محمد لشيب
09-09-2008, 01:20 AM
أراء وقضايا
لماذا لا يغيّر الإسلاميون من أنفسهم؟
بقلم: عبد العزيز آل محمود (*)- صحيفة العرب (http://alarab.com.qa/details.php?docId=55102&issueNo=258&secId=16)
09- 09- 2008
خلال تناولنا للعشاء في منزل الشيخ برهان الدين رباني الرئيس الأفغاني السابق في كابل منذ ثلاث سنوات، تهجم أحد الحضور على شخصية إسلامية لها تاريخ في القتال ضد الروس، حاول الشيخ إسكاته بإشارة من يده، ولكن المتحدث أعاد الكرة بنبرة غاضبة حتى طلب منه الشيخ تغيير الموضوع، فصمت ولكن بقي شيء من حديثه في صوت تنفسه السريع ووجهه الغاضب.
إن الشخصية التي تحدث عنها الرجل ملأت السمع والبصر خلال حقبة الاحتلال الروسي لأفغانستان، فكان بلحيته وعمامته ولغته العربية السليمة يمثل للشباب العرب جيل الصحابة الذي عاد للحياة وأحيى معه الجهاد الذي كاد أن ينسى.
فكما انضم هذا الرجل للجهاد الذي كان يدر مالا وجاها لقادته والراكبين على موجته، فهو أيضا انضم لحكومة كرزاي لأنها تدر ذهبا على المنضوين تحت لوائها والمنافحين عن سياستها، ومنذ ذلك الحين والرجل لا يظهر في وسائل الإعلام وكل همه مساندة كرزاي في حملاته الانتخابية وغدا هذا جهاده الوحيد.
لقد تفرق زعماء «المجاهدين» الأفغان تيارات ومصالح وأهواء، وضاعت كل تلك الصيحات الجهادية والدماء التي رافقتها واندثرت شواهد القبور التي كان يتبرك بها الأفغان لسنوات طويلة، وظهرت شخصيات أصغر سنا وأكثر تعليما.. وأكثر ليبرالية لتدير دفة الحكم ورضي القادة القدماء بما جمعوه من مال وفيء، وغسلوا دماء القتلى من أيديهم وكأن شيئا لم يكن.
في أواخر الثمانينيات زرت دولة عربية بطلب من إحدى الجهات الرسمية غير الحكومية، وخلال تنقلنا في حافلة المؤسسة لفت انتباهي شاب وقور بلحية خفيفة يجلس بمفرده، فانتقلت للجلوس بقربه، كان نائب رئيس الحركة الإسلامية في طاجاكستان، يتقن العربية ويتحدثها بطلاقة أدهشتني، يسأل عن بعض الأشياء التي كان يراها خلال مسيرنا الطويل بالحافلة، كثير الصمت والتفكر، أخذت رقم هاتفه وعنوانه، كتبهما بخط يده على ورقة احتفظت بها لفترة طويلة.
بعد عودتي إلى قطر اندلعت شرارة القتال في طاجاكستان بين الإسلاميين والحكومة المدعومة من موسكو، وامتد القتال الشرس إلى وادي فرغانة، ونقلت وكالات الأنباء كعادتها أعداد القتلى والخسائر، فأرسلت له رسالة أسأله عن حاله، غابت الرسالة لعدة أشهر ثم عادت وقد كتب عليها بلغة إنجليزية ركيكة «تعاد للمرسل لعدم وجود العنوان» وكان العنوان المكتوب عليها هو مقر الحركة الإسلامية في العاصمة دوشنبه.
خلال دراستي في الولايات المتحدة الأميركية تعرفت على زميل جزائري كان يدرس الدكتوراه في الهندسة، شاب رائع، له حضور مؤثر، كثير الابتسام، يشارك في كل نشاط تقوم به الجالية الإسلامية، اعتقدت أنه يعرف كل من في الجامعة لأنه كان يسير ويسلم على كل من يصادفه بحيويته وابتسامته المعهودة. فرقتنا الأيام، وجاءت انتخابات الجزائر التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فتدخل الجيش لإجهاض التجربة الجديدة عام 1992، وبدأت عمليات القتل المتبادل، وفتحت السجون والمعتقلات وكثرت الجثث مجهولة الهوية، وتوترت الأمور، ودخلت الجزائر نفق الحرب الأهلية، بعد عدة سنوات اتصلت به سائلا عن حاله، فوجدته قد انكفأ على نفسه وسقطت الدنيا من عينيه، ولم يرغب سوى أن يعيش كريما وأن يموت كريما، فقد كره الحكومة وغضب على الشباب الذين حملوا السلاح عليها وسفكوا الدماء باسم الإسلام، لقد قتلوه نفسيا كما قتلوا غيره من الشباب بدعوى الجهاد ضد الحكومة.
هل نتحدث عن ما حصل في الشيشان؟ فبسبب حماس بعض الشباب وشعورهم أنهم المتحدثون باسم السماء وإسكاتهم لكل صوت معارض، اجتاحت الجيوش الروسية تلك الدولة وأهلكت الحرث والنسل وأبيد جزء كبير من الشيشانيين واندثرت مجتمعات بأكملها أما البقية فهي مازالت تعيش في الخيام بانتظار إحسان المحسنين.
عندما تتحول المجتمعات إلى التدين فإنها لا تعلن إسلاميتها بل تعلن إسلامها، فهي تبحث عن الصلاح والنظافة وحسن الخلق والصدق والأمانة وغيرها من الصفات التي ترى أنها ندرت في الناس، ولكن كيف ستكون ردة فعل هذه المجتمعات حين تعلم أن هناك من يلبس لباس الإسلام ويعلن نفسه متحدثا باسمه ثم يورد الناس موارد الهلاك والضياع؟
هناك عادات غريبة شاهدتها على امتداد المنطقة من القاهرة إلى كراتشي، فعندما يموت أحدهم ينصب أهله رواقا في الشارع ويعلقون مكبرات الأصوات على أعمدة ثم يرفعون صوت القرآن بشكل عالٍ، ويعطلون الطريق على الناس بوضع بعض الحواجز أمام الرواق، ولو تأملت في الجالسين تراهم يتحدثون ويشربون الشاي ويدخنون، ثم ينظرون إليك بدون اكتراث وبشيء من البلاهة وأنت تحاول أن تعود للوراء بسيارتك باحثا عن مخرج من خلال الأزقة التي لا تنتهي، وتتساءل إن كان هذا شرعا من الله، أم أنه تقليد لا يتجاوز: «إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون»، وستلاحظ أن في بعض هذه الرواقات يجلس علماء وملتحون وأئمة ولم يتحدث هؤلاء إلى هؤلاء بوجوب فتح الطريق وإزالة الأذى عنه.
لقد تولى الإسلاميون الكثير من المؤسسات، فماذا فعلوا بها؟ هل أصلحوها وأعادوها إلى ما يجب أن تكون عليه؟ أم أنهم فعلوا ما فعله الآخرون؟ أليست المحسوبية والفساد المالي وتفضيل ذوي القربى عيوب يكررونها كما كررها غيرهم؟ أليسوا جزءا من الثقافة الباهتة التي نعيشها؟
اتصل بي زميل صحفي مستغرباً من فتاوى بعض الشيوخ الاقتصادية، والتي أصبحت تدر مالا على صاحبها إن جمع بين صفتين، السمت الديني وعقلية رجل الأعمال، فهم يفتون بحرمة هذا وجواز ذاك، فيخرجون على مشاهديهم بأسلوب المحامي الذي يعطي رؤوس الأقلام فقط لأنه يحاول أن يبيع التفاصيل، فيقول صاحبي إن ردودهم تكاد تكون واحدة متناسين الجانب الإنساني في التعامل والذي حض عليه الإسلام مثل: رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى..، وغيرها من الأحاديث التي تحث على حسن التعامل. لماذا لا يلتفت المشايخ إلى أصحاب المؤسسات التي يعملون معها يحثونهم على حسن المعاملة وعلى التقليل من أرباحهم لصالح الجمهور المتعامل معهم؟
يجب أن يغير الإسلاميون من ثقافتهم التي يحيونها ويعيشونها، تلك التي ألفوها وأصبحت جزءا من كيانهم. وبما أنهم يمثلون موجة جديدة وإصلاحا قادما، فالمطلوب أن يعيدوا النظر في تصرفاتهم وتفكيرهم وإستراتيجيتهم، وينظروا للأمور من جانب آخر وبعين الناقد، أما إن بقوا على حالهم وغيروا سمتهم ولباسهم فقط وساروا بثقافة القطيع التي نحياها فسيكونون نسخة أخرى من الفشل الذي نعاني منه ومن الثقافة التي نحياها والتي ليست بحاجة إلى جديد لتثبت فشلها.
--------------------------------------------------------------
(*) رئيس تحرير صحيفة العرب القطرية
لماذا لا يغيّر الإسلاميون من أنفسهم؟
بقلم: عبد العزيز آل محمود (*)- صحيفة العرب (http://alarab.com.qa/details.php?docId=55102&issueNo=258&secId=16)
09- 09- 2008
خلال تناولنا للعشاء في منزل الشيخ برهان الدين رباني الرئيس الأفغاني السابق في كابل منذ ثلاث سنوات، تهجم أحد الحضور على شخصية إسلامية لها تاريخ في القتال ضد الروس، حاول الشيخ إسكاته بإشارة من يده، ولكن المتحدث أعاد الكرة بنبرة غاضبة حتى طلب منه الشيخ تغيير الموضوع، فصمت ولكن بقي شيء من حديثه في صوت تنفسه السريع ووجهه الغاضب.
إن الشخصية التي تحدث عنها الرجل ملأت السمع والبصر خلال حقبة الاحتلال الروسي لأفغانستان، فكان بلحيته وعمامته ولغته العربية السليمة يمثل للشباب العرب جيل الصحابة الذي عاد للحياة وأحيى معه الجهاد الذي كاد أن ينسى.
فكما انضم هذا الرجل للجهاد الذي كان يدر مالا وجاها لقادته والراكبين على موجته، فهو أيضا انضم لحكومة كرزاي لأنها تدر ذهبا على المنضوين تحت لوائها والمنافحين عن سياستها، ومنذ ذلك الحين والرجل لا يظهر في وسائل الإعلام وكل همه مساندة كرزاي في حملاته الانتخابية وغدا هذا جهاده الوحيد.
لقد تفرق زعماء «المجاهدين» الأفغان تيارات ومصالح وأهواء، وضاعت كل تلك الصيحات الجهادية والدماء التي رافقتها واندثرت شواهد القبور التي كان يتبرك بها الأفغان لسنوات طويلة، وظهرت شخصيات أصغر سنا وأكثر تعليما.. وأكثر ليبرالية لتدير دفة الحكم ورضي القادة القدماء بما جمعوه من مال وفيء، وغسلوا دماء القتلى من أيديهم وكأن شيئا لم يكن.
في أواخر الثمانينيات زرت دولة عربية بطلب من إحدى الجهات الرسمية غير الحكومية، وخلال تنقلنا في حافلة المؤسسة لفت انتباهي شاب وقور بلحية خفيفة يجلس بمفرده، فانتقلت للجلوس بقربه، كان نائب رئيس الحركة الإسلامية في طاجاكستان، يتقن العربية ويتحدثها بطلاقة أدهشتني، يسأل عن بعض الأشياء التي كان يراها خلال مسيرنا الطويل بالحافلة، كثير الصمت والتفكر، أخذت رقم هاتفه وعنوانه، كتبهما بخط يده على ورقة احتفظت بها لفترة طويلة.
بعد عودتي إلى قطر اندلعت شرارة القتال في طاجاكستان بين الإسلاميين والحكومة المدعومة من موسكو، وامتد القتال الشرس إلى وادي فرغانة، ونقلت وكالات الأنباء كعادتها أعداد القتلى والخسائر، فأرسلت له رسالة أسأله عن حاله، غابت الرسالة لعدة أشهر ثم عادت وقد كتب عليها بلغة إنجليزية ركيكة «تعاد للمرسل لعدم وجود العنوان» وكان العنوان المكتوب عليها هو مقر الحركة الإسلامية في العاصمة دوشنبه.
خلال دراستي في الولايات المتحدة الأميركية تعرفت على زميل جزائري كان يدرس الدكتوراه في الهندسة، شاب رائع، له حضور مؤثر، كثير الابتسام، يشارك في كل نشاط تقوم به الجالية الإسلامية، اعتقدت أنه يعرف كل من في الجامعة لأنه كان يسير ويسلم على كل من يصادفه بحيويته وابتسامته المعهودة. فرقتنا الأيام، وجاءت انتخابات الجزائر التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فتدخل الجيش لإجهاض التجربة الجديدة عام 1992، وبدأت عمليات القتل المتبادل، وفتحت السجون والمعتقلات وكثرت الجثث مجهولة الهوية، وتوترت الأمور، ودخلت الجزائر نفق الحرب الأهلية، بعد عدة سنوات اتصلت به سائلا عن حاله، فوجدته قد انكفأ على نفسه وسقطت الدنيا من عينيه، ولم يرغب سوى أن يعيش كريما وأن يموت كريما، فقد كره الحكومة وغضب على الشباب الذين حملوا السلاح عليها وسفكوا الدماء باسم الإسلام، لقد قتلوه نفسيا كما قتلوا غيره من الشباب بدعوى الجهاد ضد الحكومة.
هل نتحدث عن ما حصل في الشيشان؟ فبسبب حماس بعض الشباب وشعورهم أنهم المتحدثون باسم السماء وإسكاتهم لكل صوت معارض، اجتاحت الجيوش الروسية تلك الدولة وأهلكت الحرث والنسل وأبيد جزء كبير من الشيشانيين واندثرت مجتمعات بأكملها أما البقية فهي مازالت تعيش في الخيام بانتظار إحسان المحسنين.
عندما تتحول المجتمعات إلى التدين فإنها لا تعلن إسلاميتها بل تعلن إسلامها، فهي تبحث عن الصلاح والنظافة وحسن الخلق والصدق والأمانة وغيرها من الصفات التي ترى أنها ندرت في الناس، ولكن كيف ستكون ردة فعل هذه المجتمعات حين تعلم أن هناك من يلبس لباس الإسلام ويعلن نفسه متحدثا باسمه ثم يورد الناس موارد الهلاك والضياع؟
هناك عادات غريبة شاهدتها على امتداد المنطقة من القاهرة إلى كراتشي، فعندما يموت أحدهم ينصب أهله رواقا في الشارع ويعلقون مكبرات الأصوات على أعمدة ثم يرفعون صوت القرآن بشكل عالٍ، ويعطلون الطريق على الناس بوضع بعض الحواجز أمام الرواق، ولو تأملت في الجالسين تراهم يتحدثون ويشربون الشاي ويدخنون، ثم ينظرون إليك بدون اكتراث وبشيء من البلاهة وأنت تحاول أن تعود للوراء بسيارتك باحثا عن مخرج من خلال الأزقة التي لا تنتهي، وتتساءل إن كان هذا شرعا من الله، أم أنه تقليد لا يتجاوز: «إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون»، وستلاحظ أن في بعض هذه الرواقات يجلس علماء وملتحون وأئمة ولم يتحدث هؤلاء إلى هؤلاء بوجوب فتح الطريق وإزالة الأذى عنه.
لقد تولى الإسلاميون الكثير من المؤسسات، فماذا فعلوا بها؟ هل أصلحوها وأعادوها إلى ما يجب أن تكون عليه؟ أم أنهم فعلوا ما فعله الآخرون؟ أليست المحسوبية والفساد المالي وتفضيل ذوي القربى عيوب يكررونها كما كررها غيرهم؟ أليسوا جزءا من الثقافة الباهتة التي نعيشها؟
اتصل بي زميل صحفي مستغرباً من فتاوى بعض الشيوخ الاقتصادية، والتي أصبحت تدر مالا على صاحبها إن جمع بين صفتين، السمت الديني وعقلية رجل الأعمال، فهم يفتون بحرمة هذا وجواز ذاك، فيخرجون على مشاهديهم بأسلوب المحامي الذي يعطي رؤوس الأقلام فقط لأنه يحاول أن يبيع التفاصيل، فيقول صاحبي إن ردودهم تكاد تكون واحدة متناسين الجانب الإنساني في التعامل والذي حض عليه الإسلام مثل: رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى..، وغيرها من الأحاديث التي تحث على حسن التعامل. لماذا لا يلتفت المشايخ إلى أصحاب المؤسسات التي يعملون معها يحثونهم على حسن المعاملة وعلى التقليل من أرباحهم لصالح الجمهور المتعامل معهم؟
يجب أن يغير الإسلاميون من ثقافتهم التي يحيونها ويعيشونها، تلك التي ألفوها وأصبحت جزءا من كيانهم. وبما أنهم يمثلون موجة جديدة وإصلاحا قادما، فالمطلوب أن يعيدوا النظر في تصرفاتهم وتفكيرهم وإستراتيجيتهم، وينظروا للأمور من جانب آخر وبعين الناقد، أما إن بقوا على حالهم وغيروا سمتهم ولباسهم فقط وساروا بثقافة القطيع التي نحياها فسيكونون نسخة أخرى من الفشل الذي نعاني منه ومن الثقافة التي نحياها والتي ليست بحاجة إلى جديد لتثبت فشلها.
--------------------------------------------------------------
(*) رئيس تحرير صحيفة العرب القطرية