ابن قطر
07-10-2008, 03:13 PM
الرأي الآخر .. إنهم يسيئون لحرية التعبير..!!
بقلم : الكاتبة - مريم آل سعد .. هناك فرق بين الكتابة التنويرية الهادفة التي تفتح كوة للضوء في الجدران الصلدة لينير ويوعي ويعمر ويحارب الفساد، وبين الأقلام المضللة التي تكتب سواء بوعي أو بدون أن تدرك أبعاد ما تخطه أناملها علي الورق، أو تهتم بما قد تثيره من بلبلة ودمار في مجتمعها ما دامت تحقق به رغباتها ونزعاتها الداخلية للتفوق والشهرة والبروز.
الكتابة فعل مسؤول أشبه بالمسدس الذي يطلق الرصاصة التي قد تكون دفاعا عن الحق أو اعتداء عليه، نفس المسدس ونفس الرصاصات قد تحيي بإطلاقها بشراً وقد تحرر الأوطان وتكسب الشهادة، وقد تستبيح الحمي وتهتك الأعراض وتثير الرعب في الديار الآمنة.
باختلاف الهدف تحدث كل المتناقضات التي تتم باسم حرية التعبير والحق في النقد.
فإذا أراد هؤلاء الكتاب الإصلاح ومنفعة الغير ومساعدتهم، سيرون الأمور بوضوح وشفافية، وسيعبرون من خلال هذا المفهوم، وسيطرحون البدائل والحلول ويوضحون رؤيتهم، أما إذا كان همهم مجرد شد الأنظار ولفت الانتباه إلي وجودهم واجتذاب الناس إليهم، فإنهم سيختارون بدءا من العناوين مرورا بالمضامين والمعالجة لغة الترويع والتهويل والهجوم.
الكتابة ليست صراخا وانفعالا وفزعات، وتهويل المواقف وتضخيمها، إنها لغة التحليل والمواجهة وتبسيط الأمور للناس وتقريب الواقع لهم، وإرشادهم لحل مشاكلهم وفهمها.
و لا ينسي أي كاتب انه مساءل يوم القيامة عن ما يكتبه، فليفصل أناه الذاتية الباحثة عن الشهرة والإعجاب والتصفيق عن الأخري الموضوعية التي لا تري سوي منفعة الناس وأمنهم واستقرارهم. فمثلما يحاسب الكاتب المسؤول فانه محاسب أيضا أمام ربه وضميره بكيفية تعامله مع الأمانة التي اختار التواصل مع الناس بواسطتها وهي قلمه.
ولا ينسي أي كاتب بأنه يؤثر في تفكير الرأي العام، ومن ضمن هذا التأثير توجيهه في اتخاذ قراراته، فإذا تناول قضية كالتعليم أو الصحة أو الإسكان وبدأ يثيرها بعدوانية تهكمية، تهاجم أكثر مما تناقش، وتتهم أكثر مما تضع يدها علي الوجع، وتحدد مكانه وأعراضه ليتسني معرفته وإيجاد العلاج المناسب له، فإنه يضلل الناس والمسؤولين في آن واحد، ولا تعرف المشكلة الحقيقية من المفتعلة، وتتشابك الخيوط وتذوب الحقائق في الادعاءات، وتضيع الحقيقة، ويغيم الحل والتغييرات المرجوة، بعبارة أخري أنه بشكل ما يعمل علي تشتيت الناس وتشويه فطرتهم.
علي الكاتب أن يحسن الظن، وألا يوزع التهم جزافا، ويتأكد من صحة ما يتناوله، ويعرض وثائقه ومستنداته، وليس نقل تخرصات جوفاء أو كلام جهة موتورة،
و حتي لا يفتح أبوابا تضر بالفعل بمصالح الناس وتقلق أمنهم وتقض مضاجعهم، وفي النهاية، لن يكون هو من يدافع عنهم كما يدعي بل يكون هو من يخلق الأزمات ويروجها.
هذه الحرية الممنوحة لنا علينا بتوجيهها للخير حتي لا تضيع، وحتي لا تصبح الكلمات مطاطة ومستهلكة وكلمة حق يراد بها باطل، إننا نخشي ان يصل اليوم الذي لا يصبح فيه للنقد قيمة، من شدة ما استهلك واستخدم بغير مواضعه، ويتحول لتضخيم الأمور واستيلادها من العدم، ومن ثم توجيهها في مسارات أخري باطلة.
ولفهم العبارات السابقة فقد واجهنا بعض الظواهر التي خلقتها الأقلام غير المسؤولة وأثرت من خلال تناولها سلبا علي أرزاق الآلاف من المواطنين.
القضية الأولي: ظاهرة استقالة الموظفين من أعمالهم الحكومية بعد أن وجدوا فرص عمل أخري في البلاد توفر لهم راتبا وامتيازات أعلي من وظائفهم الآنية. لقد وجدنا الأقلام الجاهزة للتنديد والاستنكار، الباحثة عن إشارة لقذف أسهمها أو رصاصاتها بدون تفكير أو تمحيص بأبعاد الموضوع، تعلن استنكارها لهذه الاستقالات باسم حماية المواطن المستقيل ومحاربة القوي الرجعية المتخلفة للعقليات الحكومية، وفي النهاية تحركت هذه القوي الحكومية واستجابت للحملة الوطنية العاتية بمنع مسلسل الاستقالات، وصدر القرار الشهير بمنع انتقال الموظفين، فماذا حدث..؟؟ ظهرت الحقيقة، ان هذه الاستقالات في صالح المواطنين.
وان توقيفها أضر بهم وسمح باستيراد موظفين أجانب يتحلون بالخبرة المطلوبة لهذه المؤسسات الجديدة التي تحتاج خبرات لا تتوفر في حديثي التخرج القطريين، بينما القدامي يمنعهم القرار الوزاري من النقل، وبذلك ذهبت الرواتب والامتيازات الكبيرة للأجانب، وحرم المواطنون الموظفون ذوو الخبرة المتطلعون لتحسين أوضاعهم من الامتيازات الموجودة.
بعد أن نجحت طعوناتهم ودفاعاتهم الحادة ذات الصوت الشائك بالوصول إلي أصحاب القرار، وبعد صدور قرار مجلس الوزراء بتوقيف الانتقال نطق الموظفون وقد خسروا طموحاتهم وأحلامهم بفرص عمل أفضل، وقالوا: من أذن لكم بالتكلم بلساننا..؟؟ لقد أغلقتم علينا الأبواب فتعالوا افتحوها..! ويا سبحان الله بين يوم وليلة تغيرت المناداة من منع الاستقالات والحد من حدوثها إلي ضرورة فتحها ودعمها وتسهيلها..!!
القضية الثانية: مشروع البند المركزي المشهور الذي ابتلع آلاف الموظفين من جميع الأعمار والمستويات. وبدأت المقالات تذم وتقدح وتكيل الصفات والنوائب ومعظم المقالات من شخصيات لم يغطها ولم يحتوها هذا النظام بينما من طالهم غطاؤه لا ينبسون بشفه، لأنهم مسرورون من الطرح الذي يصورهم كمجني عليهم ومظلومين، وقد طحنتهم الآلة الوظيفية وتجاوزتهم بينما كانوا معطائين ومتفاعلين ومتوقدين حماسة وعطاء.
بداية لا تعني هذه المقدمة ان المحالين للبند المركزي ليسوا أكفاء او مهنيين أو إنهم لم يعطوا أفضل ما لديهم أو إنهم لم يساهموا بخدمة مؤسساتهم، بل إنها تعني ان الكفاءات المحولة قد بلغت سن التقاعد فأصبح وجودها علي هذا البند تكريما لها حيث يعتبرها علي رأس عملها، ولا يعاملها كمتقاعدة مأكولة حوافزها مقتطعة مواردها، ومعظمهم تقريبا إما أنهم طلبوا هذه الإحالة ليرتاحوا بعد عطاء أكثر من عشرين عاما أو أنهم وجدوها - عندما حدثت - أمرا مريحا وقد كفلت لهم حقوقهم المادية كاملة، بل كما قلنا اعتبروا علي رأس أعمالهم، وبالإضافة إلي ذلك بإمكانهم مزاولة أعمال حرة إذا أرادوا المزيد من الكسب أو التفرغ لأعمالهم الخاصة ان وجدت.
أما تحويل الطاقات الشابة إليه، ولم تكمل بعد السنوات الأولي من مشوارها المهني، فيعني ذلك بأن جهات عملها لا تحتاجها، وإنها مجرد عمالة فائضة تمت إحالتها لهذا البند الوسيط لتبحث من خلاله عن وظائف أخري شاغرة في الدولة مناسبة لها، بينما يظل في هذه الأثناء راتبها مستمرا.
وحتي هؤلاء الشباب الجيد أو المتراخي منهم جميعهم فضلوا الاستكانة كغيرهم الكبار السن في هذا البند، وتعودوا حياة الكسل علي العمل ما دامت رواتبهم وحوافزهم مستمرة، فلو كان لديهم اعتراض كما أعلنت الأقلام الغاضبة، لبحثوا عن عمل باختيارهم، واستقالوا من أعمالهم وتخلصوا من البند المركزي.
أنها ليست بنهاية العالم، والموظف الكفء الذي ظلم بنقله وهو طموح ويحب العمل ويريد بناء ذاته مهنيا وليس استلام راتبه فقط فبإمكانه إثبات وجوده في مكان آخر أسوة بمن يستقيلون برضاهم من أعمالهم، والإيمان بأن إدارته التي حولته، هي الخسرانة حيث فرطت فيه بينما سيتلألأ في مكان آخر، ولكن عدم رغبة الموظف نفسه بالبحث عن وظيفة والمحاولة من جديد له معني واحد، وان لم يعترف به شخصيا، وهو رغبته بالشعور بالتميز والتفوق والتأثير في مجال العمل دون ان يقدم الجهد المطلوب والتضحيات الواجبة، بل انه يمن علي عمله بوجوده العاطل, و ينتظر أن تمهد له الأجواء وتوفر له البدائل، وذلك لن يكون أبدا لأنه غير منطقي، وعليه الكفاح والعمل أن أراد إثبات وجوده، أليس لو كان لديه الطموح والرغبة في التميز الحقيقيان لما تواني عن المحاولة من جديد في عمل ومجال آخر..؟ ان هؤلاء الموظفين ما زالوا في مقتبل العمر فمن سيصدهم..؟؟ ألا يفعل ذلك الموظفون المستقيلون رغم احتجاج جهات أعمالهم التي تحتاجهم، وألا يبحثوا عن فرص أفضل، ويلتحقوا بدورات ويطوروا أنفسهم..؟؟
المهم من جديد كانت نتيجة الانتقادات التي ساقها أصحاب الأقلام الباحثة عن مكان تحت الشمس أثرها، وصدر القرار بتصفية البند المركزي، ويا سبحان الله هذا الذي تم تشبيهه بسجن الباستيل، وبذلت الأقلام جهدها لسقوطه تفاجأت بأن الناس يصرخون: من نصبكم أولياء باسمنا..؟؟ من أعطاكم الحق للتلاعب بأرزاقنا..؟؟
وهل تتحملون مسئولية تشتيت أسر لديها التزامات بنكية وقد أصبحت مهددة بالطرد من هذا البند المترف بعد سنتين ان لم تبحث لها عن عمل. لو أنها تريد العمل فعلا لا الراتب لسعت وبحثت وانتقلت، لقد كان هذا البند كالوعاء الذي يضمها والآن سيلفظها، وعليها البحث عن بدائل مكملة للنقص الذي سيلحقها بإحالتها علي التقاعد أو إنهاء خدماتها، فهل أجدتم يا أصحاب الأقلام أم أنكم لا تراعون الدقة ولا تتوخون الحرص بكتاباتكم، وتركزون علي الإثارة حيث للأسف بدلا من المساهمة برفع المشاكل أو جدتموها..!
إننا بالفعل نعاني من أقلام تائهة تبحث عن بطولة ولكن للأسف يدفع ثمن مغامراتها آلاف المواطنين الذين يفرحون عندما يستخدمهم أحد، ويعتقدون بأنه يمدحهم ويدافع عن حقوقهم، بينما يستعملهم لكي يخلق قضية، وبالفعل يخلقها ولكن ليدفعوا ثمنها غاليا في النهاية..!!
الموضوع الثالث، الجدل الذي حدث بالنسبة إلي المواطنين الذين يحق لهم الترشيح والتصويت للانتخابات البرلمانية، وتحديدهم بمن ولدوا في قطر قبل عام 1930 وثارت ضجة حاول مفتعلوها إخفاء أسبابها الحقيقية وهي إثارة زوبعة بلا سبب سوي البحث عن قضية لتشمخ أقلامهم عبرها. وإلا فمن هو القطري الذي لا يبلغ جده الثمانين عاما وهو (عمر القانون) وهذا في حالة الشباب الذين أعمارهم لا تتجاوز العشرينيات ومولود بالبلاد..؟؟
وكيف إذا كنا نتكلم عن قطريين (وهم الغالبية) الذين بلغوا هم أنفسهم عمر الخمسين أو الستين عاما، فكيف ببقية آبائهم وأجدادهم..؟؟ بالعربي الفصيح هذا التحديد عادل جدا ولم يستثني عائلة قطرية واحدة، ولو كانت تتكون من عدة أفراد يعدون علي الأصابع. وإذا جئنا للحق فان العائلات القطرية الأصيلة كانت في البلاد قبل هذا التاريخ بمئات السنين، ولكن تم شملهم بكل سكان قطر الذين وجدوا قبل ثمانين عاما فقط فأين الظلم هنا..؟؟
ان التجني الحقيقي هو إثارة هذا الموضوع الذي يضر ( البدون) الذين يعيشون المتاهة حقا بحثا عن هوية تحفظ وجودهم وتعترف بانتمائهم لهذه الأرض التي لا يعرفون غيرها، يريدون فقط الجواز الذي يضمن لهم الوظيفة والزواج وإتمام المعاملات المعطلة ويحفظ كرامة الوجه، ولكن إثارة حرمانهم في حال حصولهم علي الجنسية من حقي الانتخاب والترشيح كأولويات لا مناص منها وكحقوق لا رجعة عنها يجعل السؤال دائرا.. إنكم الآن أيها (البدون) تتوسلون للحصول علي الجنسية القطرية فقط للاعتراف بكينونتكم، وللحصول علي الأمان، ولكنكم ما ان تحصلوا عليها حتي تتطلعوا للأكثر والأكثر بأسلوب لا يراعي المنطق وخصوصا في الترشيح والانتخاب لمواقع سياسية لا نتصور أن يأتي يوما مواطنا مجنسا حديثا كالاخوة العرب أو الأفارقة أو غيرهم الذين وان نالوا الجواز القطري بسبب الرياضة أو العلاقات أو لدورهم المهني أو لأي سبب من الأسباب إلا انهم في حقيقتهم الحالية ينتمون لبلادهم الأصلية بل يتكلمون لغتها ويجاهرون بحبها ولا يغفلون انتماءهم العاطفي إليها، فهل يصح توليهم مراكز برلمانية..؟؟ علي الأقل ليحتفظ أبناء الوطن بها كميزة لا ينازعهم عليها أحد، ولا نعتقد بأن هؤلاء المجنسين سيضارون ان لم يساهموا بالتصويت أو الانتخاب، ، إلا إذا كان خشيتهم من فقد عطايا المرشحين الذين يهمهم شراء الأصوات وتحويلها إلي خانتهم، فهذه مصيبة ندعو أن يقينا الله شرها.
و من جهة أخري فان كثيرا من المواطنين لن يرشحوا ولن ينتخبوا باختيارهم، ولن ينقص ذلك منهم ولن يزيد، بل ان ذلك من الأفضل خصوصا إذا لم يجدوا المرشح الكفء، وحتي لا يدخلوا الهوجة الانتخابية لموالاه ابن عمهم علي من عداه فقط لأنه يحمل اسم القبيلة، وليس لبرنامجه الانتخابي الذي يكون كثيرا من الأحايين صوريا وليس فعليا، فهل الشطارة في تأليف الشعارات والدعاوي الانتخابية أم تطبيقها..؟؟ ولو كان ذلك ينفع لازدهرت مكاتب تصميم البرامج الانتخابية، ولعلقناها في بيوتنا نتمتع بتأثيرها الواهم علي حياتنا.
من هنا نري بأن هناك فارقا بين النقد لمجرد النقد لأنه تحطيم والنقد من اجل الإصلاح لأنه بناء، ان النقد مسؤولية قبل أن يكون حرفة، وضمير قبل كونه قدرة علي الإبداع الكتابي والتلاعب بالألفاظ،. والكتابة مسؤولية وليست وسيلة انتشار وصعود أو مجرد استعراض أو استخدام مشاعر الناس واللعب بعواطفهم. ان الكلمة الطيبة تصل، والنقد البناء يتسلل إلي العقول ويؤثر في النفوس ويغيرها. كما أن الوطنية إحساس ونتيجة وليس ثوبا يرتدي ومطية تركب حسب الرغبة والمزاج. وليس بالصراخ تعالج المشاكل كما أن القلم سلاح للخير وليس لإشاعة الفتن والانقسامات والتجريح وكيل الاتهامات والطعن في النوايا والجهود.
و سيكتشف الكاتب بنفسه أنه ليس موضوعيا لسبب واحد، عندما يتخيل نفسه هذا المسؤول أو النظام الذي ينقده ويحكم بفشله ويطالب بتغييره ويتقمص دوره، وعندما يطرح تفنيده واعتراضاته، ويتخيل ما يود أن يكون تطبيقه، ثم يطرح الخلاصة ما بين الواقع المرفوض والرؤية المطلوبة من خلاله كمسؤول وكجهاز وقانون، وليس فقط تهميشا لدور الآخرين أو اتهامهم والتقليل منهم والتباكي علي المصلحة الوطنية.
نريد النقد الذي يكشف ويوضح ويقدم البدائل وينير ويوعي، وينطلق من صدق النية ونبل المبدأ، والرغبة الحقيقية في الإصلاح والتغيير وخدمة الناس.
إذا خلا النقد من الموضوعية فانه يتحول إلي مضمون آخر للبحث عن النجومية ولفت الانتباه، وهو يعتبر أيضا سلاحا رخيصا لتصفية الحسابات وإثارة البلبلة، وتقسيم المجتمع وإثارة النعرات بين جماعاته وخلق العصبية وإيقاظ الفتنة بكل صورها، وتضخيم الوقائع وتحريفها ودفع الناس إلي توجهات تضرهم أكثر مما تنفعهم، وكم من الجرائم ترتكب باسمك يا حرية التعبير..!!
mariam.alsaad@gmail.com
بقلم : الكاتبة - مريم آل سعد .. هناك فرق بين الكتابة التنويرية الهادفة التي تفتح كوة للضوء في الجدران الصلدة لينير ويوعي ويعمر ويحارب الفساد، وبين الأقلام المضللة التي تكتب سواء بوعي أو بدون أن تدرك أبعاد ما تخطه أناملها علي الورق، أو تهتم بما قد تثيره من بلبلة ودمار في مجتمعها ما دامت تحقق به رغباتها ونزعاتها الداخلية للتفوق والشهرة والبروز.
الكتابة فعل مسؤول أشبه بالمسدس الذي يطلق الرصاصة التي قد تكون دفاعا عن الحق أو اعتداء عليه، نفس المسدس ونفس الرصاصات قد تحيي بإطلاقها بشراً وقد تحرر الأوطان وتكسب الشهادة، وقد تستبيح الحمي وتهتك الأعراض وتثير الرعب في الديار الآمنة.
باختلاف الهدف تحدث كل المتناقضات التي تتم باسم حرية التعبير والحق في النقد.
فإذا أراد هؤلاء الكتاب الإصلاح ومنفعة الغير ومساعدتهم، سيرون الأمور بوضوح وشفافية، وسيعبرون من خلال هذا المفهوم، وسيطرحون البدائل والحلول ويوضحون رؤيتهم، أما إذا كان همهم مجرد شد الأنظار ولفت الانتباه إلي وجودهم واجتذاب الناس إليهم، فإنهم سيختارون بدءا من العناوين مرورا بالمضامين والمعالجة لغة الترويع والتهويل والهجوم.
الكتابة ليست صراخا وانفعالا وفزعات، وتهويل المواقف وتضخيمها، إنها لغة التحليل والمواجهة وتبسيط الأمور للناس وتقريب الواقع لهم، وإرشادهم لحل مشاكلهم وفهمها.
و لا ينسي أي كاتب انه مساءل يوم القيامة عن ما يكتبه، فليفصل أناه الذاتية الباحثة عن الشهرة والإعجاب والتصفيق عن الأخري الموضوعية التي لا تري سوي منفعة الناس وأمنهم واستقرارهم. فمثلما يحاسب الكاتب المسؤول فانه محاسب أيضا أمام ربه وضميره بكيفية تعامله مع الأمانة التي اختار التواصل مع الناس بواسطتها وهي قلمه.
ولا ينسي أي كاتب بأنه يؤثر في تفكير الرأي العام، ومن ضمن هذا التأثير توجيهه في اتخاذ قراراته، فإذا تناول قضية كالتعليم أو الصحة أو الإسكان وبدأ يثيرها بعدوانية تهكمية، تهاجم أكثر مما تناقش، وتتهم أكثر مما تضع يدها علي الوجع، وتحدد مكانه وأعراضه ليتسني معرفته وإيجاد العلاج المناسب له، فإنه يضلل الناس والمسؤولين في آن واحد، ولا تعرف المشكلة الحقيقية من المفتعلة، وتتشابك الخيوط وتذوب الحقائق في الادعاءات، وتضيع الحقيقة، ويغيم الحل والتغييرات المرجوة، بعبارة أخري أنه بشكل ما يعمل علي تشتيت الناس وتشويه فطرتهم.
علي الكاتب أن يحسن الظن، وألا يوزع التهم جزافا، ويتأكد من صحة ما يتناوله، ويعرض وثائقه ومستنداته، وليس نقل تخرصات جوفاء أو كلام جهة موتورة،
و حتي لا يفتح أبوابا تضر بالفعل بمصالح الناس وتقلق أمنهم وتقض مضاجعهم، وفي النهاية، لن يكون هو من يدافع عنهم كما يدعي بل يكون هو من يخلق الأزمات ويروجها.
هذه الحرية الممنوحة لنا علينا بتوجيهها للخير حتي لا تضيع، وحتي لا تصبح الكلمات مطاطة ومستهلكة وكلمة حق يراد بها باطل، إننا نخشي ان يصل اليوم الذي لا يصبح فيه للنقد قيمة، من شدة ما استهلك واستخدم بغير مواضعه، ويتحول لتضخيم الأمور واستيلادها من العدم، ومن ثم توجيهها في مسارات أخري باطلة.
ولفهم العبارات السابقة فقد واجهنا بعض الظواهر التي خلقتها الأقلام غير المسؤولة وأثرت من خلال تناولها سلبا علي أرزاق الآلاف من المواطنين.
القضية الأولي: ظاهرة استقالة الموظفين من أعمالهم الحكومية بعد أن وجدوا فرص عمل أخري في البلاد توفر لهم راتبا وامتيازات أعلي من وظائفهم الآنية. لقد وجدنا الأقلام الجاهزة للتنديد والاستنكار، الباحثة عن إشارة لقذف أسهمها أو رصاصاتها بدون تفكير أو تمحيص بأبعاد الموضوع، تعلن استنكارها لهذه الاستقالات باسم حماية المواطن المستقيل ومحاربة القوي الرجعية المتخلفة للعقليات الحكومية، وفي النهاية تحركت هذه القوي الحكومية واستجابت للحملة الوطنية العاتية بمنع مسلسل الاستقالات، وصدر القرار الشهير بمنع انتقال الموظفين، فماذا حدث..؟؟ ظهرت الحقيقة، ان هذه الاستقالات في صالح المواطنين.
وان توقيفها أضر بهم وسمح باستيراد موظفين أجانب يتحلون بالخبرة المطلوبة لهذه المؤسسات الجديدة التي تحتاج خبرات لا تتوفر في حديثي التخرج القطريين، بينما القدامي يمنعهم القرار الوزاري من النقل، وبذلك ذهبت الرواتب والامتيازات الكبيرة للأجانب، وحرم المواطنون الموظفون ذوو الخبرة المتطلعون لتحسين أوضاعهم من الامتيازات الموجودة.
بعد أن نجحت طعوناتهم ودفاعاتهم الحادة ذات الصوت الشائك بالوصول إلي أصحاب القرار، وبعد صدور قرار مجلس الوزراء بتوقيف الانتقال نطق الموظفون وقد خسروا طموحاتهم وأحلامهم بفرص عمل أفضل، وقالوا: من أذن لكم بالتكلم بلساننا..؟؟ لقد أغلقتم علينا الأبواب فتعالوا افتحوها..! ويا سبحان الله بين يوم وليلة تغيرت المناداة من منع الاستقالات والحد من حدوثها إلي ضرورة فتحها ودعمها وتسهيلها..!!
القضية الثانية: مشروع البند المركزي المشهور الذي ابتلع آلاف الموظفين من جميع الأعمار والمستويات. وبدأت المقالات تذم وتقدح وتكيل الصفات والنوائب ومعظم المقالات من شخصيات لم يغطها ولم يحتوها هذا النظام بينما من طالهم غطاؤه لا ينبسون بشفه، لأنهم مسرورون من الطرح الذي يصورهم كمجني عليهم ومظلومين، وقد طحنتهم الآلة الوظيفية وتجاوزتهم بينما كانوا معطائين ومتفاعلين ومتوقدين حماسة وعطاء.
بداية لا تعني هذه المقدمة ان المحالين للبند المركزي ليسوا أكفاء او مهنيين أو إنهم لم يعطوا أفضل ما لديهم أو إنهم لم يساهموا بخدمة مؤسساتهم، بل إنها تعني ان الكفاءات المحولة قد بلغت سن التقاعد فأصبح وجودها علي هذا البند تكريما لها حيث يعتبرها علي رأس عملها، ولا يعاملها كمتقاعدة مأكولة حوافزها مقتطعة مواردها، ومعظمهم تقريبا إما أنهم طلبوا هذه الإحالة ليرتاحوا بعد عطاء أكثر من عشرين عاما أو أنهم وجدوها - عندما حدثت - أمرا مريحا وقد كفلت لهم حقوقهم المادية كاملة، بل كما قلنا اعتبروا علي رأس أعمالهم، وبالإضافة إلي ذلك بإمكانهم مزاولة أعمال حرة إذا أرادوا المزيد من الكسب أو التفرغ لأعمالهم الخاصة ان وجدت.
أما تحويل الطاقات الشابة إليه، ولم تكمل بعد السنوات الأولي من مشوارها المهني، فيعني ذلك بأن جهات عملها لا تحتاجها، وإنها مجرد عمالة فائضة تمت إحالتها لهذا البند الوسيط لتبحث من خلاله عن وظائف أخري شاغرة في الدولة مناسبة لها، بينما يظل في هذه الأثناء راتبها مستمرا.
وحتي هؤلاء الشباب الجيد أو المتراخي منهم جميعهم فضلوا الاستكانة كغيرهم الكبار السن في هذا البند، وتعودوا حياة الكسل علي العمل ما دامت رواتبهم وحوافزهم مستمرة، فلو كان لديهم اعتراض كما أعلنت الأقلام الغاضبة، لبحثوا عن عمل باختيارهم، واستقالوا من أعمالهم وتخلصوا من البند المركزي.
أنها ليست بنهاية العالم، والموظف الكفء الذي ظلم بنقله وهو طموح ويحب العمل ويريد بناء ذاته مهنيا وليس استلام راتبه فقط فبإمكانه إثبات وجوده في مكان آخر أسوة بمن يستقيلون برضاهم من أعمالهم، والإيمان بأن إدارته التي حولته، هي الخسرانة حيث فرطت فيه بينما سيتلألأ في مكان آخر، ولكن عدم رغبة الموظف نفسه بالبحث عن وظيفة والمحاولة من جديد له معني واحد، وان لم يعترف به شخصيا، وهو رغبته بالشعور بالتميز والتفوق والتأثير في مجال العمل دون ان يقدم الجهد المطلوب والتضحيات الواجبة، بل انه يمن علي عمله بوجوده العاطل, و ينتظر أن تمهد له الأجواء وتوفر له البدائل، وذلك لن يكون أبدا لأنه غير منطقي، وعليه الكفاح والعمل أن أراد إثبات وجوده، أليس لو كان لديه الطموح والرغبة في التميز الحقيقيان لما تواني عن المحاولة من جديد في عمل ومجال آخر..؟ ان هؤلاء الموظفين ما زالوا في مقتبل العمر فمن سيصدهم..؟؟ ألا يفعل ذلك الموظفون المستقيلون رغم احتجاج جهات أعمالهم التي تحتاجهم، وألا يبحثوا عن فرص أفضل، ويلتحقوا بدورات ويطوروا أنفسهم..؟؟
المهم من جديد كانت نتيجة الانتقادات التي ساقها أصحاب الأقلام الباحثة عن مكان تحت الشمس أثرها، وصدر القرار بتصفية البند المركزي، ويا سبحان الله هذا الذي تم تشبيهه بسجن الباستيل، وبذلت الأقلام جهدها لسقوطه تفاجأت بأن الناس يصرخون: من نصبكم أولياء باسمنا..؟؟ من أعطاكم الحق للتلاعب بأرزاقنا..؟؟
وهل تتحملون مسئولية تشتيت أسر لديها التزامات بنكية وقد أصبحت مهددة بالطرد من هذا البند المترف بعد سنتين ان لم تبحث لها عن عمل. لو أنها تريد العمل فعلا لا الراتب لسعت وبحثت وانتقلت، لقد كان هذا البند كالوعاء الذي يضمها والآن سيلفظها، وعليها البحث عن بدائل مكملة للنقص الذي سيلحقها بإحالتها علي التقاعد أو إنهاء خدماتها، فهل أجدتم يا أصحاب الأقلام أم أنكم لا تراعون الدقة ولا تتوخون الحرص بكتاباتكم، وتركزون علي الإثارة حيث للأسف بدلا من المساهمة برفع المشاكل أو جدتموها..!
إننا بالفعل نعاني من أقلام تائهة تبحث عن بطولة ولكن للأسف يدفع ثمن مغامراتها آلاف المواطنين الذين يفرحون عندما يستخدمهم أحد، ويعتقدون بأنه يمدحهم ويدافع عن حقوقهم، بينما يستعملهم لكي يخلق قضية، وبالفعل يخلقها ولكن ليدفعوا ثمنها غاليا في النهاية..!!
الموضوع الثالث، الجدل الذي حدث بالنسبة إلي المواطنين الذين يحق لهم الترشيح والتصويت للانتخابات البرلمانية، وتحديدهم بمن ولدوا في قطر قبل عام 1930 وثارت ضجة حاول مفتعلوها إخفاء أسبابها الحقيقية وهي إثارة زوبعة بلا سبب سوي البحث عن قضية لتشمخ أقلامهم عبرها. وإلا فمن هو القطري الذي لا يبلغ جده الثمانين عاما وهو (عمر القانون) وهذا في حالة الشباب الذين أعمارهم لا تتجاوز العشرينيات ومولود بالبلاد..؟؟
وكيف إذا كنا نتكلم عن قطريين (وهم الغالبية) الذين بلغوا هم أنفسهم عمر الخمسين أو الستين عاما، فكيف ببقية آبائهم وأجدادهم..؟؟ بالعربي الفصيح هذا التحديد عادل جدا ولم يستثني عائلة قطرية واحدة، ولو كانت تتكون من عدة أفراد يعدون علي الأصابع. وإذا جئنا للحق فان العائلات القطرية الأصيلة كانت في البلاد قبل هذا التاريخ بمئات السنين، ولكن تم شملهم بكل سكان قطر الذين وجدوا قبل ثمانين عاما فقط فأين الظلم هنا..؟؟
ان التجني الحقيقي هو إثارة هذا الموضوع الذي يضر ( البدون) الذين يعيشون المتاهة حقا بحثا عن هوية تحفظ وجودهم وتعترف بانتمائهم لهذه الأرض التي لا يعرفون غيرها، يريدون فقط الجواز الذي يضمن لهم الوظيفة والزواج وإتمام المعاملات المعطلة ويحفظ كرامة الوجه، ولكن إثارة حرمانهم في حال حصولهم علي الجنسية من حقي الانتخاب والترشيح كأولويات لا مناص منها وكحقوق لا رجعة عنها يجعل السؤال دائرا.. إنكم الآن أيها (البدون) تتوسلون للحصول علي الجنسية القطرية فقط للاعتراف بكينونتكم، وللحصول علي الأمان، ولكنكم ما ان تحصلوا عليها حتي تتطلعوا للأكثر والأكثر بأسلوب لا يراعي المنطق وخصوصا في الترشيح والانتخاب لمواقع سياسية لا نتصور أن يأتي يوما مواطنا مجنسا حديثا كالاخوة العرب أو الأفارقة أو غيرهم الذين وان نالوا الجواز القطري بسبب الرياضة أو العلاقات أو لدورهم المهني أو لأي سبب من الأسباب إلا انهم في حقيقتهم الحالية ينتمون لبلادهم الأصلية بل يتكلمون لغتها ويجاهرون بحبها ولا يغفلون انتماءهم العاطفي إليها، فهل يصح توليهم مراكز برلمانية..؟؟ علي الأقل ليحتفظ أبناء الوطن بها كميزة لا ينازعهم عليها أحد، ولا نعتقد بأن هؤلاء المجنسين سيضارون ان لم يساهموا بالتصويت أو الانتخاب، ، إلا إذا كان خشيتهم من فقد عطايا المرشحين الذين يهمهم شراء الأصوات وتحويلها إلي خانتهم، فهذه مصيبة ندعو أن يقينا الله شرها.
و من جهة أخري فان كثيرا من المواطنين لن يرشحوا ولن ينتخبوا باختيارهم، ولن ينقص ذلك منهم ولن يزيد، بل ان ذلك من الأفضل خصوصا إذا لم يجدوا المرشح الكفء، وحتي لا يدخلوا الهوجة الانتخابية لموالاه ابن عمهم علي من عداه فقط لأنه يحمل اسم القبيلة، وليس لبرنامجه الانتخابي الذي يكون كثيرا من الأحايين صوريا وليس فعليا، فهل الشطارة في تأليف الشعارات والدعاوي الانتخابية أم تطبيقها..؟؟ ولو كان ذلك ينفع لازدهرت مكاتب تصميم البرامج الانتخابية، ولعلقناها في بيوتنا نتمتع بتأثيرها الواهم علي حياتنا.
من هنا نري بأن هناك فارقا بين النقد لمجرد النقد لأنه تحطيم والنقد من اجل الإصلاح لأنه بناء، ان النقد مسؤولية قبل أن يكون حرفة، وضمير قبل كونه قدرة علي الإبداع الكتابي والتلاعب بالألفاظ،. والكتابة مسؤولية وليست وسيلة انتشار وصعود أو مجرد استعراض أو استخدام مشاعر الناس واللعب بعواطفهم. ان الكلمة الطيبة تصل، والنقد البناء يتسلل إلي العقول ويؤثر في النفوس ويغيرها. كما أن الوطنية إحساس ونتيجة وليس ثوبا يرتدي ومطية تركب حسب الرغبة والمزاج. وليس بالصراخ تعالج المشاكل كما أن القلم سلاح للخير وليس لإشاعة الفتن والانقسامات والتجريح وكيل الاتهامات والطعن في النوايا والجهود.
و سيكتشف الكاتب بنفسه أنه ليس موضوعيا لسبب واحد، عندما يتخيل نفسه هذا المسؤول أو النظام الذي ينقده ويحكم بفشله ويطالب بتغييره ويتقمص دوره، وعندما يطرح تفنيده واعتراضاته، ويتخيل ما يود أن يكون تطبيقه، ثم يطرح الخلاصة ما بين الواقع المرفوض والرؤية المطلوبة من خلاله كمسؤول وكجهاز وقانون، وليس فقط تهميشا لدور الآخرين أو اتهامهم والتقليل منهم والتباكي علي المصلحة الوطنية.
نريد النقد الذي يكشف ويوضح ويقدم البدائل وينير ويوعي، وينطلق من صدق النية ونبل المبدأ، والرغبة الحقيقية في الإصلاح والتغيير وخدمة الناس.
إذا خلا النقد من الموضوعية فانه يتحول إلي مضمون آخر للبحث عن النجومية ولفت الانتباه، وهو يعتبر أيضا سلاحا رخيصا لتصفية الحسابات وإثارة البلبلة، وتقسيم المجتمع وإثارة النعرات بين جماعاته وخلق العصبية وإيقاظ الفتنة بكل صورها، وتضخيم الوقائع وتحريفها ودفع الناس إلي توجهات تضرهم أكثر مما تنفعهم، وكم من الجرائم ترتكب باسمك يا حرية التعبير..!!
mariam.alsaad@gmail.com