المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نحد من تأثير الأزمة المالية في اقتصادنا



عميد السوق
03-11-2008, 10:42 PM
هناك ثلاثة أبعاد رئيسة لأزمة المال العالمية. أولها إفلاس أو خطر إفلاس عديد من المؤسسات المالية الكبرى في العالم، خاصة في الولايات المتحدة وغرب أوروبا، بسبب انكشافها على قطاع العقارات الأمريكي المتراجع. نظامنا البنكي، كما يبدو، غير متعرض لهذا البعد من الأزمة أو أن تعرضه محدود بحيث لا يتوقع أن يكون لذلك تأثير مهم في اقتصادنا، كما أن استثماراتنا الحكومية الخارجية هي الأخرى قد لا تكون تضررت بشكل كبير.
البعد الثاني لهذه الأزمة يتمثل في أزمة الائتمان الناتجة عن شح السيولة وتخوف البنوك من التوسع في الإقراض، وهو الأمر الذي اضطر السلطات النقدية والمالية في الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى عديدة في العالم إلى التدخل بقوة لتحقيق انفراج سريع في هذه الأزمة، باعتبار أن الدورة الائتمانية تمثل عصب النشاط الاقتصادي في الاقتصاد الرأسمالي ومحركه الأساس. أيضا هنا لا يوجد لدينا مشكلة ظاهرة، فأحجام السيولة في البنوك مرتفعة، وفي ظل عدم تعرضها لخسائر كبيرة وكون معظم إقراضها للقطاع الخاص مضمون بمستحقات هذا القطاع لدى أجهزة الدولة أو بضمان تحويل الراتب كما هو الحال بالنسبة للقروض الشخصية، فإن المخاطر التي تواجهها محدودة ولا يتوقع بالتالي أن نعاني من مشكلة ائتمانية، يضاف إلى كل ذلك أن تأثير مشكلة من هذا النوع في الاقتصاد محدود على أية حال، باعتبار أن الإنفاق الحكومي هو المحرك الأساس للنشاط الاقتصادي وليس الدورة الائتمانية كما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة.
البعد الثالث لهذه الأزمة هو تأثيرها الاقتصادي المتمثل في ما سيترتب عليها من ركود اقتصادي عالمي، وعلى خلاف البعدين السابقين للأزمة فإن تعرضنا هنا سيكون أكبر بكثير من اقتصادات عديدة في العالم، فاعتمادنا شبه الكامل على تصدير سلعة وحيدة هي النفط الخام أسعارها ترتبط بأداء الاقتصاد العالمي بشكل كامل، يعني أن حالة الركود الاقتصادي عالميا ستتسبب في تراجع كبير في أسعار النفط الخام يؤثر بحدة في إيراداتنا النفطية وحجم الإنفاق الحكومي ومن ثم على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي.
الإجراءات التي اتخذت حتى الآن هدفت إلى الحد من تأثير البعدين الأولين للأزمة، وفي ظل محدودية تأثيرهما أصلا فإن هذه الإجراءات احترازية تطمينية تظهر الجدية والحذر الذي نتعامل بها مع هذه الأزمة أكثر من كونها إجراءات ستسهم في تجنيبنا مشكلة حقيقية تهدد اقتصادنا كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وحتى بعض الدول الخليجية الأخرى، ما يعني أننا ما زلنا في حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات أخرى مختلفة تضمن الحد من تأثير البعد الثالث للأزمة المتمثل في حالة الركود الاقتصادي العالمي.
إن من أهم ما يمكن أن يسهم في الحد من تأثر اقتصادنا بهذه الأزمة هو أن نتعامل مع هذا الركود في الاقتصاد العالمي على أنه وضع مؤقت لن يتجاوز مداه على الأرجح ثلاث سنوات، بعده سيعاود الاقتصاد العالمي نموه من جديد، وترتفع أسعار النفط الخام، وتنمو إيراداتنا النفطية بقوة. التعامل مع هذا الركود على أنه وضع مؤقت يملي عدم تخفيض معدلات الإنفاق الحكومي خاصة الإنفاق الحكومي الاستثماري، باعتبار أن تراجع الإيرادات النفطية وضع مؤقت لا يبرر شد الأحزمة أو التراجع عن خطط التنمية الطموحة التي شرعنا في تنفيذها أخيرا. وتراجع أسعار السلع الأساسية عالميا في ظل حالة الركود الاقتصادي العالمي ستسهم في الواقع في زيادة فاعلية وجدوى الإنفاق الحكومي الاستثماري التي كانت تتراجع مع الارتفاع المستمر والسريع في تكلفة المشاريع الحكومية في ظل ارتفاع تكاليف المواد الأساسية خلال الفترة الماضية، من ثم فهي فرصة مناسبة للتوسع في هذا الإنفاق مع تأثير محدود في معدلات التضخم خاصة فيما لو تم استقطاب شركات عالمية كبرى للمشاركة في تنفيذ هذه المشاريع، وهذه الشركات ستكون الآن أشد رغبة من أي وقت مضى للحصول على مشاريع في ظل حالة الركود الاقتصادي التي ستسود الاقتصاد العالمي.
ففوائضنا المالية التي بنيناها خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من كافية لتمويل أي عجز في إيراداتنا النفطية عن تمويل الإنفاق الحكومي حتى لو تزايد هذا الإنفاق خلال المرحلة المقبلة، وأكبر خطر يهدد اقتصادنا حاليا هو أن نصاب بالرعب من تراجع أسعار النفط ونوقف أو نبطئ عملية التنمية، فالمطلوب هو العكس تماما، ونحتاج أن ننطلق بحزم في عملية التنمية من خلال تعاملنا الإيجابي مع هذا التراجع المؤقت في الاقتصاد العالمي. وسيزيد من مكاسبنا في هذا الشأن قيام الأجهزة الحكومية التي طرحت منافسات في الفترة الأخيرة ولم يتم ترسيتها بعد بإلغاء تلك المنافسات وطرحها من جديد، فالعروض المقدمة كانت في ظل ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية كالحديد، النحاس، والألمنيوم، وغيرها، وجميعها تراجعت أسعارها بقوة خلال الأسابيع القلية الماضية، وإعادة طرحها سيسمح بترسيتها بأسعار أقل كثيرا من السابr.