تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الهبوط في السوق المالي ودور المالية العامة



عميد السوق
15-11-2008, 06:04 PM
مع استمرار ظهور تداعيات الأزمة المالية العالمية على مختلف قطاعات ومفاصل الاقتصاد المالي والحقيقي وبداية دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة الركود الذي تشير بعض التوقعات في احتمال استمراره لنحو ثلاثة إلى خمسة أعوام، تبرز أهمية فهم مدى تأثير حصول ركود اقتصادي عالمي يمتد لعدة سنوات على اقتصادات قطر ودول الخليج. كما تتعاظم أهمية فهم تأثيرات الأزمة الحالية في أسواق الخليج لكون هياكلها الاقتصادية في سنوات الطفرة الاقتصادية الأخيرة تختلف عنها في أعوام الطفرة الاقتصادية الأولى في السبعينيات وبداية الثمانينيات الميلادية نظراً لانفتاحها حالياً على الاقتصاد العالمي تبعاً لعدة مؤشرات ومقاييس، منها حصول جميع دول المجلس على عضوية منظمة التجارة العالمية، ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي، وارتفاع معدلات التبادل التجاري مع الأسواق الدولية. وعلى الرغم من تفاوت درجة انفتاح دول الخليج على الاقتصاد العالمي، إلا أن الحجم الاقتصادي وتشابه هياكل الإنتاج ومستويات النمو في معظم دول الخليج تسمح بتعميم الملاحظات والاستنتاجات مع أخذ وجود اختلافات تميز كل دولة عن الأخرى في الحسبان.

بداية، أسهمت ارتفاعات أسعار النفط في الأعوام الخمسة الماضية بشكل كبير في تحقيق دول الخليج مستويات نمو مرتفعة نظراً لنمو صافي الصادرات، ارتفاع معدلات الاستهلاك نظراً لتأثير الدخل، وارتفاع مستويات الإنفاق الخاص والحكومي. وعلى الرغم من التأثير الإيجابي لجميع العوامل السابقة على مستويات النمو الاقتصادي والمالية العامة عموماً، إلا أن ارتفاع صافي الصادرات وبالتالي ارتفاع الفوائض المالية النفطية التي تراكمت يشكل شبكة أمان للمالية العامة في السنوات القليلة المقبلة في حالة ارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي حتى ولو تراجعت أسعار النفط الخام دون مستويات سعر تؤدي إلى تعادل عوائد ومصروفات الميزانية العامة. ومع بدء دخول الاقتصاد العالمي في دورة ركود كما يشير إلى ذلك كثير من التقارير، فإن من المتوقع تراجع الطلب على النفط عالمياً وبالتالي تراجع الأسعار إذا لم يتم التحكم بحجم العرض الكلي من النفط وتقليله بكمية كافية تتناسب مع تراجع الطلب الكلي لكبح أي هبوط دراماتيكي. من ناحية أخرى، فإن أي ركود اقتصادي عالمي سيؤدي إلى التقليل من مساهمة مكون صافي الصادرات وربما الاستثمار الأجنبي في النمو الاقتصادي مما يسبب تراجعا في معدلات النمو الاقتصادي الكلية إذا لم يتم تحفيز النمو الكلي باستخدام أدوات السياسة النقدية والمالية من خلال التأثير في معدلات الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي. فعلى سبيل المثال، تعد أداة السياسة النقدية الأبرز لتحفيز النمو الاقتصادي تخفيض أسعار الفائدة التي تؤدي إلى انخفاض تكلفة الاقتراض بين البنوك وعند تمريرها إلى الأفراد تؤدي إلى ارتفاع مستويات الاقتراض بهدف الاستثمار نظراً لانخفاض تكلفة التمويل وارتفاع الاستهلاك والاستثمار العقاري وسوق الأسهم مثلاً نظراً لانخفاض الفوائد على الودائع البنكية. وفي حالة قطر ، العسفإن سياسة سعر الصرف وارتباط الريال بالدولار تؤدي إلى تقييد أدوات السياسة النقدية وتحتم الاعتماد على السياسة المالية وأدواتها المتمثلة بشكل أساسي بالإنفاق الحكومي لتحفيز النمو الاقتصادي وتفادي أي دورة ركود محلية تنجم عن تراجع الاقتصاد العالمي.

كما يعزى ما حدث من تقلبات وتراجعات حادة في السوق المالية خلال الأسابيع الماضية إلى الأزمة المالية العالمية وتوقعات حدوث تأثيرات سلبية في نمو الاقتصاد المحلي بجانب عدم قدرة الأسواق على تحديد حالة الاقتصاد والشركات المدرجة في ظل حالة هيجان السوق وندرة المعلومات التي تؤدي إلى التفريق بين الشركات المعتمدة على التصدير والتي تتأثر بتراجع الاقتصاد العالمي وتلك المعتمدة على محركات نمو أخرى محلية مثلاً لا تتأثر نتائجها بالدورة الاقتصادية العالمية بدرجة مباشرة.

فمسببات حالة التذبذب والخوف التي تلف الأسواق المالية الخليجية تتفاوت من سوق إلى الأخرى، حيث إن بعضها مبرر ومنطقي لانكشاف أنظمتها المصرفية وكبريات شركاتها على قطاع عقاري يعاني تضخما في الأسعار وابتعادا عن الأساسيات المالية والتقديرات العادلة، بينما نجد البعض الآخر من الأسواق يعاني هبوطاً وتذبذباً منتظماً يطول جميع قطاعات السوق وشركاتها. وفي السوق ارتفعت حالة التذبذب مع الإعلان عن سقوط بنك الخليج الكويتي جراء تأثره بتبعات الأزمة المالية العالمية، إلا أن ارتفاع التذبذب حصل ضمن سياق هبوط متتال لسوق يغلب عليها التراجع المدفوع بمخاوف من الركود الاقتصادي العالمي وتخللتها بعض الارتفاعات التي تم مسحها بعد ذلك بتراجعات في الأيام التي تلتها.

ختاماً، مع ارتفاع تذبذبات سوق الأسهم في قطر واستمرار تراجعاتها نتيجة لحالة الخوف من تأثيرات الركود الاقتصادي العالمي السلبية على الاقتصاد المحلي، تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى أن تأخذ السياسة المالية دورها في تهدئة السوق المالية بالإعلان عن حجم الإنفاق الحكومي المتوقع ومخصصات مختلف القطاعات بجانب جدولة مشاريع البنية التحتية والاستثمار الإنتاجي العام وتوقعات تأثيرات ارتفاع الإنفاق الحكومي في النمو الاقتصادي بما يوفر الطمأنينة ويزيل الضبابية التي تلف توقعات المستثمرين بشأن السوق.