المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأزمة المالية الأمريكية: هل تُخرب العالم اقتصاديا بعد خرابه سياسيا؟!



jo0ory.56
06-10-2008, 12:20 AM
--------------------------------------------------------------------------------

الأزمة المالية الأمريكية: هل تُخرب العالم اقتصاديا بعد خرابه سياسيا؟!


منقول من القدس العربي





من أجل فهم طبيعة السوق المالية الأمريكية ونظيراتها من الأسواق الرأسمالية، وهي الآن منتشرة في جميع أنحاء العالم، خاصةً بعد تراجع النظام الإشتراكي الذي أعقب انهيار الإتحاد السوفييتي والذي أعطى بدوره دفعة قوية للنظام الرأسمالي الغربي الذي تتبناه اليوم معظم الدول، فلا بد من التعرض لآلية عمل هذه الأسواق من حيث مصادر تمويلها، وطريقة عملها في جني الأرباح التي تشكل مصدر بقائها واستمرارها، وأخيراً من حيث زبائنها الذين يمثلون سوق عملها من حيث احتياجهم لخدماتها المالية.
هذه البنوك هي عبارة عن شركات مساهمة تتخذ من الأموال سلعة للإتجار بها من أجل جني الأرباح.
وهي تقوم ببيع الأموال بسعر يتذبذب كغيره من السلع والخدمات، وتتقاضى لقاء أي مبلغ مالي تقوم بإقراضه نسبة مئوية ربوية تسمى سعر الفائدة.
وعادة ما تكون هذه القروض العقارية مؤجلة لفترات زمنية طويلة تصل إلى ثلاثين عاماً أو أقل 20 أو أكثر، وتتأثر نسبة أرباحها بالمدة الزمنية المحدده لسداد القرض فتقل بصغر الفترة الزمنية وتزيد بطولها وهي الآن تتراوح ما بين 5.5' إلى 7' على القروض الطويلة الأمد.
وتقوم هذه البنوك بالموافقة على طلبات الزبائن الذين يستوفون الشروط الضرورية لكي يتأهلوا للحصول على هذه الموافقة، وهذه الشروط تقدم للبنك تطمينات إلى أن الزبون قادر على الوفاء بالإلتزامات المالية من حيث الدخل واستقرار الوظيفة وغيرها .
وهنا يقوم البنك بالتأكد من السيرة المالية للمقترِض مع افتراضها أن الظروف الإقتصادية للدولة ستستمر في المحافظة على نفس نسبة النمو وستقوم بتوفير فرص العمل بنفس الوتيرة مع محافظة عجلة الإنتاج العام بنفس النسبة أو أفضل إضافةً إلى عوامل أخرى كثيرة ذات حساسية عالية في تأثيرها على الإقتصاد، مثل نسبة التضخم، نسبة البطالة، سعر الصرف للدولار، الميزان التجاري، ونسبة الدين العام للدولة وأسعار المواد الأساسية الداخلة في عملية الإنتاج مثل سعر البترول والغاز وغيرها.
كل هذه العوامل المتغيرة التي أصبحت في كل يوم أكثر عرضةً لتجاذبات العرض والطلب بسبب اتساع السوق العالمية وازدياد الطلب على المواد الخام واشتداد المنافسة الدولية في كلٍ من قطاعي السلع والخدمات، جعلت الطريقة التقليدية التي تتعاطى فيها البنوك من أجل التأكد من أهلية زبائنها للحصول على القروض، طريقة فاشلة نظراً لكثرة العوامل المتغيرة وصعوبة التنبؤ بسلوك السوق الدولية وتداعياتها.
وقد أدخلت إدارة الحزب الجمهوري رزمة جديدة من المتغيرات ذات الأثر السلبي الخطير على العجلة الإقتصادية التي أصبحت تئن تحت وطأة الإنفاق العسكري الهائل. وغني عن التذكير بأن الـ 800 مليار دولار التي تكلفتها الولايات المتحدة في حروبها حتى الآن هي في معظمها ديون تستدعي السداد بغض النظر إن كان مصدرها محلياً أو من الأسواق الدولية. ولو نظرنا إلى خطة الإنقاذ التي اقترحتها الحكومة الأمريكية بـ 750 مليار دولار كان من الممكن أن تكون موجودة لو لم يتم إنفاقها على هذه الحروب.
وثمة عامل آخر قد ساعد على تفاقم الأزمة الإقتصادية بأثر رجعي، فمنذ أن بدأت الحكومة الأمريكية بفتح مجال الإستثمار لشركاتها في خارج الولايات المتحده، وقامت بتقديم التسهيلات للمستثمرين الأمريكيين مثل الإعفاء الضريبي للدخل المتأتي من الإستثمارات الخارجية.
وقد شجع هذا على هجرة الكثير من الصناعات الأمريكية للدول التي تتمتع بميزة العمالة الرخيصة والعقار الرخيص، حيث أصبح بمقدور المستثمر الأمريكي أن يخفض سعر التكلفة في عملية الإنتاج ألى أقل من النصف وأحياناً أكثر من ذلك، إضافةً للتسهيلات الضريبية.
وثمة من يعتقد بأن هذا سيعود على الولايات المتحده بالمزيد من الأرباح وهو بالتالي يصب في مصلحة الإقتصاد الأمريكي، وهذا اعتقاد ساذج يصلح فقط للمستثمر نفسه من أصحاب رؤوس الأموال والمصانع الذين ينظرون لأي وسيلة تمكنهم من مضاعفة أرباحهم التي يعيدون استثمارها في دولٍ أخرى بينما أغلقوا مصانعهم في الولايات المتحدة وقاموا بالإستغناء عن الملايين من الموظفين الذين قامت البنوك الأمريكية يوماً بإقراضهم على أمل ان يحافظوا على هذه الوظائف، وهم اليوم يدخلون في حالة إفلاس ويعجزون عن سداد الأقساط الشهرية لتلك البيوت، وتوقف غيرهم شراء بيوت جديده مما أدى إلى إدخال السوق العقارية الأمريكية في حالة كساد.
وهنا لا بد من التذكير بأن ارتفاع أسعار العقارات الذي كان قد بلغ القمة عام 2004 و2005 قد عمل كطعمٍ دسم أغرى شركات البناء وجعلها تقوم ببناء الملايين من الوحدات السكنية في كاليفورنيا وفلوريدا ونورث كارولينا وحتى نيويورك. هناك مدن كاملة جديده قد تم بنائها على أمل جني الأرباح أثناء اندفاعة السوق العقاري الجنونية، وكل هذه العقارات تم تمويلها من قبل البنوك الأمريكية مثل ليمان برذرز وميوتشيوال فَندس، الذي تم إغلاقه يوم الخميس الموافق 25/9/2008 .
عندما قامت هذه البنوك بإصدار هذه القروض طويلة الأجل، فإنها قد قامت بالمراهنة على أن جمهور المقترضين سوف يستمرون بالدفع وهي بهذا قامت بشراء الدخل الإفتراضي الذي سيجنونه خلال الثلاثين عاماً القادمة، وقامت بتحويل هذا الدخل الإفتراضي إلى سيولة نقديه فوراً، وبدأ المقترض يتصرف كمالك بيت لم يدفع منه إلا 10' أو أقل، وأحيانا لا شيء، حيث يقوم بعض عملاء البنوك بتزوير الوثائق ويلتفون على بعض الشروط المهمة من أجل الحصول على العمولة.
لقد كانت مجموعة العوامل التي ذكرناها قد دخلت على معادلة التفاعل الإقتصادي وقد كان لتزاوج هذه العوامل ودخولها الجماعي أثراً خطيراً في مدى تأثيرها على تلك البنوك التي وجدت نفسها إما أمام مستثمرٍ قام ببناء العقارات من أجل الربح ولم يتمكن من البيع بسبب انخفاض أو انعدام الطلب من المواطن المثقل بالديون وبالتالي توقف عن السداد، أو توقُف أصحاب البيوت المشتراة عن دفع أقساطهم الشهرية أيضاً، وهذا تفسره معاملات الإفلاس لمالكي البيوت المدانة للبنوك، حيث بلغت أرقاماً فلكية يصعب متابعتها لأنها تتغير باضطراد كل يوم.
ولكن هذه البنوك تعمل بناءً على ضمانات من مجموعة من المؤسسات المالية التي شُكلت بأمر من الكونغرس وهي 'فانيمي' و'فريديماك' 'FANYMAY' and 'FREADYMAC' لتقوم بضمان القروض التي تصدرها البنوك للسوق وتشكل قيمة القروض التي تضمنها ما يقارب خمسة تريليونات وهي نصف قيمة السوق العقارية الأمريكية التي تقارب العشرة تريليونات.
هاتين المؤسستين العملاقتين قد واجهتها الشهر الماضي إشكالية كبيرة في سدادها للديون المعدومة للبنوك لأنها تضمنها، مما هدد بإنهيارهما وقد تدخلت الحكومة بشراء فريديمي وقامت بدعم فاني مي بمبلغٍ 85 بليون لأن انهيارها يعني انهيار الدعامة الرئيسية للإمبراطورية المالية الأمريكية.
وهي اليوم تقدم 750 بليون لشراء القروض المعدومة من أجل التخفيف عن فانيمي وفريديمي اللتين لا تستطيعان الصمود كثيراً.
وخلاصة القول فإن سياسة العولمة وحرية التجارة قد جعلت أصحاب الأسهم في هذه البنوك الأمريكية موزعون في جميع أرجاء العالم وبالتالي فإن إفلاسها سيؤدي إلى ضياع تلك الإستثمارات التي هي الأخرى من قبل شركات في بلدان فقيرة وأصحاب أسهمها هم من تلك الدول.
هذا الإنهيار إذا ما حصل فسيكون مدوياً وسيطيح بالنظام المالي في كثير من دول العالم.. غني عن القول أن سوق الأسهم السعودية قد خسرت 17 مليار دولار في يوم واحد عقب هذه الأحداث.
هل الصورة قاتمه؟ نعم وللأسف إنها كذلك وبكل المقاييس. إنها من السوء بما يكفي لأن يجعل دول مثل روسيا وكندا وكثير من الدول تسارع لدعم بنوكها خوفاً من تداعيات انهيار لا يقل في زلزلته عن إنهيار الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) أو لربما كان الأخير أسخف من أن يقارن بهذا الذي تنادى من أجله رؤساء العالم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإن لم يعلنوا عن كونه الأخطر على طاولة البحث ولكن تصريحات الأمين العام وتصريحات المسؤولين الماليين في العالم تشير بكل وضوح إلى هذا الحدث الجلل.



كان التصور الأمريكي للعولمة يعني أن تنقض على الدول الأخرى وتتربع على عروش اقٌتصادياتها، إضافة إلى نشر الثقافة الأمريكية في كافة أرجاء المعمورة. لم تفكر أمريكا أن من يبتلع أكثر من ما يستطيع أن يهضم فإنه سيعاني من حالة انهيار داخلي في أدوات هضمه التي تقع ضحية لجشعه وشراهته.
زياد علان العينبوسي - نيويورك
zallen1217@aol. com

__________________