يونيك
29-09-2008, 04:08 AM
شهادة - أ. د. سليمان صالح :
قال جورباتشوف: إن بوش يقود بلاده إلى ليل دامس، ولو غيره قالها ما حفلنا بها، لكن جورباتشوف خبير في سقوط الدول، فقد حاول أن يحمي الاتحاد السوفييتي من السقوط، وأن يمنع الانهيار الحتمي، لكنه لم يستطع لأن السوس كان قد نخر عظام الامبراطورية السوفييتية لسنوات طويلة، وكان الانهيار هو النهاية الوحيدة لنظام فقد قدرته على الحياة.
صدقوه !
إذا قال جورباتشوف فصدقوه، فهو يمكن أن يرى بوضوح عوامل الانهيار التي رآها من قبل، ولقد كان الرجل مخلصاً لامبراطوريته، وليس خائناً كما اتهمه الشيوعيون العرب، ومشكلته أن جاء في الوقت الخطأ، ولم يكن من الممكن أن يصلح ما أفسده الطغاة المستبدون من ستالين ولينين إلى برجنيف.
لقد زرع هؤلاء المستبدون الكراهية بين الشعوب التي تكون الامبراطورية السوفييتية، وزرعوا الخوف لسنوات طويلة بعد أن قتلوا الملايين، وهجروا ملايين أخرى، وكان الناس يؤيدون الامبراطورية خوفاً، ويلعنونها سراً.. كان كل الناس يتمنون الموت لهذه الامبراطورية، وهذا ما حدث من قبل للامبراطورية الرومانية.
جورباتشوف صاحب خبرة في سقوط الامبراطوريات، وهو يعرف أسباب الانهيار وتباشيره.. وهو لايمكن أن يغامر بمقولة كتلك إلا إذا كان يعرف صدقها وصحتها!
غرور القوة !
من المؤكد أن تجربة جورباتشوف قد علمته أن غرور القوة هو أهم عوامل انهيار الامبراطوريات، فهو يزيد كراهية الشعوب لها، ويعمي بصيرتها عن رؤية الحقائق، ويزيد قدرتها على ظلم الآخرين وقهرهم.
كان الاتحاد السوفييتي يمتلك من أسلحة الدمار الشامل ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية بكل ما تحمله من بشر وحضارات.. وكان يقف أمام الولايات المتحدة في حرب باردة طويلة، كان هناك حرص متبادل على ألا تصل إلى مرحلة الحرب الفعلية، ولقد ساهمت الحرب الباردة في التقليل من المظالم التي ارتكبتها الامبراطوريتان ضد الشعوب الضعيفة، ولكن هل ساهمت الحرب الباردة في إطالة عمر الامبراطوريتين؟! إن التحليل التاريخي يوضح أن تلك الحرب الباردة كانت ذات فائدة كبيرة للامبراطوريتين، وأنها ساهمت في زيادة قوتهما معاً، وبالتالي لم تكن من العوامل التي أدت لانهيار الاتحاد السوفييتي.
الحرب في بر أفغانستان
لكن غرور القوة دفع الاتحاد السوفييتي إلى غزو أفغانستان، وقد نجح في احتلال تلك الدولة الضعيفة وإسقاط نظامها في ساعات قليلة، فلا قبل لشعب أفغانستان الضعيف بمواجهة القوة السوفييتية بشكل مباشر.. حيث حصدت الطائرات آلاف الأرواح، وتكفلت القوة العسكرية المتفوقة بالسيطرة على الأرض، وتشريد الملايين الذين لم يجدوا مأوى سوى معسكرات اللجوء الإجباري على الحدود مع باكستان.
تلك قصة تبدو متكررة في التاريخ، فالأقوى عسكرياً يستطيع أن يحسم المعركة لصالحه، ويسيطر على الأرض، لكن تلك لم تكن نهاية القصة ولن تكون!
أصحاب الأرض يعرفون أسرارها، ويستطيعون أن يحولوا حياة المحتل إلى جحيم، والزمن لايكون أبداً في صالح قوات الاحتلال، فهو يعطي للمقاومة خبرة وثقة وقوة، فالمقاومة يمكن أن تصبر سنوات طويلة، ولأن الاحتلال لايطيق صبراً فإن جرائمه ضد المدنيين تتزايد، وخسائره تتضاعف، فينفد صبره، وتزداد أزمته، وينكشف ضعفه.
ولقد أذلت المقاومة الأفغانية جيش الاحتلال السوفييتي، ولم تنفعه أسلحته الفتّاكة، فأصاب جنوده الخوف والرعب، وشعروا بأن مصيرهم الموت.
وأدرك الجنرالات السوفييت أن أمامهم خيارين أحلاهما مر، فإما أن تستمر تلك الحرب لسنوات أخرى طويلة، وتستمر معها الجرائم التي يرتكبونها ضد المدنيين العزل، وتستمر الخسائر، وإما الاعتراف بالهزيمة والانسحاب.
وطوال عشر سنوات لم يستطع النظام السوفييتي أن يتخذ القرار، لكنه في النهاية لم يجد حلاً سوى أن يعترف بالهزيمة، ويسحب قوته، حيث كانت الهزيمة أخف الضررين، وأهون الشرين.
وهي أيضا قصة متكررة عبر التاريخ، فالمحتل يدرك بعد مرور الزمن أنه لابد أن يرحل، وألا حياة لمحتل على أرض مغتصبة.. الأقوى يستطيع أن يحتل الأرض ويقتل البشر لسنوات طويلة، لكن الأرض تحن لأصحابها الشرعيين، ولاتعطي أسرارها لسواهم، وأصحاب الأرض لابد أن يحرروها ويطردوا الغاصبين الغزاة وإن طال الزمن، ومن لايصدق يسأل التاريخ أو يسأل جورباتشوف.
هذا ما حدث في الجزائر وفيتنام وأفغانستان، وهو ما سيحدث بكل تأكيد في فلسطين والعراق وأفغانستان.
لكن غرور القوة يحجب تلك الحقيقة عن الامبراطوريات ويدفعها للاستمرار في الاحتلال لسنوات طويلة، وارتكاب الكثير من الجرائم ضد الإنسانية.. في الوقت الذي تزداد فيه المقاومة قوة.. لكن جورباتشوف أدرك الحقيقة، وهو يوجه نصيحة مخلصة لعدو الأمس.. تلك النصيحة كانت نتيجة لخبرة تاريخية.. فقد ورث الرجل الكارثة التي صنعها الطغاة السوفييت لسنوات طويلة.. لقد ورث دولة أصاب الفساد سياستها واقتصادها وثقافتها، وحطم كل قدرتها على الحياة.
في الليل الدامس
هل رأى جورباتشوف بوادر الليل الدامس يحل بالولايات المتحدة نتيجة غرور القوة، كما حل بالاتحاد السوفييتي؟ إنه ليل يختفي فيه قمر العدالة، ونجوم الحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، ويسود فيه ظلام الظلم والقهر وتعذيب البشر، والاستعداد للحروب الاستباقية، والكذب على الشعوب وتضليلها.
من المؤكد أن جورباتشوف رأى ذلك الليل الدامس يرخي سدوله ليس على الولايات المتحدة وحدها، ولكن على العالم كله بفضل عولمتها المتوحشة التي أنفقت مئات المليارات على قتل الشعب العراقي، بينما يموت الملايين من الجوع في افريقيا دون أن يمد لهم أحد يد العون.
إن ليل العولمة الدامس يرخي سدوله على الكون ويحمل معه رياح صدام الحضارات، وإهانة المقدسات، وإذلال البشر، ويهدد بنهاية مأساوية للتاريخ.
هل يستمع مستر بوش إلى تحذير جورباتشوف، أم أن الرئيس القادم للولايات المتحدة سيواجه ذلك الموقف الذي واجهه جورباتشوف، فلايستطيع أن ينقذ العبارة الغارقة؟!
قال جورباتشوف: إن بوش يقود بلاده إلى ليل دامس، ولو غيره قالها ما حفلنا بها، لكن جورباتشوف خبير في سقوط الدول، فقد حاول أن يحمي الاتحاد السوفييتي من السقوط، وأن يمنع الانهيار الحتمي، لكنه لم يستطع لأن السوس كان قد نخر عظام الامبراطورية السوفييتية لسنوات طويلة، وكان الانهيار هو النهاية الوحيدة لنظام فقد قدرته على الحياة.
صدقوه !
إذا قال جورباتشوف فصدقوه، فهو يمكن أن يرى بوضوح عوامل الانهيار التي رآها من قبل، ولقد كان الرجل مخلصاً لامبراطوريته، وليس خائناً كما اتهمه الشيوعيون العرب، ومشكلته أن جاء في الوقت الخطأ، ولم يكن من الممكن أن يصلح ما أفسده الطغاة المستبدون من ستالين ولينين إلى برجنيف.
لقد زرع هؤلاء المستبدون الكراهية بين الشعوب التي تكون الامبراطورية السوفييتية، وزرعوا الخوف لسنوات طويلة بعد أن قتلوا الملايين، وهجروا ملايين أخرى، وكان الناس يؤيدون الامبراطورية خوفاً، ويلعنونها سراً.. كان كل الناس يتمنون الموت لهذه الامبراطورية، وهذا ما حدث من قبل للامبراطورية الرومانية.
جورباتشوف صاحب خبرة في سقوط الامبراطوريات، وهو يعرف أسباب الانهيار وتباشيره.. وهو لايمكن أن يغامر بمقولة كتلك إلا إذا كان يعرف صدقها وصحتها!
غرور القوة !
من المؤكد أن تجربة جورباتشوف قد علمته أن غرور القوة هو أهم عوامل انهيار الامبراطوريات، فهو يزيد كراهية الشعوب لها، ويعمي بصيرتها عن رؤية الحقائق، ويزيد قدرتها على ظلم الآخرين وقهرهم.
كان الاتحاد السوفييتي يمتلك من أسلحة الدمار الشامل ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية بكل ما تحمله من بشر وحضارات.. وكان يقف أمام الولايات المتحدة في حرب باردة طويلة، كان هناك حرص متبادل على ألا تصل إلى مرحلة الحرب الفعلية، ولقد ساهمت الحرب الباردة في التقليل من المظالم التي ارتكبتها الامبراطوريتان ضد الشعوب الضعيفة، ولكن هل ساهمت الحرب الباردة في إطالة عمر الامبراطوريتين؟! إن التحليل التاريخي يوضح أن تلك الحرب الباردة كانت ذات فائدة كبيرة للامبراطوريتين، وأنها ساهمت في زيادة قوتهما معاً، وبالتالي لم تكن من العوامل التي أدت لانهيار الاتحاد السوفييتي.
الحرب في بر أفغانستان
لكن غرور القوة دفع الاتحاد السوفييتي إلى غزو أفغانستان، وقد نجح في احتلال تلك الدولة الضعيفة وإسقاط نظامها في ساعات قليلة، فلا قبل لشعب أفغانستان الضعيف بمواجهة القوة السوفييتية بشكل مباشر.. حيث حصدت الطائرات آلاف الأرواح، وتكفلت القوة العسكرية المتفوقة بالسيطرة على الأرض، وتشريد الملايين الذين لم يجدوا مأوى سوى معسكرات اللجوء الإجباري على الحدود مع باكستان.
تلك قصة تبدو متكررة في التاريخ، فالأقوى عسكرياً يستطيع أن يحسم المعركة لصالحه، ويسيطر على الأرض، لكن تلك لم تكن نهاية القصة ولن تكون!
أصحاب الأرض يعرفون أسرارها، ويستطيعون أن يحولوا حياة المحتل إلى جحيم، والزمن لايكون أبداً في صالح قوات الاحتلال، فهو يعطي للمقاومة خبرة وثقة وقوة، فالمقاومة يمكن أن تصبر سنوات طويلة، ولأن الاحتلال لايطيق صبراً فإن جرائمه ضد المدنيين تتزايد، وخسائره تتضاعف، فينفد صبره، وتزداد أزمته، وينكشف ضعفه.
ولقد أذلت المقاومة الأفغانية جيش الاحتلال السوفييتي، ولم تنفعه أسلحته الفتّاكة، فأصاب جنوده الخوف والرعب، وشعروا بأن مصيرهم الموت.
وأدرك الجنرالات السوفييت أن أمامهم خيارين أحلاهما مر، فإما أن تستمر تلك الحرب لسنوات أخرى طويلة، وتستمر معها الجرائم التي يرتكبونها ضد المدنيين العزل، وتستمر الخسائر، وإما الاعتراف بالهزيمة والانسحاب.
وطوال عشر سنوات لم يستطع النظام السوفييتي أن يتخذ القرار، لكنه في النهاية لم يجد حلاً سوى أن يعترف بالهزيمة، ويسحب قوته، حيث كانت الهزيمة أخف الضررين، وأهون الشرين.
وهي أيضا قصة متكررة عبر التاريخ، فالمحتل يدرك بعد مرور الزمن أنه لابد أن يرحل، وألا حياة لمحتل على أرض مغتصبة.. الأقوى يستطيع أن يحتل الأرض ويقتل البشر لسنوات طويلة، لكن الأرض تحن لأصحابها الشرعيين، ولاتعطي أسرارها لسواهم، وأصحاب الأرض لابد أن يحرروها ويطردوا الغاصبين الغزاة وإن طال الزمن، ومن لايصدق يسأل التاريخ أو يسأل جورباتشوف.
هذا ما حدث في الجزائر وفيتنام وأفغانستان، وهو ما سيحدث بكل تأكيد في فلسطين والعراق وأفغانستان.
لكن غرور القوة يحجب تلك الحقيقة عن الامبراطوريات ويدفعها للاستمرار في الاحتلال لسنوات طويلة، وارتكاب الكثير من الجرائم ضد الإنسانية.. في الوقت الذي تزداد فيه المقاومة قوة.. لكن جورباتشوف أدرك الحقيقة، وهو يوجه نصيحة مخلصة لعدو الأمس.. تلك النصيحة كانت نتيجة لخبرة تاريخية.. فقد ورث الرجل الكارثة التي صنعها الطغاة السوفييت لسنوات طويلة.. لقد ورث دولة أصاب الفساد سياستها واقتصادها وثقافتها، وحطم كل قدرتها على الحياة.
في الليل الدامس
هل رأى جورباتشوف بوادر الليل الدامس يحل بالولايات المتحدة نتيجة غرور القوة، كما حل بالاتحاد السوفييتي؟ إنه ليل يختفي فيه قمر العدالة، ونجوم الحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، ويسود فيه ظلام الظلم والقهر وتعذيب البشر، والاستعداد للحروب الاستباقية، والكذب على الشعوب وتضليلها.
من المؤكد أن جورباتشوف رأى ذلك الليل الدامس يرخي سدوله ليس على الولايات المتحدة وحدها، ولكن على العالم كله بفضل عولمتها المتوحشة التي أنفقت مئات المليارات على قتل الشعب العراقي، بينما يموت الملايين من الجوع في افريقيا دون أن يمد لهم أحد يد العون.
إن ليل العولمة الدامس يرخي سدوله على الكون ويحمل معه رياح صدام الحضارات، وإهانة المقدسات، وإذلال البشر، ويهدد بنهاية مأساوية للتاريخ.
هل يستمع مستر بوش إلى تحذير جورباتشوف، أم أن الرئيس القادم للولايات المتحدة سيواجه ذلك الموقف الذي واجهه جورباتشوف، فلايستطيع أن ينقذ العبارة الغارقة؟!