المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضائح بنكية كبيرة تهز الجزائر·· والخسائر تفوق 2,8 مليار دولار



مغروور قطر
12-11-2005, 05:31 AM
فضائح بنكية كبيرة تهز الجزائر·· والخسائر تفوق 2,8 مليار دولار


الجزائر - حسين محمد:
أثارت فضيحة اختلاس 30 مليار دينار جزائري (405 ملايين دولار) من ''البنك الوطني الجزائري'' منذ أيام قليلة، ضجة كبرى في الجزائر، وغدت الفضيحة على كل لسان وهزت الحكومة الجزائرية التي أذهلتها الصدمة خصوصا وأن بعض المتهمين تمكن من الفرار إلى لندن، وترك نواب البرلمان الجزائري مناقشة قانون المالية 2006 وانهالوا بالنقد على وزير المالية مراد مدلسي، وقالوا إن طبيعة المنظومة البنكية الجزائرية تساعد على الاختلاس ونهب المال العام في ظل ضعف آليات الرقابة، ودعوا إلى الاسراع بعملية الإصلاح المصرفي لإيقاف النزيف المالي المتواصل الذي تتعرض له البنوك الجزائرية منذ أزيد من عشرية·
ورد وزير المالية الجزائري مراد مدلسي بأن اللجنة التي تم تعيينها مؤخرا من قبل دائرته الوزارية للتحقيق في الفضيحة، بلغت مرحلة متقدمة من العمل وستعرض نتائج التحقيق الأولي قريبا، وقال مدلسي وهو تحت وقع الصدمة من ثالث فضيحة تضرب النظام المالي الجزائري خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إن التحقيق سيقدم معطيات جديدة ستساهم في كشف المتورطين في عملية الاختلاس التي مست فروع البنك الوطني الجزائري، منذ سنة 2002 ، بكل من ''بوزريعة'' و''عين بنيان'' بالجزائر العاصمة و''القليعة'' و''شرشال'' الواقعتين غرب الجزائر·
وأكد وزير المالية إيداع 10 أشخاص متهمين في القضية رهن الاعتقال الاحتياطي على ذمة التحقيق بأمر من قاضي التحقيق لمحكمة سيدي أمحمد بالعاصمة الجزائر، كما تم أيضا وضع ستة مديري بنوكٍ عمومية تحت الرقابة القضائية بحسب محاميه· ومن بين من وضعوا تحت الرقابة القضائية المدير العام السابق لـ ''البنك الوطني الجزائري'' مراد شيخي، بينما تمكن مدير فرع البنك بـ ''بوزريعة'' بالعاصمة، من الفرار إلى العاصمة البريطانية لندن بمعية أفراد عائلته·
وأستغل المتهم الرئيسي الذي هو مدير فرع البنك بـ ''بوزريعة'' فترة العلاج التي استفاد منها بالعاصمة الفرنسية، قبل أن يتبين أن الهدف من التنقل على فرنسا ليس العلاج بقدر ماهو حيلة لتحضير الفرار إلى بريطانيا التي تحولت إلى جنة للفارين من العدالة الجزائرية لاسيما عناصر المافيا المالية التي استغلت عدم وجود اتفاق تعاون قضائي بين الجزائر ولندن يتم بموجبه تسليم المطلوبين للعدالة·
وكشف مصدر مالي رفيع لـ ''الاتحاد'' أن الجزائر قبلت من حيث المبدأ وتحت ضغط دولي قوي من العواصم الكبرى، إشراك محققين دوليين في التحقيقات الأولية حول القضية بعد أن أغرقت الفضائح المتلاحقة النظام المالي الأوروبي والأميركي بأموال ضخمة مجهولة المصدر قد تستعمل في تمويل الإرهاب·
وقال الخبير المالي الجزائري عبد الرحمن بن خالفة الأمين العام لجمعية البنوك والمؤسسات المالية إنه لا يعارض من حيث المبدأ قدوم محققين دوليين كون المهم في القضية هو المساعدة المقدمة من قبل الخبير المحقق، وطنياً كان أم أجنبيا، مضيفا أن ذلك لا يتعارض مع السيادة في شيئ خاصة بعد توقيع الجزائر على العديد من الاتفاقات الدولية التي تحارب بموجبها عمليات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب·
ورفض وزير المالية الجزائري مراد مدلسي إعطاء المزيد من التفاصيل حول الفضيحة التي حاولت الحكومة التستر عليها ومنع تسربها إلى الرأي العام لولا الرسالة المجهولة المصدر التي بعث بها شخص يعمل بالبنك يقول فيها إنه ''فاعل خير'' حيث أصر على إطلاع الرأي العام الجزائري والدولي على النزيف المبرمج للأموال الجزائرية·
وأرجع متتبعون للشأن المالي الجزائري صمت الحكومة إلى عجزها على صد الضربات التي تلقتها من المافيا المالية المحلية خلال الأعوام الأخيرة حيث قدرت مصادر مصرفية رسمية الخسائر الناجمة عن أهم الفضائح المالية منذ 1995 في الجزائر بحوالي 2,8 مليار دولار وهو المبلغ الذي يشمل أهم القضايا التي ضربت في العمق الساحة المالية الجزائرية ومن أهم القضايا فضيحة القرن المعروفة بقضية ''بنك الخليفة'' الذي سبب لوحده خسائر في حدود 87 مليار دينار أي ما يعادل 1,2 مليار دولار وتبعته فضيحة ''البنك الصناعي والتجاري الجزائري'' الذي سبب خسائر في حدود 800 مليون دولار باعتراف محامي البنك·
واستنادا للأرقام الرسمية دائما والخاصة بأهم الفضائح المالية وباعتراف رئيس الحكومة الجزائري أحمد أويحي فإن الخسائر الناجمة عن هذه القضايا تصل إلى 2,8 مليار دولار أو أكثر؛ فبالإضافة إلى 2 مليار دولارٍ التي تسببت فيها قضيتا ''الخليفة'' و''البنك الصناعي والتجاري الجزائري''، فإن هناك أيضا ما يُعرف بقضية '' بنك الفلاحة والتنمية الريفية'' بدائرة ''بئر العاتر'' ولاية تبسة على الحدود الجزائرية التونسية التي بلغت قيمة خسائر الخزينة العمومية فيها 328,2 مليون دولار، وهي قضية مرتبطة بتهريب أموال إلى الخارج وتبييض أموال الجماعات الإرهابية المسلحة، لتأتي أخيرا وليس أخرا فضيحة ''البنك الوطني الجزائري'' المقدرة ب 405 ملايين دولار·
وتتقاطع هذه الأرقام مع معطيات بنك الجزائر الذي يعترف بتسجيل 3497 مخالفة مصرفية وبنكية وإيداع 33 شكوى نهاية 2003 وحوالي الضعف سنة 2004 ، ولكن الملفت للانتباه أن القضايا التي حُولت إلى العدالة تستغرق معالجتها وطي ملفها مُددًا تتراوح بين 3 سنوات و15 سنة، مما يؤدي على خسائر كبيرة أو اللجوء على حل بعض القضايا عن طريق التراضي والذي هو في نفس الوقت اعتراف من البنوك بالضعف ·أما القضايا الكبرى فان طول المدد سيدخلها تحت طائلة التقادم لاسيما أن عمليات الاختلاس المسجلة والتي عادة ما تشير إليها ''المفتشية العامة للمالية'' ومفتشو بنك الجزائر وكذا الفرق الاقتصادية للأمن ، تبقى دون عقاب وهو الوضع الذي يتمتع به عبد المؤمن خليفة صاحب مجموعة ''الخليفة'' المنهارة والذي يتمتع بحياة رغيدة في العاصمة البريطانية في ظل عجز السلطات الجزائرية عن إقناع لندن بتسليمه ومحاكمته على ما سماه أويحيى ''أكبر احتيال مالي في القرن بالجزائر''·
وفي العادة يستفيد أصحاب الاختلاسات الكبيرة من ضعف آليات الرقابة الداخلية على مستوى البنوك الجزائرية وانعدامها في بعض البنوك، وكذا استعمال تقنيات بدائية في مجال التحويل بين الحسابات أو ضعف التنسيق بين مختلف المصالح ومنها الجمارك بخصوص عمليات التجارة الخارجية التي يصاحبها تهريب مقنع للأموال من خلال عمليات تجارية وهمية وتزوير وثائق جمركية·
وكشف ''المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي'' في تقرير له حول ''السياسة النقدية في الجزائر'' أعده كبار خبراء المجلس في شكل مسح تشريحي للسياسة النقدية منذ الاستقلال أن فشل سياسة ''بنك الجزائر'' بتحقيق نتائج ميدانية في مجال الإصلاحات، هو السبب الرئيس وراء هذه السلسة من الكوارث مما أضر كثيرا بمصداقية البلاد حيال المتعاملين الاقتصاديين الوطنيين والأجانب العامليين في الجزائر ·
وأشار تقرير المجلس إلى أن الاختلاسات المتكررة هي واحدة من المخاطر التي يمكن أن تسببها السيولة المفرطة التي تعيشها المنظومة المصرفية منذ 2001 نتيجة عدم توظيفها توظيفا سليما لدعم الاستثمار المنتج، قبل أن يضيف إنها سيولة غير معهودة إلى درجة مقلقة جدا، وقال خبراء المجلس إن هذه السيولة مرشحة للاستمرار خلال السنوات القليلة القادمة على الأقل·
ونتجت السيولة المذكورة بالدرجة الأولى عن تطور أسعار المحروقات في السوق الدولية وعدم سحب السيولة الفائضة وانعدام إعادة الخصم، مما أدى إلى اتساع عمل المنظومة المصرفية في الجزائر خارج نطاق البنك المركزي وهو ما يتطلب اللجوء السريع لإقامة سوق مالية حقيقية للمساهمة في استعمال هذه الموارد من قبل الدولة والمتعاملين الاقتصاديين العموميين والخواص من خلال تطوير طرح الأوراق المالية على المديين القصير والمتوسط لإضفاء أهمية على السوق النقدية وكذا لزيادة رقابة الدولة والحد من عمليات الفساد المالي الذي أصبحت رائحته تزكم الأنوف·
وكشف التقرير الذي حصلت ''الاتحاد'' على نسخة منه أن هذه السيولة بلغت حوالي 1000 مليار دينار (16 مليار دولار) ولم تستعمل في المنظومة المصرفية وهو وضع خطير للغاية يبين مدى سلبية تعامل البنوك التجارية في الجزائر، مما يستدعي مسارعة الحكومة الجزائرية إلى وقف التدهور المستمر من سنة إلى أخرى في إطار المسارعة بتنفيذ برنامج إصلاحات مالية·
وقال التقرير إن البنوك العمومية الجزائرية تتملص من تحمل مسؤولياتها في تمويل الاقتصاد الوطني رافضة المخاطرة أساسا ومفضلة اللجوء إلى أسهل الحلول المضمونة العواقب مثل استغلال الرساميل المتولدة عن التوظيفات على المدى القصير على حساب الاستثمارات على المدى المتوسط والطويل، في حين أن هذه البنوك وفي مقدمتها ''بنك الجزائر'' و''بنك الفلاحة والتنمية الريفية'' وقعت عدة مرات في المحظور من خلال تمويلات لا يرخصها القانون مثل تجاوز سقف الإقراض·
بالإضافة إلى أن هذه البنوك لا تتوفر على نظام إخطار ومراقبة قوي، مما أدى إلى تسجيل عمليات إفلاس وتسيير سيئ اثر سلبا على المهنة ومصداقية البنوك فعلى سبيل المثال حصلت شركة طيران ''الخليفة ''المنهارة على قرض من بنك الجزائر بقيمة 60 مليار دينار جزائري،أي مايعادل 810 ملايين دولار، لم يسدد منه أي دينار على الرغم من أن هذا المبلغ الضخم يشكل نسبة 60 بالمئة من الأصول الذاتية للبنك وهو ما يتجاوز السقف المرخص به والذي يجب أن لا يتجاوز 25 بالمائة من رأس مال البنك·
ومما سبق يمكن القول إن المنظومة البنكية الجزائرية بحاجة ماسة إلى إصلاح جذري وعميق يضع حدا للأنماط البالية في التسيير ويقودها نحو العصرنة ويحجم آفة الاختلاسات التي تجاوزت كل الحدود المعقولة· وقد صرح وزير المالية السابق ابن أشنهو، منذ نحو عامين، بأن ''البنوك الجزائرية تشكل خطرا على أمن البلد'' وهو التصريح الذي لم تُفهم كل معانيه ودلالاته آنذاك، ويبدو أن فضيحة '' البنك الوطني الجزائري'' الأخيرة ستدفع كل الذين اتهموا الوزير السابق بالمبالغة والتهويل، إلى مراجعة أنفسهم·