المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبررات أزمات البورصةهي نفسها مستمرة منذ «المناخ» حتى اليوم



مغروور قطر
22-09-2008, 10:35 PM
مبررات أزمات البورصةهي نفسها مستمرة منذ «المناخ» حتى اليوم



بقلم: د. صادق أبل
شهدت البورصة تراجعا حادا في مؤشرها السعري خلال الأيام الماضية، فقد سجل هذا المؤشر تراجعا بلغ 488 نقطة خلال يوم واحد فقط، هو يوم الاثنين الماضي، والجدير بالذكر أن نشاط البورصة قد بدأ بالتراجع منذ 20 أغسطس الماضي، حيث خسر المؤشر السعري جميع المكاسب التي حققها خلال هذا العام، فقد سجل المؤشر السعري في نهاية ديسمبر عام 2007 مايعادل 12558.90 نقطة في حين ان اقصى رقم بلغه هذا العام كان في 24 يونيو 2008 عندما بلغ المؤشر 15654 نقطة. ولقد تعددت أراء المحللين والمستثمرين التي نشرتها صحفنا المحلية أخيرا بشأن أسباب الأزمة ويمكن إيجاز أهم تلك الآراء على النحو التالي:
1. اجمع العديد منهم على أن الأزمة جاءت بسبب إعلان إفلاس بنك ليمان براذرز الاميركي والتداعيات التي حصلت بعده.
2. أشار البعض الى أن السبب الأساسي هو نقص السيولة في السوق وكالعادة تم وضع اللوم على دور بنك الكويت المركزي وعلى الاكتتابات التي واكبت السوق خلال هذه الفترة.
3. أشار البعض الى انخفاض أسعار النفط وانعكاساته على السوق.
4. أخيرا أشار البعض إلى الظروف الأمنية في المنطقة.
وهذه الآراء طبعا تعكس وجهة نظر بعض مسؤولي الشركات الاستثمارية والصناديق وكبار المتداولين، ومن البديهي ألا يشير هؤلاء إلى أن جزءا من أسباب الأزمة الحالية والأزمات السابقة يعود بشكل رئيسي الى تصرفاتهم في أروقة السوق، ويبدو لي إن الأزمة التي شهدتها البورصة لم تكن بشكل أساسي ناجمة عن العوامل السابقة، فالمشكلة الأساسية في السوق هي الآليات التي يعمل من خلالها والتي يتم بموجبها تحديد أسعار التوازن بين العرض والطلب، فالمكونات الأساسية للسوق تتكون من أربعة عناصر تعتبر بمنزلة المحركات الأساسية للسوق وهي:
1. صناديق الاستثمار.
2. صغار المستثمرين.
3. مجاميع استثمارية وكبار ملاك.
4. شركات الوساطة.
5. شركات الاستثمار.
ومن الملاحظ أن تحركات تلك العناصر في خلق العرض والطلب تسير وفق سلوكيات غير رشيدة، وان التشريعات التي تنظم ادوار ومسؤوليات تلك المجاميع قاصرة وغير واضحة، فقد أشاعت تلك الفعاليات ثقافة تداول مضاربية أصبحت سمة أساسية لسوق الكويت للأوراق الماليةوهي ثقافة التحليل الفني أو ما يسمى بالمتوسطات المتحركة ونقاط الدعم وهي ثقافة لا تصلح لسوق مثل سوق الكويت للأوراق المالية، فالسوق لا يوجد به عمق ولا تنوع في الأدوات ولا عشوائية في سير الأسعار، فكفاءة السوق بكل المقاييس ضعيفة، هذا طبعا إن وجدت، إن ثقافة المتوسطات المتحركة وتبنيها من خلال نشر تقارير يومية ساهمت بلا شك في جعل الأسعار تتضخم بعيدا عن القيمة العادلة Fair value لأسعار الأسهم، طبعا لعبت التقارير التي تنشرها بعض شركات الاستثمار في نشر هذه الثقافة، بل بالعكس حتى بعض الإخوة الاكاديميين اعتبروا التحليل الفني Technical Analysis علما من العلوم، وان تبنيه يضمن للمستثمر الأرباح الخيالية، وهذا طبعا مخالف لما تعلمناه في أدبيات علم التمويل والاستثمار. فالتحليل الفني وبإجماع المتخصصين لا يخرج عن كونه فن تحديد اتجاهات السلاسل الزمنية ومحاولة الاستفادة منها من خلال معرفة الدورات الزمنية للسوق، وهذا الفن يستخدم الإحصاء والرسومات البيانية ويعتمد على الاحتمالات ولا يستطيع هذا التحليل أن يضمن شيئا من المكاسب، خصوصا في سوق الكويت، لان من الفرضيات التي يعتمد عليها هذا التحليل اختلاف سلوكيات وردود أفعال مختلف المجموعات التي تتداول في السوق تجاه المعلومات الاقتصادية والسياسية والنفسية وأي معلومات أخرى تتعلق بالشركات، أي أن الفرضية قائمة على قرارات مجاميع استثمارية مختلفة وقد تكون متناقضة من حيث خلفية المعلومات التي لديها Fully informed agents and uniformed agents. وهذه موجودة في الأسواق الكبيرة حيث تتوافر المعلومات وتتعدد المجاميع وبالتالي تتكون عدة اتجاهات لأسعار الأسهم، لكن الحال في الكويت مختلف حيث توجد مجاميع محدودة تتحرك عادة في اتجاه واحد إما صعودا أو نزولا، وهي التي تتحكم في السوق، فقد لاحظنا أن الأخبار تنشر عن النية في التحرك نحو شراء سهم قبل بدء التحرك، وبالتالي فالتحليل الفني هنا لا جدوى له لان حركة السوق شبه محتكرة من قبل مجاميع محددة. وفي المقابل تم إهمال التحليل الأساسي والمهني وهو Fundamental Analysis، وهو الأهم والأصح علميا لسوق ناشئ مثل سوق الكويت، هل يعقل أن يُستخدم التحليل الفني لأسهم شركات حديثة الإدراج في البورصة، لم يمض عليها سنة؟. أما المشكلة الأخرى فهي موجودة عند بعض مديري الصناديق، حيث انعدام الخبرة والخلفية العلمية يجعل سلوكياتهم الاستثمارية بعيدة عن المنطق والعقل. أما بخصوص نقص السيولة في السوق فأحد أهم الأسباب الكامنة وراء نقص السيولة في السوق هو زيادات رؤوس أموال الشركات وتأسيس الصناديق بمبالغ كبيرة جدا، فعدد كبير من الشركات القابضة امتصت مبالغ كبيرة من المواطنين لزيادة رؤوس أموال شركات تابعة لها أو لتأسيس شركات جديدة، وهذا هو السبب الرئيسي لنقص السيولة من السوق، إذ ان هذه الممارسات خلقت بدائل استثمارية لأدوات السوق من خارج السوق الرسمي.
هذا ومن خلال قراءة متأنية لما حدث في بورصة الكويت بعين علمية فاحصة نجد أن الأسعار تراجعت مع توقف بعض العناصر الأساسية المحركة في السوق عن التداول، فلا حجم الشركات المطروحة للبيع كبير ولا كميات الطلب كبيرة. فقد تم الاعتماد بشكل أساسي على صفقات صغيرة للضغط على الأسعار نحو الأسفل، فانهيار البورصة Market Crash يعرف بتراجع مستمر للأسعار ولو بنسب صغيرة وصولا الى مستويات سعرية اقل من الأسعار الواقعية أو الحقيقية التي يعكسها أداء الشركات، فالمشكلة تكمن إذا في مكونات السوق وآلية عملها أما العوامل التي يرددها الكثيرون فهي كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فعندما ترتفع أسعار الأسهم الى مستويات قياسية متضخمة لا تأخذ بعين الاعتبار المؤشرات الأساسية لأداء الشركات وتكون بعيدة كل البعد عن ابسط القواعد الأساسية للاستثمار الرشيد فانه من الطبيعي أن تنفجر هذه الفقاعة لأي سبب كان، حتى ولو كان السبب المتعلل به بعيدا بعض الشيء منطقيا أو عمليا.
الخوف الآن من أن يدخل السوق في مرحلة ما بعد الأزمة وهي مرحلة فقدان الثقة، وهذه المرحلة دخلها سوق الكويت للأوراق المالية في عامي 1998 و1999، وبالتالي فدخول الهيئة في الوقت الراهن لربما يؤجل دخول السوق في ركود وانعدام ثقة، المطلوب هو إعادة هيكلة السوق عن طريق إعادة تنظيم مكونات السوق، ووضع التشريعات اللازمة التي من شأنها أن تجعل السوق يعمل بحرية كاملة وفقا لآلية العرض والطلب دون أي تأثير من قبل أي طرف على الأخر، ان السوق الناجح يستطيع أن يجعل عوامل السوق تتحكم في إعادة الأسعار الى مستوياتها الطبيعية والمقبولة التي يجب أن تكون قريبة من السعر الحقيقي للسهم، طبعا هذا لا يتم إلا من خلال وجود إدارة رقابية على المجاميع كافة، خصوصا تلك التي تضارب على أسعار أسهمها وتجعلها في مستويات عالية جدا غير مقبولة ومضرة، فقانون الهيئة المقترح ولوائحه الداخلية لا يغني ولا يسمن من جوع إذا لم تتم دراسة آلية عمل السوق منذ أزمة المناخ وحتى الأزمة الحالية. لان مبررات الأزمات هي ذاتها، فالقانون الجديد إذا لم يستطع إعادة إصلاح الخلل الأساسي في السوق من حيث إعادة ترتيب مكونات السوق ومحركاته الأساسية، وكذلك من خلال تقويم سلوكيات المجاميع والصناديق والعمل على حل إشكالية التمويل والسيولة بحيث تكون هناك أدوات تمويلية داخل السوق، إضافة الى إعادة تثقيف المستثمرين، فان السوق سوف ينطبق عليه المثل الشعبي «عادت حليمة الى عادتها القديمة» أي كل 3 سنوات نشهد ارتفاعا في اتجاه واحد ومن ثمة اتجاه جبري واحد ومطالبات مستمرة بالتدخل والانقاذ.