المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جحا و أشعب - أساطير أم حقائق - وعلاقتهم بالتابعين



يونيك
28-08-2008, 09:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم




قالوا عن جحا رحمه الله


أذكر أن أحد الأفاضل قال لي: إنه يتوقع أن جحا من أهل الجنة، فقلت له: ولم؟ قال: لم يبق أحد من الناس إلا وقد اغتابه وأعطاه شيئا من حسناته !!

تأملت في عبارته كثيراً ودفعتني للبحث عن هذه الشخصية التي لطالما أثارت الجدل والأقاويل، ثم لما تبين لي أمره رأيت انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم:

" من ردّ عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة " رواه أحمد والترمذي ، وحفاظاً على مكانة من عُرف بالإسلام والصلاح، وإدراك القرون المفضلة أن أعرّف الناس به ، ليحفظوا عرضه ويكفّوا عن ذكره بما لا يليق بمكانته.

أقول : إن ( جحا ) ليس أسطورة ، بل هو حقيقة ، واسمه ( دُجين بن ثابت الفزاري – رحمه الله - )، أدرك ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه ، وروى عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وهشام بن عروة، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.

قال الشيرازي: جُحا لقب له ، وكان ظريفاً، والذي يقال فيه مكذوب عليه.

قال الحافظ ابن عساكر: عاش أكثر من مائة سنه. وهذا كله تجده مسطوراً في كتاب "عيون التواريخ" لابن شاكر الكتبي ( ص 373 وما بعدها).

وفي ميزان الاعتدال للذهبي (المجلد الأول، ص 326) ما نصه: جُحا هو تابعي، وكانت أمه خادمة لأنس بن مالك، وكان الغالب عليه السماحة، وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يسأل الله أن ينفعه ببركاته. وقال الجلال السيوطي: وغالب ما يذكر عنه من الحكايات لا أصل له.

ونقل الذهبي أيضاً في ترجمته له: قال عباد بن صهيب : حدثنا أبو الغصن جُحا – وما رأيت ً أعقل منه - .

وقال عنه أيضاً : لعله كان يمزح أيام الشبيبة ، فلما شاخ ، أقبل على شأنه ، وأخذ عنه المُحدثون .

وقال الحافظ ابن الجوزي - رحمه الله - :" ... و منهم ( جُحا ) و يُكنى أبا الغصن ، و قد روي عنه ما يدل على فطنةٍٍ و ذكاء ، إلا أن الغالب عليه التَّغفيل ، و قد قيل : إنَّ بعض من كان يعاديه وضع له حكايات .. و الله أعلم .

وأيّاً كان الأمر:

- فإن كان جحا صالحاً وأدرك بعض الصحابة ويخرج بهذه الصورة فهذا منكرٌ وجرمٌ كبير .

- وإن كان من عامة المسلمين فلماذا الكلام فيه، والكذب عليه، وتصويره بصورة خيالية ؟ كيف وهو متوفى ؟ وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم " أذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم " رواه الترمذي .

وهذه دعوة للجميع بالحرص والدقة والتأمّل فيما يُسمع أو يُقال، وفي الحديث:
" كفى بالمرء كذباً (وفي رواية إثماً) أن يُحدّث بكل ما سمع"


قال الذهبي في تأريخه ج 1 ص 1113 :


جحا، أبو الغصن، واسمه دجين بن ثابت اليربوعي البصري. وما أظنه صاحب المجون فإن ذاك متأخر عن هذا، ولحقه عثمان بن أبي شيبة.

رأى أبو الغصن دجين أنس بن مالك وروى عن أسلم مولى عمر وهشام بن عروة.
وعنه ابن المبارك ومسلم بن إبراهيم وأبو جابر محمد بن عبد الملك وبشر بن محمد السكري والأصمعي وأبو عمر الحوضي.

قال عبد الرحمن بن مهدي وسئل عن حديث دجين بن ثابت الذي يروي عنه أسلم، فقال: قال لنا مرة: حدثني مولى لعمر بن عبد العزيز، فقلنا له: إن هذا لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فتركه، فما زالوا به حتى قال: أسلم مولى عمر بن الخطاب، فلا يعتد به كان يتوهمه ولا يدري من هو.

وقال النسائي: ليس بثقة. وقد ساق له ابن عدي أربعة أحاديث ثم قال: ولدجين غير ما ذكرت شيء يسير، ومقدار ما يرويه ليس بمحفوظ، ثم ساق عن يحيى بن معين قال: الدجين بن ثابت هو جحا، ثم قال ابن عدي: أخطأ من حكى هذا عن ابن معين لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك ووكيع وعبد الصمد وغيرهم، هؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا والدجين رجل أعرابي.

قلت: وكذا ذكر الشيرازي في الألقاب أنه جحا، ثم روى أن مكي بن إبراهيم قال: رأيت جحا فالذي يقال فيه مكذوب عليه، وكان فتى ظريفاً، وكان له جيران مخنثون يمازحونه ويزيدون عليه.

وقال عباد بن حبيب: حدثني أبو الغصن جحا وما رأيت أعقل منه.

مسلم بن إبراهيم: نا أبو الغصن الدجين بن ثابت ثنا أسلم قال: كنا نقول لعمر رضي الله عنه: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: إني أخشى أن أزيد أو أنقص،وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".

وقال ابن حبان: الدجين بن ثابت يتوهم أحداث أصحابنا أنه جحا وليس كذلك، ثنا أبو خليفة نا مسلم فذكر الحديث. إهـ .




وقال البخاري في تأريخه الكبير .ج 3 ص 257 ق 885 :

دجين بن ثابت أبو الغصن اليربوعي سمع أسلم مولى عمر روى عنه مسلم وابن المبارك هو بصري قال علي: سئل عبد الرحمن عن دجين فقال: قال لنا أول مرة: حدثني مولى لعمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب فتركه فما زالوا يلقونه حتى قال: أسلم مولى عمر بن الخطاب فلا يعتد وكان يتوهمه ولا يدري ما هو. إهـ .




وقال الصفدي في الوفيات في ترجمة أبو الغصن اليربوعي ج 1 ص1922 :


الدُّجين أبو الغصن بن ثابتٍ اليربوعي البصري المعروف بجحى. رأى أنساً وروى عن أسلم مولى عمر وهشام بن عروة، وروى عنه ابن المبارك ومسلم بن إبراهيم، وأبو جابرٍ محمد بن عبد الملك، وبشر بن محمد السكّريّ، والأصمعي وأبو عمر الحوضي وآخرون. قال عبد الرحمن بن مهديٍ، وسئل عن دجين بن ثابتٍ الذي يري عنه عن أسلم قال: قال لنا: أول مرة حدثني مولىً لعمر بن عبد العزيز، فقلنا له أن هذا لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، قال فتركه. فما زال يلقنونه حتى قال: أسلم مولى عمر بن الخطاب، فلا يعتدّ به. كان يتوهمه ولا يدري ماهو. وقال النّسائيّ: ليس بثقة. وروى ابن عديّ له أحاديث أربعة، ثم قال: ولدجين غير ما ذكرت شيء يسير، ومقدار ما يرويه ليس بمحفوظ. ثم روى عن يحيى بن معين قال: الدُّجين بن ثابتٍ هو جحى. ثم قال: أخطأ من حكى هذا عن ابن معينٍ، لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا. والدُّجين بن ثابت إذا روى عنه ابن المبارك ووكيع وعبد الصمد بن الوارث وغير هؤلاء، أعلم بالله من أن يرووا عن جحى، والدُّجين أعرابي من بني يربوع قال الشيخ شمس الدين، وكذا قال الشيرازي في الألقاب أنه جحى. ثم روى أن مكّي بن إبراهيم قال: رأيت جحى، والذي يقال فيه مكذوب عليه. وكان فتى ظريفاً، وله جيران مخنَّثون يمازحونه ويزيدون عليه. قال ابن حبّان: والدُّجين يتوهم أحداث أصحابنا أنه جحى، وليس كذلك. توفي في حدود الستين ومائة. إهـ .




وقالوا عن أشعب. رحمه الله


أشعب الطامع في الخير !

ضرب بأشعب المثلُ في شدة طمع وعدم يأسه من الخير

حتى قال أحدهم

وإن كان هذا البخل منك سجية ... لقد كنت في طولي رجاءك أشعبا (1)





أشعب الطامع

هو

أشعب بن جبير أبو العلاء

ويقال أبو اسحاق المدني ويقال له أبو حميدة

وكان أبوه مولى لآل الزبير قتله المختار
وهو خال الواقدي

وكان ظريفا ماجنا يحبه أهل زمانه لخلاعته وطمعه (2)



قال الحافظ ابن عبد البر القرطبي رحمه الله

(( وكان سالم ناسكا يلبس الصوف وكان فقيها جليلا أحد الفقهاء العشرة من التابعين بالمدينة وكان حسن الخلق مداعبا

له أخبار ظريفة مع أشعب الطماع )) (3)



قال الشافعي رحمه الله

عبث الولدان يوما بأشعب

فقال لهم : إن ههنا أناسا يفرقون الجوز !!

ليطردهم عنه

فتسارع الصبيان إلى ذلك

فلما رآهم مسرعين ،

قال لعله حق ! ، فتبعهم .!!



وفي رواية

فقال : ويحكم سالم جوزا فعدوا مسرعين

فعدا معهم !!.

وسالم رحمه الله

هو سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

وسالم أحد الفقهاء العشرة من التابعين بالمدينة



أخبر المؤرخ ابن كثير رحمه الله عن علاقة سالم بأشعب فقال

كان سالم بن عبد الله ابن عمر يستخفه ويستحليه ويضحك منه

ويأخذه معه إلى الغابة

وكذلك كان غيره من أكابر الناس



قال له رجل : ما بلغ من طمعك ؟!

فقال : ما زفت عروس بالمدينة إلا رجوت أن تزف إلي !! ،

فأكسح داري وأنظف بابي واكنس بيتي



واجتاز يوما برجل يصنع طبقا من قش

فقال له : زد فيه طورا أو طورين ، لعله أن يُهدي يوما لنا فيه هدية . !!



وقال أبو عاصم : أخذ بيدي ابن جريج

فأوقفني على أشعب

فقال له : حدثه بما بلغ من طمعك.

فقال : ما زفت امرأة بالمدينة إلا كنست بيتي رجاء أن تهدى إلي



وروي عن الهيثم بن عدي وعن أبي عاصم

قال : مر أشعب برجل يعمل طبقا

فقال : وسِّعْه لعلهم يهدون لنا فيه !!



وعن أبي عاصم قال : مررت يوما فإذا أشعب ورائي

فقلت : ما لك !!؟؟

قال : رأيت قلنسوتك قد مالت

فقلت : لعلها تقع فآخذها .

فأخذتها عن رأسي فدفعتها إليه



وروى ابن أبي عبد الرحمن المقرئ عن أبيه

قال أشعب : ما خرجت في جنازة

فرأيت اثنين يتسارَّان

إلا ظننت أن الميت أوصى لي بشيء



وقد وفد على الوليد بن زيد فترجمه ابن عساكر ترجمة ذكر عنه فيها أشياء مضحكة

واسند عنه حديثين

وروى عنه أنه سئل يوما أن يحدث

فقال حدثني عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ( خصلتان من عمل بهما دخل الجنة )

ثم سكت !!

فقيل له ما هما ؟؟!!

فقال : نسي عكرمة الواحده ونسيت أنا الأخرى (2)




أقول

ولعل الحديث الذي نسيه أشعب هو قوله صلى الله عليه وسلم

(( خصلتان

لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة

ألا و هما يسير

و من يعمل بهما قليل

يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا

و يحمده عشرا

و يكبره عشرا

فذلك خمسون و مائة باللسان

و ألف و خمسمائة في الميزان



و يكبر أربعا و ثلاثين إذا أخذ مضجعه

و يحمده ثلاثا و ثلاثين

و يسبح ثلاثا و ثلاثين

فتلك مائة باللسان و ألف في الميزان

فأيكم يعمل في اليوم و الليلة

ألفين و خمسمائة سيئة ؟؟!!

رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيره وهو في صحيح الجامع الصغير




توفي أشعب رحمه الله سنة أربع وخمسين ومائة

وهي السنة التي دخل المنصور بلاد الشام وزار بيت المقدس

المصدر

(1) تفسير الطبري رحمه الله م1 ص 78
(2) البداية والنهاية للمؤرخ المفسر ابن كثير رحمه الله م10 ص 112
(3) التمهيد للحافظ ابن عبد البر القرطبي رحمه الله م 9 ص 207




منقول بتصرف