المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : د. محمود المبارك : فاشية العدالة الغربية!



عبدالله العذبة
13-08-2008, 02:03 PM
فاشية العدالة الغربية!

ربما استنهض خبرُ استقالة أولمرت عدداً من الكتاب العرب المهزومين من الداخل للإشادة من جديد بـ «عدالة الغرب»، حيث لا تقف العدالة في الغرب بحسب هؤلاء، عند باب زعيم أو كبير، وهاهو أولمرت يحاسب كما لو كان غفيراً صغيراً خالف قوانين البلاد، تماماً كما تمت محاكمة عدد من المسؤولين في عالم الغرب قبله، حيث إن الأساس الاجتماعي الذي بنيت عليه المؤسسات الغربية هو أن القانون فوق الجميع، وأنه ليس من أحد موقعه فوق القانون.


ولكن واقع الأمر هو أن العدالة المزعومة في الغرب بصفة العموم هي عدالة فاشية بامتياز!

ذلك أن الغرب خلق لنفسه نوعين من التعامل العدلي: فأما النوع الأول فهو تعامل الغرب مع نفسه، وهنا تتجلى العدالة المزعومة عند الغربيين، إذ لا أحد فوق القانون مهما علت مرتبته.

وأما النوع الآخر فهو تعامل الغرب مع غيره، وهنا تبدو صورة مختلفة عن الأولى في التعامل العدلي، وليس هذا خاصاً في التعامل القانوني الدولي بين الدول فحسب، بل يشمل حتى التعامل مع الأفراد، من المقيمين من غير الغربيين في الدول الغربية.

ولعله من نافلة القول إن قوانين الإرهاب التي شرعتها كثير من الدول الغربية لم تطاول سوى المسلمين في بلدانهم، وقد نالت تلك القوانين انتقادات عدة من جمعيات حقوق الإنسان، كونها تعبر عن تفرقة عنصرية ضد الشعوب المسلمة على وجه الخصوص.
ومن غير الحاجة إلى الخوض في الماضي السحيق، لدي من أحداث هذا الأسبوع وحده ما يكفي للاستدلال على هذه الفاشية العدلية في أنحاء متفرقة من عالم الغرب.

وبدءاً بإسرائيل حيث يتغنى بعض بسطاء التفكير بعدالتها، فقد أصدر الجيش الإسرائيلي قبل أيام، حكمه على جندي إسرائيلي كان قد أطلق الرصاص المطاطي الشهر الماضي، على شاب فلسطيني مكبل اليدين ومعصوب العينين على مرأىً من رئيسه قائد وحدة المدرعات.

وعلى رغم أن إطلاق الرصاص على معصوب العينين ومكبل اليدين، يعد في جميع الأعراف الإنسانية أمراً وحشياً همجياً بربرياً، إلا أنه في العرف الإسرائيلي قد لا يكون كذلك إذا كان المستهدف غير إسرائيلي.

فقد قرر الجيش الإسرائيلي استبعاد الضابط المسؤول، في أفضل عقاب يمكن أن يحلم به إسرائيلي! واكتفى بتوجيه مخالفة «التصرف غير اللائق» للجندي الإسرائيلي!

وهو أمر أثار استغراب حتى المنظمات الحقوقية الإسرائيلية ذاتها، حيث عبرت أربع جمعيات حقوقية إسرائيلية عن استيائها لهذا القرار المثير، في مذكرة إلى المدعي العام الإسرائيلي، وأعربت كل من «الجمعية من أجل حقوق الإنسان» ومنظمتي «بتسليم» و «يش ديان» و «اللجنة ضد التعذيب»، عن استنكارها للعقاب التأديبي القاصر، واعتبرت أن «المساس بعاجز لا حيلة له يستلزم عقاباً بمستوى خطورته».

ولكن «العدالة الإسرائيلية» لم تخيب ظن عارفيها، حيث قامت – كما هو متوقع منها - بفرض عقوبات على شابة فلسطينية كانت قد وثقت عملية إطلاق الرصاص على الشاب الفلسطيني بتصويره، ففرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي «منع التحرك» على الشابة الفلسطينية وعلى أسرتها في عقاب جماعي عبّر عنه أحدهم بأنه بمثابة «إصدار حكم إعدام»!

إضافة إلى ذلك، مددت محكمة إسرائيلية اعتقال والد الشابة الفلسطينية - الذي كان قد اعتقل بتهمة المشاركة في مظاهرة ضد الجدار العازل - لأكثر من مئة يوم، في خطوة أخرى تعكس «الفاشية اليهودية» التي سبق أن أشرت إليها في أكثر من مقال فيما سبق.

وانتقالاً إلى الولايات المتحدة، حيث قبلة العدالة الغربية، فقد أصدرت محكمة عسكرية أميركية الأسبوع الماضي، حكماً يدين سائق بن لادن السابق، في سابقة خطيرة أحسب أن الولايات المتحدة سوف تدفع ثمنها القانوني غالياً!

وباستثناء إدارة بوش - التي اعتبرت في تصريح يتناسب مع عقلية العدالة المختلة للبيت الأبيض، أن المتهم قد حصل على «محاكمة عادلة» - باستثناء ذلك، فقد شجبت أكثر من هيئة حقوقية دولية تلك المحاكمة الجائرة.

وبغض النظر عن الانتهاكات الجسيمة التي قامت بها المحكمة العسكرية التي قضت بإدانة السائق السابق لابن لادن، مثل قبولها الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، والحكم عليه بموجب قانون صدر عام 2006، في حين أنه قبض عليه عام 2001، الأمر الذي جعل محامي المتهم أن يصف المحكمة بـ «المهزلة»، بغض النظر عن هذا كله، فإن الإجراءات القضائية التي اتبعت في هذه القضية كانت مجحفة في حق المتهم.

وهو الأمر الذي أشارت إليه منظمة العفو الدولية في بيان لها من أن «المحاكمة لا ترقى إلى المعايير الدولية في المحاكمات»! كما أنه ذات الأمر الذي أكدته منظمة «ريتريف» المختصة في الدفاع عن حقوق المعتقلين، في تصريح لمدير المنظمة القضائي، زكاري كاتزنلسون.

وبمناسبة الحديث عن فاشية التعامل في السفارات الغربية، فقد تقدمت الحكومة المصرية قبل أيام بشكوى ضد السفارات الأوروبية المعتمدة لديها، بسبب ما وصفته بسوء المعاملة التي يتلقاها الراغبون في السفر إلى الدول الأوروبية. وقالت الخارجية المصرية «إن البعثات الدبلوماسية الأوروبية تطبق قواعد منح التأشيرات بشكل تعسفي، وأنها لا تعامل المصريين بما يليق من احترام وكرامة».

خلاصة القول إن العدالة الغربية بحقائقها الشائعة أثبتت للعالم كله اليوم، أنها ليست عدالة مبتورة فحسب، بل هي عدالة فاشية بمعنى أنها ممنهجة لتكون منصفة للبعض ومجحفة تجاه البعض الآخر.

ولعلي أختم بما قاله جندي أميركي لصحيفة «ذي نيشن» الأميركية قبل أكثر من عام، في تصريح، أعتبره أخطر ما قاله محارب أميركي على الإطلاق، وكنت قد اقتبسته من قبل في مقال بعنوان «صفحات مخزية من التاريخ الأميركي في العراق»، نشر في هذه الصفحة في تاريخ 16-7-2007، حيث قال: «كنا نظن أن هؤلاء أصحاب البشرة الداكنة الذين لا يتحدثون الإنكليزية ليسوا بشراً»!

فأيُ فاشية أجلى من هذه؟!


بقلم د. محمود المبارك
أكاديمي سعودي

المصدر الحياة 11-8-2008 http://www.daralhayat.com/opinion/08-2008/Item-20080810-ad79bcd0-c0a8-10ed-01bf-ee33b36e5230/story.html