هذه هي البورصة

[الوعب]

بين فترة وأخرى يحتدم النقاش والحوار حول ظاهرة ارتفاع اسعار الاسهم في البورصة، ويحدث ذات الشيء أيضا عندما تنخفض. وكلما حدث ذلك تتزايد وتتشعب وتتكاثر الاجوبه والاراء لتفسير الامر في كلتا الحالتين، وسيبقى هذا الحديث وهذا الجدل وهذا الحوار باق مع بقاء البورصة وطالما أن هناك تداولا وحركة في البورصة، لان في الارتفاع أو الانخفاض ما يمس مباشرة مصالح وعوائد العديد من المستثمرين في البورصة والذين هم كبقية المستثمرين يرغبون بعوائد مجزية ولا يفضلون أي خسائر او تناقص في قيمه عوائدهم المتوقعة من القيمة السوقية للأسهم التي يمتلكونها، ولهذا فالأمر كله يدور في خانه المقبول والمعقول.
وبطبيعة الحال، فان التفسير الاكثر علمية ومنطقية يقول بان هناك أسبابا تعمل على ارتفاع الاسعار في البورصة وهي كثيرة ومتشعبة ويمكن ذكر بعضا منها: فمثلا تحسن درجات نمو الاقتصاد الوطني وكذلك تحسن الاداء المالي للشركات ووجود أو إصدار قوانين جديدة محفزة للاستثمار وكذلك فتح باب الاستثمار في الأسهم أي بمعنى زيادة الطلب على الاسهم وكذلك انخفاض نسب الفوائد على الودائع المصرفية وهروب رؤوس الاموال الى المناطق الاستثمارية الأكثر أمانا واقل مخاطرة ووجود فوائض مالية نقدية متاحة وطرح شركات مساهمة عامة ذات جدوى اقتصادية مقنعة للراغبين في الاستثمار بها.
ووجود بورصة منظمة تعمل وفق القانون ولوائح منظمة لمختلف مناحي عملها وتعمل بشفافية وتفصح عن كل مالديها من معلومات تهم المستثمرين وتساعدهم لاتخاذ القرار بالبيع او الشراء ووجود شركات وساطة مرخصة وتخضع لرقابة القانون والنظام وكذلك وجود كل مايهم المستثمر من معلومات عن الشركات المساهمة العامة من حيث البيانات المالية او برامج عملها وخططها المستقبلية وان لا تكون تلك المعلومات ملك لمن يعمل بها فقط وان تكون متوافرة للجميع على قدم المساواة وان تكون هناك ادوات استثمارية مختلفة ومتعددة مثل صناديق الاستثمار وغيرها وان يتم العمل على التقليل من عمليات الاحتكار، وهكذا فكل عامل من هذه العوامل او بعضا منها او جميعها مجتمعة يقود للمنطق القائل بضرورة ارتفاع أسعار الأسهم أيضا.
وكذلك فان البورصة أيضا تتأثر سلبا عند وجود عكس بعض من هذه العوامل، فعلى سبيل المثال تسريب معلومات سواء خاطئة أو صحيحة عن بعض الشركات، فان النتيجة الطبيعية هو إما أن ترتفع الأسهم أو يكون بنتيجة ذلك أيضا انخفاضا يضر بمصالح البعض ولكنه يدر عوائد على البعض الآخر من جهة أخرى وهكذا.
إن من طبيعة البورصات والتي تمثل مزادا علنيا لتجاره الأسهم بأنها تمتاز بحساسية عاليه تجاه ايه اشاعة او أخبار سواء أكانت صحيحة أو غير صحيحة، فان النتيجة المنطقية هو سرعه تأثرها إيجابا أو سلبا، فالمزاد بشكل عام في كثير من الاحيان يخضع للمنطق والعلم واحيانا قد لا يكون التجاوب المطلوب مع المنطق والمعقول.. فعلى سبيل المثال مستثمر يرغب بشراء اسهم في شركة معينة بغض النظر عن سعر سهمها هل هو عادل او غير عادل لان لديه الرغبة في الدخول لهذه الشركة بغض النظر عن عدالة السعر المعروض من عدمه، فكيف لنا ان نفسر قراره ونخضعه لعوامل التحليل العلمي والمنطق، وكذلك مثال آخر مستثمر يرغب ببيع اسهمه لان لديه طارئا معينا فهو يريد السيولة على حساب السعر والعائد، ولذا قرر بيع ما لديه بسعر قد لا يكون هو السعر العادل والمعقول من وجهة نظر البعض.
وبالنتيجة لا يمكن وضع خط مستقيم تسير عليه الاسعار في البورصة، فهذا من المستحيل حدوثه فكل المزادات والبورصات لايمكن لها ان تعمل وفق خط بياني متصاعد دائما او منخفض باستمرار ولكنها تعمل وفق خط بياني صعودا وهبوطا، هبوطا وصعودا متأثرة بعدد لا يمكن حصره من العوامل المتداخلة، ولكن يبقى الحكم على الاستثمار في البورصه بالنتيجة النهائية للمستثمر وهو هل ان نتيجة استثماراته سواء في سهم معين او بمجموعة من الأسهم كان يعطيه الدخل والعائد المطلوب او اعلى من المطلوب وهل نسبة العائد النهائية هي افضل من نسب العوائد المتاحة في الاستثمارات الاخرى ام لا ويبقى من احد اهم العومل للحكم على البورصة هو في مسار مؤشرها العام هل هو في النهاية في ارتفاع او انخفاض هذا بالإضافة إلى انها اداة حشد وادخار واستثمار وتنمية للاقتصاد الوطني وهذا ما تقوم به على ارض الواقع بكل اقتدار.. الخ.
ويبقى دور وواجب ادارات البورصات مراقبة الوضع ووضع حدود معينة لنسب الارتفاع والانخفاض اليومي وهذا ماتفعله البورصة وذلك خوفا من حدوث قفزات كبيرة ضارة سواء بالارتفاع او بالانخفاض، ومن هنا فانه لمن الطبيعي ان تحصل ارتفاعات في الاسعار، ومن الطبيعي حدوث انخفاضات، ولكن كلما عمل المستثمر بشكل علمي ومدروس وأدرك نتيجة قراراته، كلما اقترب الى النتيجة المنطقية والعلمية التي يرغب بها، او كلما قلل من خسارته وهكذا وأخيرا علينا القول بان هذه هي البورصة وستبقى برغم كل ذلك تمثل فرصة جيدة وطيبة للاستثمار فيها وبالأخص على المدى الطويل.

الشرق /مال و أعمال /محلى