المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المصارف الإسلامية .. والأزمة المالية العالمية ؟



عميد السوق
08-11-2008, 09:22 PM
لا شك ولله الحمد أن السياسة التي تنهجها البنوك الإسلامية في السوق المحلية من التركيز بشكل أكبر على الأدوات المالية التي تتوافق مع الشريعة سواء الأدوات التمويلية أو الاستثمارية ساهمت بأن لا تتورط بشكل كبير ومباشر في الأدوات المالية المرتبطة بالرهن العقاري وهو ما أكدته النتائج المالية الربعية.
نحن نعلم أنه ومنذ فترة ليست بالقصيرة بدأت البنوك الإسلامية المتوافقة مع الشريعة بتقديم أدوات مالية متوافقة مع الشريعة، وبالتحديد مع بداية هذا العقد نجد أن المصارف المحلية أصبحت تقدم أدوات تمويلية متعددة سواء للتمويل أو الاستثمار، ولعل من أبرز الأدوات التمويلية ما يعرف بالتورق المصرفي أو كما يطلق عليه الكثير من الباحثين التورق المنظم والذي بدأ في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2000، وبعد ظهور هذا النوع من العقود توسعت المصارف المحلية في الإقراض للأفراد وذلك لما يتميز به مثل هذا النوع من العقود بانخفاض المخاطرة بالنسبة للمصارف، والتقليل من حجم التكلفة الذي يتعرض له طالب التمويل لأنه يتمكن من الحصول على التمويل دون تحمل الانخفاض الذي قد يتعرض له بسبب النقص في قيمة السلعة عند عرضها في السوق.
وقد أدى ما سبق إلى زيادة حجم الاقتراض بالنسبة للأفراد ولعل من أبرز الأسباب عاملين مهمين وهما توافر نوع من التمويل المتوافق مع الشريعة والمنخفض التكلفة على المستفيد، وهذان العاملان أثرا في زيادة حجم التمويل بالإضافة إلى توافر أنواع متعددة من البطاقات الائتمانية المتوافقة مع الشريعة والتي تقدمها جميع المصارف المحلية بدون استثناء وهذا ساهم في زيادة حجم القروض الاستهلاكية بشكل كبير حيث زاد من أقل من عشرة مليارات ريال في نهايات العقد الماضي إلى حدود المائة وثمانين مليار ريال في 2007. وهذا لا يتزامن مع نمو مماثل في عدد السكان ولا يمثل في غالبه استثمارات حقيقية أو في شراء حاجات الأفراد الأساسية مثل المنازل بل أن كثيرا منها صب في سوق الأسهم أو في السلع الكمالية.
وهذا يدعونا إلى إعادة النظر في سياسة الإقراض التي تقدمها البنوك وخاصة التي يتم استخدامها في السلع الكمالية التي قد لا يضطر إليها الفرد، والتي تمثل في النهاية عبئا على الأفراد يؤثر في مستقبلهم المالي، وكما هو معلوم الاقتصاد المحلي اليوم في أحسن أحواله ويسجل نموا عاليا ولكن الكثير لم يستفيدوا من هذا النمو أو الطفرة نتيجة للمبالغة في الاقتراض.
من خلال قراءتنا لأحكام الشريعة نجد أن الالتزام المالي أو الدين، وإن كان مباحا في حال ما إذا كان المستدين لديه القدرة على السداد في الوقت المحدد، إلا أن الدين ليس محببا إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من غلبة الدين.
وهو ما يتطلب أن يكون لدى المؤسسات المالية الإسلامية سياسة إيجابية في مسألة التمويل بمعنى أن التمويل ينبغي أن يتركز على السلع الضرورية مثل السكن أو بغرض الاستثمار وأن تكون لديها آلية لتقييم الأسعار بشكل لا يؤدي إلى استمرار زيادات الأسعار وإلا فلن نكون بمنأى من الحالة التي مرت بها المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، إذ أن الشرارة بدأت من الرهن العقاري.
كما أن إباحة العلماء لأدوات مالية تمويلية أو استثمارية لا يعني بالضرورة المبالغة في توفيرها للأفراد في ظل وجود سلبيات في تطبيقاتها تعود بالضرر على الفرد والمجتمع بشكل عام، وقد لاحظنا أن توسع المصارف في تقديم تمويل للأفراد عن طريق التورق المصرفي أدى بالكثير منهم إلى الدخول بها في سوق الأسهم ومن ثم تكبدهم خسائر كبيرة، ولولا السياسة التي تنتهجها المصارف فيما يتعلق بالضمانات التي تأخذها على الأفراد لأحدث ذلك كارثة للبنوك المحلية، ولكن الواقع أن ذلك أحدث كارثة للأفراد، ولولا رحمة الله بأن الاقتصاد المحلي في أحسن أحواله لأصبح الكثير من المواطنين في أزمة كبيرة قد يطول أمدها، ومثل هذا الأمر ينطبق أيضا على البطاقات الائتمانية.
ولذلك لا بد أن نستفيد من الأزمة العالمية في السياسة التي ينبغي أن تنتهجها المؤسسات المالية الإسلامية في الإقراض واضعة المصلحة العامة في مقدمة اعتباراتها