( الفهد )
14-12-2008, 09:39 AM
أزمــــــــــــــــــــــــــــــــة الخوف وأسواق الـــــــــــــــخليج!
لكم تحدثت في مقامات عدة عن حتمية تكاملية العناصر الرئيسة في الأسواق الخليجية بشكل عام, والسوق السعودية بشكل خاص. ثمة خطوات كثيرة اتخذت لتحويل أسواقنا الخليجية إلى أسواق حقيقية كباقي دول العالم المتقدمة. الإجراءات التي تحدثت عنها في أكثر من مكان ترتكز على الانتقال من مرحلة البيع والشراء والمضاربة البسيطة, عبر جملة من الآليات والإجراءات تسهم بشكل واضح في تعميق السوق. وطالما الحديث هنا عن الإجراءات, فليس المهم كمية الإجراءات وتدفقها, لكن كيفيتها ومدى تأثيرها في السوق.
ويمكن ربط هذا بأعداد الشركات المدرجة في السوق، التي لا تعبر إطلاقاً عن عمق السوق, إذا ما غابت الديناميكية الصرفة. ليس المهم مثلاَ أن تدرج شركات (صفرية) الحضور والتأثير في السوق بشكل سلبي, ذلك أن الشركات القوية تجسد بلا شك متانة الاقتصاد. ثمة شركات في أسواق الخليج عموماً باتت في حاجة إلى إعادة النظر بشكل جدي، ولو اقتضى الأمر, تصفيتها تماماً, والارتياح منها إلى الأبد. كما أن آخر الأرقام يوضح أن 90 في المائة من المحافظ الاستثمارية في سوق الأسهم تعود إلى أفراد يتحكمون في السوق بشكل مباشر، وهذا لا يمكن في أي سوق متقدمة.
كما أن هناك تصنيفات لأسواق المال لا تعتمد على الإطلاق على القيمة السوقية أو حجم العمليات ولكنها تعتمد على ثلاث ركائز رئيسة تتمثل في الهيكلة والتنظيم، والعمق والتنوع، والشفافية والإفصاح.
ثمة أمر مهم في الأسواق الخليجية ما زال غائباً تماماً, وهو التوعية الإعلامية. كمية أخبار متواترة على مدار الساعة, لكن العقول التي تتلقى تلك المعلومات عاجزة عن تحليلها التحليل المنطقي البسيط.
ما زال إعلامنا الخليجي بشكل عام يعمل على (الضخ) دون التصفية لهذه المواد. ضخ رهيب جداً من المعلومات، لكن الاستثمار الحقيقي في العقول ما زال غائباً. جل مواطنينا في الخليج ما زالوا في حاجة مكثفة إلى جرعات توعية طويلة الأجل، حتى يستطيعوا فعلاً فهم أو على الأقل تفهم ما يحدث من تقلبات سوقية, لينتقلوا حينها من عقول (متلقية) للمعلومة إلى عقول (محللة) لتلك المعلومة. تلك العقول هي التي ستكون قادرة فعلياً على تفهم أسباب ومسببات ومنطلقات وحلول وآثار الأزمات العالمية, لا كما شهدت الأسواق الخليجية, حينما تحول الخوف إلى ثقافة, أسهمت إلى حد كبير في تقلبات كبيرة إلى تعطل لغة التحليل المنطقي.
إن الهبوط الحاد لأسواقنا الخليجية جراء الأزمة المالية العالمية يوضح جليا عدة أمور. في مقدمتها, الخوف من الأزمة بدلاً من التعامل على تخفيف حدتها. المستثمرون في الخليج بشكل عام مروا (بصدمات) وحالات خوف تكررت، منها ما حدث في 2006, قبل أن تعود جل الأسواق إلى اتخاذ خطوات تصحيحية، ثقافة الخوف من الأزمة كانت مسيطرة على الكل, وبنسب متفاوتة, بغض النظر عن خصائص كل سوق.
فسوق الكويت مثلا تعتمد على العقارات, وسوق دبي أيضاً مرتبطة بقطاع العقارات الذي يشهد حالة اختناق وأزمة فعلية في أمريكا وبريطانيا, بينما السوق القطرية تقوم على التطورات في قطاع الغاز، وكان تأثرها أقل بشكل نسبي. لكن الصفة المشتركة التي تجمع كل هذه الأسواق هي حالة الذعر والهلع والارتماء في أحضان الأزمة، والاستسلام لبراثن الرعب، وتعطيل الحلول، والشفافية في تناول الأزمة.
إن ضخّ سيولة في السوق بطريقة اجتهادية وغير مدروسة, وعدم حلّ المشكلات والعقبات التي تعترض السوق لن يرتقيا بأسواق المال الخليجية والسوق السعودية بشكل خاص, خصوصاً أن السوق السعودية تشهد حالة (مرض) منذ فترة طويلة نعرف عنه أعراضه فقط. الحلول تكمن في تشكيل إدارة للأزمات مثل ما هو موجود في كثير من الدول تقوم بدراسة أوضاع السوق بشكل جدّي وشفافية واضحة يتم من خلالها تحديد مكامن الخلل والعمل على حلها بكل منطقية ومهنية بعيداً عن التخبطات والاجتهادات. إن جل من في السوق حاليا من الأفراد لا يستطيعون الخروج من السوق بسبب الخسائر المتراكمة التي يعانونها، بسبب الأوضاع غير المطمئنة في السوق، وغياب الصانع الحقيقي للسوق. لا بد من التخلص من الضبابية القائمة حالياً, خصوصاً في ظل الدور الذي تقوم به هيئة السوق المالية حالياً من إصلاح وتطوير بعض الأنظمة المتعلقة به. يجب ابتداء تحديد الأزمة فعلياً, وتعريفها وتلمسها, سواء أكانت داخلية أم خارجية.
لن تحل مشكلاتنا أسواقنا الخليجية إلا بمواجهة الأزمات بالحلول, لا بالخوف منها، حتى لا تتحول لدينا الأزمات إلى كوابيس (كوارثية) تفجعنا وتدخلنا في معمعة الخوف.. الخوف من الأزمة, بدلاً من مواجهتها.
الاقتصادية ـ نبيل بن عبد الله المبارك 10/12/2008
لكم تحدثت في مقامات عدة عن حتمية تكاملية العناصر الرئيسة في الأسواق الخليجية بشكل عام, والسوق السعودية بشكل خاص. ثمة خطوات كثيرة اتخذت لتحويل أسواقنا الخليجية إلى أسواق حقيقية كباقي دول العالم المتقدمة. الإجراءات التي تحدثت عنها في أكثر من مكان ترتكز على الانتقال من مرحلة البيع والشراء والمضاربة البسيطة, عبر جملة من الآليات والإجراءات تسهم بشكل واضح في تعميق السوق. وطالما الحديث هنا عن الإجراءات, فليس المهم كمية الإجراءات وتدفقها, لكن كيفيتها ومدى تأثيرها في السوق.
ويمكن ربط هذا بأعداد الشركات المدرجة في السوق، التي لا تعبر إطلاقاً عن عمق السوق, إذا ما غابت الديناميكية الصرفة. ليس المهم مثلاَ أن تدرج شركات (صفرية) الحضور والتأثير في السوق بشكل سلبي, ذلك أن الشركات القوية تجسد بلا شك متانة الاقتصاد. ثمة شركات في أسواق الخليج عموماً باتت في حاجة إلى إعادة النظر بشكل جدي، ولو اقتضى الأمر, تصفيتها تماماً, والارتياح منها إلى الأبد. كما أن آخر الأرقام يوضح أن 90 في المائة من المحافظ الاستثمارية في سوق الأسهم تعود إلى أفراد يتحكمون في السوق بشكل مباشر، وهذا لا يمكن في أي سوق متقدمة.
كما أن هناك تصنيفات لأسواق المال لا تعتمد على الإطلاق على القيمة السوقية أو حجم العمليات ولكنها تعتمد على ثلاث ركائز رئيسة تتمثل في الهيكلة والتنظيم، والعمق والتنوع، والشفافية والإفصاح.
ثمة أمر مهم في الأسواق الخليجية ما زال غائباً تماماً, وهو التوعية الإعلامية. كمية أخبار متواترة على مدار الساعة, لكن العقول التي تتلقى تلك المعلومات عاجزة عن تحليلها التحليل المنطقي البسيط.
ما زال إعلامنا الخليجي بشكل عام يعمل على (الضخ) دون التصفية لهذه المواد. ضخ رهيب جداً من المعلومات، لكن الاستثمار الحقيقي في العقول ما زال غائباً. جل مواطنينا في الخليج ما زالوا في حاجة مكثفة إلى جرعات توعية طويلة الأجل، حتى يستطيعوا فعلاً فهم أو على الأقل تفهم ما يحدث من تقلبات سوقية, لينتقلوا حينها من عقول (متلقية) للمعلومة إلى عقول (محللة) لتلك المعلومة. تلك العقول هي التي ستكون قادرة فعلياً على تفهم أسباب ومسببات ومنطلقات وحلول وآثار الأزمات العالمية, لا كما شهدت الأسواق الخليجية, حينما تحول الخوف إلى ثقافة, أسهمت إلى حد كبير في تقلبات كبيرة إلى تعطل لغة التحليل المنطقي.
إن الهبوط الحاد لأسواقنا الخليجية جراء الأزمة المالية العالمية يوضح جليا عدة أمور. في مقدمتها, الخوف من الأزمة بدلاً من التعامل على تخفيف حدتها. المستثمرون في الخليج بشكل عام مروا (بصدمات) وحالات خوف تكررت، منها ما حدث في 2006, قبل أن تعود جل الأسواق إلى اتخاذ خطوات تصحيحية، ثقافة الخوف من الأزمة كانت مسيطرة على الكل, وبنسب متفاوتة, بغض النظر عن خصائص كل سوق.
فسوق الكويت مثلا تعتمد على العقارات, وسوق دبي أيضاً مرتبطة بقطاع العقارات الذي يشهد حالة اختناق وأزمة فعلية في أمريكا وبريطانيا, بينما السوق القطرية تقوم على التطورات في قطاع الغاز، وكان تأثرها أقل بشكل نسبي. لكن الصفة المشتركة التي تجمع كل هذه الأسواق هي حالة الذعر والهلع والارتماء في أحضان الأزمة، والاستسلام لبراثن الرعب، وتعطيل الحلول، والشفافية في تناول الأزمة.
إن ضخّ سيولة في السوق بطريقة اجتهادية وغير مدروسة, وعدم حلّ المشكلات والعقبات التي تعترض السوق لن يرتقيا بأسواق المال الخليجية والسوق السعودية بشكل خاص, خصوصاً أن السوق السعودية تشهد حالة (مرض) منذ فترة طويلة نعرف عنه أعراضه فقط. الحلول تكمن في تشكيل إدارة للأزمات مثل ما هو موجود في كثير من الدول تقوم بدراسة أوضاع السوق بشكل جدّي وشفافية واضحة يتم من خلالها تحديد مكامن الخلل والعمل على حلها بكل منطقية ومهنية بعيداً عن التخبطات والاجتهادات. إن جل من في السوق حاليا من الأفراد لا يستطيعون الخروج من السوق بسبب الخسائر المتراكمة التي يعانونها، بسبب الأوضاع غير المطمئنة في السوق، وغياب الصانع الحقيقي للسوق. لا بد من التخلص من الضبابية القائمة حالياً, خصوصاً في ظل الدور الذي تقوم به هيئة السوق المالية حالياً من إصلاح وتطوير بعض الأنظمة المتعلقة به. يجب ابتداء تحديد الأزمة فعلياً, وتعريفها وتلمسها, سواء أكانت داخلية أم خارجية.
لن تحل مشكلاتنا أسواقنا الخليجية إلا بمواجهة الأزمات بالحلول, لا بالخوف منها، حتى لا تتحول لدينا الأزمات إلى كوابيس (كوارثية) تفجعنا وتدخلنا في معمعة الخوف.. الخوف من الأزمة, بدلاً من مواجهتها.
الاقتصادية ـ نبيل بن عبد الله المبارك 10/12/2008