المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البورصة.. انهيار وانتحار



شورت تايم
21-10-2008, 11:07 AM
الهزيمة الجنسية: زوجة مكتئبة وزوج مفقوء العين!


انهارت البورصة فانهارت معها بيوت كثيرة. وصارت الخسارة المادية عاملاً حياتياً ضاغطاً: مشكلات زوجية معقدة، فجوات عميقة بين الأزواج أدت إلى هبوط مؤشر الحب وفقدان آخر رصيد للرغبة الجنسية، لا أحد يطيق أحداً في البيت، ورغم أن مثل هذه الأمور لا يعلن عنها غالباً، فان بعض الحالات المتضررة لجأت إلى معالجين نفسيين طلباً للدعم والمساندة واسترداد الثقة بالنفس. وامعاناً في الخوف من الانكشاف عمد بعض هؤلاء إلى تزييف المعلومات الشخصية الدالة عليه لضمان عدم افتضاح أمره.
تحولت بيوت كثيرة إلى حقل ألغام مهيأ للانفجار في أي لحظة، بسبب عدم مساندة الزوجة لزوجها الخاسر، أو خسارة الزوجات اللواتي دخلن طرفاً في المضاربات وشراء الأسهم.
إحدى الزوجات كانت تضارب بأموالها مع زوجها، وعانت بعد الخسارة اكتئابا شديداً وأمراضاً سيكوسوماتية (أي أمراض عضوية منشؤها نفسي) مثل الصداع، وآلام المعدة والقولون، ووصل الأمر إلى الشلل الهستيري، مما أدى إلى انعزالها بعيداً، متقوقعة حول الخسارة تاركة وراءها واجباتها ومسؤولياتها تجاه زوجها وأولادها وبيتها.
وثمة حالة أخرى لزوجة كانت تضارب دون علم الزوج بعد أن اقترضت من أحد أفراد عائلتها، وباعت جزءا من مجوهراتها وجزءا من ميراثها، فواجهت موقفاً متأزماً فهي لا تتحمل عبء خسارتها المادية فقط، وإنما أيضاً إخفاؤها الأمر عن زوجها، مما شكل ضغطا نفسياً كبيراً عليها، وصارت تعاني في صمت وتكتم خوفا من افتضاح أمرها. طبعاً لم يدم السر طويلاً خصوصاً أمام إلحاح الزوج على معرفة سبب تغيرها المفاجئ وانقلاب مزاجها وتعففها عن علاقتهما الجنسية، وإهمالها نفسها وأبناءها، وتحول المنزل إلى قنبلة موقوتة بسبب عصبيتها الزائدة، وانفعالاتها غير الموجهة وصبها غضبها على كل من يقابلها خصوصاً الخادمات أو الأطفال، الأمر الذي جعلها تنهار اعترافاً للزوج، الذي لم يهتم إلا بعدم مصارحتها له بمضاربتها في البورصة، واعتبر ذلك عدم احترام له وتقليلا من شأنه، ففضل أن ينتقل من البيت إلى شقة بدلاً من الطلاق وتشريد الأطفال.

ضرب رأسه في الحائط
وشهدت العيادات النفسية حالات كثيرة من المتداولين الذين أثرت فيهم الخسارة نفسياً، وأنهكهم الحزن والاكتئاب، وانهارت مقاومتهم فلجأوا إلى العلاج النفسي. وأعتقد ان هذه خطوة في مصلحتهم. أحد المضاربين الخاسرين وصل إلى العيادة فاقداً للوعي بعد أن ظل يضرب برأسه حائط حجرته، التي انعزل فيها إثر خلافات شديدة مع زوجته التي طعنته بسهام الخزي ونعتته بصفات لم يحتمل سماعها، وساوت بين خسارته في البورصة وفقدانه لرجولته، وأفشت سر علاقتهما الجنسية الفاشلة أمام أبنائه، فأدى به الأمر إلى اكتئاب شديد وانهيار نفسي، ولم يستجب للعلاج إلا بعد أن أخذ وعدا من الأطباء وفريق العلاج بعدم زيارة أسرته له أو معرفة أي معلومات عنه. فقد تكون الوحدة أحيانا دواء لمن فقد الأمان والغفران في قلوب المحيطين به.
كما حدثتني إحدى الزوجات، التي خسر زوجها جزءا كبيرا من أموالها، بأنها لم تعد تتقبل زوجها نفسياً وتشعر بالضيق منه لأنه أصّر على أن يأخذ مالها دون رضاها ليعوّض خسارته الأولى، فإذا به يخسر للمرة الثانية بشكل يصعب تعويضه، مما أثر سلباً في توافقهما النفسي وعلاقتهما الجنسية التي أصبحت لا تستطيع الانسجام معها، خصوصاً مع تخيل دائم يراودها أثناء الممارسة الجنسية بأن زوجها ذو وجه قبيح ومفقوء العين، ما يجعلها تصرخ فجأة في فزع وتنهي الممارسة بطريقة مهينة لزوجها. تلك الصورة التي تحمل في طياتها مخزوناً نفسياً سلبياً عن الشريك، وتشوه صورته المرسومة بألوان كئيبة، لتصبح الخسارة مضاعفة معنويا وماديا، خصوصاً أن هذا الاضطراب في العلاقة الزوجية طال الأبناء أيضاً الذين يشهدون يومياً مشاجرات وحالة احتقان دائمة ومستمرة في البيت، مما أثر بوضوح في تحصيلهم الدراسي، وتشوه صورة الأب والأم في داخلهم، وافتقادهم الأمان النفسي والاجتماعي.

مؤشر الجنس
هذه الحالات تكشف طبيعة علاقتنا بالآخرين. فهذه العلاقة تظل دوما ناعمة ورقيقة وجيدة طالما لم تخدشها الخسارة، ولم توضع على محك حقيقي. ودائما ما أسأل الأشخاص الذين يلجأون إلى الاستشارات الزوجية عن تفاصيل الحياة الجنسية مع شركائهم، لأن الجنس مؤشر حقيقي لقوة العلاقة الزوجية أو ضعفها، وتراجعه خصوصاً في الظروف الحياتية المؤلمة، يعكس زيف العلاقة.
يعطي علماء النفس أهمية مميزة لدور العلاقة الجنسية في تخفيف أعراض ما بعد الصدمة. ويعتبرون أن العلاقة الجنسية الجيدة والمشبعة للطرفين قادرة على تقليل حدة الاكتئاب للطرف المتضرر، وزيادة قدرته على مواجهة المواقف الضاغطة، ورفع ثقته بنفسه، لأنه يشعر بالقبول النفسي والجسدي والعاطفي من الشريك، مما يمنحه قدرة كبيرة على مواجهة العالم، خصوصاً أن رجالاً كثيرين يلجأون للجنس باعتباره وسيلة لتخفيف الضغوط الحياتية والعمل.
أما ما نراه في الواقع الفعلي لكثير من العلاقات، فقد تحول الجنس، في ظروف الخسارة المادية، وشبه انعدام الأمل في التعويض، من كونه عاملاً إيجابياً في دعم الأزواج بعضهم لبعض، وتواصلاً حميماً يخفف وطأة الخسارة، إلى ورقة ضغط وأسلوب للعقاب يحرم الشريكين من التناغم الأسري.
إن كثيرا من الناس، خصوصاً الزوجات، يفتقدون ثقافة إدارة العلاقة الزوجية وقت الأزمة، فنجد الزوجة غاضبة ممتنعة عن ممارسة واجباتها الزوجية، عابسة الوجه، متجهمة الملامح طوال الوقت، تجتر الخسارة على كل المستويات، تفتقد الأسلوب الحضاري في التعامل واحتواء الزوج، فتتحول إلى عنصر طارد للزوج بدلا من احتوائه ومواساته ومساندته في تجاوز الموقف.

خسارة حتى الموت
وتبلغ الأزمة الروحية بين الزوجين أقصاها حين تتخلى الزوجة عن شريكها وتتركه وأولادهما عرضة لكل إحباطات الحياة، وكأن العلاقة مرهونة بالمكاسب المادية وتوفير مستوى اجتماعي معين، وتفتقد المخزون العاطفي، واحترام مشتركات أقوى من المال! لذا فإن الأزمات والشدائد فرصة عميقة لاختبار علاقات كثيرة تدعي النجاح والقوة، بينما يعشش داخلها الخواء والفشل واقتناص الفرصة للانفكاك منها، هذا الإحساس النفسي المؤلم الذي قد يدفع بالشريك في لحظة ما إلى الوصول بالخسارة حتى حدها الأقصى، وأبرز مثال على ذلك ما حدث أخيراً في مأساة الزوج المصري الذي خسر ماله في البورصة وامتنعت زوجته عن مساندته مادياً، فلجأ تحت ضغط شعور مهين بالإنكار من جانب زوجته، أو حالة انكسار نفسي مؤلمة إلى قتلها وإشعال النار فيها وقتل بعض أبنائه أيضا.. كمن يكفّر بطريقته الخاصة عن اختيار لم يحقق له الدعم المتوقع والدفء الإنساني الذي يحميه من العدم، وقتل أولاده أيضاً وكأنه يتخلص من امتداده في الحياة، يلغي وجوده الفاشل ويحكم على نفسه بعزلة أبدية داخل جدران السجن، أو الموت داخل نفسه حزناً على ذات فاشلة وآخرين أضافوا إليه متوالية خسارات إنسانية لم يحتملها.

بصيص نور
مثل هذه العلاقات البلورية القابلة للكسر في أي لحظة، لابد أن تخضع لمراجعة حقيقية من جانب الشريكين، ومعرفة ما إذا كان هذا الانحدار والتشوّه المفاجئ هما وليدا الصدمة واختلال التوازن العاطفي والأسري، خصوصاً مع تاريخ إيجابي للعلاقة وأن الأمر قابل للتدارك وإثبات متانة العلاقة ووهجها السابق، أم أنه نهاية حتمية لعلاقة فاشلة ومهزوزة ومبنية على أساس نفعي، تستمد قوتها واستمرارها مما تحققه فقط من مكاسب مادية، إذا فقدتها تحولت إلى زلزال.
إن الأحكام المطلقة والجاهزة في مثل هذه الحالات تظل حلاً مبتوراً، فالأمر يعود في المقام الأول إلى إحساس الشريك الخاسر والمتضرر وقدرته على استيعاب الموقف بموضوعية وإعادة حساباته وقدرته على التجاوز والفهم الصحيح للأزمة وتبعاتها. ويبقى احترام تاريخ العلاقة الزوجية ومؤازرة الشريك نفسيا وجسديا ومادياً، وصون عهد إنساني بأن يؤازرا بعضهما بعضا في الضراء كما كانا ينعمان بالسخاء في السراء. فليست هناك علاقة إنسانية تشترط التمتع بالجانب الإيجابي فيها فقط والتخلي عن الجانب السلبي أو التعالي عليه، فكلما أعطيت لشريكك في وقت الشدة، امتلكت عواطفه وكسبت وده وبنيت لنفسك جسراً قوياً للعبور إلى قلبه.
إن العلاقة الجنسية بين الزوجين ليست مصدراً للمتعة أو تفريغ الشهوة فقط. إنما هي وسيلة حميمة للمساندة العاطفية خصوصاً في حالة معاناة أحد الشريكين ضغوطا قوية أو أزمة عميقة، فالجسد كيان قائم بذاته، يمتلك لغته الخاصة وشيفراته المركبة التي لا يحلها سوى التواصل مع جسد آخر يفهمه ويقترب منه بحنان، وواحة يستريح عليها من عناء حياة مليئة بالمتاعب والأزمات. فالتواصل الجنسي له أهمية كبيرة لدى الرجل تحديداً، خصوصاً عند هؤلاء الذين يعتبرونه مسرباً لتفريغ طاقتهم السلبية فيتمتعون بعده بصفاء الذهن والقدرة على المواجهة.
الحب وحده يجعلنا نواجه العالم كله ونحوّ.ل الفشل إلى نجاح والهزيمة إلى انتصار.

النعيمي وبس
21-10-2008, 02:39 PM
انا لله وانا اليه راجعون الله يعوض على كل واحد خسر

Doha Land
21-10-2008, 02:54 PM
الله يكفينا الشر

ahmed jasim
21-10-2008, 04:02 PM
كتبت د. رضوى فرغلي:
انهيارات سريعة ومفاجئة في مؤشر الاسهم بدّلت حياة الكثيرين على مستوى العالم.. والكويت.
حركة عشوائية بين اللونين الاخضر والاحمر قضت على احلام اشخاص علقت كثيرا في الفضاء. صدمة قوية افقدت الكثيرين توازنهم، وخسارات قاسية قسوة الموت.
حالات كثيرة لم تفق من هول الصدمة بعد، بل تدهورت بهم الامور ودخلت في منعطف اجتماعي ونفسي واسري خطير. امثلة كثيرة لاشخاص ما زال يطاردهم شبح الخسارة وربما الفقر، ويسلبهم سعادتهم واقبالهم على الحياة. لجأ بعضهم الى شراء الاسهم بطريقة «الآجل»، آملين ان تحقق لهم ارباحا مضاعفة، لكن ما حدث ان خسارتهم قد وقعت وتكبدوا المعاناة النفسية وضاعت احلام روادتهم وغازلت عقولهم سرا، فدفعتهم للمضاربة من دون ان يخبروا احدا من افراد اسرتهم الا حينما فقدوا السيطرة على مشاعرهم المهزومة، واصبحوا بحاجة شديدة إلى من يشاركهم او يخفف عنهم معاناتهم، ويبث فيهم روح الامل، خصوصا اولئك المتعاملين ممن هم في مرحلة عمرية تسمح لهم بتدارك الكارثة، كونهم في سن ما بين 20 و 40 عاما، تلك السن التي يحلم فيها كل شخص بتكوين نفسه ماديا، حتى يستقر فيما بعد ويحصد نتيجة ما بذل من جهد ووقت. لكن في حالة الاعتماد على البورصة فقط كوسيلة للاستثمار، تأخذهم الاوهام بعيدا عن شاطئ الواقع سعيا وراء مكاسب سريعة من دون تعب او مثابرة، فيأتي الخذلان قاسيا ويحتاج الى قوة نفسية وارادة للبداية من جديد.

باعوا بيوتهم
حلم الثراء السريع دفع عددا كبيرا من المضاربين الى الاقتراض من البنوك ورهن عقاراتهم، والمغامرة بمكافأة تقاعدهم، لكن الحلم تحول الى كابوس مزعج، واضفى اللون الاحمر على حياتهم صخبا لا ينتهي حين فقدوا معظم رؤوس اموالهم، وربما كلها وكذلك ما استدانوه واصبحوا مطالبين بسداد القروض، ومهددين بخسارة كل ثرواتهم ومدخراتهم.. وحتى بيوتهم، اضافة الى الالم النفسي والاجتماعي الذي يشعرون به حين تطاردهم القضايا، وترن في اسماعهم احكام قضائية تضخّم من ازمتهم المادية، وتقلل من تقبلهم للصورة السلبية عن الذات ونظرات الآخرين لهم وربما تخلي البعض عنهم.
لم تؤثر البورصة على صغار المستثمرين فقط، انما انعكست بوضوح على اثرياء كانت خسارتهم فادحة بفقدانهم كل اموالهم وباتوا يعانون ازمة من نوع خاص، كيف سيواجهون افراد اسرهم؟ هل سيتقبل اودلادهم الانحدار فجأة الى مستوى اقتصادي واجتماعي اقل؟ كيف ستتصرف الزوجة التي اعتادت حياة مرفهة وعناية فائقة بالتفاصيل التي تستنزف اموالا طائلة للحفاظ على مظهر اجتماعي معين؟ كيف سيتحول الزوج نفسه فجأة من نمط حياة الى آخر لم يعتده، او ربما لا يملك القدرة النفسية على اعتياده؟ حالات كثيرة قد لا تستطيع فيها الاسرة التكيف مع الوضع المادي الجديد، مما يفتح باب الخلافات الزوجية والاسرية على مصراعيه ويهدد الاسرة بتصدع حقيقي لا بسبب فقدانها الاموال، وانما بسبب افتقاد الترابط العائلي وسيادة ثقافة مغلوطة تجعل من الرجل محترما ومقدرا طالما كان ممولا جيدا لاسرته ويوفر لها دخلا ماديا مرضيا، وفقدانه ذلك الدور يفقد هيبته ومكانته القيادية في الاسرة.
وعلى الرغم من ان الازمة بالغة والخسائر من الصعب تعويضها في معظم الحالات، فان الخاسرين حريصون على الكتمان، وعدم افتضاح امرهم، وعدم التصريح بالخسارة ولا بالمشكلات الاسرية والزوجية التي يعانون منها، مما خلق صعوبة حقيقية في رصد مظاهر الاضطراب النفسي والاجتماعي والجنسي بين المتضررين من انهيارات البورصة، وهو الامر نفسه في بقية الدول العربية والخليجية حيث التعتيم على كل مشكلة، لكن احيانا ينفجر البعض مرضاً او انتحاراً او كآبة او شكوى صارخة تطلب العلاج والمساندة، ولعل ما حدث اخيراً في دول كثيرة من حالات انتحار يؤكد عمق الازمة.

انتحار وموت مفاجئ
استوقفتني حالتان لرجلين مصريين، شنق احدهما نفسه، ومات الاخر اثر ازمة قلبية حادة.. لم يحتملا صدمة الخسارة، فقرر الاول انهاء مأساته بطريقته الخاصة.. ويحمل اختياره لطريقة موته دلالة رمزية قوية، ليس فقط لانه تخلص من نفسه الخاسرة او قضى على ذاته الفاشلة التي لم يستطع التكيف معها وتقبلها في كل حالاتها، وانما تكمن الدلالة في استعراض هذا الموت وتعليق جسده مشنوقا متدليا في مهانة امام الجميع الذي يعبر عن عدوان شديد على الذات، واعتذار ضمني للاخرين عن صورة أبوية أو زوجية او انسانية لم يستطع الحفاظ عليها.. احساس شديد بالذنب وضعف المواجهة ويأس بلغ حده الاقصى، مما دفعه لاستجماع ماتبقى لديه من شجاعة لوقف نزيف الخسارات في استسلام ابدي.
اما الرجل الثاني، فلم يمهله العمر كثيرا ليفكر في طريقة الخلاص من الازمة، تولى جسده تلك المهمة الشاقة، واتخذ قرارا داخليا غير خاضع للمراجعة حين توقف قلبه فجأة استجابة لحالة احباط شديدة، وحزن لم يحتمل آلامه.. رحيل هادئ من دون صخب، واستكانة لروح تعبت من الفقد، ونفس هزمتها الخسارة، ولم تمتلك الثقة الكافية في استرجاع او تعويض ما راح، فأصبحت الحياة لديه مقابل النجاح، والموت مقابل الفشل.

نظرة أخرى
لم يصل الامر في الكويت الى حد الانتحار لكن الخسارة بكل اشكالها موجعة ومحبطة في كل زمان ومكان، وان ظل تأثيرها متباينا من انسان الى اخر، فهناك نوعان من الخاسرين: الاول يتعافى بسرعة من الم الخسارة، ويلملم ذاته المبعثرة ويتخذ من ضعفه المادي حافزا للمضي قدما نحو الثبات والنجاح مرة اخرى، مهما كان المشوار طويلاً او مرهقا، فالنقود بالنسبة له مهمة، لكنها ليست اهم من نفسه واسرته وحياته.. لديه من القناعة اللا شعورية بالنجاح، والقدرة النفسية، والثقة ما يؤهله للوقوف ثانية والتصدي للازمات والمواقف الصعبة، وتحويل الفشل الى نجاح، حتى وان تخلى عنه الاقربون.
اما النوع الثاني، وهو من ادت به الخسارة الى الانتحار او الموت او المرض وتوقفت به الحياة عند تلك اللحظة من دون القدرة على تجاوزها، هو شخص علاقته بذاته مضطربة، وحبه لنفسه مشروط، فهو يحب نفسه ويقدرها ويتقبلها في حال النجاح والثراء فقط، ولا يتحملها في الازمات، فيقرر التخلص منها او يجعلها حبيسة الاضطرابات السلوكية واضطرابات النوم والاكل، ويقدم نفسه فريسة سهلة للقلق والاكتئاب واجترار الألم، تلك المعاملة السلبية مع الذات تنعكس على معاملة الاخرين له، فكيف يطلب المرء من المحيطين به ان يحترموه ويقدروه ويساندوه في ازمته ويحبوه من دون شروط وفي كل الاحوال، وهو يفتقد الى كل هذه الاشياء في تعامله مع نفسه؟!
ان الوازع الروحي الصادق والقوي، وتقبل الذات كما هي في النجاح والفشل، والقوة والضعف، تجعلنا نتعامل بثقة مع الحياة، وتجبر الاخرين على التعامل معنا من المنطلق نفسه، ويتواطأ الكون معنا ليحقق لنا احلامنا وطموحاتنا التي تحتمل دوما الربح والخسارة، فغالبا ما يكون الإخفاق اساس النجاح والشدائد تصنع الرجال، وليس مهما ان تخسر العالم كله، بل المهم ألا تخسر نفسك.

فيزيائية
21-10-2008, 04:36 PM
عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله يقول:
{ من كانت الدنيا همه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له،
ومن كانت الآخرة نيّته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة } [رواه ابن ماجه وابن حبان].

ahmed jasim
22-10-2008, 05:44 PM
البورصة.. انهيار وانتحار (3 ــ 3)

كتبت د. رضوى فرغلي:
أيهما أكثر ألماً أن يخسر الإنسان أمواله كلها أم يخسر أبناءه؟ أيهما أكثر مرارة أن يرى الرجل مؤشر الأسهم يطيح بأحلامه واستثماراته أم يرى في عيني ابنه نظرة شماتة وكراهية؟!
لقد تحول انهيار البورصة من فقدان الأموال والعقارات والسندات، إلى مرارة حادة في الصدور ومعركة صامتة بين الآباء والأبناء، بين الخاسر والمتضررين من الخسارة.
كثيرون من الآباء تلقوا ضربتين في وقت واحد: خسارة المال، وخسارة العلاقة الحميمة مع أولادهم.. فهذا ابن غير مبال لا تعنيه الأزمة من قريب أو بعيد، المهم توفير متطلباته الشخصية دون الخوض في تفاصيل.. وآخر وقف أمام أبيه بعين جامدة، وقلب متحجر يحاسبه على أفعاله بوقاحة ويطالبه بتعويض خسارتهم المادية، وثالث لم يحتمل الانهيار المفاجئ في مستوى المعيشة وشعر بخيبة الأمل واللاجدوى في دراسته وعلاقته بالأسرة ككل.. بينما قلة فقط تعاملت بنضج ومساندة ودعم حقيقي وتفهم للوضع الراهن.
إنهم أبناء يتعاملون مع آبائهم بمنطق البنك الممول، أو المشروع الاستثماري الذي يجب أن يحقق لهم أرباحاً مادية، ومستوى اجتماعياً مرموقا، وتعليما في أرقى المدارس والجامعات، وكأنه حق مطلق يجب تنفيذه من طرف واحد دون الإحساس بالمسؤولية والمشاركة في مواجهة الأزمة!
إن خذلاننا في أبنائنا يترك جراحاً لا تندمل، وندبات في الروح يبقى أثرها موجعاً ومثيراً للشجن والانكسار النفسي في أشخاص منحناهم الحياة بكل ألوانها، فتحولت الأفواه التي رضعت محبتنا إلى مدافع تطلق علينا الرصاص، فيزيدون علينا عبء الخسارة.
هنا سؤال يفرض نفسه بقوة، من المسؤول عن تلك العلاقة المشوهة بين الأب وأبنائه؟ هل هي نبت شيطاني أم مسؤولية مشتركة وأسلوب تربية لم يخلق أبوة وبنوة حقيقتين؟
حب ملوث
أغلب الآباء لا يرّبون أولادهم على المشاركة في الحياة وتحمل المسؤولية.. لا يهتمون كثيراً ببنائهم النفسي وتبادل العواطف والمشاعر الإيجابية، لا يخصصون وقتا للحوار العقلاني معهم وترسيخ علاقة محبة وصداقة واحتواء من الطرفين، بل يكتفون فقط بدورهم كبنوك أموال، متصورين أن ذلك ما يخلق تواصلاً فعلياً مع أبنائهم، ويضمن لهم أبناء متورطين فيهم عاطفياً، لكنهم يفاجأون بالحقيقة المرة حين يخسرون أموالهم أو مكانتهم الاجتماعية، ويصدمون بأرصدتهم العاطفية الفارغة في قلوب أبنائهم.
إن رصيدنا من الحب والاحترام والقبول غير المشروط عند أبنائنا هو ما يهوّن علينا خسارات الحياة ويشعرنا أننا صنعنا أبناء يقفون خلفنا، دعما ومساندة ودفعا لتجاوز أزمات لا يعوضها إلا الحب، ولكنه الحب المشترك وليس الملوث بالأنانية، وهذا لا يأتي إلا بالجهد المشترك بين الأب والأم من جانب، والأبناء من جانب آخر، لا أن يتحول الابن إلى مجرد متلق دون أن يشعر بمسؤوليته تجاه أسرته، وانتمائه لأشخاص يوفرون له حياة كريمة.
شعرت بالأسى حين عرفت مشكلة أحد المضاربين الذي خسر كل ما يمــلــك تقريبـــاً فأصــبح يعاني تقديرا سلبياً لذاته، وضعفاً شديدا في ثقته بنفسه، وشعورا عميقا بالحزن أفضى إلى حالة اكتئاب، بعد أن واجهه أحد أبنائه وناقشه بحدة جارحة بأنه كأب لم يستطع الحفاظ على الكيان المادي للأسرة، وأنه أساء إدارة أموالهم، وحرمهم مكانة اجتماعية تمكنهم من التعليم الراقي وزواج إخوته البنات بشكل مُشرّف. ولم تكن زوجته عوناً له أو جدار حماية من تقلبات الحياة، بل زادت همومه حين تواطأت مع أبنائها وطلبوا من الأب أن يتركهم ويرحل بعيداً لأن وجوده يذكرهم بالخسارة.
نسور جارحة
كما وصلتني رسالة من شخص فقد رغبته في الحياة والتواجد بين الناس حتى المقربين منه، ولجأ إلى عزلة اختيارية في مكان غير معلوم، ينهشه الحزن ويمزقه الألم لا بسبب الديون التي تراكمت عليه، وخسارته الفادحة، إنما فعل ذلك حين هددته ابنته بالسفر إلى دولة أوروبية لأنها تعجز عن مواجهة أصدقائها ومعارفها وأهل خطيبها، الذي تغيرت مشاعره نحوها فجأة بعدما عادت أسرتها إلى نقطة الصفر، فلم يحتمل الأب كونه مجرد صورة لائقة للتفاخر أمام الآخرين، وأن قيمته في قلب ابنته لا تساوي إلا ورقات ملونة، وبيتا فخما وسيارة أنيقة ومجوهرات تتزين بها.
وسط هذا الكم من الخسارات المادية والنفسية والأُسرية، يحتار العقل وتقفز الأسئلة سهاماً حادة تجرح الصمت: لماذا يتحول الأشخاص إلى نسور جارحة ينهشون بعضهم بعضاً وقت الأزمة؟ لماذا يخذلنا المقربون ويتخذون منا مسافة مؤلمة تزيد من فجيعة الخسارة؟. إنها العلاقات الهشة التي تفضح نفسها في أوقات الشدة، فيتجرأ الأبناء على آبائهم لا من منطق العتاب الحنون أو مراجعة أسباب المشكلة ومحاولة السيطرة على آثارها السلبية، والمساعدة في إيجاد حلول إيجابية، إنما من منطق اصطياد الأخطاء، وعدم الشعور بالطرف الآخر الذي غالباً لم يسع إلى الخسارة بإرادته، لكنهم لا يتورعون عن عقاب ذلك الرجل الذي لم يحقق أسطورة الإنسان الرابح دائما، أو الذي لم يعد قادراً على منحهم مستوى مادياً واجتماعياً يفخرون به، فانتهى دوره وأصبح ورقة خاسرة من السهل التخلي عنها.
فروا إلى الحب
إن الاحتواء والحب وتقدير المشاعر والاحترام، تظل وسائل سحرية لتفادي انهيارات إنسانية تدفع بالإنسان إلى حافة الهاوية، وتجعله يفكر في التخلص من حياته أو حياة من كانوا له مصدرا للاستفزاز وافتقاد الأمن النفسي. لقد وقعت الخسارة بالفعل ولم يعد يجدي التأنيب أو اللوم أو هدم البيوت أو الهرب بعيداً.. ما يجدي هو التعاطف والمساندة الحقيقية ودراسة الوضع الحالي بعناية والاستفادة من أخطاء قد تكون وقعت قصداً أو سهواً، وبالتدقيق قليلاً ندرك أن كل خسارة قابلة للتعويض إلا خسارة الإنسان لنفسه، أو أحبائه كما أنه ليس من الشجاعة والنبل أن نترك شركاءنا في حالات ضعفهم أو نتخلى عنهم أو نقصيهم لمجرد أنهم لم يصبحوا ميسورين مادياً، أو يحققوا توقعاتنا الاجتماعية، فنستغني عنهم كما نستغني عن أحذيتنا القديمة ، فالحياة الأسرية السليمة هي جدل إنساني عميق وصمام أمام ضد أي خسارة مهما كان حجمها. فتعسا لكل ابن يتصور أن أباه لمجرد خسارة المال أصبح مثل حصان عجوز يجب أن تطلق عليه رصاصة الرحمة!