المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تراجع أسعار النفط .. الهدوء الذي يسبق العاصفة



العبيـدلي
28-08-2008, 06:13 PM
تراجع أسعار النفط .. الهدوء الذي يسبق العاصفة

الاقتصادية - نيك بتلر 28/08/2008

قبل أكثر من شهر بقليل كان يمكن للتلميح بأن القوات الروسية ستخوض حرباً في جورجيا وأن ذلك سيؤدي إلى إغلاق خط الأنابيب الممتد من مدينة باكو، عاصمة أذربيجان، إلى ميناء سوبسو الجورجي، أن يؤدي إلى حدوث ارتفاع كبير في أسعار النفط. فقد كان يتم تداول برميل النفط الخام بأكثر من 140 دولاراً، ولذلك فإن فقدان مليون برميل أخرى يومياً من الإمدادات كان يمكن أن يدفع هذا الرقم عالياً نحو 200 دولار، كما توقعت البنوك والرئيس التنفيذي لشركة غازبروم.

وفي الحقيقة، الأسعار الآن تقل عن أعلى مستوى وصلت إليه في تموز (يوليو) بنحو 20 في المائة. وجاء هذا الهبوط رغم التأكيد على النزعة القومية الروسية التي من بين ضحاياها حتى الآن ليس الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي فحسب، ولكن روبرت دودلي الرئيس التنفيذي لشركة TNK-BP، الذي اضطر إلى العيش في المنفى في مكان سري في أوروبا الوسطى. وما زالت هناك نزاعات أخرى مستحكمة – كالصراع المدني في نيجيريا، وفشل حكومة المالكي في العراق في الاتفاق على هيكل قانوني تستطيع من خلاله الشركات الدولية أن تستثمر في تطوير حقول جديدة للنفط.

إذن، لماذا تراجعت أسعار النفط؟ التفسير الخاص بحدوث تغير في المشاعر يكمن في عدد من العوامل التي تسببت فيما بينها في تغيير مستوى الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، وهو مقياس أصبح في العامين الماضيين المؤشر الرئيسي في تحديد أسعار النفط العالمية وإشارة للمضاربين.

يتمثل العامل الأول في تراجع الطلب في نهاية هذا العام بما يزيد على 500 ألف برميل يومياً عن التوقعات الأولية. لقد انخفض الطلب، خاصة على البنزين، في الولايات المتحدة وأوروبا لأن أثر ارتفاع الأسعار يمتد إلى محطات الخدمة، وبسبب استحكام التراجع الاقتصادي. كما أن الاقتصاد الياباني الذي يعتبر ثاني أكبر مصدر فرد للطلب على الطاقة في العالم - 4.5 مليون برميل يوميا – تقلص بمعدل يزيد على 2 في المائة في الربع الثاني من هذا العام.

وكل ما تبقى من النمو في استهلاك النفط تقريباً يأتي من الأسواق الناشئة، خاصة الصين والهند. وحتى في هذه الأسواق، تراجعت الزيادة في الطلب خلال الأشهر الستة الماضية. وفي سوق تتأثر بكل تغيير، فإن القيود التي فرضتها الصين على استخدام السيارات قبل بدء دورة الألعاب الأولمبية كان لها تأثير على تراجع الطلب.

والأهم من ذلك هو الجانب الآخر للمعادلة. ذلك أن ارتفاع الأسعار شجع الدول المنتجة على زيادة الإنتاج، ومن المقرر أن تبدأ في الأشهر الستة المقبلة سلسلة من المشروعات التطويرية الجديدة حول العالم في مجال الإنتاج، منها مشروع الخرصانية الذي تأخر في المملكة العربية السعودية، وحقول النفط البحرية الجديدة في نيجيريا وأنجولا.

النتيجة الصافية لهذه التغييرات هي أن مستوى الطاقة الاحتياطية الذي انخفض في إحدى المراحل إلى أكثر بقليل من مليون برميل يومياً، ارتفع إلى نحو 1.8 مليون برميل يومياً ويمكن أن يرتفع إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا في ربيع العام المقبل. وثلاثة ملايين برميل يومياً هي المستوى التاريخي للطاقة الاحتياطية في تسعينيات القرن الماضي - وهو هامش أمن مريح لمواجهة ما يحدث من مشاكل في أي مكان في العالم. وإذا تمت استعادة هذه المستويات، يصبح المسرح مهيأ لانخفاض الأسعار في خريف وشتاء هذا العام. ويمكن أن تخترق الأسعار مستوى 100 دولار للبرميل الذي يعتبر مستوى رمزيا – وفقط في هذا الوقت ستكون متجهة نحو الانخفاض.

وأولئك الذين لديهم الشجاعة الكافية لتوقع أسعار النفط عادة ما يكونون على خطأ، لكن الفكرة القائلة إن الأساسيات تغيرت بدأت تؤثر على سوق التداول وعلى سلوك المضاربين. وهذا هو السبب الذي قلل من أثر الغزو السوفياتي لجورجيا. وبدأ المضاربون بشكل خاص ينسحبون من النفط، مع بدء القليل منهم في المراهنة على مزيد من الهبوط في أسعار النفط. وحسب تعبير أحد المتداولين في لندن: عندما ارتفعت الأسعار بأكثر من 100 في المائة في 12 شهراً، كان الاحتمال آنئذ أن الخطوة التالية هي التراجع.

وأي من هذا لا يحل التحديات طويلة المدى التي تواجه صناع سياسات الطاقة. فما زال العالم يعتمد على الهيدركربونات بأكثر من 80 في المائة من احتياجاته اليومية من الطاقة. وكل ما فعلته سنة من ارتفاع الأسعار هو تحويل الطلب إلى الفحم. ونتيجة لذلك تواصل انبعاثات الكربون ارتفاعها. ويظل اعتماد المستهلكين في العالم كبيرا على السعودية وروسيا وعلى بضعة بلدان منتجة أخرى. ومن المتوقع أن تزداد واردات الولايات المتحدة، وأوروبا، والصين، واليابان من النفط.

وأخذت شركات النفط الكبرى تفقد حصتها في السوق، وهي تبدو غير قادرة على تأمين وصول كبير إلى الاكتشافات الجديدة القليلة التي تمت في مناطق كالبرازيل. وتسيطر الشركات المملوكة للدول على الجزء الأكبر من الإمدادات. ومع إغلاق أبواب روسيا والبلدان المنتجة الرئيسية في الشرق الأوسط في وجه شركات النفط الكبرى، تواجه هذه الشركات تحدياً أساسياً لوجودها. إن انخفاض الأسعار سيخفف بعض الضغط عن الدول المستهلكة، لكن الرضا عن النفس سيكون في غير محله. وهذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، وليس عودة إلى الأمر الطبيعي. ولذلك، الحاجة للانتقال إلى اقتصاد طاقة أكثر تنوعاً وأقل كربوناً أمر ملح الآن كما كان دائماً.