up/uploads2/5618728f2e.jpg


مرت الخلافة العباسية بعدة أطوار فبدأت قوية ثم ازدادت قوة واتساعا ثم بدأ الضعف يدب في أوصالها عندما اقتتل الأخوان 'المأمون' و'الأمين' على الخلافة ثم دخلت مرحلة الضعف وتحكم الغير فيها، وفي هذه المرحلة بدأ ولاة الأقاليم البعيدة يستقلون بحكم تلك الأقاليم وينشؤون ممالك مستقلة تأخذ شكل الحكم الذاتي حيث تكون مستقلة في كل شيء ولكن ولاءها المعنوي والروحي للخلافة العباسية، وقامت العديد من الدول في الشرق والغرب تحت هذا الإطار.

ففي الشرق مثلا ظهرت الدولة الطاهرية والدولة السامانية والدولة البويهية، وفي الغرب ظهرت الدولة الطولونية والإخشدية ودولة الأغالبة وهكذا.

بعض هذه الدول كان له أثر حسن في خدمة الإسلام ونشر الدين مثل الطولونية والأغالبة وبعضها كان له أسوأ الأثر على الإسلام والمسلمين مثل الدولة البويهية الشيعية.

من هذه الدول التي استقلت ذاتيا عن حكم العباسيين مع الولاء لخليفتهم الدولة السبكتكينية ومؤسسها هو 'سبكتكين' وهو أمير تركي كان يعمل في خدمة والي مدينة 'هراة' وكانت هذه المدينة تتبع حكم 'الدولة السامانية' فلما توفي الوالي لم يجدوا بعد تعيين عدة ولاة أكفأ من الأمير 'سبكتكين' فأصبح واليا عليها وأخذ في توسيع دائرة نفوذه حتى صار واليا على 'إقليم خراسان' كله سنة 366 هجرية وقام 'سبكتكين' بمحاربة الخارجين على الدولة السامانية وتصدى عدة مرات لمحاولات الدولة البويهية للقضاء على السامانين، وظل سبكتكين طوال حياته فى جهاد مستمر ضد الخارجين وكفار الهند الذين شعروا بخطورة مثل هذا الرجل على نفوذهم بأفغانستان وشمال الهند، وفي هذا الجو الجهادي ولد بطلنا 'محمود بن سبكتكين'.


http://i3.photobucket.com/albums/y96/mehran/14698_2.jpg


من هو محمود؟

هو الملك الكبير والمجاهد الغازي والمرابط وأول من تلقب بالسلطان أبو القاسم 'محمود بن سبكتكين' المكنى بيمين الدولة، ولد في المحرم سنة 360 هجرية في مدينة 'غزنة' وتقع الآن في أفغانستان وكان أكبر أبناء أبيه 'سبكتكين' فنشأ وتربى تربية القادة الأبطال واشترك منذ حداثته في محاربة أعداء الإسلام من الهنود والبويهيين، وكان له أثر كبير في معركة 'نيسابور' التي انتصر فيها 'سبكتكين' وولده محمود على البويهيين، فكافأه 'نوح بن منصور السامانى' بأن جعله واليا على 'نيسابور' وذلك كله وهو في مقتبل الشباب.

توفي الأمير 'سبكتكين' سنة 388 هجرية بعدما أنشأ دولة كبيرة وقوية وراسخة تشمل إقليم 'خراسان' كله وإقليم 'سجتان' حتى 'كابل'، وتولى الأمر من بعده البطل المجاهد 'محمود' بعد منازعة قصيرة مع أخيه 'محمد' الذي كان لا يصلح للرئاسة ولا للمهام الجسيمة التي وكلت لبطلنا 'محمود'.


أعمال محمود على المستوى الداخلي


أولا: القضاء على الدولة البويهية:-

كانت الدولة البويهية ذات هوى وميول رافضية، كما أنها كانت دولة ذات جذور فارسية ظهرت في أوائل القرن الرابع الهجري في شرق الهضبة الإيرانية التي كانت تعد المرتع الخصب للعقائد الضالة والأفكار الفاسدة، وتطورت هذه الدولة مستغلة ضعف الخلافة العباسية وتحكم القادة الأتراك فيها حتى قويت شوكتها وصارت القوة المتحكمة في أمور الخلافة ببغداد، وكانت هذه الدولة من عوامل التفرق والخذلان في الكيان الإسلامى كله، وزاد خطرها بشدة بعدما قامت الدولة الرافضية العبيدية باحتلال مصر وإنشاء الخلافة الفاطمية فيها سنة362هجرية، وأصبح الإسلام والخلافة بين فكي الأفعى الشيعية في الشرق والغرب بل عزم كبيرهم وهو 'أحمد بن بويه' الملقب بمعز الدولة على إزالة اسم الخلافة من بني العباس ويوليها علويا من الشيعة، لذلك أسرع 'محمود بن سبكتكين' بالقضاء على هذه الدولة البويهية المنحرفة وكانت مدينة 'أصفهان' عاصمتهم فقضى عليهم نهائيا، ويكفي لبيان فسادهم أن السلطان 'محمود' لما فتح بلادهم وأسقط ملكهم واسمه 'مجد الدولة' وجد في حوزته من الزوجات الحرائر ما يزيد عن خمسين امرأة ولدن له نيفا وثلاثين ولدا، ولما سئله عن ذلك قال 'مجد الدولة': هذه عادة سلفي ويقصد به 'كسرى الفرس'، ذلك لأن البويهيين كانوا يخططون للارتداد للعصر الساسانى مرة أخرى، فخدم 'محمود سبكتكين' الإسلام بذلك خدمة جليلة.


ثانيا: القضاء على الدولة السامانية:-

هذه الدولة كانت فيما مضى دولة قوية سنية ظاهرة حفظت البوابة الشرقية للعالم الإسلامى لفترة طويلة ولكنها لم تقم بدور الدعوة ونشر الإسلام في امتداد الشرق الإسلامي، وكان عصرهم كله حروب وصراعات مع الجيران، ولم تكن لولاة هذه الدولة سياسة رشيدة ولا اتجاه واضح مما جعل المشاكل والمتاعب تأتي كثيرا من جانبهم خاصة بعدما اقتتلوا فيما بينهم ودب الفساد والانحراف فيهم وأصبحوا عائقا أمام حركة الفتوحات الإسلامية والتى كان ينوي 'محمود' القيام بها، وبالفعل قضى 'محمود بن سبكتكين' على الدولة السامانية بعدما انتصر على 'عبد الملك بن نوح الساماني' عند مدينة 'مرو' سنة 389 هجرية وأنهى الوجود الساماني بخراسان، ثم أنهاه بسجستان سنة 393 هجرية.


ثالثا: تحالفه مع الخلافة العباسية ضد الدولة الفاطمية :-

كانت معظم الدول التي ظهرت بأطراف الخلافة العباسية تتعامل مع الخلافة بصورة مهينة، فيزدرون الخليفة العباسي، ولا يحترمون هيبة الخلافة، بل امتدت أيديهم بسفك دماء بعض الخلفاء مثلما حدث مع 'المعتز' و'المتوكل' و'المهتدي' العباسيين، فلما جاء السلطان 'محمود بن سبكتكين' وقامت الدولة السبكتكينية أعلن 'محمود' ولاءه الكامل وتبعيته التامة للخليفة العباسي وقتها 'القادر بالله'، وامتثل لكل الأوامر التي كانت تأتيه من الخليفة القادر بالله، وأقام معه حلفا قويا أمام أطماع الدولة الخبيثة الرافضية بمصر ووقف سدا منيعا أمام محاولات الروافض الكثيرة ونشر الرفض ببلاد خراسان وما حولها مستغلين الأثر السيء الذي خلفه وجود الدولة البويهية الهالكة، وعندما حاول العبيدون في مصر إغراءه بالهدايا كي يقيم الدعاية لهم في بلاده أحرق كتبهم وهداياهم وقتل 'التاهرتي' مندوبهم للدعوة وأهدى بغلته إلى القاضى أبي منصور محمد بن محمد الأزدي وقال له: [كان يركبها رأس الملحدين فليركبها رأس الموحدين]، ولما سمع أن أحد أمرائه وقد أرسله أميرا على قافلة الحجيج قد قبل هدايا من الفاطميين في موسم الحج أمره بالعودة بها مرة أخرى إلى بغداد عاصمة الخلافة وأن يحرقها بنفسه على باب قصر الخلافة أمام أعين الناس.


أعمال محمود على المستوى الخارجي

على الرغم من عظمة الأعمال التى قام بها السلطان محمود على المستوى الداخلي وأثرها القوي والبعيد على الشرق الإسلامي كله، إلا أن ما قام به محمود على المستوى الخارجي ونقصد بذلك تلك الحملات الجهادية العظيمة التي قام بها محمود لأكثر من ثلاثين سنة متصلة على بلاد الهند وما حولها، هي التي رفعت ذكر هذا السلطان العظيم وأعلت شأنه وبيضت صفحته في التاريخ وبوأته مكانة لم يصل إليها أحد بعده من الفتوحات والجهاد فى سبيل الله، وهذه الأعمال جاءت كالآتى:


أولا: القضاء على أكبر ملوك الهند 'جيبال':-

لم تكن شبه الجزيرة الهندية وحدة سياسية واحدة تحكمها إدارة وحاكم واحد، فلقد كانت مقسمة لعدة أجزاء وإمارات وأقاليم وذلك لضخامة مساحتها وكثرة الصحاري بها، وكل إقليم كان له ملك يحكمه، وكان أكبر هؤلاء الملوك سنا وشأنا وقوة وبأسا هو الملك 'جيبال' وكان في نفس الوقت أشدهم حقدا وكرها للمسلمين عموما وآل سبكتكين خصوصا، حيث أنه قد سبق وأن التقى في معركة كبيرة مع الأمير 'سبكتكين' سنة 369 هجرية وهزمه 'سبكتكين' هزيمة منكرة جعلت قلبه يحترق ويتلظى على المسلمين، فكما انتهى السلطان 'محمود' من الأمور الداخلية جعل كل همه القضاء على 'جيبال' هذا.

http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/09/images/pic024.jpg

بالفعل قاد محمود حملة جهادية كبيرة على شمال الهند حيث معقل ملك 'جيبال' وحصن مدنه واصطدم معه في معركة 'برشور' في المحرم سنة 392 هجرية، وصبر المسلمون على القتال رغم الفارق الهائل بين الجيشين، فلما انتصف النهار انهزم الهنود وقتل معظمهم، ووقع 'جيبال' نفسه في الأسر وكان في عنقه قلادة من الجوهر الثمين تقدر بمائتى ألف دينار وحدها فصار هو وماله وعشيرته غنيمة للمسلمين وكان محمود شديد الذكاء وعلى دراية تامة بنفسية كفار الهند فبعدما أسر 'جيبال' وألبسه شعار الذل، أطلق سراحه نظير دية ضخمة، وهو يعلم ما سيفعله به قومه، فإن من عادة الهنود أنهم من وقع في الأسر من ملوكهم لا تنعقد له رئاسة عليهم أبدا، فلما عاد 'جيبال' إلى بلده ورأى حاله وما صار إليه من هزيمة وذل وعار وضياع ملك ومال، حلق رأسه، ثم ألقى بنفسه في النار فاحترق بنار الدنيا قبل نار الآخرة، وبذلك أزال محمود أكبر عقبة في طريقه لنشر الإسلام بالهند.


ثانيا: فتح الشمال الهندي

كل ما قام به السلطان المجاهد 'محمود بن سبكتكين' على الصعيد الداخلي وإزالته للدولة البويهية والسامانية وكل الفرق الباطنية الضالة، كان من أجل الهدف الآسمى الذي نذر محمود حياته من أجله ألا وهو نشر دين الإسلام فى بلاد الهند والجهاد في سبيل الله عز وجل، فلقد استمر محمود في سلسلة طويلة من الحملات الجهادية على شمال الهند ابتداءا من سنة 392هجرية حتى سنة 418 هجرية.

بدأ محمود فتوحه في الهند من مركز قوة و بدأ محمود انتصاراته في الهند على أكبر ملوكهم 'جيبال' سنه 392 هجرية، ثم انحدر على إقليم 'الملتان' وكان فيه مركز الهندوكية في شمال الهند الغربي، ثم استولى على مدينة 'بهاتندة' وكان بها الكثير من فرقة القرامطة الباطنيين وأميرهم يدعى 'أبو الفتوح داود' وكان من أضر خلق الله على المسلمين فقضى محمود على هذه الفرقة الضالة، ثم حارب 'أتاندابال بن جيبال' سنة 395 هجرية وهزمه وقضى على سلطانه، ثم حارب حفيد 'جيبال' وكان قد ادعى الإسلام ليعرض عنه محمود ثم ارتد فقاتله محمود وأصبحت كل نواحى السند إلى حوض البنجاب بلاد مسلمة.

انتهز أمراء الهند فرصة غياب 'محمود بن سبكتكين' لتأديب الخارجين عليه في بلاد ما وراء النهر، وخلعوا طاعته وجمعوا قواتهم لقتاله وذلك سنة 398 فعاد الأسد المجاهد بمنتهى السرعة في جيش كثيف من الأبطال المجاهدين وهزم الجيش الهندي المتحد هزيمة ساحقة وذلك عند قلعة 'بيهيمنكر'على سفح الهمالايا، وعندها أذعن كل أمراء الهند لسلطان الإسلام ودخل كثير منهم الإسلام ومن بقى دفع الدية عن يد وهو من الصاغرين.

في سنة 408 هجرية بدأ 'محمود بن سبكتكين' في فتح كشمير، فدخلها من ناحية الشمال الغربي فعبر نهر 'جهلم' ودخل قلب كشمير وأخضع أمراءها وتحولت كشمير إلى بلاد مسلمة، وكان لهذا الانتصار صدى بعيد، حيث دخل معظم أمراء الهند في دين الإسلام وعلموا أنه الدين الحق الذي لا يغلب من يتمسك به ويعمل به ويدعوا إليه، وبعدها قرر 'محمود' أن يتجه جنوبا حيث إقليم الكوجرات وذلك من أجل مهمة خاصة جعلها 'محمود بن سبكتكين' درة أعماله وتتويجا لفتوحاته وجهاده الطويل .


ثالثا: هدم صنم الهندوس الأكبر 'سومنات'


http://mayiz.jeeran.com/2541-Somanath_from_the_beach.jpg
معبد سومنات (الآن)

استمر السلطان الفاتح 'محمود بن سبكتكين' في حملاته وفتوحاته لبلاد الهند، وكان كلما فتح بلدا أو هدم صنما، أو حطم معبدا قال كفار الهند: [إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله 'سومنات' ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء] فسأل 'محمود' عن 'سومنات' هذا فقيل له: إنه أعظم الأصنام ومعبود الهنود الأكبر، ويعتقد فيه الهنود أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ عندهم فيعيدها فيمن شاء بزعمهم، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له.

ويقع 'سومنات' على بعد مائتى فرسخ من مصب نهر 'الجانج' بإقليم 'الكوجرات' في غرب الهند ولهذا الصنم وقف عشرة ألاف قرية وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة وثلاثمائة رجل يحلقون رؤوس و لحى زواره، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم، وعندما اطلع 'محمود' على كل هذه المعلومات عزم وتوكل على الله في غزوه وتحطيمه وفتح معبده ظنا منه أن الهنود إذا رأوا تحطيم معبودهم وكذب أمره دخلوا في دين الإسلام وانتهت الوثنية من الهند .


http://www.iu.edu.sa/edu/mutawasit/geo2_s11.gif


خاض 'محمود بن سبكتكين' العديد من المفاوز والمستنقعات، حتى أعوزه وجيشه الماء حتى كادوا أن يهلكوا فقام محمود ومن معه بالابتهال والاستغاثة بالله عز وجل، فبعث الله عز وجل لهم سحابة أمطرت عليهم الماء الوفير فشربوا وسقوا وقويت أبدانهم وقلوبهم على عدوهم، ووصلوا إلى بلدة 'دبولواره' فاستولى عليها بعد أن ظن أهلها أن معبودهم 'سومنات' سيمنعهم، ووصل 'محمود' إلى مكان 'سومنات' في منتصف ذي القعدة سنة 416 هجرية، فوجد أهلها على الأسوار يتفرجون على المسلمين واثقين أن معبودهم سيقطع دابرهم ويهلكهم، ولكن هيهات هيهات لقوم أضل من البهائم، انقض محمود ومن معه على كفار الهند ومعبودهم 'سومنات' ورأى الكفار مالم يرونه من قبل فى القتال والشدة وعظم الخطب عليهم، وكان الكفار يتقدم الواحد منهم إلى 'سومنات' فيسجد إليه ويعفر له خده ويعتنقه ويتضرع إليه ثم يخرج للقتال، فيقتل كالشاه الحمقاء، وهكذا حتى قتل المسلمون من الهنود خمسين ألفا ففر باقي الهنود ودخل المسلمون المدينة وهنا حدث موقف لا يقل روعة ولا جلالا عن مواقف محمود بن سبكتكين السابقة.



هكذا يكون رجل العقيدة والإسلام

بعدما حقق محمود بن سبكتكين نصره المبين على كفار الهند وفتح 'سومنات' عزم على هدم هذا الصنم الذى يعبد من دون الله عز وجل، فجاءه رؤساء الهنود وعرضوا عليه دفع أموال طائلة تقدر بالملايين، ومال أصحاب محمود وأمراء جيشه بالقبول وترك الصنم لتعويض الأموال الكثيرة التي أنفقت على تمويل الحملة، فبات 'محمود' طوال الليل يفكر ويستخير الله عز وجل، فلما أصبح قرر هدم الصنم 'سومنات' وعدم قبول الأموال وقال كلمته الشهيرة والتى تكتب بماء الذهب: [إنى فكرت فى الأمر الذي ذكر، فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين محمود الذى كسر الصنم؟ أحب إلي من أن يقال: أين محمود الذى ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا؟] ولا نملك مع هذا الموقف العظيم إلا أن نقول للسلطان 'محمود' هنيئا لك ما وفقك الله إليه من حسن العمل للإسلام ونصرته، ونرجو من الله تعالى أن تنادى يوم القيامة بما أحببت أن تنادى به.


والعجيب أن المسلمين بعدما كسروا صنم 'سومنات' وجدوا بداخله كنوزا هائلة من الياقوت والجواهر أضعاف أضعاف ما عرضه الهنود، فغنمه المسلمون وجمع الله عز وجل لهم فضيلة كسر الصنم وأفاء عليهم بأضعاف أضعاف ما تركوه، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: [من ترك شيئا لله عز وجل عوضه الله بأفضل منه].



شهيد على فراشه

ظل محمود بن سبكتكين رافعا لراية الجهاد في سبيل الله ليل نهار لا يكل ولا يتعب ولا يكاد يجلس على فراشه، طالبا للشهادة من مظانها وفي كل موطن، وقد أنشأ دولة عظيمة شاسعة تضم إيران وما وراء النهر والشمال الهندي كله، وأخضع لسلطان الإسلام السند والبنجاب وحوض الجانج إلى حدود البنغال، ونشر الإسلام والعقيدة الصحيحة بتلك الربوع والسهول التي كانت مرتعا للعقائد الضالة وأفكار الفلاسفة، وقد عزم 'محمود' على أن ينقل عاصمته إلى إقليم 'الكوجرات' لتدعيم الوجود الإسلامى بالهند وياليته فعل ذلك، ولكن رجاله عز عليهم مفارقة مواطنهم وديارهم فصرفوه عن هذه الفكرة، وظل السلطان 'محمود بن سبكتكين' مجاهدا غازياً آخذا على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها وبلغت مساحة فتوحاته ما فتحه الفاروق عمر وبلغت رايته الجهادية أماكن لم تبلغها راية قط ولم تتل بها سورة ولا أية قط وأقام شعائر الإسلام في أقصى ربوع الأرض.



ومع ذلك ورغم هذه الحياة الطويلة فوق ظهر الخيل ورفقة السلاح إلا إنه مات على فراشه بعدما أصابه داء البطن ومكث عامين مريضا ولكن لا يضطجع بل يتكأ على جنبه ويحضر مجلس الحكم ليفصل بين الناس ويسير شئون الدولة، حتى مات رحمه الله مبطونا ولعلها تكون شهادة كما ورد ذلك في الحديث، تعوض هذا السلطان العظيم الذي فتح بلاد الهند وظل طوال حياته يطلب الشهادة كي ما ينالها، وينصر الإسلام وينشره كي ما يرضى عنه ربه، فسلام عليك يا أعظم سلاطين الإسلام.


يتبع البطل العاشر --------------->

يونيك
28-06-2008, 10:06 PM
(البطل العاشر)



الأمير شهاب الدين الغورى


http://www.adygaunion.com/gallery/albums/art7/normal_Circassian_mameluke.jpg


يعتبر تاريخ الإسلام في بلاد ما وراء النهر غامضا لكثير من المسلمين رغم أنه قد بدأ مبكراً في صدر الدعوة عندما دحرت جيوش الصحابة في عهد العمرين إمبراطورية الفرس وأزالوا دولتهم تماماً في عهد عثمان رضي الله عنه، وانساح المسلمون بعدها في بلاد ما وراء النهر ورفعوا الحواجز التاريخية بين الهضبة الإيرانية وبلاد الأتراك إلى بلاد الهند والصين، وظهر خلال تلك الفترة رجال أفذاذ كبار كلهم يضع هدفا ساميا نصب عينيه ألا وهو خدمة الدين ونشر الإسلام، من هؤلاء الكبار: عبد الرحمن بن ربيعة الملقب بذى النور، وعبيد الله بن أبى بكر، وشريح بن هانىء، وعبد الرحمن بن الأشعث، وقتيبة بن مسلم، ومحمد بن القاسم، وغيرهم كثير .

ولما قامت الدولة العباسية قل من يغزو تلك البلاد وانشغل المسلمون بأنفسهم فترة طويلة، حتى ظهرت الدولة الغزنوية وسلطانها العظيم 'محمود بن سبكتكين' الذي أعاد للمسلمين ذكريات الجهاد الأولى ودخل بلاد الهند ففتحها وحطم أصنامها ودمر معابدها ونشر الإسلام في مناطق لم تتل فيها قط سورة ولا آية.


وكان صاحب الفضل بعون الله عز وجل في تحطيم قوى أمراء الهند، ولكنه ومن جاء بعده من خلفائه لم يستقروا في الهند إنما كانوا يعودون إلى عاصمة بلادهم 'غزنة' ويتركون والياً من طرفهم على تلك البلاد الجديدة، مما لم يرسخ وضع الإسلام بالهند ولم يثبت أقدام المسلمين بها، ومما سمح أيضا لكفار الهند بالتمرد والثورة مرة بعد مرة، وظل الأمر هكذا حتى ظهر بطلنا الكبير الذى قام بإنشاء أول دولة مسلمة ثابتة مستقرة بالهند وعاش حياته كلها في الجهاد والدعوة وكان له أعظم الأثر في وضع الإسلام بالهند .




من هو شهاب الدين؟

هو البطل الشجاع والأمير المحنك أبو المظفر شهاب الدين محمد بن سام الغوري، قائد القبائل الغورية، ويرجع أصل هذه القبائل إلى الجنس التركي وكانت تستوطن جبال الغور وهي بلاد واسعة وباردة وموحشة، تقع بين غزنة وهراة [وسط أفغانستان الآن] مما جعلت طبيعتهم قوية وصلبة، وقد دخلوا الإسلام على يد السلطان 'محمود بن سبكتكين' وذلك سنة 401 هجرية.

وبعدما حاربهم وعرف قوتهم وشجاعتهم حرص كل الحرص على أن يكونوا من جند الإسلام، فدعاهم للدين فدخلوه أفواجاً، فأقرهم 'محمود' على أملاكهم واستعملهم لنصرة الدين وأرسل إليهم الدعاة والمعلمين، فحسن إسلامهم وكانوا من أخلص أعوان 'محمود بن سبكتكين' وساعدوه في كثير من الحروب ببلاد الهند , ودب الضعف في الدولة الغزنوية واستبدلها المولى عز وجل بالدولة الغورية وقائدها الأمير المظفر شهاب الدين الغوري، حيث ورث الغوريون الدولة التي سقطت بالكلية سنة 582 هجرية.


إعادة الأمجاد

كانت الدولة الغزنوية قد بلغت أوج قوتها واتساعها فى عهد سلطانها العظيم محمود وولده مسعود وشملت المنطقة الشاسعة من إيران وشمال الهند كله والسند والبنجاب وحوض الجانج حتى البنغال ولما أصابها الضعف والوهن أخذت أجزاء كثيرة من هذه الدولة في السقوط في يد الكفار مرة أخرى ومن عاونهم من الفرق الضالة التي لا تقل كفراً بل تزيد بنفاقها عن الكفار الأصليين أمثال فرقة القرامطة والشيعة الإسماعيلية، وانتزعت الكثير من أملاك الغزنويين.

حتى بإيران مركز دولتهم وعندما نهض بطلنا المقدام زعيم الغور شهاب الدين الغوري وأخذ في استعادة الأمجاد السابقة.

بدأ شهاب الدين رحلته الجهادية مبكراً وبدأها كما بدأها من قبل 'محمود بن سبكتكين' ومن نفس النقطة من 'الملتان' وكان هذا الإقليم يقع تحت قبضة 'القرامطة' الكفار، وبالفعل استخلص شهاب الدين 'الملتان' من يد القرامطة سنة 570 هجرية، ثم أعقب ذلك استعادة 'بيشاور' وأخضع حوض السند جميعه رغم الخسائر الفادحة التي تحملها جيشه على يد كفار الهند وشمال الهند إلى خليج البنغال.



التحالف الهندوسي

شعر أمراء الهند بخطورة الأمر وعودة التهديد الإسلامي من جديد بعدما ظهر أسد جديد على الساحة وهو شهاب الدين الغوري وقرروا التحالف فيما بينهم فيما عرف بتحالف أمراء منطقة الأنهار الكبرى في شمال شبه الجزيرة الهندية وهذه المنطقة التي تعرف باسم 'الهندستان' وفيها أخصب بلاد الهند وأكثفها سكانا، وهؤلاء الأمراء دفعهم الحقد على الإسلام وتحريض الكهنة البراهمة وخوفهم على أملاكهم وعروشهم أن يبادئوا المسلمين بالعداوة والقتال مستغلين بعض الأحداث الداخلية في الدولة الغورية وانشغال شهاب الدين بالقضاء على بعض الاضطرابات والفتن الداخلية.


http://www.indembcairo.com/sec%2015/Image484.jpg



جهاد على كل الجبهات

كان شهاب الدين الغوري يحلم بأن تكون بلاد الهند كلها مسلمة وأن يستكمل الدور الرائع الذي قام به من قبل السلطان 'محمود بن سبكتكين' بل كان شهاب الدين يحب أن يتشبه كثيرا بمحمود بن سبكتكين وظهر هذا جليا في العديد من المواقف، ولكن الأمور لم تكن مواتية مثلما حدث أيام محمود بن سبكتكين، ذلك لأن شهاب الدين قد اضطر للجهاد على العديد من الجبهات الداخلية والخارجية وينتقل من الهجوم إلى الدفاع والكر والفر، من الهند إلى خرسان إلى الصين إلى إيران وهكذا، يقاتل كفار الهند وكفار الترك والباطنية الكفار أيضا طلاب الدنيا من المسلمين الطامعين المفسدين، لذلك فلقد قضى شهاب الدين حياته كلها لم يعرف بيتا ولا راحة ولا يلاعب ولدا ولا يهنأ بأسرة واستقرار بل من على ظهر الخيل إلى ظهر الخيل ومن ضرب السيف إلى رمى السهم وهكذا.



أولاً : جهاده ضد كفار الهند

كان أمراء الهندوس هم العدو الأكبر والأصلي في معارك شهاب الدين الغوري، وكان لقاؤه الأول معهم في غير صالح المسلمين وترك أثراً شديداً على شهاب الدين الغوري، وذلك سنة 583 هجرية عندما دخل المسلمون مدينة 'شرستي' واحتلوها وكانت من أغنى وأكبر مدن الهند، فهجم التحالف الهندوسي بقيادة كبيرهم 'بريتي' والذي تسميه المراجع العربية 'كولة' على المسلمين ودارت رحى معركة من أشد ما لاقى المسلمون من قتال في الهند وانهزم بعض الأمراء الغوريين وفروا من أرض القتال، وظل شهاب الدين يقاتل بنفسه حتى أنه من شدة القتال قتل عدة أفيال بسيفه ورمحه ثم أصيب إصابة بالغة وتكاثر عليه الكفار ليأخذوه فدافع عنه جنوده وحملوه مصاباً ينزف الدم مسافة أربعين كيلومتراً حتى خافوا موته، ولما عاد إلى 'لاهور' أخذ الأمراء الغورية المنهزمين من أرض المعركة وعلق على كل واحد منهم عليق شعير وقال لهم 'ما أنتم بأمراء إنما أنتم دواب' وألزمهم المشي حتى 'غزنة'.

ظل شهاب الدين يجهز لقتال الهندوس ورد الهزيمة وأخذ العدة اللازمة وجهز جيشاً كبيراً وكان ما زال ناقماً على أمراء الغورية منذ فرارهم في المعركة السابقة وعزم على ألا يصحبهم معه في القتال ضد الهندوس، فحاول بعض شيوخ القوم استرضاءه عنهم فقال شهاب الدين كلمات تعبر عن النفسية المؤمنة الصادقة التي تستشعر بما عليها من واجبات تجاه نصرة الدين والعمل للإسلام وتظهر مدى قوة قلب هذا البطل الشجاع وحساسيته الدافقة، قال {أعلم أنني منذ هزمني هذا الكافر ما نمت مع زوجتى على فراش ولا غيرت ثياب البياض عنى 'أى ثياب الكفن' وأنا سائر إلى عدوي معتمد على ربي عز وجل لا على الغورية ولا على غيرهم، فإن نصرني الله سبحانه ونصر دينه فمن فضله وكرمه وإن انهزمنا فلا تطلبوني، فلن انهزم ولو هلكت تحت حوافر الخيل}.

بعد هذه الرسالة الجلية اهتزت قلوب الأمراء الغورية وحلفوا جميعا على القتال حتى الموت وعدم الأنهزام مهما حدث فى أرض المعركة.

عاد شهاب الدين الغوري إلى الهند بجيش قوامه مائة وعشرين ألف مقاتل بعد عام واحد من الهزيمة السابقة، فبرز له ملك الهند 'بريتي' في جيش قوامه ثلاثمائة ألف مقاتل أو يزيدون واستخدم شهاب الدين الغوري حيلة حربية ذكية حيث قسم جيشه إلى جزئين وهجم على الهندوس عند الفجر وهم غارون على قبضة الكماشة فأمضى المسلمون فيهم القتل، وحاول 'بريتي' الفرار فقال له أصحابه {إنك حلفت لنا أنك لا تخلينا وتهرب} فنزل من على فرسه وظل يقاتل حتى وقع أسيراً في يد المسلمين وحاول 'بريتي' أن يفدي نفسه بأموال طائلة مهولة ولكن شهاب الدين علم أن بقتل 'بريتي' يسهل سقوط الهند، فرفض قبول الفدية وقتله، وهو يؤكد بذلك على معنى رسالة الجهاد في الإسلام فهو ليس للدنيا ولا للأموال ولا للغنائم ولا لشهوة القتل والتملك بل هو لأسمى المطالب لنشر الإسلام وتبليغ الدين وإزاحة الطواغيت الذين يقفون على آذان الناس ويصدونهم عن سماع الحق.


كان هذا النصر المبين إيذاناً بانهيار سلطان الأمراء الهندوس وبداية السلطان الحقيقي للإسلام في منطقة الهندستان، فلقد استولى شهاب الدين الغوري على مدن [شرستي، كهرام، هنسى، أجمير] وحطم أصنام الهندوكية والبوذية في الهندستان واستعمل أحجارها في بناء المساجد، وعهد الأمير شهاب الدين الغوري إلى مملوكه وقائد جيوشه 'قطب الدين أيبك' بولاية المدن الهندية المفتوحة.

فى نفس الوقت الذى كان 'قطب الدين أيبك' يرسخ أقدام الإسلام بالهندستان أرسل شهاب الدين الغوري بطلاً آخر من قادة جيوشه واسمه 'محمد بن بختيار الخلجي' إلى ناحية الشرق حيث منطقة 'البنغال' وهي معقل البوذية في الهند كلها، ففتحها وحطم معابدها وأظهر شعائر الإسلام بها وذلك سنة 599 هجرية وفي نفس السنة استطاع قطب الدين أن يفتح حصن 'كلنجر' أمنع حصون الهند وبسقوطة لم يبق في الهند مكان لم يدخله الإسلام باستثناء صحراء الجنوب.


http://z.about.com/d/atheism/1/0/u/e/MuhammadMassacre.jpg


ثانيا: جهاده ضد كفار الأتراك

الجنس التركي يشمل كل القبائل الواقعة وسط وشرق الهضبة الإيرانية حتى أقصى شرق الصين وأيضا بلاد القوقاز ومنغوليا، وهذه القبائل كان منها المؤمن ومنها الكافر، وأمثال القبائل المؤمنة {السلاجقة والتركمان والغوريين والخورازميين} وأما القبائل التركية الكافرة الوثنية فكانت تتجمع تحت لواء كبير وتحت أقوى هذه القبائل وهي قبائل {القراخطاي} وأصلهم في غرب الصين، وكان نهرا 'سيحون' و'جيحون' هما الحد الفاصل بين هذه القبائل الكافرة وبلاد الإسلام.


استغل الكفار خروج شهاب الدين الغوري للغزو في بلاد الهند وهجموا بأعداد كبيرة على بلاد الغور وعظمت المصيبة على المسلمين لغياب شهاب الدين وضخامة العدو، ولكن الله عز وجل الذي وعد بحفظ دينه ونصرة جنده قيض للمسلمين عدة أبطال من أعوان شهاب الدين مثل الأمير 'محمد بن جربك' و'الحسين بن خرميل ' و'حروش الغوري' واجتمع عندهم المجاهدون والمتطوعون من كل مكان وهجموا على جيش 'القراخطاي' وهم غارون ليلاً ووضعوا فيهم السيف واشتد القتال بين الفريقين واستشهد 'حروش الغوري' وكان شيخا مسنا فالتهبت مشاعر المسلمين وألقوا السهام والرماح وصار القتال بالسيوف والفوؤس فقط وانتصر المسلمون انتصاراً هائلا جعل عقل ملك 'القراخطاي' يطيش وينقلب على خوارزم شاه ويطلب منه دية لكل قتيل كافر عشرة ألاف دينار ذهبا، مما جعل 'خوارزم شاه' يطلب العفو والصفح من شهاب الدين الذي قبل العفو شريطة دخول 'خوارزم شاه' في طاعة الخليفة العباسي فوافق خوارزم الذي كان يغير ولائه ويقلبه حسب هواه وأطماعه، ووقعت كراهيته في قلوب كل المسلمين شرقا وغربا، والعجيب أن هذا الرجل النكبة عاد وحالف 'القراخطاي' من جديد وأغراهم بشهاب الدين ودلهم على أماكن ضعفه فهزموا شهاب الدين في معركة رهيبة سنة 600 هجرية كاد يقتل فيها شهاب الدين وتنهار دولة الإسلام في الهند بسبب ذلك.



ثالثا : جهاده ضد الزنادقة والباطنية والفرق الضالة

كانت منطقة الهضبة الإيرانية وبلاد الهند مرتعا خصبا وواسعا للأفكار الضالة والعقائد المنحرفة حيث كانت مهبط ومعدن الفلسفة والمنطق والتأملات البراهمية والعقائد المجوسية والفارسية، فلا عجب أن تبقى أثار تلك العقائد الضالة في تلك البقاع، ولذلك كان السلطان العظيم 'محمود بن سبكتكين' شديد الاهتمام بتطهير كل بلد يفتحه أو يملكه من أثار تلك العقائد والفرق الضالة وقضى على كل المذاهب المخالفة لأهل السنة والجماعة، وسار على دربة الأمير شهاب الدين الغوري الذي كما قلنا من قبل شديد الشبه بمحمود بن سبكتكين، ودائم الأقتداء به، فقد كان شهاب الدين الغوري شافعيا على عقيدة أهل السنة والجماعة، شديد الحب والإيمان بالإسلام، يكره أهل البدع والفساد شديداً على الفرق الضالة خاصة فرقة 'الاسماعيلية' الباطنية، فقد كان يقتل من يجده منهم ويخرب قراهم ويلزمهم بالدخول في الإسلام وإظهار شعائره، وكان شهاب الدين الغوري على يقين أن الملاحدة والزنادقة من أتباع الفرق الضالة هم الخطر الأكبر الذي يهدد سلامة الأمة الإسلامية وينخر في جسدها، وأنهم يتربصون بهذه الأمة الدوائر وأن عداوتهم وكفرهم أشد وطأة وأذى على المسلمين من الكفار الأصليين.

عندما تحالف الخائن 'خوارزم شاه' مع قبائل 'القراخطاي' ضد شهاب الدين والمسلمين ودلهم على عورات جيش شهاب الدين، ووقعت الهزيمة على المسلمين، سرت شائعة في البلاد أن شهاب الدين قد قتل فى المعركة، وعندها تطاول كل ملحد وزنديق ومجرم ومفسد وطامع في الدنيا؛ ومن هؤلاء أحد مماليك شهاب الدين واسمه 'أيبك بال' الذي نصب نفسه سلطانا على المسلمين مكان شهاب الدين وأعانه على ذلك أحد الزنادقة ويدعى 'عمرو بن يزان' وأخذ 'أيبك بال' في ظلم الناس وسفك دماءهم وأخذ أموالهم وتجمع حوله كل اللصوص وقطاع الطرق وفسح المجال للزنادقة والملاحدة في نشر أفكارهم وعقائدهم، ولما عاد شهاب الدين الغوري من القتال ووجد الأمر هكذا أمر بالقبض على هؤلاء المفسدين والزنادقة وأمر بقتلهم ثم تلا قوله عز وجل: 'إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا ……… ' وشن حملة واسعة وشاملة على قرى وبلاد الإسماعيلية حتى الموجودة خارج نطاق مملكته ليطهر بلاد الإسلام كلها من هذا الجنس الخبيث.


كانت الشائعة التي سرت بعد هزيمة شهاب الدين من 'القراخطاي' عن مقتلة السبب في كشف مكنون صدور الكثيريين، وسبحان الله كما قال عز وجل {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم …} فقد كانت الهزيمة كريهة وأليمة على نفس المسلمين عموما وشهاب الدين خصوصا ولكنها كشفت حقيقة كثيرين ممن كانوا حول المسلمين، من هؤلاء كان أمير منطقة 'الجودي' واسمه 'دانيال' وكان قد أسلم خوفا من بطش شهاب الدين، فلما وصلته شائعة مقتل شهاب الدين ارتد عن الإسلام مرة أخرى وحالف قبيلة تركية كافرة اسمها قبيلة 'بنى كوكر' ومساكنهم فى جبال لاهور والمولتان وهى حصينة ومنيعة، وقام هذا التحالف الكفري بالإغارة على بلاد المسلمين وقطعوا السبيل ونهبوا قوافل التجارة، وكان شهاب الدين في هذه الفترة يجهز الجيوش لمحاربة 'القراخطاي' ورد الهزيمة، فلما وقف على حقيقة الوضع غير عزمه وقرر البدء بهؤلاء المرتدين والكافرين في مملكته وهذا يوضح فهم شهاب الدين لترتيب الأولويات والبدء بالعدو الأقرب الذى هو عادة أخطر، أعاد شهاب الدين جيوشه بسرعة من اتجاه الشرق إلى الشمال وهجم كالأسد الضاري على الخونة والمرتدين يوم الخميس 25 ربيع أول سنة 602 هجرية واشتدت مقاومة الكفار، وكان شهاب الدين قد قسم جيشه لجزئين جزء يقوده هو بنفسه ويتولى الاصطدام المباشر مع الكفار، وجزء أخر يقوده أنجب تلاميذ شهاب الدين الأمير البطل 'قطب الدين أيبك' يكون كمينا يظهر في اللحظة الحاسمة، وبالفعل ظهر قطب الدين بجيشه عند أشتداد القتال وتنادوا بشعار الإسلام 'الله أكبر' وحملوا حملة صادقة على الكفار الذين انهزموا وأمعن المسلمون فيهم القتل، وفر الكفار وصعدوا إلى تلال هناك وأضرموا فيها النار فكان أحدهم يقول لصاحبه 'لا تترك المسلمين يقتلونك ثم يلقى نفسه فى النار' فعمهم الفناء قتلاً وحرقاً، وغنم المسلمون غنيمه هائلة حتى أن كل خمسة أسرى يباعون بدينار واشتد هذا النصر المبين على كل كافر وملحد وزنديق ومرتد في هذه البقعة من الأرض.


شهيد المحراب

وجد أعداء الإسلام على اختلاف مشاربهم وأهوائهم أنه لا سبيل للانتصار على هذا الدين إلا باغتيال رأس المسلمين وبطلهم المقدم الذي يستطيع أن يجمع الجيوش ويشحذ الهمم وينافح عن دين الإسلام، ولم يجد أعداء الإسلام أفضل من الباطنيين الكفرة ليوكلوهم في تلك المهمة القذرة فالباطنيون خبراء في أساليب الاغتيال والغيلة، وبالفعل تسلل نفر من الباطنية الإسماعلية إلى جيش شهاب الدين الغوري وهو خارج لقتال قبائل 'القراخطاي' الكافرة، وأظهر هؤلاء الباطنية أنهم من جملة الجيش حتى كانت ليلة 1 شعبان سنة 602 هجرية، وكان شهاب الدين في خيمته يصلي قيام الليل وحده دخل عليه الكفار وضربوه بالسكاكين حتى قتلوه شهيداً رحمه الله وهو يصلى، فدخل عليه أصحابه فوجدوه على مصلاه قتيلاً وهو ساجد فأمسكوا بهؤلاء الكفرة وقتلوهم جميعاً، وهكذا كانت نهاية هذا البطل العظيم الذي هو من أعظم أبطال الإسلام، ويا لها من حسن خاتمة لرجل طالما تعرض لمواطن الشهادة وباشر القتال بنفسه حتى أنه من شدة قتاله كان يقتل الفيل بسيفه، يستشهد بطلنا وهو يصلي ساجدا قائما لربه عز وجل وهو خارج لقتال الكافرين وهكذا تكون خاتمة الأبطال وما أروعها من خاتمة.




يتبع البطل الحادي عشر --------------->

يونيك
28-06-2008, 10:35 PM
(البطل الحادي عشر)


الأمير الغازي عثمان الأول


http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/8/8e/Orhan_I.jpg/180px-Orhan_I.jpg
عثمان الأول


إن الأمور الحتمية القدرية التي قضاها الله عز وجل والتي يغفل عنها معظم المسلمين ويجهلها تماماً أعداء الإسلام أن الله عز وجل قد حفظ أمة الإسلام من الزوال بالكلية واستجاب لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم في ألا يسلط عليها عدو من سواها يستأصل شأفتها، فأمة الإسلام قد تضعف وقد تمرض مرضاً شديداً ويدب الوهن في كل أعضائها ولكنها لا تموت ولا تخلو الأرض أبداً إلى قيام الساعة من الجماعة المؤمنة الموحدة، فهي لا تنقرض وتزول مثلما حدث مع دول أخرى كبيرة مثل دولة الإغريق أو الرومان أو الفرس، وكلما سقط للمسلمين في بلد دولة قام لهم في بلد آخر دولة، وكلما اضطهدوا واستضعفوا في بقعة قووا وتجمعوا في بقعة أخرى، ومهما كانت الضغوط والابتلاءات على المسلمين فإن جذوة الإيمان تظل حية متقدة في قلوبهم ومن لا يصدق ينظر إلى مسلمي روسيا وما عانوه لعهود طويلة من نكال واضطهاد، ولما سقطت إمبراطورية الكفر نهض المسلمون من تحت الركام في أيديهم مصحفهم وفي قلوبهم هداية الإسلام، وفى نفس العام الذي سقطت فيه الخلافة العباسية العريقة تحت ضربات الجحافل الهمجية المغولية سنة 656 هجرية، ولد رجل وسط غمار هذه الأحداث الرهيبة، قدر له أن يكون منشأ دولة تنوب عن أمة الإسلام في التصدي لأعدائها لقرون عديدة، ودولة ستعيد مجد الخلافة الإسلامية ودولة ستنشر الإسلام في قلب أوروبا ويتحقق على يديها موعود النبي صلى الله عليه وسلم بفتح عقر دار النصرانية 'القسطنطينية'، ونعنى بها الدولة العثمانية التي تنتسب لبطلنا هذا الذي نؤرخ له .


أصل الدولة العثمانية

يرجع أصل الدولة العثمانية إلى الجنس التركي أو التركماني، وكلاهما واحد فالتركمان هو نحت لكلمتين هما 'ترك' و'إيمان' وكانت علامة على من يؤمن من قبائل الترك بالإسلام حيث كانت الوثنية منتشرة فيهم قبل الإسلام، وينتسب العثمانيون إلى قبيلة تركمانية كانت عند بداية القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر الميلادي تستوطن شمال العراق في إقليم كردستان، وتعيش على رعي الدواب، ولكن هذه القبيلة تحت الضغط المغولي الوحشي اضطرت للهجرة إلى بلاد الأناضول وذلك سنة 617 هجرية، واستقرت هذه القبيلة في مدينة 'أخلاط' وكانت من أملاك الأيوبيين، فلم يستقر بهم الحال بالمدينة فواصلوا الهجرة باتجاه الشمال الغربي حيث كانت دولة سلاجقة الروم وزعيمها علاء الدين السلجوقي.


كان دخول العشيرة التركمانية وزعيمها 'أرطغرل بن سليمان' إلى أرض سلاجقة الروم أشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية وقصص التراث الشعبي المشوقة؛ ذلك لأن 'أرطغرل' وقبيلته عند دخولهم لأرض سلاجقة الروم وجد قتالاً شرساً تدور رحاه بين المسلمين والبيزنطيين وكانت الكفة قد أوشكت للميل ناحية البيزنطيين، وهنا تقدم أرطغرل ورجال قبيلته لنجدة إخوانهم في الدين من الهزيمة، وكان هذا التقدم سبباً لانتصار المسلمين على النصارى، وقدر 'علاء الدين' هذه الفعلة لأرطغرل وعشيرته وأعطاهم قطعة كبيرة من الأرض في الحدود الغربية على الحدود مع الدولة البيزنطية ليسكنوا فيها وأقام معهم حلف مودة وأخوة وجهاد ضد الدولة البيزنطية.


الأمير عثمان

ولد عثمان بن أرطغرل سنة 656 هجرية أي في نفس العام الذي سقطت فيه دولة الخلافة العباسية، أي أن عثمان ولد في أجواء مضطربة والأمة الإسلامية في حالة ضعف واضطهاد وتسلط من أعدائها، فتفتحت عيني الصبي الصغير على مآسي المسلمين وزوال هيبتهم وضياع خلافتهم، وتفتحت أيضا على عدو صليبي عنيد مرابط على ثغور قبيلته، فنشأ 'عثمان' محباً للجهاد، مشحوناً بالإيمان، تشتعل بداخله رغبة عارمة في استعادة أمجاد المسلمين والانتقام من أعداء الإسلام.

كانت القبيلة التركمانية التي هي معدن العثمانيين وأصلهم بحكم موقعها الجديد المجاور للبيزنطيين قبيلة جهادية معنية بأمور الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام، مما جعلها قبيلة مؤمنة يطغى عليها سمت الإيمان والحياة النقية فلا مجال للترف ولا وقت للهو واللعب بل حلقة مستمرة من الجهاد ضد أعداء الإسلام، لذلك نجد أن 'عثمان' كان ملازماً لأبيه أرطغرل في جهاده ضد الصليبيين، وأيضا ملازما لأحد علماء الدين الصالحين الورعين واسمه الشيخ 'إده بالي' القرماني، يتعلم على يديه ويبيت عنده الليالي، وكانت ابنة الشيخ صالحة وجميلة فأراد 'عثمان' أن يتزوجها فرفض الشيخ في بادئ الأمر ولكنه عاد ووافق بعدما قص عليه 'عثمان' هذه الرؤيا العجيبة، فلقد نام عثمان عنده يوما فرأى في منامه {كأن قمراً خرج من حضن الشيخ ودخل حضنه عند ذلك نبتت شجرة عظيمة من ظهره ارتفعت أغصانها إلى عنان السماء تحتها جبال عظيمة تتفجر منها الأنهار ثم تحولت أوراق الشجرة إلى سيوف مشرعة ناحية القسطنطينية} فاستبشر الشيخ 'إده بالى' بهذه الرؤيا ووافق على تزويجه من ابنته، وبشر عثمان بأنه وذريته سيرثون الأرض ويحكمون العالم.


انهيار مملكة سلاجقة الروم


http://www.55a.net/firas/ar_photo/3/0.jpg


كانت مملكة سلاجقة الروم قد تكونت بعد المعركة الخالدة 'ملازكرد' سنة 463 هجرية والتي انتصر فيها السلاجقة بقيادة ' ألب أرسلان' على جحافل البيزنطيين يقودهم الإمبراطور 'رومانوس ديوجين' وقد فتحت هذه المعركة الطريق أمام السلاجقة المسلمين للانسياح في منطقة الأناضول، وعين السلطان 'ملكشاه بن ألب أرسلان' أحد أقاربه وهو 'سليمان بن قتلمش' واليا على الأناضول أو آسيا الصغرى لمواصلة التوسع في أرض الروم واستمرت هذه المملكة أكثر من قرنين من الزمان وتعاقب عليها أربعة عشر حاكماً من سلالة 'سليمان بن قتلمش' حتى ظهر المغول في ساحة الأحداث.

بعدما اسقط التتار الخلافة العباسية واصلوا حملتهم البربرية لإبادة الإسلام وأهله، فاتجهوا ناحية الشام التي سقطت سريعاً في أيديهم ولكن الله عز وجل الذي حفظ الإسلام وأهله من سنة الاستئصال قيض المماليك وقائدهم سيف الدين قطز ليوقفوا الاكتساح التتري وينتصروا عليهم في معركة عين جالوت سنة 658 هجرية، وبعدها حول التتار وجهتهم إلى منطقة الأناضول حيث مملكة سلاجقة الروم والتي قد دب الضعف والتفرق بين أمرائها مما جعلها لا تصمد أمام ضربات التتار وخاف بعض أمرائها وتحالفوا مع التتار ضد إخوانهم المسلمين واستعانوا بالكافرين على المؤمنين، مما جعل الظاهر بيبرس يسير إلى بلاد سلاجقة الروم سنة 675 هجرية ويحاربهم مع حلفائهم التتار والكرج 'أهل جورجيا الآن' وينتصر عليهم في معركة البستان، ومع قوة المماليك وضعف المغول واهتمامهم بالعراق وما حولها فقط زالت دولة سلاجقة الروم وقامت مكانها إمارات في الأناضول منها أبناء أيدين وأبناء تركة وأبناء أرتنا وأبناء كرميان وأبناء حميد وأبناء صاروخان وغيرهم كثير.


قيام الدولة العثمانية

مر بنا كيفية دخول واستقرار القبيلة التركمانية بقيادة 'أرطغرل بن سليمان' في غرب الأناضول بعدما سمح لهم أمير إمارة القرمان علاء الدين السلجوقي بالاستيطان بإمارته وعقد حلفاً مع 'أرطغرل' للدفاع المشترك ضد العدو البيزنطي، ولما توفي أرطغرل سنة 687 هجرية تولى مكانه ولده عثمان، فبدأ يوسع أملاك القبيلة ناحية الغرب بموافقة علاء الدين أمير القرمان، وأصدر عثمان عمله باسمه كناية عن المكانة والسيادة .

في سنة 699 هجرية أغار المغول على إمارة القرمان ففر من وجههم 'علاء الدين' ودخل بلاد الروم وما لبث أن مات بها في نفس العام وتولى من بعده ولده 'غياث الدين' الذي حارب المغول ولكنه قتل في حربه ضدهم فأفسح المجال لعثمان أن يستقل بما تحت يديه من أراضي خاصة بعدما انفرط العقد بتلك البلاد الهامة والتي تعتبر ثغر المسلمين قبالة عدوهم العتيد؛ الدولة البيزنطية، وأعلن 'عثمان' قيام الدولة الإسلامية الجديدة في هذه البقعة الملتهبة من العالم، ولم يكن هذا التأسيس من باب حب السلطة والتملك، إنما كان حباً في نشر الإسلام.


عقبات فى الطريق

http://www.sfari.com/photo/data/19/osmanli1.jpg

عندما قامت الدولة العثمانية وظهرت للوجود سنة 699 هجرية، كانت البقعة الملتهبة التي قامت بها مليئة بالعقبات والمشاكل التي ستصطدم حتماً ولابد بهذه الدولة الوليدة، هذه العقبات كانت كالآتي:

· عقبات داخلية وتتمثل في الإمارات المجاورة للدولة العثمانية مثل إمارات القرمان ومنتشا وصاروخان وغيرهم كثير، وكان أمراء تلك البلاد ضعفاء متفرقون يؤثرون الدنيا ومتاعها الزائل لذا قعدوا عن الجهاد واشتغلوا بخلافاتهم الداخلية ومطامعهم الشخصية عن نصرة الإسلام ومقارعة الأعداء مما أطمع فيهم المغول والصليبيون وغيرهم، وهؤلاء المتسلطون على إماراتهم رفضوا أية محاولة للاتحاد مع الأمير عثمان ووقفوا حجر عثرة في سبيل إعادة مملكة سلاجقة الروم المتحدة القوية بل وقفوا أمام أي اتحاد، وبالتالي كانوا عبئاً ثقيلاً على حركة الفتح الإسلامي.

· عقبات خارجية وتتمثل في الإمارات الصليبية المتناثرة في منطقة الأناضول الواسعة والذين يحكمون هذه المناطق على شكل الحكم الذاتي مع الارتباط الديني والقومي مع الدولة الأم 'بيزنطة'، مثل إمارة بورصة ومادانوس وأدره نوس وكستله وغيرهم، وهؤلاء عداوتهم أصلية وقديمة، لذلك قرر الأمير عثمان أن يبدأ رحلته الجهادية بمواجهة الصليبيين في منطقة الأناضول، خاصة وأن أمراء الصليبيين قد تنادوا سنة 700 هجرية بتكوين حلف صليبي لتصفية الوجود الإسلامي الجديد بالأناضول بعدما سقطت سلطنة سلاجقة الروم.


رحلة الجهاد المقدس

بدأ الأمير عثمان الأول رحلته الجهادية المقدسة واضعاً نصب عينيه هدفاً أسمى هو إعلاء كلمة الله عز وجل في فترة زمنية حرجة بالنسبة للأمة الإسلامية التي تعانى من ضربات التتار من ناحية الشرق وضربات الصليبيين الأسبان بالأندلس ناحية الغرب، وكانت صفات عثمان الأول الإيمانية وعميق حبه للدين غالبة وحاكمة على تحركاته وحملاته ، فكان لا يبدأ القتال مع أعداء الإسلام إلا بعد ما يعرض عليهم الخصال الثلاثة الإسلام أو الجزية أو القتال.

http://www.mesopotamia4374.com/adad2/lamhaamah4_bestanden/image007.jpg

شعر سكان الأراضي القريبة من الدولة العثمانية الوليدة صدق إخلاص عثمان ونيته الجادة في نشر الإسلام فتحركوا وانضموا للأمير عثمان في رحلته الجهادية المقدسة، من هؤلاء جماعة 'غزياروم' أي غزاة الروم وهى جماعة إسلامية كانت ترابط على حدود الروم بنية الرباط وصد غارات الروم على المسلمين وذلك منذ عهد الخليفة العباسي المهدى بالله، أي أنهم كانوا أصحاب خبرة طويلة في قتال الروم، ومن هؤلاء أيضا جماعة 'الإخيان' أي الإخوان وهى جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويقومون بخدمة المسافرين والجيوش المجاهدة وهى جماعة تتألف من كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين سخروا أموالهم لنصرة الدين وأيضا جماعة 'حاجيات روم' أي حجاج أرض الروم وهى جماعة معنية بالعلم الشرعي وتفقيه المسلمين بأمور الدين، وكان لانضمام أمثال هذه الجماعات أثر قوى وزخر كبير للحملة الجهادية.

ظهرت شجاعة الأمير عثمان الأول وحزمه في المائة يوم الأولى من قيام الدولة العثمانية حيث شن أمراء النصارى بالأناضول حملة صليبية على الدولة الوليدة سنة 700 هجرية، فقاد عثمان الجيوش بنفسه وباشر القتال بسيفه ورمحه واستطاع بفضل الله عز وجل ثم قوة عزمه وشجاعته الفائقة في القتال أن يشتت هذه الحملة الغادرة ثم شرع بعد ذلك في فتح الحصون الصليبية ففتح حصون 'كته' و'لفكه' و'آق حصار' و'قوج حصار' وذلك سنة 707 هجرية، ثم فتح حصون 'كبوة' و'يكيجه' و'تكرربيكارى' سنة712 هجرية، ثم توج فتوحاته بفتح مدينة بورصة أو بورسة وذلك بعد مجاهدة ومحاصرة ومرابطة عدة سنوات قضاها الأمير عثمان في مواجهة عدوه حتى تم له الفتح سنة 717 هجرية، وأظهر فتح بورصة مدى صبر وثبات الأمير عثمان في جهاد أعداء الإسلام.


http://www.55a.net/firas/ar_photo/12032762920000011413-35121-1179700-7781.jpg
التحالف النصراني المغولي


حاول أمراء النصارى في الأناضول إعادة الكرة مرة أخرى وتحالفوا هذه المرة مع 'المغول' الذين كانت تربطهم بالنصارى علاقة وثيقة قائمة في الأساس على كره الإسلام ومحاربة المسلمين وإلا فهؤلاء كفار مشركون والآخرون وثنيون يعبدون الشمس والكواكب، فجهز الأمير عثمان الأول جيشاً بقيادة ابنه الثاني 'أورخان' وسيره لقتال المغول قبل تحالفهم مع النصارى فأوقع بهم هزيمة كبيرة شتت بها شملهم وصرفهم عن فكرة الاتحاد مع البيزنطيين.



الشخصية الآسرة

كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة وآثرة في نفس الوقت، فشدة إيمانه بالله عز وجل، وحماسته العالية في نشر الإسلام بأوروبا، جعلت منه شخصية شديدة الجاذبية للجميع مسلمين وكافرين على حد سواء، فلم تطغ قوته على عدالته ولا سلطته على رحمته، وكان إذا وعد وفى، فعندما اشترط أمير قلعة 'أولوباد' البيزنطية حين استسلم للجيش العثماني، ألا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل القلعة التزم بذلك الأمير عثمان وكذلك كل من جاء بعده.


هذه الشخصية الجاذبة جعلت حتى أعداءه الكافرين ينبهرون بتلك الشخصية الباهرة فيدخلون في الإسلام، وأوضح مثال على ذلك القائد البيزنطي 'إقرنيوس' الذي كان والياً على مدينة بورصه والذي استمات في الدفاع عنها ودخل في صراع طويل مع الأمير عثمان حتى سقطت المدينة في النهاية بعد خمس سنوات من الحصار وخلال تلك الفترة احتك 'إقرينوس' بالأمير عثمان وانبهر بخصاله وأخلاقه النبيلة وشخصيته الآسرة وفى النهاية أعلن 'إقرينوس' إسلامه عن صدق ويقين، بل صار من كبار قادة الجيش العثماني الذي يحارب دولته الأصلية 'بيزنطة' وما أشبه هذه القصة بقصة إسلام القائد الرومي 'جريجورى بن تيودور' الذي تسميه المراجع العربية 'جرجة' والذي أسلم على يد الصحابي العظيم 'خالد بن الوليد' أثناء معركة 'اليرموك' الخالدة ودخل القتال مع المسلمين ضد بنى جنسه حتى استشهد آخر المعركة وهكذا أثر الشخصية الإيمانية وعملها في النفوس.



وصية رجل عظيم

ظل الأمير عثمان يعمل على تثبيت دعائم الدولة الإسلامية الوليدة في هذه البقعة الحساسة والملتهبة من العالم القديم ويؤسس الدولة على القيم الإيمانية والأخلاقية المتينة ليضمن لها بإذن الله الاستمرار والنهوض والبقاء، ظل هذا الرجل الصالح ناصحاً لأمته ولدينه حتى وهو على فراش موته وقد حفظ لنا التاريخ وصية الأمير عثمان لابنه وخليفته من بعده 'أورخان الأول' وهى تعتبر دستور الدولة العثمانية التي سارت عليه أيام قوتها وأوج مجدها إذ قال له:

{ يا بنى: إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلا} .

{ يا بنى: أحط من أطاعك بالإعزاز وأنعم على جنودك ولا يغرنك الشيطان بجندك ومالك وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة} .

{ يا بنى: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الأفاق فتحدث مرضاة الله جل جلاله} .

{ يا بنى: لسنا هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت وهذا يا ولدى ما أنت أهله} .


وهكذا يتضح لنا الأسس التي وضعها الأمير عثمان لمن بعده ومنها:

1. الإيمان العميق بالله عز وجل والعمل على اتباع أوامره وشريعته في شتى أمور الدولة.

2. مشورة العلماء وأهل الفقه والشرع في مجريات وأمور الحكم والنزول على رأى الشورى.

3. تحديد الهدف الذي قامت من أجله دولة بنى عثمان وهو إعلان كلمة الله ونشر دين الإسلام.

4. تحديد الوسيلة لتحقيق هذا الهدف وهو الجهاد في سبيل الله.



وفي سنة 726 هجرية توفي الأمير العظيم بعدما أسس دولة صغيرة مساحتها ستة عشر ألف كيلو متر مربع من الأرض ولكنها على تقوى من الله ورضوان وغاية جهادية جعلت هذه الدولة تمتد في ظرف قرن واحد من الزمان لتشمل آسيا الصغرى والبلقان ومعظم أوروبا الشرقية، ودحرت الدولة البيزنطية وفتحت القسطنطينية وأعادت الخلافة الإسلامية من جديد وتنشر الإسلام في قلب أوروبا، فجزاه الله عز وجل عن الإسلام كل خير



يتبع البطل الثاني عشر --------------->

يونيك
29-06-2008, 09:01 AM
(البطل الثاني عشر)



الزعيم المورسكي مولاي عبد الله محمد


http://tangier.free.fr/Photos/cherif.jpg


قامت دولة الإسلام في الأندلس منذ سنة 92هجرية وظلت قائمة وصامدة تتقلب من طور لآخر ومن حال لحال بين قوة وضعف ووحدة وتفرق وعزة وذلة حتى تكاثرت عليها الخطوب وأحاط بها الأعداء من كل مكان فسقطت بعد عمر مديد وحكم فريد سنة 897هجرية أي أنها ظلت قائمة حية طيلة ثماني قرون، وهى بذلك تعتبر أطول دول الإسلام عمراً، وكان حادث سقوطها مدوياً آلم كل المسلمين على وجه الأرض، حتى أن سلطان مصر المملوكي وقتها 'الأشرف قايتباي' قد هدد فرناندو وإيسابيلا ملكي إسبانيا النصرانية بأن يقتل كل النصارى الموجودين بمصر واليمن والشام إذا أساءوا لمسلمي الأندلس بل إن حادثة سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام بالأندلس لتسامي حادثة سقوط بغداد وسقوط بيت المقدس في يد الصليبيين تارة وفى يد اليهود تارة أخرى، بالجملة كان حادث السقوط من أشهر وأخطر أحداث القرن التاسع الهجري ولكنه لم يكن الفصل الأخير في حياة المسلمين بالأندلس ، حيث جاءت بعد ذلك أحداث وفصول أشد مأساوية وأكثر إيلاماً، وبرز خلال تلك الفترة المجهولة تماماً لجمهور المسلمين العديد من الأبطال والفرسان الذين حاولوا استعادة الملك القديم، وصاحبنا هذا هو فارس الأندلس الأخير .


محاكم التفتيش


http://www.55a.net/firas/ar_photo/9/2k1.jpg.jpg


لم تكن الدموع التي ذرفها الأمير أبو عبد الله محمد وهو يسلم مفاتيح قصور الحمراء بغرناطة لملكي إسبانيا النصرانية 'فرناندو' و'إيسابيلا'، هي الدموع الأخيرة في بلاد الأندلس، إذ أعقبها الكثير والكثير من الدموع والدماء، فرغم العهود والأيمان المغلظة التي قطعها ' فرناندو' على نفسه ووقع عليها في وثيقة استلام غرناطة الشهيرة، إلا أن الله عز وجل الذي هو أصدق قيلا قال في محكم التنزيل 'لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ..' وقال 'إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا أيديهم وألسنتهم بالسوء ..' فأبت على فرناندو صليبيته أن يفي للمسلمين بشيء من العهود والمواثيق، وكانت هذه الوثيقة ستارا للغدر والخيانة وشنيع ما سيقترف بالمسلمين في الأندلس.

عهد الملك الصليبي 'فرناندو' إلى الكاردنيال 'خمنيس' مطران طليطلة ورأس الكنيسة الإسبانية مهمة تنصير مسلمي الأندلس، وكان هذا الرجل من أشد أهل الأرض قاطبة عداوة للإسلام والمسلمين، بل إن البغضاء المشحونة في قلبه كانت مضرباً للأمثال لعصور طويلة، فأنشأ هذا الرجل ما يسمى بديوان التحقيق أو عرف تاريخيا بمحاكم التفتيش وذلك سنة 905 هجرية، فكان أول عمل لهذه المحاكم أن جمعت كل المصاحف وكتب العلم والفقه والحديث وأحرقت في ميدان عام كخطوة أولى لتنصير المسلمين بقطع الصلة عن تراثهم وعلومهم الشرعية.

بدأت حملة تنصير المسلمين بعد ذلك بتحويل المساجد إلى كنائس ثم جمع من بقى من الفقهاء وأهل العلم وتم إجبارهم على التنصر، فوافق البعض مكرهاً وأبى الباقون فقتلوا شر قتلة، وكان التمثيل بجثث القتلى جرس إنذار لباقي المسلمين إما التنصير وإما الموت والقتل والتنكيل وسلب الأموال والممتلكات وكانت عملية التنصير مركزة على إقليم غرناطة ومنه انتقلت حمى التنصير إلى باقي بلاد الأندلس حيث كان هناك الكثير من المسلمين تحت حكم النصارى خاصة في الوسط والشرق.


هب المسلمون بما بقى عندهم من حمية وغيرة على الدين للدفاع عن هويتهم وعقيدتهم، فاندلعت الثورة في عدة أماكن من غرناطة وغيرها، واعتزم المسلمون الموت في سبيل دينهم، ولكنهم كانوا عزلاً بلا سلاح ولا عتاد، فقمع الصليبيون الثورات بمنتهى الشدة فقتل الرجال وسبيت النساء وقضي بالموت على مناطق بأسرها ماعدا الأطفال الذين دون الحادية عشرة حيث تم تنصيرهم، وبعد قمع الثورة بمنتهى العنف والقسوة، أصدر 'فرناندو' منشوراً بوجوب اعتناق المسلمين للنصرانية، وذلك سنة 906 هجرية ومن يومها ظهر ما يعرف في تاريخ الأندلس المفقود باسم 'الموريسكيين' وهى كلمة إسبانية معناها المسلمين الأصاغر أو العرب المتنصرين، ومحنتهم تفوق الخيال وما لاقوه وعانوه من إسبانيا الصليبية لا يخطر على بال .


الموريسكيون

ظهرت في بلاد الأندلس المفقود طائفة الموريسكيين وهم المسلمون الذين اضطروا للبقاء وأجبروا على إظهار النصرانية وترك الإسلام، وهذه الطائفة رغم البطش والتنكيل الشديد الذي تم بها لتجبر على التنصر، إلا إنها ظلت مستمسكة بدينها في السر، فالمسلمون يصلون سراً في بيوتهم، ويحافظون على شعائرهم قدر استطاعتهم وذلك وسط بحر متلاطم من الاضطهاد والتنكيل والشك والريبة.

كانت العداوة الصليبية المستقرة في قلوب الأسبان تجاه مسلمي الأندلس أكبر من مسألة الدين أو غيرها، فقد كانت هناك رغبة جامحة عند قساوسة ورهبان أسبانيا لاستئصال الأمة الأندلسية، فظل الموريسكييون موضع ريب وشك من جانب الكاردينال اللعنة 'خمنيس' وديوان التحقيق، فعمل 'خمنيس' على الزج بآلاف الموريسكيين إلى محاكم التفتيش حيث آلات التعذيب والتنكيل التي تقشعر لها الأبدان ويشيب منها الولدان وذلك للتأكد من صدق تنصرهم وخالص ارتدادهم عن الإسلام، وكانت أدنى إشارة أو علامة تصدر من الموريسكيين وتدل على حنينهم للإسلام كفيلة بإهدار دمائهم وحرقهم وهم أحياء، واستمرت إسبانيا الصليبية في سياسة الاضطهاد والقمع والتنكيل بالموريسكيين، وبلغت المأساة مداها بعدما أصدر 'شارل الخامس' قراراً بمنع سفر الموريسكيين خارج إسبانيا باعتبارهم نصارى ومن يخالف يقتل وتصادر أملاكه وعندها اندلعت الصدور المحترقة بثورة كبيرة في بلاد الأندلس.


الثورة الشاملة

كان تولى الإمبراطور 'فليب الثاني' عرش إسبانيا بداية حملة اضطهاد غير مسبوقة للموريسكيين الذين كانوا موضع شك دائم من قبل الكنيسة ورهبانها الذين كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم أن الموريسكيين ما زالوا على الإسلام في سويداء قلوبهم، وكان 'فليب الثاني' ملكاً شديد التعصب، كثير التأثر بنفوذ الأحبار، فأصدر حزمة من القرارات جاءت بمثابة الضربة القاتلة لبقايا الأمة الأندلسية وذلك بتجريدها من مقوماتها القومية الأخيرة بتحريم استخدام اللغة العربية والملابس العربية، وعندها قامت الثورة الشاملة وكان مركز الثورة في منطقة جبل 'الشارات' واندلع لهيب الثورة منها في أنحاء الأندلس ودوت صيحة الحرب القديمة وأعلن الموريسكيون استقلالهم، واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت، واختار الثوار أميراً لهم اسمه 'محمد بن أمية' يرجع أصله إلى بنى أمية الخلفاء كإشارة على استعادة الخلافة ودولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى.

حقق الموريسكيون عدة انتصارات متتالية، اهتزت لها عروش النصرانية في أسبانيا وأوروبا، فأعدت أسبانيا حملة عسكرية ضخمة يقودها أمهر قادتهم هو 'الدون خوان'، وجاء المجاهدون المسلمون من المغرب العربي وانضمت فرقة عسكرية عثمانية للثوار جاءتهم من تونس، وكان الأسبان يقتلون من يقع في أسرهم ويمثلون بجثثهم أبشع تمثيل حتى الأطفال والنساء لم يسلموا من أفعالهم، وزاد ذلك الثوار يقينا بحتمية الاستمرار في الثورة والقتال حتى الموت، وقويت العزائم وتقاطر المجاهدون المغاربة على الأندلس، وهنا امتدت أيدي الغدر والخيانة في الظلام لتغتال حلم الأندلسيين بمكيدة شريرة ويقتل الأمير 'محمد بن أمية' قبل أن يحقق هدفه المنشود.


القائد الجديد

بعد اغتيال 'محمد بن أمية' لم تكن هذه الثورة لتقف أو تنتهي بموت زعيمها، فاختار الثوار أميراً جديداً هو ابن عم القتيل واسمه 'مولاي عبد الله محمد'، وكان أكثر فطنة وروية وتدبرا فحمل الجميع على احترامه ونظم جيش الثوار وجعله على الطراز الدولي ويفوق في تنظيمه الجيش الصليبي الأسباني واستطاع 'مولاي عبد الله' أن يستولي على عدة مدن هامة مثل مدينة 'أرجبة' التي كانت مفتاح غرناطة والتي كان سقوطها شرارة اندلاع ثورة الموريسكيين وذيوع شهرة 'مولاي عبد الله محمد'.

http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/6/63/Embarco_moriscos_en_el_Grao_de_valencia.jpg/300px-Embarco_moriscos_en_el_Grao_de_valencia.jpg

حشدت إسبانيا أعداداً ضخمة من مقاتليها يقودهم 'الدون خوان'، فحاصر هذا الجيش الجرار الثوار في بلدة 'جليرا' وكان مع الثوار فرقة من الجنود العثمانيين، ودارت رحى معركة في منتهى الشراسة أبدى فيها المسلمون بسالة رائعة، ولكن المدينة سقطت في النهاية ودخلها الأسبان دخول الضواري المفترسة وارتكبوا مذبحة مروعة شنيعة لم يتركوا فيها صغيرا ولا كبيرا ولا طفلا ولا امرأة، وحاول 'الدون خوان' مطاردة فلول الثوار ولكنه وقع في كمين للثوار في شعب الجبال عند مدينة 'بسطة' وأوقع الثوار هزيمة فادحة بالصليبيين الأسبان ، جعلت الحكومة الأسبانية تفكر في مصالحة الثوار المسلمين.


السلام الفاشل

عرضت الحكومة الصليبية الإسبانية على المسلمين الثائرين معاهدة سلام لإنهاء القتال، فبعث 'الدون جوان' إلى أحد الثائرين واسمه 'الحبقى' وقد لمحت فيه إسبانيا الصليبية بعض المؤهلات التي ترشحه للتفاوض وقبول شروطها المجحفة في السلام، وكانت شروط المعاهدة تتضمن وقف انتفاضة المسلمين فورا وفى سبيل ذلك يصدر وعد ملكي بالعفو عن جميع الموريسكيين الذين يقدمون خضوعهم في ظرف عشرين يوما من إعلانه ولهم أن يقدموا تظلمهم وشكاواهم مع الوعد بالبحث فيها ودراستها..!

وكل من رفض العفو والخضوع للسلطة الصليبية سيقتل ما عدا النساء والأطفال دون الرابعة عشرة والسبب بالقطع معروف النساء سبايا والأطفال ينصرون.

كانت شروط السلام الصليبي المعروض على الموريسكيين كفيلة بأن يرفض الأمير مولاي عبد الله محمد هذه المعاهدة الجائرة التي لا تعطى المسلمين شيئا وليس لها سوى هدف واحد وهو إيقاف ثورة المسلمين فقط لا غير، وأيقن المسلمون أن الأسبان الصليبيين لا عهد لهم ولا ذمة، فانقلب النصارى يفتكون بكل المسلمين في أنحاء أسبانيا سواءًا من اشترك في الثورة أم لم يشترك، واشتبك الدون خوان مع قوات مولاي عبد الله في عدة معارك ولكنها غير حاسمة، وفى نفس الوقت أبقى الأسبان على خط التفاوض مع الزعيم 'الحبقى' الذي رأى فيه النصارى السبيل لشق صف الثوار المسلمين.

سار مجرى القتال في غير صالح المسلمين لانعدام التكافؤ بين الطرفين خلا الإيمان بالله عز وجل، ورأى مولاي عبد الله أن أتباعه يسقطون من حوله تباعا وتجهم الموقف والقوة الغاشمة تجتاح كل شيء، فبدأ يفكر في الصلح والسلام ولكن بغير الشروط السابقة، وتدخل بعض زعماء الأسبان ممن له عقل وتدبير لإجراء الصلح، ولكن 'الحبقى' استبق الجميع وشق صف الثورة وخرج عن طاعة مولاي عبد الله ومن معه، وذهب بسرية من فرسانه إلى معسكر الصليبيين وقدم الخضوع والذلة إلى قائدهم 'الدون خوان'.

كانت هذه الخطوة الذليلة من 'الحبقى' محل سخط كل المسلمين وخاصة زعيمهم مولاي عبد الله، فلقد لمح أن 'الحبقى' يروج بمنتهى القوة لهذا السلام الذي هو خضوع وذلة بالكلية للصليبيين، وأن الصف المسلم يتصدع بمحاولات 'الحبقى' وأراجيفه، خاصة بعدما لمح المسلمون نية الصليبيين في نفيهم بالكلية عن الأندلس، وهذا يجعل الهدف والداعي الذي قامت من أجله الثورة في الأصل هباءاً منثوراً وكيف سيعيدون دولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى إذا طردوا من أوطانهم، لهذه الأسباب كلها قرر مجلس قيادة الثورة إعدام 'الحبقى' الذي ظهر منه ما يدل على عمالته وولائه للصليبيين.


استئناف القتال

http://www.ibnjaldun.es/fileadmin/plantilla/fotosenr/IJ/batalla_poitiers.jpeg

أعلن مولاي عبد الله أن الثورة لن تتوقف وأن الموريسكيين سيجاهدون حتى الموت وأن حلمهم بإعادة دولة الإسلام في الأندلس لم يمت في قلوبهم، وأنه يؤثر أن يموت مسلماً مخلصاً لدينه ووطنه مما بذلوا له من وعود معسولة وأماني كاذبة وكان لهذا الموقف الشجاع من مولاي عبد الله فعل السحر في نفوس المسلمين في جميع أنحاء أسبانيا، فاندلعت الثورة كالنار في الهشيم، وقابل الأسبان ذلك بمنتهى القسوة والشدة بل والحقد الجنوني، حيث مضوا في القتل والتخريب لكل ما هو مسلم، وهدموا القرى والضياع والحقول حتى لا يبقى للثوار مثوى أو مصدر للقوت.

كانت لهذه القسوة المفزعة أثر كبير على نفوس الموريسكيين حيث فر كثير منهم من البلاد كلها إلى إخوانهم المسلمين في إفريقية، وفى 28 أكتوبر سنة1570 أصدر فليب الثاني قراراً بنفي الموريسكيين من مملكة غرناطة إلى داخل البلاد الأخرى بأسبانيا، ويوزعون على سائر الولايات الإسبانية بل مصادرة أملاكهم وأموالهم ، ووقع تنفيذ القرار في مشهد يندى له جبين البشرية من الخزي حيث السفك والنهب والاغتصاب، وسيق مسلمو غرناطة كالقطعان لمسافات طويلة حيث الجوع والعطش والمرض ثم وضعوا بعد ذلك فيما يشبه المعسكرات الجماعية حيث بقوا رهن المتابعة والرقابة الدائمة، وعين لهم مشرفاً خاصاً يتولى شئونهم ووضعت لهم جملة من القيود من يخالف أدناها يقتل شر قتلة.


الخيانة ونهاية البطل

بعد هذه الوحشية منقطعة النظير وبعد سلسلة من المذابح والمجازر البشرية المروعة في حق مسلمي الأندلس وبعد فرار الكثير من الموريسكيين إلى إفريقية وبعد نفي بقيتهم داخل أسبانيا لم يبق أمام الأسبان سوى آخر فرسان الأندلس مولاي عبد الله وجيشه الصغير الذي ظل مقاوماً للصليبيين معتصماً بأعماق الجبال، رافضاً للصلح أو المهادنة أو الخضوع لسلطة الصليب مهما كانت التضحيات، وهو في هذه الأثناء يقوم بحرب عصابات ضد الحاميات الأسبانية المنتشرة بغرناطة وأوقعت هذه الحرب خسائر فادحة بالأسبان، ولكنها أيضا أنهكت قوة جيش مولاي عبد الله الصغير.

ولأن هذا العصر وتلك الأيام كانت توصف بالخيانة والعمالة وحب الدنيا وكراهية الموت والخوف على النفس والمال والعيال، فلقد استطاع أعداء الإسلام أن يستقطبوا ويجندوا أحد ضباط مولاي عبد الله محمد ويغروه بالأموال والمنح والوعود والعفو الشامل إذا استطاع أن يسلمهم مولاي عبد الله محمد حياً أو ميتاً، وكان الإغراء قوياً ومثيراً والنفوس ضعيفة، فدبر هذا الضابط الخائن خطته لاغتيال آخر أبطال الأندلس، وفى ذات يوم هجم الخائن مع بعض من أغواهم على البطل مولاي عبد الله الذي قاومهم قدر استطاعته ولكنه وبعد معركة غير متكافئة سقط شهيداً، فقام الخونة بفعلة شنيعة حيث ألقوا جثته من فوق الصخور لكي يراها الجميع ويعلم أسيادهم الأسبان بنجاح مخطط الغدر والخيانة، وهكذا تدفع الأمة من جديد ثمن خيانة بعض أبنائها وتفقد ولداً باراً وبطلاً عظيماً قام بنصرتها والدفاع عن عرضها وحاول استعادة مجدها ولكنه وللأسف الشديد زمن الخيانة والعمالة!


هكذا يفعلون في أبطالنا

http://images.encarta.msn.com/xrefmedia/sharemed/targets/images/pho/t978/T978459A.jpg

إن ميراث الحقد والعداوة الدفين في قلوب أعداء الإسلام ضد كل ما هو مسلم ليدعو كل صادق وغيور لأن يكون على استعداد دائم للمعركة التي يخطط لها أعداء الإسلام، والصدام الوشيك بين الحق والباطل، وما فعله الأسبان بجثة البطل الشهيد مولاي عبد الله يدل على مدى الحقد العمى المشتعل في قلوب أعداء الإسلام، حيث قام الأسبان بحمل الجثة إلى غرناطة وهناك استقبلوها في حفل ضخم حضره الكبار والصغار الرجال والنساء، ورتبوا موكباً أركبت فيه الجثة مسندة إلى بغل وعليها ثياب كاملة كأنه إنسان حي ومن ورائها أفواج كثيرة من الموريسكيين الذين سلموا عقب اغتيال زعيمهم، ثم حملت الجثة إلى النطع وأجرى فيها حكم الإعدام، فقطع رأسها ثم جرت في شوارع غرناطة مبالغة في التمثيل والتنكيل ومزقت أربعاً وأحرقت بعد ذلك في الميدان الكبير ووضع الرأس في قفص من الحديد، رفع فوق سارية في خاصة المدينة تجاه جبال البشرات معقل الثورة ومنشأها، وهكذا يفعلون في أبطالنا.








يتبع البطل الثالث عشر --------------->

يونيك
29-06-2008, 12:37 PM
(البطل الثالث عشر)


الإمام شامل أسد داغستان



http://imgs2.kavkazcenter.com/arab/content/2007/01/23/6935_1.jpg



لقد اتبع النظام الشيوعي البائد في حكم ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي سياسة الستار الحديدي والتعتيم الكامل عما يجري على أراضيه عموماً وعلى المناطق الإسلامية خصوصاً حتى نشأت أجيال متعاقبة من أبناء المسلمين لا يعلمون أن لهم إخواناً في العقيدة يعانون من الظلم والقهر لقرون طويلة، ولم تتكشف هذه الحقيقة إلا بعدما سقط الاتحاد السوفيتي وظهرت الجمهوريات الإسلامية، وقام المسلمون من تحت ركام الطغيان الصليبي ثم الشيوعي، ليرووا لنا الأهوال التي لاقوها من أجل الحفاظ على دينهم وعلى هويتهم، التي ظلت صامدة راسخة في قلوبهم، واستعصت العقيدة المتغلغلة في نفوسهم على التغيير والتبديل، وقاموا ليرووا لنا تاريخ أبطالهم العظام الذين قادوا المسلمين في التصدي لحرب الروس، وهذه سيرة واحد من أعظم أبطال المسلمين في تلك المناطق .


الإسلام في بلاد القوقاز

يطلق لفظ بلاد القوقاز أو القفقاس أو القفجاق على المنطقة الشاسعة الواقعة بين بحر قزوين 'الخرز قديماً' والبحر الأسود، ولقد دخل الإسلام لهذه المناطق مبكراً عندما فتح 'سراقة بن عمرو' أذربيجان عام 22هجرية في عهد الفاروق عمر رضى الله عنه، ثم أتم عبد الرحمن بن ربيعة الفتح بدخول مدينة 'دربند' على ساحل بحر قزوين وكان العرب يسمونها 'باب الأبواب' وتقع في 'داغستان' ثم واصل 'سراقة بن عمرو' فتوحاته بالقوقاز ففي عهد الخليفة الراشد 'عثمان بن عفان' رضى الله عنه فتح أرميتيا وجورجيا، ثم ارتد الأرمن فجاءهم جيش بقيادة 'حبيب بن مسلمة' فأخضعهم [وهكذا نرى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيحون في أقصى أرجاء المعمورة فاتحين ومبشرين وهادين الناس لدعوة الإسلام، حاملين في أعناقهم أمانة تبليغ الإسلام للعالمين، رافعين راية التوحيد ليبددوا بها ظلمات الشرك والجاهلية ولو في آخر بلاد العالمين].


http://198.62.75.1/www2/koestler/k-map.1.jpg


لم يستقر الوضع للمسلمين بهذه المناطق بسبب بعدها عن الجزيرة العربية وكثرة ثورات أهلها الذين لم يتعرفوا بعد على حقيقة الإسلام، وكان الإسلام قد انتشر في الجهات الشرقية 'داغستان والشيشان' والجنوبية 'أذربيجان'، وبقيت الأجزاء الوسطى والتي تتضمن بلاد جورجيا وأرمينيا نصرانية وعلى اتصال مباشر مع الدولة البيزنطية التي كانت تحرضهم على المسلمين باستمرار، واستمر الوضع هكذا أيام الدولتين الأموية والعباسية حتى ظهرت قوة السلاجقة الأتراك الذين سيطروا على بلاد القوقاز سنة 465 هجرية .

ومن حسن طالع هذه البلاد أنها كانت ضمن أملاك مغول القبيلة الذهبية أو أسرة 'جوجى بن جنكيز خان' وكانت هذه القبيلة أولى قبائل المغول إسلاماً خاصة أيام ملكهم العظيم 'بركة خان' فانتشر الإسلام أكثر فأكثر ببلاد القوقاز، ولكن انشغال ملوك هذه القبيلة بالحروب المستمرة مع بنى عموتهم 'الدولة الإيلخانية' هولاكو وأبنائه، صرفهم عن توسيع رقعة الإسلام بالقوقاز وظلت جورجيا وأرمينيا نصرانية.



بلاد القوقاز بين العثمانيين والصفويين

انقرضت دولة المغول وتفتت لدويلات صغيرة متناثرة هنا وهناك، وفى هذه الفترة تنامت قوى إسلامية جديدة على طرفي النقيض وهى الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية وأيضا ظهرت قوة نصرانية جديدة وهى الدولة الروسية والتي حاولت أن تتوسع على حساب الدول الأخرى، وكانت منطقة القوقاز هي حلبة الصراع وتنازع القوى الثلاثة، ذلك لأنها تقع في وسط الدول الثلاث.

بدأ العثمانيون في مد نفوذهم إلى بلاد القوقاز والقرم خاصة بعدما استفحل الخطر الروسي والذي أخذ يبتلع بلاد التتر المسلمين فأوقفتهم الدولة العثمانية، وعلى الناحية الأخرى استطاع الصفويون ضم معظم أجزاء القوقاز بسبب انشغال العثمانيين بالحروب في البلقان، فلما تفرغ العثمانيين للقوقاز نزعوا كثيراً مما أخذه الصفويون، خاصة وأن الصفويين كانوا روافض يجبرون سكان القوقاز على الرفض والتشيع وتمكنوا من فرضه على سكان أذربيجان، فأوقف العثمانيون المد الشيعي لهذه البلاد، ونجح العثمانيون في نشر الإسلام بين القبائل التي لم تدخل الإسلام بعد فاعتنقته قبائل الشركسى والقبرطاى والأديغة والأنجاز والأوستين والأنجوس وأصبح غالب سكان القوقاز مسلمين سنة وتركز الروافض في أذربيجان، بينما بقى معظم الأرمن على نصرانيتهم .


http://forum.adigastars.com/image.php?u=5&dateline=1189670542


الاحتلال الروسي للقوقاز

نستطيع أن نقول بمنتهى الوضوح والصراحة أن السبب الرئيسي وراء سقوط هذه البلاد الغالية في قبضة الاحتلال الروسي هو الكيد والتآمر الشيعي الخبيث الذي قامت به الدولة الصفوية الرافضية التي ظلت تحارب وتنازع الدولة العثمانية على منطقة القوقاز مما سهل على الروس التقدم واحتلال صحراء القوقاز، ثم احتلال بلاد القوقاز شيئاً فشيئا فاحتلوا أولاً داغستان المطلة على بحر قزوين ثم الشيشان ثم توالى السقوط بتوالي هزائم الدولة العثمانية أمام الروس.


عمل الروس منذ أن وطئت أقدامهم النجسة هذه البلاد الطاهرة على تغيير الهوية والصبغة الإسلامية لأهل القوقاز فنشروا المفاسد وأباحوا المحرمات وعطلوا الشريعة وبذروا الفتنة بين المسلمين واصطنعوا عملاء وجواسيس لهم في كل قرية وبلد في القوقاز، وأثاروا النعرات القبلية بين القبائل والقوميات المختلفة، ونصبوا حكاماً وأمراء من المسلمين الموالين لهم ممن يؤثرون دنياهم ومصالحهم الشخصية على حساب دينهم وعقيدتهم، ونجح الروس إلى حد ما في طمس الهوية الإسلامية للشعوب القوقازية ونشر بعض المفاسد مثل الخمر الذي انتشر بين أبناء الشعوب القوقازية هناك، واسمع لوصف داغستان من واحد من أكبر علماء البلاد وقتها وهو العلامة 'سعيد الهركانى' وهو يدعو تلاميذه للهجرة من هذه البلاد الظالم أهلها فيقول 'اعلم أن دار داغستان هو معدن الأخطار ومسكن الأشرار ومنبع المآثم والأكدار لا تقام فيها الحدود، ولا توفى فيها العهود، وأهلها عبيد العارات، ومضيعوا الصلوات، ومرتكبوا الشهوات، ليس لهم همة سوى جمع الحطام من غير تفرقة بين الحلال والحرام، وحكامهم فجار، وولاتهم أشرار وعلماؤهم ذئاب على أجسادهم ثياب، فإن أردت اللحوق بالأبرار فعليك بالنقلة عن تلك الديار' ونحن نلحظ من هذه الرسالة مدى الفساد واليأس المنتشر بين أهل البلاد تحت تأثير الاحتلال الروسي .


ثورة الأحرار

كانت روسيا تتبع مع سكان داغستان نظام الحكم شبة الذاتي، حيث تركت إدارة البلاد بعد تقسيمها لعدة إمارات بيد المسلمين الموالين لها من الأمراء الطامعين الدنيويين، والاشتراط عليهم بالحكم بقوانين وعادات الروس وليس بالشريعة الإسلامية التي هي بالطبع تقوم السلوك وتصحح الانحراف وتأبى على المتحاكمين إليها بالخضوع والذلة لأعداء الإسلام، وتولى هؤلاء الأمراء الخونة مهمة قطع وطمس هوية الشعب الداغستانى المسلم، واستمر الوضع كما هو عليه عشرات السنين حتى بدأ الأحرار من المسلمين الصادقين في الشعور بحتمية التخلص من نير الاحتلال الروسي وإنقاذ بلاد الإسلام ودينهم من جور الكفرة الذين يريدون طمسه بالكلية .


http://www.cozy-corner.com/history_ru/images/hors.gif

نستطيع أن نقول أن الذي قاد الثورة في داغستان هم العلماء والشيوخ وكان أول من قاد الثورة هو الشيخ العلامة 'محمد الكمراوي' وكان من كبار علماء داغستان وله تلاميذ كثر على رأسهم الشيخ 'شامل أفندي' بطلنا المقدام، واستطاع العلامة المجاهد 'محمد الكمراوي' أن يعد جيشاً صغيراً يقدر بثمانية آلاف مقاتل مسلم من أهل البلاد، حقق به عدة انتصارات باهرة على القوات الروسية ولكنه سرعان ما استشهد رحمه الله في معركة 'كيمرة' ضد الروس وذلك سنة 1248 هجرية وأصيب الشيخ 'شامل' إصابة شديدة ولكنه نجا، وكان العلامة 'محمد الكمراوي' شديد الحماسة والغيرة على الإسلام وفي منتهى الشدة على الخونة والمنافقين من الموالين لروسيا، وألف رسالة صغيرة بعنوان 'إقامة البرهان على ارتداد أمراء داغستان' ويعني بهم التاركين لحكم الشريعة الإسلامية، الموالين لروسيا الصليبية، وبالجملة وعلى الرغم من قصر مدة ثورة 'محمد الكمراوي' إلا أنها استمرت من بعده ولم تهدأ طيلة ثلاثين عاماً متصلة.

بعد استشهاد الإمام الغازي والشجاع الباسل 'محمد الكمراوي' في جهاده ضد الفرس، تولى القيادة بعده الشيخ 'حمزة بك علي' واستطاع أن يكسر شوكة أمراء 'أوار' الموالين للروس الخائنين للإسلام ولكن لم يمضي عليه سوى سنة ونصف حتى قتله رجل منافق اسمه 'عثمان' بدافع من الروس وذلك يوم الجمعة حين ذهابه للصلاة إلى جامع البلد الكبير، 'وهكذا يلعب دائما المنافقون أقذر الأدوار في تعطيل مسيرة النهضة والتحرر ولولا هذا الطابور الخامس المندس في صفوف أمة الإسلام ما سقط بلد مسلم قط بيد أعداء الإسلام وما حدث في أفغانستان والعراق خير دليل على دور المنافقين الخطير في هدم الأمة وتسليمها لأعدائها'.


http://www.cozy-corner.com/history_eng/images/hazary28-1.jpg


الإمام شامل

انتقلت قيادة الثورة إلى الشيخ الإمام 'شامل بن دنكاو الداغستاني' وكان هو بحق رجل الساعة وفارس الساحة والأسد الجبلي الذي لا يقوى عليه أحد من أعداء الإسلام، ولد 'شامل' سنة 1212 هجرية في قرية 'كيمرة' من مديرية 'خونزاخ' على نهر 'قويصو' وهى قرية زراعية مشهورة بالفواكه الجيدة، أخذ في حداثة سنه عن العالم المتبحر 'سعيد الهركاني' وصحب منذ صغره الشيخ المجاهد 'محمد الكمراوي' قائد الثورة الأول في رحلته العلمية وعكف معه على العلم والعبادة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى قامت الثورة المباركة وكان 'شامل' الذراع اليمنى لمحمد الكمراوي وقائد جيوشه وشريكه في الأمور حتى ليلة استشهاده، ثم اشترك مع القائد الثاني 'حمزة بك على' حتى استشهاده هو الآخر، فأجمع الناس على تولية الشيخ 'شامل' قيادة الثورة ومن يومها أصبح اسمه الإمام شامل.




دولة داغستان الإسلامية

http://www.kaukasus-kaleidoscope.com/images/pirosmani_shamil.jpg

عندما استلم الإمام 'شامل' قيادة الحركة المباركة لطرد الروس من داغستان، كان يملك رؤية شاملة ومتكاملة عن شكل المجتمع المسلم الذي سيكون عليه الناس في داغستان بعد تطهيرها من دنس الروس الكفرة، وهو ليس قائد ثورة فقط بل حمل على عاتقه جميع شئون الملة من إحياء للدين الإسلامي ونشر العلم وتطبيق الشريعة وإقامة العدل وتطهير المجتمع من الآثار المرذولة التي خلفها الاحتلال الروسي للبلاد، وجاءت خطوات الإمام 'شامل' لتحقيق هذا الهدف كالآتي:

أولاً: القضاء على المنافقين
قام الإمام شامل أولاً بتطهير المجتمع الداغستانى من العملاء والموالين للاحتلال الروسي، فحارب جميع الذين والوا الروس وشايعوهم ضد إخوانهم في الدين والوطن، وألح في جهادهم حتى طهر منطقة 'أوارستان' منهم وهاجم الحاميات الروسية الموجودة بها حتى اضطرهم للجلاء عن معظم جبال داغستان بعدما كانوا قد أقاموا حصوناً وبروجاً ضخمة بها.

ثانياً: ضم الشيشان مع داغستان
لم يكن هدف الإمام 'شامل' تحرير داغستان فقط من نير الاحتلال الروسي، بل كان يهدف لتطهير منطقة القوقاز بأسرها من الروس، واستعادة الحكم الإسلامي عليها مرة أخرى، لذلك عمل الإمام 'شامل ' على توسيع قاعدة الدولة الإسلامية، فانتقل بالثورة إلى الشيشان حيث الرجال الأشداء والأبطال الكواسر وأسود الجبال الضارية، وبالفعل هناك قوي عضده واشتد ساعده وجمع شمله وصار قوة كبيرة يخشى بأسها، وأنزلت هذه القوة العديد من الهزائم المدوية على الجيش الروسي، خاصة في معركة 'ويدانو' سنة 1251 هجرية التي قتل فيها ستة آلاف صليبي روسي وكانت فاتحة إقبال 'شامل ' وحركاته على الصعيد القوقازي.

ثالثاً: بناء الجيش النظامي
كان الإمام 'شامل' يعلم علم اليقين قوة خصمه ومدى حجم جيوشه، ويعلم أيضا أنه يهدف لغاية عظيمة تحتاج لجهد وعرق وعمل دؤوب ليل نهار، وتحتاج أيضا لترتيب وتنظيم ودراسة لكل خطواتها لذلك شرع منذ البداية في بناء جيش نظامي قوي وكبير بلغ تعداده ستين ألف مقاتل مسلم وأنشأ مصانع لإنتاج البارود والذخيرة وتصنيع المدافع، وعهد بذلك للحاج حسين يوسف الشيشاني وهو مهندس رحل إلى مصر لتعلم العلوم الشرعية والفنون الحربية والهندسة ومكث سنوات في شغل وتحصيل، ثم عمل بالحكومة المصرية وترقى في سلم الوظائف ولما سمع بثورة العلماء بقيادة 'شامل' استقال من منصبه وعاد إلى القوقاز لتولي مهمة وزير الإنتاج الحربي بالعرف الحديث.

رابعاً: نشر العلم
لقد عمد الاحتلال الروسي على تنحية الشريعة من حياة المسلمين في داغستان وبلاد القوقاز لينشأ أجيال من المسلمين لا يعرفون شيئاً عن دينهم وعقيدتهم، وليسهل نشر المفاسد والمحرمات بينهم وهذا يسهل بدوره عملية التنصير المحمومة التي كان يقوم بها الروس في بلاد القوقاز، فلما قامت الثورة المباركة بقيادة 'شامل' عمل على نشر علوم الشريعة بين أهل القوقاز، فقام 'شامل' بتقسيم جميع مناطق ولايته إلى النواحي، وعين لها نواباً، وقضاة، وعلماء ومعلمين، وقد جمع حوله العلماء الكبار في منطقة داغستان وما حولها، فبدأوا في تعليم الناس فرائض دينهم ومعاني التوحيد وأنشأوا المدارس الدينية والمساجد والزوايا لتعليم القرآن والسنة، ولقد انضم لشامل مجموعة من العلماء العاملين المجاهدين المخلصين الذين استشهد معظمهم أثناء الجهاد ضد الروس بل لا يعلم أحد منهم مات على فراشه فكلهم شهداء في ساحات الوغى أمثال العالم 'سورخاي الأوراي' و'ملا رمضان الجاري' و'بارتيخان' و'أبو بكر الجركوي' وكلهم استشهد في معركة 'أحول كوح' سنة 1253 هجرية، وبعضهم ذكرنا بالصحابة رضوان الله عليهم مثل العالم البطل 'علي بك خويصلو' الذي كان قاضياً في مدينة 'أرغن' فقد أصيب في معركة 'جرقطة' بطلقة مدفع في ساعده الأيمن فعطله عن مواصلة القتال فداس الساعد بقدمه ثم قطع باليسرى إياه وظل يقاتل حتى النصر ثم نال الشهادة في معركة أحول كوح {وهكذا يكون العلماء الربانيون الذين يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يقولون الذين جمعوا بين العلم والعمل فصاروا سنداً للأمة وقت الأزمات وقادة لها عند نزول المهمات}



الأسد في الأسر

ظل الأسد الهصور 'شامل' يدافع عن دينه وعن وطنه لا يطرأ عليه ضعف ولا يعتريه وهن ولا ملل خمساً وعشرين سنة، دوخ فيها الإمبراطورية الروسية، وكبدها خسائر بشرية ومادية ضخمة واستطاع أن يكون على الطراز الحديث المعروف بإسلامية الصبغة والانتماء جيشا قويا وبيت مال منظم ودقيق ومعامل ومصانع لزوم الجهاد والحياة، ولها الوزراء والأمراء والنواب والقضاة، ومن أعظم دلائل نجابته ومهارته أنه ألف من الأقوام الجبلية المختلفة الألسنة والطبائع جنداً منظماً قاوم به الروس الكفرة بما لديهم من إمكانيات دولة ضخمة خمس وعشرين سنة حتى اندهش له العالم بأسره، وذكر اسمه على صفحات الجرائد العالمية وندوات السياسة الدولية .

http://img178.imageshack.us/img178/1042/1ek7.png
آخر أيام الامام شامل

ولكن وعلى الرغم من نجاح 'شامل' في تحقيق هدفه إلى حد بعيد إلا أن الوهن والضعف قد دب في نفوس بعض أعوانه وقواده الذين دخلهم الضجر والملل من مواصلة القتال، أضف لذلك استغلال الروس لبعض ذوي النفوس المريضة الحاقدة الذين أكلت الغيرة قلوبهم تجاه سطوع نجم الإمام 'شامل'، ولجأ أعداء الإسلام للسلاح القديم الذي يلجئون إليه كلما فشلوا في ميادين القتال المفتوحة وهو سلاح الغدر والخيانة، وبالفعل وقعت مكيدة الخيانة ونسج الخونة خيوطهم على دولة الإسلام الوليدة في داغستان، ووقع الإمام 'شامل' في الأسر سنة 1276 هجرية، واهتزت روسيا طرباً وفرحاً بسقوط الإمام المجاهد في قبضتها، وحمل الإمام 'شامل' وأسرته إلى 'موسكو' وهناك استقبلوه بكل إعزاز واحترام لشدة هيبته ومكانته في العالم الإسلامي والدولي كله، ومكث الإمام 'شامل' مع أسرته في 'موسكو' تسع سنين، ثم سافر للحج بإذن من القيصر الروسي وبعد أن أدى مناسك الحج توفي رحمه الله ودفن بالبقيع حيث مرقد الأطهار والأشراف والأنصار سنة 1287 هجرية بعد حياة جهادية طويلة خدم فيها الإسلام وقاوم المد الكفري وأحيا العزائم من جديد وأشعل جذوة عز وكرامة بقيت متقدة في القلوب لم تطفئها الوحشية الشيوعية والقيصرية طوال مائة سنة حتى نال المسلمون استقلالهم .

وبالجملة كان الإمام 'شامل' من أعظم مجاهدي الإسلام وبطل من أكبر أبطاله حتى أنه صار قدوة ومثالاً للمسلمين المحرومين من نور الحرية في كل مكان، وجعلوه شيخ الإسلام وإمام الدين ومجدده وأثنى عليه علماء عصره وزكوه بما هو أهله مثل العلامة 'إبراهيم الباجوري' من علماء مصر والعلامة المحقق 'شهاب الدين المرجاني' من علماء الشام، وألف العلامة 'حسن الدمياطي الشافعي' من علماء مكة رسالة جيدة في سيرة الإمام 'شامل'، فرحم الله بطلاً خدم الإسلام خدمات جليلة ونساه المسلمون الآن فلم يعرفوا عن أخباره شيئاً .




يتبع البطل الرابع عشر --------------->

يونيك
29-06-2008, 07:01 PM
(البطل الرابع عشر)



السلطان مراد الأول


http://www.midadulqalam.info/midad/uploads/Image/Person/Pe_Murad_Alawwal_001.jpg


عندما قام أعداء الإسلام 'الصرب' الملقبين بخنازير أوروبا بحربهم الشعواء على المسلمين بالبوسنة ،تعجب الناس فى كل مكان حتى فى أوروبا نفسها ومن الأعداء مثلهم من بشاعة المجازر التى اقترفها هؤلاء الخنازير فى حق المسلمين، ومدى القسوة والشراسة والتنكيل الذى فعلوه بالمسلمين حيث لم يتركوا صغيراً ولا كبيراً ولا رجلاً ولا امرأة ، والصور المروعة للتمثيل بالجثث وما فعل بالمسلمين ما زال لطمة قوية على وجه أوروبا التى تدعى ليل نهار رعاية حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات ، ولما سأل الصرب عن ذلك قالوا إننا ننتقم مما أصابنا فى معركة كوسوفا على يد المسلمين ، فما هذه المعركة ؟

ومن هو بطلها الذى ظل كابوساً يقلق مضاجعهم حتى يثأروا من إخوانه بعد أكثر من ستمائة سنة .

هو البطل الذى لا يعرفه معظم المسلمين الآن وهو ما سنتحدث عنه .



السلطان مراد الأول

*كانت منطقة أسيا الصغرى أو الأناضول من البقاع الهامة والخطيرة فى نفس الوقت من العالم القديم حيث كانت تربط بين العالم الإسلامى والدولة البيزنطية العدو التقليدى والقديم للدولة الإسلامية ، وكانت منطقة الأناضول منقسمة لعدة إمارات فى أغلبها ضعيف ومتفرق ولربما متحارب مع الجيران ، وحالها أشبه ما يكون بحال دولة الطوائف بالأندلس ، فقيض الله عز وجل للأناضول الدولة العثمانية التى ستوحد هذه الإمارات المتفرقة وذلك إبتداءاً من قيام الدولة العثمانية سنة 699 هجرية .


*كان أول من قاد الدولة العثمانية هو 'عثمان بن أرطغرل' الذى حكمها من سنة 699 هجرية حتى سنة 726 هجرية ، ومن بعده 'أورخان الأول ' الذى حكمها من سنة 726 هجرية حتى سنة 761 هجرية ، وخلال هذه الفترة إهتم القائدان بتثبيت أركان الدولة الناشئة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وإدارياً لذلك كان حجم الدولة العثمانية مازال صغيراً ولم تحقق شيئا من أهدافها المعلنة وذلك لمراعاة سنة التدرج فى قيام الدول والمجتمعات القوية التى سيناط بها بعد ذلك أعظم المهام الجسام .

*استلم السلطان 'مراد الأول' قيادة الدولة العثمانية سنة 761 هجرية وحجمها ومساحتها خمسة وتسعين ألف كيلو متر مربع ولم يكن للدولة العثمانية أى قواعد بأوروبا ماعدا ميناء 'غاليبولى' ولم تكن أيه إمارة أناضولية انضمت للدولة العثمانية سوى إمارة ' قره سي' ، لذلك كان على السلطان ' مراد الأول' العمل على جهتين الأولى توحيد الأناضول الذى يعتبر ثغر الإسلام والثانية أوروبا النصرانية حيث الدولة البيزنطية والهدف المنشود الذى قامت من أجله الدولة العثمانية هو ' فتح القسطنطينية' .



الضربة الخاطفة

* من أول عام تسلم فيه ' مراد لأول ' القيادة عمل على إيجاد نقطة استراتيجية للعثمانيين بأوروبا وبالفعل استولى على مدينة ' أدرنة' البلقانية سنة 762 هجرية فى ضربة خاطفة للدولة البيزنطية لأن هذه المدينة كانت من أهم المدن بعد العاصمة القسطنطينية ، وفوراً اتخذ مراد الأول قراراً استراتيجياً فى غاية الذكاء والحكمة السياسية والعسكرية حيث جعل هذه المدينة ' أدرنة ' عاصمة للدولة العثمانية وذلك من أجل الاستفادة من موقع 'أدرنة 'الاستراتيجى ودفاعاتها الحصينة فى نقل الحرب إلى قلب الجبهة الأوروبية وظلت ' أدرنة' عاصمة الدولة العثمانية حتى فتح القسطنطينية سنة 857 هجرية.

* وكان لنقل الوجود الإسلامى إلى الجبهة الأوروبية أثر شديد ورنة كبيرة عند نصارى أوروبا ، وسرعان ما سقطت عدة مدن 'فلييه' 'كلمجينا' 'وردار'وبالتالى صارت القسطنطينية محاطة بالدولة العثمانية من كل مكان فى الجبهة الأوروبية .



السلطان مراد وتوحيد الأناضول

* كان الهدف المعلن الذى قامت من أجله الدولة العثمانية هو فتح القسطنطينية ونشر الإسلام بأوروبا ، لذلك كانت كل تحركات سلاطين هذه الدولة من أجل تحقيق هذا الهدف ، فلما اعتلى 'مراد الأول' سدة الحكم العثمانى جعل أولى مهامه توحيد الأناضول أى الجبهة الداخلية وقاعدة الإنطلاق الأولى للتمكين والظفر على أوروبا واتبع 'مراد الأول' سياسة حكيمة من أجل هذا التوحيد ، حيث عمل على مصاهرة ومعاهدة أمراء الأناضول من أجل الضم السلمى لمقاطعاتهم .

* اصطدم 'مراد الأول' بعدو لدود اسمه 'علاء الدين' وكان أمير القرمان الذى وقف سداً منيعاً أمام محاولات 'مراد التوحيدية' واستنهض هذا الأمير باقى أمراء الأناضول من أجل محاربة 'مراد الأول' فاضطر 'مراد' لئن يقاتلهم مع كراهيته لهذا القتال لكونه ضد مسلمين ولكنهم للأسف كانوا عقبة كؤوداً فى طريق التمكين والفتح الإسلامى ، وأنَا لصف متفرق ومختلف أن يتمكن أو ينتصر.

* استطاع 'مراد الأول' أن يحشد جيشاً قوياً لمنازلة أمراء الأناضول الرافضين للوحدة ، وهزم 'مراد' 'علاء الدين' ودخل مدينة أنقرة عاصمة 'القرمان' ، وعفا 'مراد الأول' عن عدوه 'علاء الدين' وحاول استمالته بأن تزوج من ابنته ليضمن أمن شره ومكره ولكن هذه المصاهرة لم تطفىء نار الحقد فى قلب علاء الدين ، فتآمر مرة أخرى مع بعض الأمراء المستقلين فى الأناضول وشنوا حرباً قوية ضد 'مراد الأول' ولكنه انتصر عليهم مرة أخرى فى معركة ' سهل قونية' ووقع 'علاء الدين' فى الأسر وعفا 'مراد الأول' عنه مرة أخرى ، وقام 'مراد' بتزويج ابنه 'يزيد' من ابنة أمير كرميان فقدم الأب مدينة 'كوتاهية'لإبنته فضمت إلى الدولة العثمانية ، ثم ألزم أمير دويلة الحميد بالتنازل عن أملاكه للدولة العثمانية .


وهكذا نرى كما استهلك 'مراد الأول' من الوقت والجهد والمال من أجل توحيد الصف المسلم ، ولو أن أمراء الأناضول كانوا على نفس المستوى الإيمانى والأخلاقى والشعور بالمسؤلية تجاه قضية دعوة الإسلام ونشرها لسارعوا بالإنضمام تحت لوائه فى حربه ضد أوروبا ، ولكن الأطماع والأهواء وحب الرياسة والدنيا دائماً ما تكون صخرة صلدة تتحطم عليها آمال وأحلام المخلصين من هذه الأمة.


http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/03/images/pic30.jpg


الفتوحات الأوروبية

*بعدما وحد 'مراد الأول' الجبهة الداخلية للمسلمين ، يمم 'مراد' وجهه إلى الجهة الأصلية حيث أوروبا والدولة البيزنطية،وبعد الضربة الخاطفة التى قام بها'مراد بالاستيلاء على مدينة 'أدرنة' البلقانية وحولها إلى عاصمة للدولة العثمانية لجعلها قاعدة الانطلاق على أوروبا،قام 'مراد' بضربات سريعة وخاطفة فى منطقة البلقان،فاستولى على مدينة 'فليبه' 'وكلجمينا' و'وردار' وكان هذا السقوط نذير خطر لدى الدولة البيزنطية التى أصبحت عاصمتها القسطنطينية محاطة بالعثمانيين من كل اتجاه .


* أدخلت هذه الضربات السريعة والخاطفة الرعب فى قلوب نصارى أوروبا فجددوا العزم على إعادة شعار الحملات الصليبية وقد توقفت منذ قرن وزيادة من الزمان،وأرسل أمراء أوروبا المجاورين للدولة العثمانية رسائل استغاثة وطلب شرعية لقتالهم ضد المسلمين من بابا روما، بل ذهب إمبراطور القسطنطينية 'يوحنا باليوج' لأبعد من ذلك حيث ذهب بنفسه إلى البابا وركع أمامه وقبل يديه ورجليه وبللهما بالدموع وطلب منه إعلان الحرب الصليبية المقدسة ضد المسلمين،هذا على الرغم من الخلاف المذهبى العميق بين الطرفين فهذا أرثوذكسى وذلك كاثوليكى،والعداوة بينهما قديمة وشديدة ولكنهما على الإسلام والمسلمين يداً واحدة،فوافق البابا على طلب إمبراطور القسطنطينية شريطة أن تخضع الكنيسة الشرقية 'الأرثوذكسية' للكنيسة الغربية 'الكاثولكية' واضطر 'يوحنا باليوج' للقبول لهذا الشرط المذل .



عاقبة التهور

*أدى إعلان البابا 'أوربان الخامس' الحرب الصليبية على المسلمين العثمانيين لاشتعال الحمية والحماس فى قلوب ملوك شرق أوروبا والمجاورين للدولة العثمانية، هذا الحماس جعل ملك 'المجر' الحاقد 'أوروك الخامس' بالاتحاد مع أمراء من الصرب والبوسنة ورومانيا،يقرر الهجوم على الدولة العثمانية دون إنتظار لما سوف يرسله البابا من إمدادات،ليكون له قصب السبق ونيل الشرف فى الانتصار على الدولة العثمانية واستغل فرصة إنشغال السلطان 'مراد الأول' فى قمع بعض الحركات الداخلية فى منطقة الأناضول وهجم بجيش يقدر بستين ألف مقاتل على مدينة 'تشيرمن' عند نهر 'مارتيزا' .

*كان قائد الحامية العثمانية فى المدينة بطلاً مشهوراً فى صفوف العثمانيين اسمه 'لالاشاهين' وكان صاحب دهاء وخبرة عسكرية كبيرة وشديد الثبات والتمرس فى قتال الأوروبيين،فاستطاع هو وجنوده البواسل ان ينزلوا بالتحالف الصليبي هزيمة ساحقة رغم الفارق الكبير بين الجيشين،وغرق أمراء الصرب عند فرارهم من المعركة فى نهر 'مارتيزا' ونجا ملك المجر الصليبى 'أوروك الخامس' بشق الأنفس،وعاد إلى بلده يجر أذيال الخيبة ويضمر نية المعاودة إذا سنحت له الأقدار .



مراد المرعب

* كان إنتصار العثمانيين على التحالف الصليبى الذى قاده ملك المجر 'أوروك' كابوساً يقلق مضاجع نصارى أوروبا عموماَ وملوك وأمراء البلقان خصوصاً،وكان الكابوس يزداد سوءاً عليهم لأن أحد قادة الجيش العثمانى هو الذى انتصر عليهم وليس السلطان مراد نفسه،مما ألقى الرعب فى قلب 'أوروك الخامس' وجعله يحجم عن أدنى مشاركة فى القتال ضد العثمانيين خشية أن يقتل هو نفسه هذه المرة.

*عندما رأى أمراء البلقان إحجام 'أوروك' عن معاودة القتال ضد المسلمين،اتفق رجلان على تولى زمام المبادرة ضد العثمانيين،وهما ملك الصرب 'لازار بليانوفيتش' وأمير البلغار 'سيسمان' وقد جمعهما الحقد والكراهية والعداوة المتجذرة ضد المسلمين عموماً والعثمانيين خصوصاً، وجمعهما أيضا الخوف من ضياع ملكهم وبلادهم .

* أعد الرجلان جيشاً كبيراً لقتال العثمانيين فى منطقة جنوب البلقان،بعد مناوشات خفيفة مع الحميات العثمانية بالبلقان أدرك الصليبيون مدى ضعفهم مقارنة بالأسود العثمانيين،فاضطروا إلى قبول الخزى والصغار ودفعوا الجزية للسلطان 'مراد الأول'، وحتى يأمن 'سيسمان' جانب العثمانيين قدم ابنته الأثيرة زوجة للسلطان 'مراد الأول'، وبالفعل تزوجها 'مراد' مما يوضح مدى الرعب الذى دخل فى قلوب نصارى أوروبا من ناحية 'مراد الأول' .

* نتيجة لتأخر الصرب والبلغار فى دفع الجزية السنوية،اندفعت الجيوش العثمانية لتأديب المتمردين وقامت بفتح بعض المدن الصربية فى جنوبى 'يوغوسلافيا' اليوم،ثم قامت بفتح مدينة 'صوفيا' سنة 784 هجرية بعد حصار دام ثلاث سنوات،ثم فتحت مدينة 'سالونيك' المقدونية وهى تقع الأن فى اليونان،وهكذا نرى الرد العثمانى القوى والرادع للخارجين والمتمردين .

* استحق السلطان 'مراد الأول' بحق لقب مرعب أوروبا وكابوسها الأول بعدما بلغت درجة الرعب من سطوة وقوة 'مراد الأول' درجة جعلت إمبراطور 'بيزنطة' 'يوحنا باليوج'يقوم بقتل ولده 'اندرونيكوس' خوفاً من بطش 'مراد الأول' ذلك لأن 'اندرونيكوس' تحالف مع بعض الخارجين على 'مراد الأول'


http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/e/e3/Edirne_Kusatma_Zonaro.jpg/320px-Edirne_Kusatma_Zonaro.jpg


بين المطرقة والسندان

* فى عز الانتصارات التى يجنى المسلمون ثمارهم على الجبهة الأوروبية، وقعت عدة حوادث خطيرة على الجبهة الداخلية للدولة العثمانية،ذلك أن الأمير 'علاء الدين القرمانى' الذى ذاق مرارة الهزيمة من 'مراد الأول' عدة مرات وكل مرة يعفو عنه ويصفح، كان مازال يقتات على أحقاده وضغاءنه ضد العثمانيين حتى امتلأ قلبه بالسواد وانعقد على التمرد والثورة مرة أخرى رغم العفو والصفح والمصاهرة من جانب 'مراد الأول'، واستغل 'علاء الدين' انشغال العثمانيين بالجهاد على الجبهة الأوروبية،وشن عدة هجمات قوية بالاشتراك مع أمراء مقاطعات 'منتشا، إيدين ،صاروخان' وحقق عدة مكاسب محدودة .

*عاد مراد الأول مسرعاً للأناضول للقضاء على هذه الفتنة الناشئة قبل أن يستفحل أمرها وتهدد الكيان العثمانى كله،وهذا من فقه الحاكم بترتيب الأولويات،ذلك لأن ترك هؤلاء المتمردين بالداخل يعصف بالدولة العثمانية وهيبتها أمام عدوها الخارجى وكلما كان الصف المسلم ملتحماً ومتماسكاً كلما كان أقوى وأجدر على منازلة عدوه الخارجى .

* استغل الصليبيون بدورهم هذه الحادثة الخطيرة وإنشغال 'مراد الأول 'بحرب الأناضول،وقرروا إعداد تحالف صليبى جديد لاسترداد ما استولى عليه العثمانيون بالبلقان،فتحالف الصرب والبلغار والبوسنيون،وأعدوا جيشاً كثيفاً،واستطاعوا تحقيق عدة مكاسب محدودة على الحامية العثمانية فى جنوب الصرب،وهكذا أصبح العثمانيون بين المطرقة والسندان .

http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/6/66/Hattin.jpg/300px-Hattin.jpg



مراد الأول بطل كوسوفا

* كان الموقف عصيباً والأحوال مضطربة، وكان لابد من إتخاذ موقف حازم وحاسم،لا يقدم على فعله إلا رجلاً من طراز بطلنا المغوار 'مراد الأول' الذى قرر وبسرعة العمل على جبهتين وفتح عدة محاور قتالية ضد اعداء الإسلام من الطرفين، ونظراً لخبرة القادة العثمانييين فى قتال الأوروبيين فلقد أرسل 'مراد' بعض قادته المغاوير لقتال التحالف الصليبى بالبلقان، واتجه هو بنفسه لقتال 'علاء الدين' ومتمردى الأناضول،ذلك لأن جنوده كانوا يكرهون قتال المسلمين بالأناضول،فكان حتماً عليه أن يقود الجيش بنفسه ليقنع جنوده بعدالة قتالهم وشرعيته ضد الخارجين والمفرقين لوحدة الصف المسلم .

* كانت الانتصارات الصغيرة التى حققها التحالف الصليبى بالبلقان دافعاً ومشجعاً لأمير البلغار 'سيسمان' لئن ينقض عهده مع المسلمين ويحاول الهجوم على حدود الدولة العثمانية نفسها،ولكنه فوجىء بما ليس له طاقة من الجيوش العثمانية الجرارة التى داهمته كالإعصار الهادر،ففر كالفأر المذعور ناحية الشمال، واعتصم بمدينة 'نيكوبلس' فى شمال بلغاريا،ولاحقته الجيوش العثمانية وضربت على المدينة حصاراً محكماً،حاول هو فكه عدة مرات ولكنه فشل وفى النهاية وقع أسيراً بيد المسلمين وكان الواجب على 'مرادالأول' أن يقتله جزاءاً لخيانته ولكنه كعادته عفا عنه بعدما أخذ نصف بلاده وضمها للدولة العثمانية .

* لم يكن عفو 'مراد الأول' عن 'سيسمان' إلا لعلمه أنه أحمق ومجرد أداة فى يد المحرض الأول والحقيقى ضد المسلمين،ونعنى به رأس الأفعى الصليبية 'لازار' ملك الصرب،وكان هذا الحاقد قد أعد جيشاً قوياً وأسرع به لنجدة 'سيسمان' المحاصر بمدينة 'نيكوبلس' ولكنه وصل متأخراً بعدما وقع 'سيسمان' أسيراً،فانسحب بجيوشه ناحية الغرب بسرعة ليدخل بلاده ويحتمى بحصونه قبلما يصل إليه العثمانيون .

* فى هذه الفترة كان 'مرادالأول' قد انتهى من حروب الأناضول وتحول مسرعاً إلى الجبهة الأوروبية واشترك فى حصار مدينة نيكوبلس ، لذلك بعدما فرغ من تأديب 'سيسمان' وتقليم أظافره أسرع بجيوشه لإدراك 'لازار' قبل دخول بلاده ، وبالفعل أدركه العثمانيون عند سهل 'قوس أوه' أو كوسوفا الآن ،ودارت حرب عنيفة بين الجيشين على غيظ وحنق من كلاهما للآخر ، وصبر المسلمون صبراً بليغاً حتى أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين وقتل الكلب الخبيث 'لازار' بسبب ما فعله من شناعات ومذابح للأسرى المسلمين وكانت هذه المعركة فى 15شعبان سنة 791هجرية.


http://www.wien-vienna.at/images/tuerken1.jpg



استشهاد مراد الأول

* بعد الانتصار الساحق الذى حققه المسلمون على الصرب الملاعين، قام السلطان مراد الأول بتفقد ساحة المعركة ليتعرف على أحوال جنوده وهكذا يكون القائد الحكيم، ويدور بنفسه بين صفوف الشهداء وهو يترحم عليهم ويدعو للجرحى بالشفاء، وفى أثناء ذلك قام جندى صربى خسيس اسمه 'مليكو فتيش' وكان قد تظاهر بالموت ليفلت من سيوف المسلمين ، وأسرع نحو السلطان متظاهراً برغبته فى الإسلام ومحادثة السلطان وتمكن الحراس من القبض عليه ، ولكن السلطان ' مراد الأول' أشار للحرس بان يطلقوه لينال ثواب إسلام الرجل على يديه ، فلما اقترب هذا الكلب الصربى من السلطان تظاهر بأنه يريد تقبيل يد السلطان وبمنتهى الغدر والخسة أخرج هذا الكافر من كمه خنجراً مسموماً وطعن به السلطان 'مراد الأول' طعنة قاتلة ،وانقض الحراس على الكلب فمزقوه بسيوفهم، ولكن ذلك لم يفد شيئاً فقد استشهد 'مراد الأول' رحمه الله فى نفس يوم المعركة 15شعبان 791هجرية وكان عمره وقتها 65عاماً .

* ومما يدل على مكانة هذا البطل العظيم وفضله وإيمانه العميق بالله عز وجل أنه قد طلب الشهادة من الله عز وجل ليلة المعركة وكأنه قد شعر قبل هذه المعركة أنها ستكون الأخيرة فى سلسلة معاركه الطويلة والتى بلغت سبعاً وثلاثين معركة كلها لأعلاء كلمة الله عز وجل ونشر دعوة التوحيد فى بلاد أوروبا لذلك تكللت كلها بالنصر والظفر ، وكان من دعائه ليلة المعركة'يا الله يا رحيم يا رب السموات يا من تتقبل الدعاء لا تخزنى يا رحمن يا رحيم ، استجب دعاء عبدك الفقير هذه المرة ، أرسل السماء علينا مدراراً وبدد سحب الظلام ، فنرى عدونا ، وما نحن سوى عبيدك المذنبين ،إنك الوهاب ونحن فقراؤك ، أفديك روحى فتقبل رجائى ولا تجعل المسلمين يبوء بهم الخذلان أمام العدو ، يا إلهى إننى أقسم بعزتك وجلالك أننى لا أبتغى من جهادى هذا الدنيا الفانية ولكننى أبتغى رضاك ، ولا شىء غير رضاك يا إلهى إننى أقسم بعزتك وجلالك أننى فى سبيلك فزودنى تشريفاً بالموت فى سبيلك.

.


يتبع البطل الخامس عشر --------------->

dammaj77
29-06-2008, 08:57 PM
حقا إن سير أولئك االعظماء الذين أعلوا منار الإسلام وعطروا التاريخ بعبق ذكرهم وجليل أعمالهم قد غدوا مصابيح يستضاء بها ويستلهم منها الرجولة الحقة والتفاني في أجل نصرة هذا الدين والإنتصار على حظوظ النفس والهوى الذي أصبح سمة أكثر الناس في هذا العصر.

وكما يقال التاريخ يعيد نفسه ، فلابد للأمة من قراءة تاريخها لتستشرف مستقبلها ولتتعلم من سير أولئك العظماء بعد أن ران على قلوبنا حب الدنيا والتهالك على أدرانها.

جزيت خيرا أخي الكريم على هذا القبسات الموفقه لألئك الرجال الذين لايعرف أقدارهم أكثر الناس اليوم علها تحيي القلوب وترفع هممنا التي أخلدت إلى الأرض بعد صرنا غثاء وعالة على الأمم الأخرى.

يونيك
30-06-2008, 10:04 AM
حقا إن سير أولئك االعظماء الذين أعلوا منار الإسلام وعطروا التاريخ بعبق ذكرهم وجليل أعمالهم قد غدوا مصابيح يستضاء بها ويستلهم منها الرجولة الحقة والتفاني في أجل نصرة هذا الدين والإنتصار على حظوظ النفس والهوى الذي أصبح سمة أكثر الناس في هذا العصر.

وكما يقال التاريخ يعيد نفسه ، فلابد للأمة من قراءة تاريخها لتستشرف مستقبلها ولتتعلم من سير أولئك العظماء بعد أن ران على قلوبنا حب الدنيا والتهالك على أدرانها.

جزيت خيرا أخي الكريم على هذا القبسات الموفقه لألئك الرجال الذين لايعرف أقدارهم أكثر الناس اليوم علها تحيي القلوب وترفع هممنا التي أخلدت إلى الأرض بعد صرنا غثاء وعالة على الأمم الأخرى.


لله درك يا أخي .... ان على هذا الجيل أن يعيش معنا في هذه القصص ... عزة المسلم في ذاك الزمن , لعل وعسى أن تنهض هذه الامة من جديد .

ولك من الجزاء بمثله ان شاء الله ... ونسأل الله العفو والعافية ... ونحن أحوج الى عفو الله وتيسيره .



اريد ان ابشرك بخبر .... جاء به أحد الأخوة من باكستان ... وقال فيه :-


أبشروا .... فقد تفكك الاتحاد السوفييتي بفضل مجاهد على خيل وبيده بندقية ...
والذي نفسي بيده لأننا نرى الآن تفكك بريطانيا وامريكا على أيادي الآف من المجاهدين .... والله ان الجهاد قد عاد وان العزة قد عادت .

الله اكبر ... الله اكبر

تابعوا قريبا على قناة الجزيرة لقاء خاص مع (؟؟؟) وستعلمون أن النصر آت بإذن الله.

يونيك
30-06-2008, 07:10 PM
(البطل الخامس عشر)



السلطان بايزيد


http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/7/77/Beyazid_I.jpg/180px-Beyazid_I.jpg


لا تزال صفحات التاريخ وأحداثه الكثيرة والمتشابهة إلى حد كبير توضح لنا طبيعة العداوة ضد الإسلام والمسلمين،وتوضح لنا أطراف معادلة الصراع الأبدى بين الحق والباطل،وأنه ليس بالضرورة أن يكون الباطل مستعلناً بالكفر،رافعاً لشعار الإلحاد والكفر،فقد يكون من جند الباطل من يتسمى بأسماء المسلمين ويتزى بزيهم ويدعى شرف الانتساب لهذا الدين القويم،وهذا النوع من الأعداء أشد خطراً وضرراً على الإسلام والمسلمين، لإنخداع الكثيرين به وبنواياه.

وأكثر الناس تجسيداً لهذا النوع هم الروافض الذين كانوا وما زالوا في الخندق المقابل للإسلام، وعداوتهم وعمالتهم جلبت على الإسلام والمسلمين الكثير من الويلات والنكبات،فلقد تخصص الروافض ومن سار على دربهم فى التحالف مع أعداء الإسلام على مر العصور فقديماً تحالفوا مع التتار وأدخلهم حاضرة الخلافة 'بغداد' لإزالة الخلافة الإسلامية،وحديثاً تحالفوا مع الشيطان الأكبر ! أمريكا وأدخلوها أفغانستان والعراق،وما بين القديم والحديث الكثير من الأخبار والحوادث التى تدل على مدى كراهية هؤلاء الروافض للمسلمين عموماً وأهل السنة خصوصاً، وبطلنا فى هذه المرة قائد عظيم كان له أعظم الآثار والفتوحات على الجبهة الأوروبية مما جعل الروافض تحترق قلوبهم ناراً على هذا البطل الشجاع ويتآمرون عليه لإزاحته عن هدفه العظيم وهو نشر الإسلام بأوروبا،مما يوضح خالص وطبيعة العلاقة المتينة بين الروافض وأى وكل عدو للإسلام على مر العصور .



صاعقة الإسلام

* كانت الدولة العثمانية منذ قيامها سنة 699 هجرية ذات طابع جهادى محض، فالهدف الذى قامت من أجله هو فتح القسطنطينية والوسيلة لبلوغ هذا الهدف ليس قطعاً بالمفاوضات وموائد السلام ! إنما بالجهاد فى سبيل الله،لذلك كان سلاطين هذه الدولة الجهادية على نفس المستوى الأخلاقى والدينى والإيمانى لهذا الهدف فكلهم محب للجهاد،عميق الإيمان،فى غاية الشجاعة والهمة والعزم الأكيد.

* وفى ظل هذا الهدف وفى أحضان تلك الخصال العظيمة وُلد بطلنا الجسور 'بايزيد' سنة 761 هجرية فهو 'بايزيد بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان' فهو السلطان الرابع للدولة العثمانية ولطيب المنبت وعراقة المحض وأصالة التربية جاء بطلنا 'بايزيد' ترجمة حقيقية لهذه الأمور فقد كان شهماً كريماً شديد التمسك بالإسلام،فى غاية الشجاعة والحماسة للجهاد فى سبيل الله غير انه أمتاز عمن سبقوه بسرعة الحركة وقوة الانقضاض على أعدائه حتى لقب بالصاعقة أو 'يلد رم' باللغة التركية،وكان مجرد ذكر اسمه 'يلدرم' يوقع الرعب فى نفوس الأوروبين عموماً وأهل القسطنطينية خصوصاً .

* تولى 'بايزيد' الحكم بعد استشهاد أبيه البطل العظيم 'مراد الأول' فى معركة 'كوسوفو' سنة 791 هجرية،وكانت هذه الولاية بداية خير وبشارة للمسلمين الذين تألموا بشدة لإغتيال بطلهم 'مراد الأول' ونذير حزن وغم شديدين على أعداء الإسلام الذين ظنوا أنهم أصابوا الإسلام فى مقتل يوم أن قتلوا 'مراد الأول' ولكنهم لا يعلموا أن المسلمين حالهم كما قال الشاعر

كلما مضى مناسيد قام آخر 00000 قؤول بما قال الكرام فعول


http://www.al-majid.net/arabic/Culture/article02_dosyalar/image006.jpg


الهدف الأول

* كانت منطقة الأناضول أو أسيا الصغرى دائماً هى منطقة الإنطلاق لأى سلطان جديد،ذلك لأن هذه المنطقة منقسمة على نفسها لعدة إمارات صغيرة يحكمها أمراء متغلبون على رقاب المسلمين فيها وقد سعى السلطان 'مراد الأول' لتوحيد الأناضول بعدة وسائل، ولم يكد ينجح فى ذلك حتى انفرط العقد مرة أخرى،ثار هؤلاء الأمراء على العثمانيين وسببوا لهم الكثير من المتاعب،وكانت ثوراتهم المتكررة سبباً لصرف جهود العثمانيين عن حرب أوروبا،مما جعل الأوروبيين يلتقطون أنفسهم ويشكلوا تحالفات صليبية متكررة لمحاربة العثمانيين .

* فى سنة 793 هجرية إستطاع 'بايزيد' أن يضم إمارات 'منتشا' و'آيدين'و'صاروخان' دون قتال بناءاً على رغبة سكان هذه الإمارات،وقد لجأ حكام هذه الإمارات إلى إمارة 'اسفنديار' كما تنازل له أمير 'القرمان' 'علاء الدين' عن جزء من أملاكه بدلاً من ضياعها كلها،وقد أشتهر 'علاء الدين' هذا بالغدر والخيانة وأخبار جرائمه أيام السلطان 'مراد الأول' مشهورة،لذلك فلم يكن مستغرباً على هذا الرجل أن يثور مرة أخرى أيام 'بايزيد' مستغلاً إنشغاله بالجهاد فى أوروبا حيث قام 'علاء الدين' بالهجوم على الحاميات العثمانية وأسر كبار قادة العثمانيين واسترد بعض الأراضى،فعاد 'بايزيد' بسرعته المعهودة وانقض كالصاعقة على 'علاء الدين' وفرق شمله وضم إمارة 'القرمان' كلها للدولة العثمانية وتبعتها إمارة 'سيواس' و'توقات' ثم شق 'بايزيد' طريقه إلى إمارة 'اسفنديار' التى تحولت لملجأ للأمراء الفارين،وطلب 'بايزيد' من أمير 'اسفنديار' تسليم هؤلاء الثوار فأبى فانقض عليه 'بايزيد' وضم بلاده إليه،والتجأ الأمير ومن معه إلى طاغية العصر 'تيمورلنك'وسيكون لذلك أثر شديد فيما بعد .


http://www.islamonline.net/arabic/news/2001-05/02/images/pic6.jpg



الصاعقة تضرب أوروبا

* بعدما فرغ 'بايزيد' من ترتيب الشأن الداخلى والقضاء على ثورات الأناضول،اتجه إلى ناحية أوروبا وبدأ أولى خطواته الجهادية هناك بإقامة حلف ودى مع 'الصرب' وربما يستغرب القارىء من هذه المحالفة ذلك لأن الصرب كانوا من اشد الناس عداوة للمسلمين وحتى الآن كذلك،ولأنهم كانوا السبب فى قيام تحالف بلقانى صليبى ضد المسلمين،بل إن السلطان 'مراد الأول' والد 'بايزيد' قد قتل فى حربه ضدهم، وكل هذه الأسباب كافية لمنع التحالف معهم، ولكن 'بايزيد' الصاعقة كان له وجهة نظر ذكية،وهى أن الحلف مع الصرب يجعلهم بمنزلة الحاجز القوى بين الدولة العثمانية وإمبراطورية المجر التى كانت وقتها أقوى الممالك الأوروبية وتلعب بحامية الصليب،وكانت علائق المجر والصرب متوترة،فاستغل بايزيد ذلك للتفرغ إلى الغرب والوسط الأوروبى وفتح القسطنطينية وهذا من فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد الذى يحتاجه الحاكم المسلم على الدوام،ولا يفهم من هذا الفقه إباحة ما حرمه الله عز وجل أو الإخلال بعقيدة الولاء والبراء، إنما هو من جنس المعاهدات المؤقتة التى تخدم هدفاً معيناً لفترة معينة،أى أنها لا تبطل شريعة الجهاد فى سبيل الله أبداً وهى تشبه جنس معاهدة الحديبية وغيرها .

* كان 'بايزيد' يهدف من محالفته للصرب غاية هامة إلا وهى التفرغ للوسط الأوروبى والقسطنطينية لذلك فقد قام بتوجيه ضربة خاطفة إلى 'بلغاريا' وفتحها سنة 797 هجرية وأصبحت 'بلغاريا' من وقتها إمارة تابعة للدولة العثمانية،مما جعل أوروبا ترتجف رعباً تحت الصاعقة الإسلامية التى فتحت البلاد الواحدة تلو الأخرى .



أيام العزة

* بلغت عزة المسلمين أيام السلطان 'بايزيد' مبلغاً عظيماً ذكرت الناس بأيام الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على دربهم من سلف الأمة والقادة العظام،وبلغت هذه العزة والعظمة مبلغها عندما فرض 'بايزيد' الصاعقة على إمبراطور بيزنطة 'مانويل' عدة شروط منها :-

1. إنشاء محكمة إسلامية وتعيين قضاه مسلمين بها للفصل فى شئون الرعية المسلمة بها .
2. بناء مسجد كبير بها والدعاء فيه للخليفة العباسى بمصر ثم السلطان 'بايزيد' وذلك يوم الجمعة .
3. تخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية المسلمة بها .
4. التنازل عن نصف حى 'غلطة' لوضع حامية عثمانية،قوامها ستة ألاف جندى .
5. زيادة الجزية المفروضة على الدولة البيزنطية .
6. فرض رسوم جديدة على مزارع الكروم والخضروات الواقعة خارج المدينة .

والناظر لهذه الشروط يجدها فى غاية الذلة والهانة لامبراطور بيزنطة 'مانويل' ولكن لعلمه بضعف موقفه وقوة المسلمين قبل هذه الشروط،ودوت تكبيرات الآذان فى جنبات القسطنطينية .


http://www.al-majid.net/arabic/Culture/article02_dosyalar/image004.jpg


التحالف الصليبى ومعركة نيكوبولس

* كان سقوط بلغاريا وقبول 'مانويل' للشروط السابقة بمثابة جرس الإنذار القوى لكل الأوروبيين خاصة ملك المجر 'سيجسموند' والبابا 'بونيفاس' التاسع،فاتفق عزم الرجلين على تكوين حلف صليبى جديد لمواجهة الصواعق العثمانية المرسلة،واجتهد 'سيجسموند' فى تضخيم حجم هذا الحلف وتدويله،باشتراك أكبر قدر ممكن من الجنسيات المختلفة،وبالفعل جاء الحلف ضخماً يضم مائة وعشرين ألف مقاتل من مختلف الجنسيات 'ألمانيا وفرنسا وانجلترا وإسكتلندا وسويسرا وإيطاليا ويقود الحلف 'سيجسموند' ملك المجر.

* تحركت الحملة الصليبية الجرارة سنة 800 هجرية،ولكن بوادر الوهن والفشل قد ظهرت على الحملة مبكراً،ذلك لأن 'سيجسموند' قائد الحملة كان مغروراً أحمقاً لا يستمع لنصيحة أحد من باقى قواد الحملة وحدث خلاف شديد على استراتيجية القتال،'فسيجسموند' يؤثر الانتظار حتى تأتى القوات العثمانية،وباقى القواد يرون المبادرة بالهجوم،وبالفعل لم يستمعوا لرأى 'سيجسموند' وانحدروا مع نهر الدانوب حتى وصلوا إلى مدينة 'نيكوبولس' فى شمال البلقان .

* لم يكد الصليبيون يدخلون المدينة حتى ظهر 'بايزيد' الصاعقة ومعه مائة ألف مقاتل كأنما الأرض قد انشقت عنهم،وكان ظهوره كفيلاً بإدخال الرعب والهول فى قلوب الصليبيين فوقعت عليهم هزيمة مدوية حتى أن 'سيجسموند' الذى وقف قبل المعركة يقول فى تيه وغرور { لو انقضت علينا السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا } يهرب مثل الفأر الذعور ويلقى بنفسه فى مركب صغير ويترك خلفه حملته الفاشلة تذوق ويلات هزيمة مروعة .


http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/e/ee/Sueleymanname_nahcevan.jpg/180px-Sueleymanname_nahcevan.jpg


كلمات من ذهب

* أسفرت معركة نيكوبولس عن نصر عظيم للمسلمين كان له أعظم الأثر فى العالم الإسلامى بأسره،ووقعت بشارة الفتح فى كل مكان مسلم،وارسل 'بايزيد' إلى كبار حكام العالم الإسلامى يبشرهم بالفتح وبالعديد من أسرى النصارى كهدايا وسبايا لهؤلاء الحكام باعتبارهم دليلاً مادياً على روعة النصر وأرسل 'بايزيد' إلى الخليفة العباسى بالقاهرة يطلب منه الإقرار على لقب 'سلطان الروم' الذى اتخذه 'بايزيد' دليلاً على مواصلة الجهاد ضد أوروبا حتى يفتحها كلها،ووافق الخليفة على ذلك،وانساح كثير من المسلمين إلى بلاد الأناضول حيث الدولة العثمانية القوية المظفرة .

* وقد وقع فى أسر 'بايزيد' فى هذه المعركة الكثير من القادة والأمراء النصارى من بينهم الكونت 'دى نيفر' الذى أقسم بأغلظ الأيمان ألا يعود لمحاربة العثمانيين فإذا بالقائد المسلم المعتز بدينه،العارف بقدر هدفه وسبب وجوده يقول له بكلمات من ذهب { إنى أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين فأنت فى حل من الرجوع إلى محاربتى،إذ لا شىء أحب إلى من محاربة جميع مسيحى أوروبا والانتصار عليهم } ثم قال كلمته الشهيرة التى أفزعت كل نصارى أوروبا بل العالم بأسره،قال { سأفتح إيطاليا إن شاء الله،وسأطعم حصانى هذا الشعير فى مذبح القديس بطرس بروما } اى أن عزمه وهدفه لن يتوقف عند القسطنطينية فقط فأين المسلمون الآن من هذه العزة والعزيمة ؟

* بعد معركة 'نيكوبولس' الكبيرة،والانتصار الرائع الذى حققه 'بايزيد' على التحالف الصليبى ثبت العثمانيون أقدامهم فى منطقة البلقان،وخضعت الشعوب السلاقية للسلطة الإسلامية،ودخلت البوسنة وبلغاريا فى حدود الدولة العثمانية،وقام السلطان 'بايزيد' بمعاقبة حكام شبه جزيرة المورة 'اليونان الآن' الذين قدموا مساعدة عسكرية للتحالف الصليبى،وبث 'بايزيد' السرايا العثمانية فى وسط أوروبا لملاحقة فلول الصليبيين ومنعهم من التجمع مرة أخرى .

* وبعد هذه الاجراءات الحربية التى مهدت السبيل للهدف الأول والأسمى لدى الدولة العثمانية يمم 'بايزيد' وجهه إلى القسطنطينية،وكان إمبراطورها 'مانويل' قد ساعد الحملة الصليبية ضد المسلمين،فقرر 'بايزيد' محاصرة المدينة وعدم الانصراف عنها حتى يفتحها،وبالفعل نزل بساحتها وضرب عليها حصاراً مرهقاً محكماً وضغط عليها بكل قوة حتى أشرفت المدينة على السقوط، ولكن تحدث مفاجأة لم تكن فى الحسبان جعلت 'بايزيد' يفك الحصار ويعود مسرعاً إلى الأناضول، ولكن لماذا ؟



تيمور لنك الرافضى


http://tbn0.google.com/images?q=tbn:O9wNI7cpOfu5LM:http://bp2.blogger.com/_kAYZT4UUxIQ/R_ax0uksqLI/AAAAAAAAA0g/KrsbYyggi0s/s400/god-timur.jpg

* كان القرن الثامن الهجرى إيذاناً بظهور قوة إسلامية جديدة فى عدة مناطق مختلفة من العالم حيث ظهرت الدولة العثمانية فى آسيا الصغرى،ودولة المماليك فى مصر والشام والحجاز وقوة التتار المسلمين فى بلاد ما وراء النهر،وكانت القوة الأخيرة يقودها رجل ينتمى للإسلام فقط بالاسم وهو الطاغية المجرم 'تيمور لنك' الذى ذكر الناس بمجازر ومذابح المغول عندما اكتسحوا العالم الإسلامى فى أوائل القرن السابع الهجرى، فقد نشأ 'تيمور لنك'على المذهب الرافضى،وتشرب منذ صغره على كراهية أهل السنة،فجاءت كل حروبه وغزواته الشريرة ضد المسلمين ولم يذق ويلاته سواهم وما فتت جيوشه سوى بلادهم،وصار إلعوبة فى يد أعداء الإسلام يوجهونه لقتال المسلمين أينما شاءوا ووقت ما شاءوا،وقد استطاع 'تيمورلنك' أن يوسع أملاكه حتى شملت المنطقة الشاسعة من 'دلهى' بالهند حتى دمشق بالشام ومن بحر أرال فى الشمال حتى الخليج العربى بالجنوب،ودمر عدة ممالك إسلامية قوية وظاهرة مثل مملكة دلهى المسلمة ومملكة مغول الشمال الإسلامية ومملكة مغول العراق،وتقمص شخصية سلفه 'جنكيزخان' فى الرغبة الجامحة فى سفك الدماء والسيطرة على العالم،وذلك كله تحت شعار رافضى معروف وهو استعادة حق آل البيت المغصوب !


* كان من الطبيعى جداً لرجل بمثل هذه الخصال والعقائد الضالة والحنق الشديد على المسلمين أن يفتعل صداماً مع الدولة العثمانية القوية،فلقد أكلت الغيرة قلبه من سطوع نجم 'بايزيد' بعد معركة 'نيكوبولس' وحصار القسطنطينية ،واغتاظ من ثناء الناس على العثمانيين فى كل مكان وكانت الذرائع التى تذرع بها 'تيمورلنك' فى جملتها واهية لا ترقى لحجم الدمار والمأساة التى سيسببها للإسلام والمسلمين .

http://www.lookandlearn.com/images/illustrations/A001398.jpg



مقتل بايزيد وانهيار الدولة العثمانية

* كان 'بايزيد' كما قلنا من قبل رجلاً شديد الحماسة والشجاعة،سريع الحركة والانقضاض فى ميادين القتال،يتحرك فى معاركه الحربية على عدة محاور وفى مختلف الاتجاهات بنفس السرعة والحماسة،وهى خصال حميدة جميلة ولكنها قد تقود فى بعض الأحيان للعجلة والتسرع ومن ثم الهزيمة،فلقد دخلت جيوشه فى معارك كثيرة وتحركت فى جهات مختلفة وبصورة شبه مستمرة مما أورث جنوده التعب والضجر والشوق للأهل والوطن،وهذا ما لم يعلمه 'بايزيد' ويقدره عندما استدرجه الطاغية المجرم 'تيمورلنك' للصدام عند سهل أنقره .

* تقدم تيمورلنك بجيوشه التى يقدر عددها بثمانمائة ألف مقاتل واحتل 'سيواس' وأباد حاميتها التى كان يقودها 'أرطغرل بن بايزيد' وقتله شر قتلة،ففك 'بايزيد' حصاره على القسطنطينية وعاد بمنتهى السرعة بجيشه المتعب من طول الحصار وكان يقدر بمائة وعشرين ألف مقاتل أغلبهم منهكين من مواصلة القتال ثم الحصار،وكانت سرعة 'بايزيد' هذه المرة نقمة عليه فلم يحسن إختيار المكان ولا الإعداد للقاء جيش جرار مهول مثل جيش تيمورلنك،ثم جاءت الطامة بفرار الجنود التتار الذين كانوا مع جيش 'بايزيد' وجنود الإمارات الأناضولية المفتوحة حديثاً وانضمامهم لجيش تيمورلنك الذى كان يضم أمراء هذه الإمارات والذين قد سبق وأن فروا إلى تيمورلنك عند سقوط هذه الإمارات،فوقعت الهزيمة على 'بايزيد' ووقع هو فى الأسر .

* لقد كان تيمورلنك من أخبث الناس وأشرهم فقد عمد على إذلال 'بايزيد' وهو أسير حتى قيل أنه وضعه فى قفص وطاف به البلاد وبعض المؤرخين يكذب هذه الرواية وأن كانت غير مستغربة على هذا الرجل الطاغية الذى أعتاد أن يذل أسراه وأخباره مشهورة فى ذلك،وكان لوقوع بايزيد فى الأسر أثر شديد على نفسية هذا البطل الشجاع المملؤ بالحماسة والحساسية الإيمانية، فقتله الهم والحزن على ما صار إليه وعلى ما أصاب الدولة العثمانية من التفكك مرة أخرى،وصار يذبل شيئاً فشيئاً حتى مات رحمه الله فى أسره سنة 805 هجرية وفرح لموته كل نصارى أوروبا وكل عدو للإسلام فى العالم .




انتهى بحمد الله

منقول من مفكرة الإسلام - الصور جهد شخصي .

كروشيه
01-07-2008, 09:33 PM
جعله الله في موازين حسناتك ان شاء الله

بواسطة
01-07-2008, 11:25 PM
http://www4.0zz0.com/2008/07/01/20/840715757.jpg (http://www.0zz0.com)

انشاء الله

يونيك
02-07-2008, 10:43 AM
جعله الله في موازين حسناتك ان شاء الله



وفي موازينكم ان شاء الله .


ممتن

anything99
02-07-2008, 11:40 AM
حاولت قرأءة الموضوع والذي اعتقدت انه يحوي فائدة كبيرة في المحتوى .. ولكن لا اعلم أين تكمن المشكلة .. الموضوع طويل .. لا اعرف ترابط الشخصيات مع بعض .. طريقة طرح الموضوع ..
ويمكن السبب الاساسي .. انني احب التاريخ واحب فهمه لكن شكل المقال يذكرني بمادة التاريخ والتي كانت ثقيلة على قلبي وكنت استصعبها .. نفس الصور والكتابة .. فما هي نصيحتك لقراءة الموضوع وتحصيل الفوائد والحقائق التاريخية؟ وهل قمت بتلخيص الموضوع ام تم نقله من مواقع مختلفة .. جزاك الله خير وجعله في موازين اعمالك ..

يونيك
03-07-2008, 08:59 AM
http://www4.0zz0.com/2008/07/01/20/840715757.jpg (http://www.0zz0.com)

ان شاء الله


ان شاء الله :)


ممتن

يونيك
03-07-2008, 06:18 PM
حاولت قرأءة الموضوع والذي اعتقدت انه يحوي فائدة كبيرة في المحتوى .. ولكن لا اعلم أين تكمن المشكلة .. الموضوع طويل .. لا اعرف ترابط الشخصيات مع بعض .. طريقة طرح الموضوع ..
ويمكن السبب الاساسي .. انني احب التاريخ واحب فهمه لكن شكل المقال يذكرني بمادة التاريخ والتي كانت ثقيلة على قلبي وكنت استصعبها .. نفس الصور والكتابة .. فما هي نصيحتك لقراءة الموضوع وتحصيل الفوائد والحقائق التاريخية؟ وهل قمت بتلخيص الموضوع ام تم نقله من مواقع مختلفة .. جزاك الله خير وجعله في موازين اعمالك ..


شكرا للمتابعة


15 بطل ..... لا ترابط مباشر بينهم .... كل بطل له قصة منفصلة ليست بذاك الطول .


نصيحتي لك أن تقرأ في كل يوم بطل واحد فقط .


والقصص مختصرة كما هي عند نقلها من موقع مفكرة الاسلام .



الرجاء إضغط على الاسم ادناه وسينقلك الى الموقع الرئيس .
أبطال سقطوا من الذاكره - من موقع مفكرة الاسلام (http://www.islammemo.cc/search.aspx?aaa=%D8%A3%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%84+%D8 %B3%D9%82%D8%B7%D9%88%D8%A7+%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9 %84%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9)