سهم عتيج
21-11-2008, 02:25 PM
الحلقة المفرغة (منقول من جريدة العرب القطرية)
لحدان بن عيسى المهندي
2008-11-19
سواء كانت حلقة مفرغة أو حلقة مفقودة فهو شيء ما مفقود يضع حاجزاً بين جهود ونوايا الإصلاح من جانب وبين واقع الإصلاح في البلد من جانب آخر.
ببساطة شديدة هذه الحلقة المفقودة هي مزية الاستماع، الاستماع إلى الطرف الآخر. فلو أننا قسمنا المجتمع القطري إلى قسمين قسم صانع للقرار وهم المدراء فما فوق، وقسم متأثر بهذا القرار وهم سواد المواطنين الأعظم، لوجدنا أن هناك فجوة كبيرة جداً من عدم الاستماع بين صانع القرار والمتأثر بهذا بالقرار، فصانع القرار في كثير من الأحيان لا يستمع إلى المتأثر بالقرار.
تجد في كثير من الأحيان أن يخرج قرار يراد به مصلحة الوطن والمواطن -وهذا على جميع المستويات بما في ذلك قوانين المرور- يكون منفرداً ودون الاستماع إلى من يتأثر بهذا القرار وهو المواطن، فيسبب ضيقاً وحرجاً للمواطن، وتكثر ردود الأفعال فتعاد صياغة ذلك القرار، ثم تعاد صياغته مرة ومرة ويعدل فينتهي ذلك القرار إلى أن يكون مشوهاً يعرج يفي بغرض ويهدر أغراضاً، تماماً كمثل الباص الذي يراد تحويله إلى غرفة نوم، تضاف عليه تعديلات كثيرة من إزالة مقاعد وإضافة حمام، ثم سد نوافذه وتغيير أبوابه إلى آخر ذلك، فيصبح كأنه غرفة، يمكن استخدامه كغرفة، لكنه ليس بغرفة وهو مع ذلك لم يعد باصاً.
في الدول الغربية عندما يراد إصدار قرار ما، أي قرار، كإنشاء شارع مثلاً أو حتى على مستوى بناء بيت بتصميم مختلف في منطقة سكنية معينة، يكون هناك ما يسمى بـ «الاستماع العام» Public hearing يجتمع فيه المواطن مع المسؤول ليتناقشا ويتناظرا ليتوصلا إلى أفضل وأنسب طريقة لصياغة وإخراج القرار، لذلك فأنت لا تجد في الغرب باصاً يتحول إلى غرفة، وإنما هو باص أو غرفة.
عندنا، حينما تكون هناك مشكلة أو شيء يستدعي إصدار قرار ما، يتخذ صانع القرار قراره وحده أو فقط باستشارة مستشاريه سواء كانوا أجانب أو ممن لا يصلحون للاستشارة، فيخرج القرار مشوهاً على نحو ما ذكرت سالفاً، والقرار الفردي مخطئ وإن أصاب. يوجد عندنا في قطر أيضاً ما يسمى بـ «قرارات الممرات»، وقد عايشت ذلك حينما كنت أعمل في وزارة البلدية سابقاً (أحدهم يقول لي أنت لا تستطيع أن تخرج من عباءة البلدية، فماذا أفعل إذا كان ذلك جزءاً من التاريخ؟) فالمسؤول يكون خارجاً من مكتبه لحضور اجتماع أو لحاجة ما أخرى، وفي الممر يأتيه أحد من يعمل عنده أو أحد «الخبراء» أو «المستشارين» يقول له: طال عمرك نحتاج إلى عمل كذا وكذا فيتناقش معه المسؤول وهو في الممر متجهاً إلى سيارته، وما أن يصل المسؤول إلى السيارة والخبير يلاحقه حتى يقول له افعل كذا وكذا واكتب لي كتاباً رسمياً لأوقعه، فيصدر قراراً هو من القوة والأهمية بمكان، ما قد تحتاج الدولة إلى سنين لتعديل آثاره السلبية، مثل هذا القرار لم يستغرق نقاشه أكثر من خمس دقائق في الممر، أما إذا كان المسؤول من أصحاب الخطوة السريعة فإن نقاش القرار لن يتعدى الدقيقتين.
الأخوة الفلسطينيون عندهم مثل يقول «مجنون يرمي حجراً في بئر، مئة عاقل لا يستطيعون إخراجه» أي أنه قد يتصرف أحدهم بجهل أو إهمال أو لا مسؤولية أو جنون يكون لهذا التصرف آثار لا يستطيع إصلاحها مئات أو آلاف العقلاء، هذا المثل ينطبق تماماً على قرارات الممرات عندنا، وما أكثر الأحجار التي ألقيت في آبارنا، أمثال قرارات الممرات هذه ليست فقط في البلدية سابقاً وإنما هي موجودة في كثير من زوايا القرار في البلد، المسؤول في قرار الممر هذا لا يستطيع لوم ذلك المستشار الذي كان يلاحقه في الممر، لأن ذلك المستشار يستطيع بذكاء أن يضع الكلام في فم المسؤول ليخرج القرار من فم المسؤول لا من المستشار، فيقتلنا المسؤول بسيف المستشار.إن سد هذه الفجوة وملء تلك الحلقة، وهي الاستماع، يكون في الشورى أو البرلمان، الشورى هي خير كلها والقرار المبني على الشورى والتشاور لهو قرار صائب وإن أخطأ. لقد نزلت آية الشورى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} والمسلمون آيبون من غزوة أحد، ونزول الآية في هذا التوقيت بالذات له دلالة عظيمة، حيث إن غزوة أحد كانت مبنية على الشورى، وقد عانى فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاناة كبيرة فقتل فيها عمه، وقتل كثير من أحب أصحابه، وجرح هو -صلى الله عليه وسلم- بجروح عظيمة، وقويت شوكة المشركين لوهلة من الزمن، فالغزوة كانت عبارة عن معاناة كبيرة، وكان الخروج إلى أحد على عكس رأي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو لم يكن يود الخروج ولكن الشورى ألزمته، وعندما عاد المسلمون من أحد يجرون جراحهم وآلامهم ومصائبهم نزلت هذه الآية في الطريق وكأنها تشير-والعلم عند الله- إلى أنه وإن جرت الشورى عليكم ما جرت لكن لا بد منها مهما حدث، والعجيب أن الله عز وجل أيضاً مع ذلك يأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يعفوا عن المسلمين ويستغفر لهم ويشاورهم { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}.
إن البرلمان القطري المنتظر سيساهم إسهاماً كبيراً في الإصلاح الداخلي، لا مانع من تأجيل البرلمان لظروف ترتئيها الدولة أو لاعتبارات سياسية قد يجهلها المواطن العادي، لكن المانع هو الإلغاء، هناك من يرهبنا من هذا البرلمان ويضرب مثالاً، هو حق يراد به باطل، ببرلمان الكويت والعواصف التي تعصف بهم هناك، وآخرها سخافة استجواب رئيس الوزراء وتعطيل الدولة بسبب معتوه دخل البلاد، لكن الفرق شاسع بين قطر والكويت -ولعل إن كان هناك مجال أن نتحدث عن هذا الفرق بين قطر والكويت– نحن نحتاج البرلمان في قطر لا لأن نحدد أو نجدد سياسة الدولة الخارجية أو غيرها من السياسات السيادية، والتي هي تدخل في منظومة عالمية واتجاهات دولية لا تستطيع حتى الدول الكبرى الخروج منها فضلاً عن قطر، لكننا نريد البرلمان للإصلاح الداخلي، نريد أن نتناقش ونتحاور حول خدماتنا العامة حول البنية التحتية والبنية الفوقية، حول خدمات الصحة، خدمات التعليم، خدمات المرور، التركيبة السكانية، الإصلاح الاجتماعي العام، إلى آخر قائمة الإصلاح، لا لنقلب الأمور رأساً على عقب وإنما لنتشاور لنصل إلى الرأي الأقرب إلى الصواب والذي تتحقق به نوايا وجهود الإصلاح، فالرأي كالحصان الشارد لا يستطيع فرد واحد أن يمسك به، لا بد أن تتحاوطه مجموعة من الناس لتمسك به، ولعل هذا ما يطلق عليه بتلاقح الأفكار، فالأفكار إذا تعددت تتلاقح تماماً كما يتلاقح النبات ليخرج الثمر الطيب الذي ينفع الله به البلاد والعباد.
إن الحلقة المفرغة أو المفقودة بين صانع القرار وبين المتأثر بالقرار هي حلقة الاستماع والمتمثلة في البرلمان المنتخب الذي طال انتظاره.
لحدان بن عيسى المهندي
2008-11-19
سواء كانت حلقة مفرغة أو حلقة مفقودة فهو شيء ما مفقود يضع حاجزاً بين جهود ونوايا الإصلاح من جانب وبين واقع الإصلاح في البلد من جانب آخر.
ببساطة شديدة هذه الحلقة المفقودة هي مزية الاستماع، الاستماع إلى الطرف الآخر. فلو أننا قسمنا المجتمع القطري إلى قسمين قسم صانع للقرار وهم المدراء فما فوق، وقسم متأثر بهذا القرار وهم سواد المواطنين الأعظم، لوجدنا أن هناك فجوة كبيرة جداً من عدم الاستماع بين صانع القرار والمتأثر بهذا بالقرار، فصانع القرار في كثير من الأحيان لا يستمع إلى المتأثر بالقرار.
تجد في كثير من الأحيان أن يخرج قرار يراد به مصلحة الوطن والمواطن -وهذا على جميع المستويات بما في ذلك قوانين المرور- يكون منفرداً ودون الاستماع إلى من يتأثر بهذا القرار وهو المواطن، فيسبب ضيقاً وحرجاً للمواطن، وتكثر ردود الأفعال فتعاد صياغة ذلك القرار، ثم تعاد صياغته مرة ومرة ويعدل فينتهي ذلك القرار إلى أن يكون مشوهاً يعرج يفي بغرض ويهدر أغراضاً، تماماً كمثل الباص الذي يراد تحويله إلى غرفة نوم، تضاف عليه تعديلات كثيرة من إزالة مقاعد وإضافة حمام، ثم سد نوافذه وتغيير أبوابه إلى آخر ذلك، فيصبح كأنه غرفة، يمكن استخدامه كغرفة، لكنه ليس بغرفة وهو مع ذلك لم يعد باصاً.
في الدول الغربية عندما يراد إصدار قرار ما، أي قرار، كإنشاء شارع مثلاً أو حتى على مستوى بناء بيت بتصميم مختلف في منطقة سكنية معينة، يكون هناك ما يسمى بـ «الاستماع العام» Public hearing يجتمع فيه المواطن مع المسؤول ليتناقشا ويتناظرا ليتوصلا إلى أفضل وأنسب طريقة لصياغة وإخراج القرار، لذلك فأنت لا تجد في الغرب باصاً يتحول إلى غرفة، وإنما هو باص أو غرفة.
عندنا، حينما تكون هناك مشكلة أو شيء يستدعي إصدار قرار ما، يتخذ صانع القرار قراره وحده أو فقط باستشارة مستشاريه سواء كانوا أجانب أو ممن لا يصلحون للاستشارة، فيخرج القرار مشوهاً على نحو ما ذكرت سالفاً، والقرار الفردي مخطئ وإن أصاب. يوجد عندنا في قطر أيضاً ما يسمى بـ «قرارات الممرات»، وقد عايشت ذلك حينما كنت أعمل في وزارة البلدية سابقاً (أحدهم يقول لي أنت لا تستطيع أن تخرج من عباءة البلدية، فماذا أفعل إذا كان ذلك جزءاً من التاريخ؟) فالمسؤول يكون خارجاً من مكتبه لحضور اجتماع أو لحاجة ما أخرى، وفي الممر يأتيه أحد من يعمل عنده أو أحد «الخبراء» أو «المستشارين» يقول له: طال عمرك نحتاج إلى عمل كذا وكذا فيتناقش معه المسؤول وهو في الممر متجهاً إلى سيارته، وما أن يصل المسؤول إلى السيارة والخبير يلاحقه حتى يقول له افعل كذا وكذا واكتب لي كتاباً رسمياً لأوقعه، فيصدر قراراً هو من القوة والأهمية بمكان، ما قد تحتاج الدولة إلى سنين لتعديل آثاره السلبية، مثل هذا القرار لم يستغرق نقاشه أكثر من خمس دقائق في الممر، أما إذا كان المسؤول من أصحاب الخطوة السريعة فإن نقاش القرار لن يتعدى الدقيقتين.
الأخوة الفلسطينيون عندهم مثل يقول «مجنون يرمي حجراً في بئر، مئة عاقل لا يستطيعون إخراجه» أي أنه قد يتصرف أحدهم بجهل أو إهمال أو لا مسؤولية أو جنون يكون لهذا التصرف آثار لا يستطيع إصلاحها مئات أو آلاف العقلاء، هذا المثل ينطبق تماماً على قرارات الممرات عندنا، وما أكثر الأحجار التي ألقيت في آبارنا، أمثال قرارات الممرات هذه ليست فقط في البلدية سابقاً وإنما هي موجودة في كثير من زوايا القرار في البلد، المسؤول في قرار الممر هذا لا يستطيع لوم ذلك المستشار الذي كان يلاحقه في الممر، لأن ذلك المستشار يستطيع بذكاء أن يضع الكلام في فم المسؤول ليخرج القرار من فم المسؤول لا من المستشار، فيقتلنا المسؤول بسيف المستشار.إن سد هذه الفجوة وملء تلك الحلقة، وهي الاستماع، يكون في الشورى أو البرلمان، الشورى هي خير كلها والقرار المبني على الشورى والتشاور لهو قرار صائب وإن أخطأ. لقد نزلت آية الشورى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} والمسلمون آيبون من غزوة أحد، ونزول الآية في هذا التوقيت بالذات له دلالة عظيمة، حيث إن غزوة أحد كانت مبنية على الشورى، وقد عانى فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاناة كبيرة فقتل فيها عمه، وقتل كثير من أحب أصحابه، وجرح هو -صلى الله عليه وسلم- بجروح عظيمة، وقويت شوكة المشركين لوهلة من الزمن، فالغزوة كانت عبارة عن معاناة كبيرة، وكان الخروج إلى أحد على عكس رأي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو لم يكن يود الخروج ولكن الشورى ألزمته، وعندما عاد المسلمون من أحد يجرون جراحهم وآلامهم ومصائبهم نزلت هذه الآية في الطريق وكأنها تشير-والعلم عند الله- إلى أنه وإن جرت الشورى عليكم ما جرت لكن لا بد منها مهما حدث، والعجيب أن الله عز وجل أيضاً مع ذلك يأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يعفوا عن المسلمين ويستغفر لهم ويشاورهم { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}.
إن البرلمان القطري المنتظر سيساهم إسهاماً كبيراً في الإصلاح الداخلي، لا مانع من تأجيل البرلمان لظروف ترتئيها الدولة أو لاعتبارات سياسية قد يجهلها المواطن العادي، لكن المانع هو الإلغاء، هناك من يرهبنا من هذا البرلمان ويضرب مثالاً، هو حق يراد به باطل، ببرلمان الكويت والعواصف التي تعصف بهم هناك، وآخرها سخافة استجواب رئيس الوزراء وتعطيل الدولة بسبب معتوه دخل البلاد، لكن الفرق شاسع بين قطر والكويت -ولعل إن كان هناك مجال أن نتحدث عن هذا الفرق بين قطر والكويت– نحن نحتاج البرلمان في قطر لا لأن نحدد أو نجدد سياسة الدولة الخارجية أو غيرها من السياسات السيادية، والتي هي تدخل في منظومة عالمية واتجاهات دولية لا تستطيع حتى الدول الكبرى الخروج منها فضلاً عن قطر، لكننا نريد البرلمان للإصلاح الداخلي، نريد أن نتناقش ونتحاور حول خدماتنا العامة حول البنية التحتية والبنية الفوقية، حول خدمات الصحة، خدمات التعليم، خدمات المرور، التركيبة السكانية، الإصلاح الاجتماعي العام، إلى آخر قائمة الإصلاح، لا لنقلب الأمور رأساً على عقب وإنما لنتشاور لنصل إلى الرأي الأقرب إلى الصواب والذي تتحقق به نوايا وجهود الإصلاح، فالرأي كالحصان الشارد لا يستطيع فرد واحد أن يمسك به، لا بد أن تتحاوطه مجموعة من الناس لتمسك به، ولعل هذا ما يطلق عليه بتلاقح الأفكار، فالأفكار إذا تعددت تتلاقح تماماً كما يتلاقح النبات ليخرج الثمر الطيب الذي ينفع الله به البلاد والعباد.
إن الحلقة المفرغة أو المفقودة بين صانع القرار وبين المتأثر بالقرار هي حلقة الاستماع والمتمثلة في البرلمان المنتخب الذي طال انتظاره.