المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علاقة الأزمة الحالية بتحريم الربا ................. شرح مبسط



hich
18-10-2008, 10:25 AM
يعيش العالم هذه الأيام أزمة اقتصادية كبرى لم يُشهد لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، أزمة تاريخية دفعت إلى مواقف وتصريحات تاريخية أيضاً، لم نعتد عليها، خصوصا وأنها تنبع من صميم النظام الرأسمالي والقائمين عليه والمؤثرين فيه.

وقد ذهب المحللون في تشخيص الأزمة وأسبابها مذاهب شتى، إلا أنه للوقوف على الواقع بشكل صحيح لابد من رؤية جذور الأزمة من غير تشويش ومن غير تأثر، وبعيداً عن التفسيرات التكتيكية أو السطحية، التي تربط الأزمة بأمور مثل غياب الضوابط والشفافية. من هذا المنطلق نقول:

إن الاقتصاد الرأسمالي يحوي ثلاثة أنظمة، وهي نظام الشركات المساهمة، النظام المصرفي الربوي، ونظام النقد الإلزامي.

أما نظام الشركات المساهمة، فإنه نشأ في الأصل لحماية ثروات أرباب المال والأعمال من الدائنين وأصحاب الحقوق، ولتمكين أرباب المال والأعمال من السيطرة على أموال العامة. لأن الصفة المميزة للشركة المساهمة أنها محدودة المسؤولية، فلو خسرت وأعلنت إفلاسها، فليس لأصحاب الحقوق عليها والدائنين أن يطالبوا مساهميها بشيء، وليس لهم إلا ما تبقّى من أموال في الشركة. ولهذا فالشركة المساهمة شخصية معنوية مستقلة كلياً عن مساهميها، وتجعل لصاحب الحق أن يقاضيها وحدها ولا تمكّنه من أن يقاضي مساهميها بشيء. ومن نظام الشركات المساهمة، أن أرباب المال بحاجة الى خمسين في المئة من نسبة الأسهم للسيطرة على أعمالها وأموال المساهمين، ما يجعل باقي المساهمين حملة لأوراق الأسهم فقط يتداولونها في سوق الأوراق المالية بيعاً وشراءً من غير إذن أحد. فنتج عن ذلك فئة المضاربين، وهم يعتبرون الأسهم سلعة تباع وتشترى، يجنى منها الأرباح كأي سلعة. وكلما زاد رأسمال المضارب ونفوذه كان أقدر على جني المال، من خلال التأثير في اتجاهات السوق لرفع أو خفض أسعار بعض الأسهم. وكما يحق لحملة الأسهم بيعها وشراؤها دون إذن من أحد، فإنه يحق كذلك لأرباب المال بيع الأسهم دون إذن أو إبلاغ أحد، وبالتالي بيع الأسهم والتنصّل من أي مسؤولية عن أعمال الشركة التي كانوا يسيطرون عليها ويديرونها، ويمكّن أرباب المال والمسيطرين على الشركة من استغلال ظروف الشركة والسوق عند البيع والشراء، كأن يبيعوا أسهمهم قبل الإعلان عن خسائر أو يشتروا أسهماً قبل الإعلان عن أرباح.

أما النظام المصرفي الربوي، فانه يمكّن البنوك من أموال المودعين والتصرف فيها كأنها أموال البنك وليست أموال المودعين، فهي تقرض المتداولين بالأسهم لأخذ الربا المضمون على كل تسليفة. وهذا الإقراض له كل الأثر السيئ على سوق الأوراق المالية. فبحكم نفوذ هذه البنوك وإطلاعها على خبايا السوق يمكنها أن تتوقع اتجاه الأسعار، فإن كان التوقع إلى الصعود تقرض المتداولين، مما يؤدي إلى مضاعفة الأسعار بسبب توفر الأموال للشراء، وبالتالي تتضخم عمليات التداول، وتصبح أسعار الأسهم أكبر بكثير من قيمتها الفعلية. وما أن تبدأ الأسعار بالتراجع، لأي سبب، حتى تتوقف البنوك عن الإقراض، وتبدأ ببيع أسهم المقترضين مما يؤثر على الأسعار فتتراجع أكثر، فتسرع البنوك أكثر لبيع أسهم المقترضين، وهكذا حتى يحصل الانهيار. وعليه يكون دور النظام المصرفي الربوي في سوق الأوراق المالية متنقلاً بين تضخيم التداول والأسعار وبين تقليصها.

أما نظام النقد الورقي الإلزامي «العملة الورقية»، فإنه يجعل للبنك المركزي الحق في أن يصدر عملة للتداول في بلده، بشكل أوراق مطبوعة لا قيمة عينية لها ولكنها إلزامية بالقانون وأمام القضاء لأداء الحقوق. ومعنى هذا أن للبنك المركزي أن ينشئ من الأوراق المالية ما يحتاج لتحقيق سياسة الدولة. فإذا حصل انهيار في سوق الأوراق المالية، يقوم البنك المركزي بإنشاء أموال لجعلها في متناول البنوك؛ التي أقرضت المتداولين في سوق الأسهم، حتى لا تفلس، وبذلك يحمي النظام المصرفي الربوي. وإنشاء الأموال له ثمن باهظ يتحمله عامة الناس دون أن يعوا سببه. ذلك أن إنشاء الأموال، يكثر كميات النقد المتداولة، مما يسبب انخفاض قيمة النقد، فينتج عن ذلك ارتفاع في الأسعار، أو التضخم، حيث إن التضخم يعني خفض قيمة النقد، ولهذا يشكو الاقتصاد الرأسمالي دائماً من التضخم وارتفاع الأسعار. ولا عجب من عدم صلاحية الاقتصاد الرأسمالي لأنه بني على عقيدة باطلة، جعلت للإنسان الناقص والمحدود والعاجز حق التشريع من دون الله فضلّ وأضلّ، قال سبحانه وتعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ}«المؤمنون:71»

هذا فيما يتعلق بأنظمة رئيسية في الاقتصاد الرأسمالي، أما بالنسبة للفكرة الأساس والفلسفة الرأسمالية والنظرة للمشكلة الاقتصادية «الندرة النسبية»، والنظرة لدور جهاز الثمن، والقيمة، كلها ظلمات متراكمة، لا ينفع معها ضوابط أو علاجات ترقيعية، ولا ينفع معها غير نظام بديل، إن صح التعبير، يشكل طريقة في الحياة تختلف جذرياً عما هو سائد اليوم. وهذا لا يكون إلا ضمن نظام الإسلام.

إن من فضل الله علينا أن شرع لنا نظاماً اقتصادياً خالياً من النظام المصرفي الربوي لأنه حرم الربا، ومن أسواق الأوراق المالية لأن عقد الشركة المساهمة يحتمل البطلان شرعاً، ومن نظام العملة الورقية الإلزامية لأنه أوجب الذهب قاعدة للنقد. وعالج الاقتصاد على أساس أنه قضية توزيع الثروات وليس إنتاجها، وحدد أسباب التملك، ونظم كيفية توزيع الثروة ولم يحدد الكم، فشرع للصناعة أحكاماً، وللتجارة أحكاماً، وللإجارة أحكاماً، وللزراعة أحكاماً، واعتبر أن قضية الإنتاج قضية علمية وليست اقتصادية، فخلا من الركود والكساد والتضخم والغلاء، وفوق هذا فهو ليس بحاجة إلى الارتباط باقتصاديات دول أخرى حتى ينمو.

والمقام لا يتسع للتفصيل في فلسفة هذا النظام وأحكامه، والذي ضمن العيش الهانئ للناس خلال قرون طويلة. وغني عن القول أن الإسلام لم يأت وليس من مهمته علاج المشاكل التي نتجت عن تطبيق الأنظمة الأخرى، إنما إنتاجية الإسلام وفاعليته لا يمكن تحقيقها إلا ضمن الدولة الإسلامية، الخلافة، التي تقيم أنظمة الحياة حصراً على أساس العقيدة الإسلامية، وتنظمها وفق الأحكام الشرعية التي انبثقت من هذه العقيدة.

نعود مرة أخرى إلى التأكيد على خطورة الأزمة الراهنة، والتي هي بمثابة «تسونامي» أفقد أرباب النظام الرأسمالي توازنهم، ودفعهم إلى معالجات تخالف أسس النظام الاقتصادي الحر، من خلال التأميم الكامل أو الجزئي لكبريات المؤسسات الرأسمالية، في مشهد شاذ يمكن تلخيصه في انتهاكات «محرمات» رأسمالية!

إن تبنّي مثل هذه «المحرمات» يدل على أحد مظاهر العجز الذاتي لدى الرأسمالية في علاج مشكلة أو أزمة هي في واقعها نتيجة طبيعية لتطبيق النظام الرأسمالي، وهي أيضاً حلقة من حلقات الدورة الاقتصادية الناشئة عن تطبيق هذا النظام.

و يكفي هذا النظام فشلا ، أنه يحمل في أحشائه، الأزمات ذاتياً وطبيعياً، وليس نتيجة لظروف طارئة كالحروب والأعاصير والأمراض !!
وها هي مجلة الإيكونومست البريطانية، ذائعة الصيت، تقول «عدد 15 مايو 2008» بكل صراحة أن «الأزمات والجشع والبؤس جزء من النظام المالي الغربي، ولكن يبقى ذلك شيئاً مستحقا»، وبلسان المجلة الأصلي:

Bubbles, excess and calamity are part of the package of Western finance. And still it is worth it.

إن الخطير في الأزمة الراهنة والمتعلق بمنطقة الخليج، هو في الاتجاه نحو الاستفادة من ثروات الصناديق السيادية المستثمرة في الخارج لدعم الأسواق المالية الأميركية والأوروبية المتأزمة. وهذا وتقدّر قيمة موجودات الصناديق السيادية الخليجية بـ 1.5 ترليون دولار «نصيب الصندوق الكويتي منها حوالي 213 مليار دولار» !!فهل هذه الأموال بمأمن من الضياع في الوقت الذي نرى فيه الخسائر في كل جانب، والذعر والهلع في تصاعد، والخسائر في أموال صناديق التقاعد الأميركية لوحدها يبلغ 2 ترليون دولار؟!

أم أن التوقع هو في أن تتفرج أميركا على هذه الصناديق السيادية تذهب وتجيء كما تشاء؟!

أم أن ثرواتنا مسؤولة عن علاج تشوهات الاقتصاد الأميركي وجشع المرابين وأخطاء المقترضين؟! نذكّر في هذا السياق بجلسة استماع عقدتها لجنة شؤون الخدمات المالية التابعة للكونغرس الأميركي في شهر مارس الماضي، مع ممثلين عن وزارة الخزينة الأميركية ولجنة السندات والتداول والمصرف الاحتياطي الفيدرالي، حينما أجمع الممثلون على أن استثمارات الصناديق السيادية لم تساعد النمو الداخلي فحسب، بل ساعدت على استقرار أسواق المال والشركات الأميركية «سي ان ان، في 17 مارس 2008»، إن الأمر خطير، والثروات في خطر محدق، وإذا كان الساسة الرسميون لا يحركون ساكناً، ولو بتصريح، حول مستقبل ثروات الصناديق السيادية، فلا بد للمهتمين بالشأن العام والاقتصاديين والكتاب وعامة الناس أن يكترثوا!! ويدفعوا باتجاه واحد؛ إعادة هذه الثروات للاستثمار في بلادنا، وهي بلاد بكر مازالت – مع الأسف – تحتاج لمشاريع البنى التحتية، وللاستثمار في مشاريع إنتاج حقيقية «تكرير وبتروكيماويات وصناعات ثقيلة ...الخ» بدلا من الاستثمار في أوراق «سندات وأسهم» في مهب الريح أو ودائع في بنوك ربوية مصير أموالها المحق، كما قال الله عز وجل «يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم» وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل» والمحق: النقص والذهاب.

الكاتب الأخ العزيز صلاح الدين طعمة الشمري

hich
19-10-2008, 12:08 AM
الرجاء نقله الى النقاش الأقتصادي بناء على طلب الاخوة