المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما نوع أمريكا التي سيراها العالم بعد الأزمة؟



مقيم
18-10-2008, 12:29 PM
بقلم - جورجن مولر

تواصل هيئة المحلفين تلمس الطريق في الظلام، تتساءل عن نوع أمريكا التي سيراها العالم بعد أن تتلاشى الأزمة المالية العالمية، ويرى بعض المراقبين أن أمريكا قوية بشكل أساسي، واقتصادها النشيط تقليدياً سيصنع العجائب مرة أخرى لإعادة البلاد إلى مسارها.
ويرى آخرون أوجه الشبه مع أزمة عام 1929 ويشعرون بالارتياح من حقيقة أن أمريكا خرجت أقوى بعد الأزمة لتبرز كقوة عالمية، لكن آخرين يرون أن على أمريكا أن تصغي أكثر لسائر بقية بلدان العالم، وأنها غير قادرة على اختيار أصدقائها وأعدائها بحرية كما كان حالها من قبل.
والأزمة ما زالت تتحرك بكامل زخمها، والتطورات الجديدة المذهلة قد تغير الصورة بشكل أكبر، لكن من غير المحتمل أن تبقى أمريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية بشهامتها ونزعتها للخير، مستعدة وقادرة وقوية بشكل كاف لتنحّي مصالحها الخاصة بها من أجل مساعدة الدول الأخرى والنتيجة المرجحة أكثر هي أمريكا أكثر انطواء على نفسها، تهتم بمصالحها.
وهناك أربعة أسباب لهذا التوقع، وأولها أن الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) هز تصور المناعة الأمريكية ومع أن الحروب اللاحقة ضد الإرهابيين في أفغانستان والعراق ربما تكون عززت الوطن الأمريكي، فإن ذلك لم يكن سوى أمر مؤقت، ورغم الحشد الهائل للموارد، فإن أمريكا ما زالت متورطة في هذه البلدين، الأمر الذي يذكر العالم بحدود القوة الأمريكية.
وسياسة تشجيع الديمقراطية بصورة تتماشى مع المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية منذ أيام وودرو ويلسون لم تؤد بالضرورة إلى إعلاء شأن أمريكا لتحتل وضعاً جاذباً، كنموذج لبقية بلدان العالم، فالأمريكيون مرتبكون ومحتارون من ردة فعل العالم السلبية إلى حد كبير، ولا سيما بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لهذه النزعة الخيرية الأمريكية الجلية، ومع مرور الوقت، فإن مواقف الأمريكيين العاديين قد تتغير ويمكن لهم أن يروا العالم الخارجي
كتهديد محتمل لرفاههم الاقتصادي، وهذا توقع كان واضحاً بهجرة كثير من الوظائف إلى الهند والصين.
والسبب الثاني أن أمريكا اعتزت بنظامها الاقتصادي ورأت الإدارة المالية الأمريكية وريادة المشاريع مساهمة مهمة في تطوير العالم، ومعظم هذه الأساسيات ذاتها ذهبت الآن أدراج الرياح فلم ينهر النظام السياسي فعلياً فقط فكثير من مديري هذا النظام خرجوا ملوثين، وظهروا حافلين بالعيوب، أدبياً وأخلاقياً، حتى إن لم يكونوا اخترقوا القانون.
والاستجواب الشديد في الكابيتول هيل للرئيس السابق لبنك ليمان براذرز، ريتشارد فولد، كشف فداحة الخيانة التي شعر بها الأمريكيون العاديون. فقد كان هو وآخرون من أمثاله أيقونات، وهم الآن يعد أكثر بقليل من أشخاص طفيليين وضارين.
وبعد أن اؤتمنوا على الحلم الأمريكي، فشلوا فشلاً ذريعاً، وأساؤوا للثقة التي منحت لهم، أضف عدم الثقة في النموذج الأمريكي إلى ما أعقب الهجمات الإرهابية وسياسة خارجية أمريكية متعثرة إلى حد كبير والصورة التي تظهر وهي صورة افتقار أمريكي للإيمان بالنفس والكبرياء.
ثالثاً: في غضون ستة إلى اثني عشر شهراً، ستشهد المشاريع الأمريكية مشكلات سيولة، فإدارتها جعلت خطط الاستثمار التي تتوقع نمواً بين 2 إلى 3 في المائة، تستمر، ولا يمكن لأحد أن يلومها، حيث بدت قبل ضربة الأزمة المالية خططاً معقولة، والمشكلة أن العائدات والأرباح ستنحدر مع التباطؤ الاقتصادي والركود المحتمل، الأمر الذي يؤدي إلى عائدات أقل ونفقات عالية.
وفي الظروف العادية لن يكون هذا مشكلة لأن كثيراً من المشاريع مشاريع سليمة، وستتدخل البنوك لتجسير فجوة السيولة، لكن القصة الآن قصة أخرى، فالبنوك لا تملك أية أموال لإقراضها، وما تملكه منها سيستخدم في ترسيخ نتائجها النهائية، وتلقي بكثير من المشاريع الأمريكية التي تحتاج إلى سيولة إلى الذئاب، وقد ينجح الكثير منها، لكن بعضها لا ينجح، والشيء المخيف أن كثيراً من التي تفشل ستكون شركات مستقرة، وسيتم طرح السؤال مرة أخرى: ما الذي جانب الصواب في النموذج الأمريكي؟
رابعاً: إن التموضع العسكري في كل أرجاء العالم يكلف كثيراً من الأموال، ومثال ذلك، فإن طبقة جيرالد فورد الجديدة من حاملات الطائرات تقدر تكلفتها بنحو 11 مليار دولار للسفينة الواحدة، بما فيها تكاليف البحث والتطوير، ويحتاج سلاح البحرية الأمريكي إلى نحو 11 حاملة طائرات للحفاظ على وجود عالمي، وعلى نحو مستقل، فإن بعض أحدث السفن الحربية التي ستشكل المجموعة المرافقة لحاملة الطائرات قد تكلف ما يصل إلى خمسة مليارات دولار، ومبلغ الديون الذي يتوجب على أمريكا أن تسدده خلال العقود القليلة القادمة سيكون مبلغاً ضخماً، إضافة إلى مشتريات عسكرية أخرى في أجنحة في سلاح الجو الأمريكي مثل F-22 Raptors و Joint Strike Fighter.
وستهبط العائدات الضريبية مع اتجاهات النمو المستقبلي الأدنى بسبب الإحصائيات السكانية السلبية – أضف إلى نفقات وزارة الخزينة لإنقاذ المؤسسات المالية في هذه السنة التي يتوجب تسديدها أيضا. وإذا أخذت كل هذه الأمور معاً فإن شكوكاً بارزة حول قدرة أمريكا ورغبتها في دفع الأموال ثمناً لمثل هذه المعدات العسكرية، تبدو مثيرة للشؤم.
وسيكون هنالك تنافر في الضجة التي تطالب بتخفيض التكاليف، التي لا يمكن أن تتحقق إلا بإعادة ترتيب الأولويات للعمليات العسكرية الأمريكية في أرجاء العالم، وربما يكون الجواب تركيز القوات في الأماكن التي يحكم على أن المصالح الأمريكية الحيوية في خطر فيها، وتقليص الأعداد أو الانسحاب من المناطق التي يكون دور أمريكا فيها للحفاظ على التوازن والاستقرار.
ولا يمكن للمرء أن يعرف كيف ستبدو الصورة الجيوسياسية حين تهدأ الأمور ويظهر حدود توازن قوي جديد. وأمريكا لن تختفي بجرة قلم، وعلى مدى عدة عقود قادمة ستظل أقوى قوة، سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً، لكن القوة العسكرية ستظل نسبياً في حالة تراجع لا جدل فيه.
وفي الوقت الحالي، وتحت السطح، يسود التشكك حول مدى بقاء السياسيين والشعب الأمريكي واثقين في قدرتهم على القيادة وتحمل الأعباء الدولية وإن لزم نشر القوة، وقد يتم اللجوء إلى قوة صاعدة مثل الصين والهند وإلى قوة "قديمة" مثل أوروبا للمشاركة في عبء القيادة، لكن هل هذه القوى مستعدة وراغبة في ذلك؟
وقد ينزلق العالم إلى ارتباك عالمي كوضع قائم حاسم، وحتى نقاد أمريكا قد يتساءلون عندها فيما إذا كان ذلك هو وضع الأمور التي تم السعي إليها.
في خطاب تنصيبه يوم 20 كانون الثاني (يناير) 1960 قال الرئيس جون كينيدي: "لتعرف كل أمة، سواء أكانت تتمنى الخبر أو الشر، أننا سندفع أي ثمن ونتحمل أي عبء ونواجه أي صعوبة وندعم أي صديق ونتصدى لأي عدو، لضمان بقاء الحرية ونجاحها".

ومن غير المحتمل أن تجيء مثل هذه الكلمات من الرئيس الأمريكي المقبل حين يلقى خطاب تنصيبه بعد شهرين من الآن.