المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفقراء .. وأزمة العالم الاقتصادية



عميد السوق
19-12-2008, 09:16 AM
وصلت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ذروتها في الوقت الحاضر, فمعظم دول الاتحاد الأوروبي قد دخل فعلا في ركود اقتصادي, والأرقام التي أعلنت عنها المؤسسات المالية الاقتصادية في الولايات المتحدة باتت تؤكد أن الاقتصاد الأمريكي هو فعلا في مرحلة الركود، وأن هذا الركود قد يستمر حتى النصف الثاني من العام المقبل. الصين أعلنت بدورها عن مخاوفها من تراجع نموها الاقتصادي بسبب الضعف المتوقع في الإقبال على شراء المنتجات الصناعية الصينية في العالم، وبالأخص في الدول الأكبر استهلاكا لمنتجاتها مثل: أمريكا والاتحاد الأوروبي، فدول العالم اليوم لا تتحدث عن احتمال حدوث ركود اقتصادي عالمي، لأن هذا الأمر بات من الأمور المسلم بها وبدأت المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن هذا الركود قد بدأ فعلا في كثير من دول العالم، ولكن الجهود اليوم موجهة لجعل هذا الركود أقصر عمرا وأقل ضررا، فالمؤتمرات العالمية وتنسيق الجهود بين الدول وإعطاء مزيد من الدعم للمؤسسات المالية العالمية كلها تأتي في إطار احتواء الأزمة والعمل على الخروج منها بأسرع وقت ممكن، ولكن بأطر ونظم اقتصادية جديدة لا تسمح بتكرار تلك الممارسات الخاطئة، التي كانت المسبب الرئيس لحدوث هذه الأزمة العالمية.

فدول العالم اليوم مهتمة بالخروج بنظام اقتصادي عالمي جديد تتشارك في صياغته دول العالم مجتمعة، وعلى ألا يأتي هذا النظام الجديد معبرا فقط عن توجهات الدول الغنية والأكبر اقتصاديا، ففي المرحلة التي سبقت هذه الأزمة كانت هناك وفرة مالية كبيرة في الدول الغنية وبدل أن تستثمر هذه الأموال الضخمة في القطاعات المنتجة والمساهمة في تنمية اقتصادات الدول الفقيرة التي بتنميتها وتطويرها يتطور الاقتصاد العالمي, رأينا أن هذه الأموال تستخدم فقط من أجل المضاربة عليها واستثمارها في منتجات مالية ليس لها من أثر كبير في تحريك الاقتصاد الحقيقي المحلي والعالمي، فمن حق الدول الفقيرة في العالم أن تنظر اليوم وبقلق لكل الجهود المبذولة لحل هذه الأزمة, فهي تريد أن تطمئن بألا تأتي هذه الحلول على حساب دعمها ومساندتها ماليا للخروج باقتصادها من دائرة الفقر والتخلف.

سمعت هذه الدول تطمينات شفهية من زعماء دول العالم الغنية مثل: أمريكا، اليابان، والاتحاد الأوروبي، ورحبت أيضا بالتحذيرات التي أعلنتها الأمم المتحدة والمؤسسات المالية العالمية بضرورة مواصلة الدول الغنية في دعم اقتصادات الدول الفقيرة, ولكن ما تتطلع إليه هذه الدول هو أبعد من الكلام، فهي تريد أن تكون هناك مباحثات جادة بينها وبين القوى الاقتصادية في العالم للخروج باتفاقيات ومعاهدات ملزمة تتعهد بها الدول الغنية أن توجه المزيد من استثماراتها ودعمها الفني والإداري لتطوير اقتصادات الدول الفقير، فما تريده الدول الفقيرة هو أن تكون تنميتها الاقتصادية ومساعدتها لتنمية قدراتها المالية جزءا رئيسا في إطار الحلول والخطط المراد بها حل هذه الأزمة الاقتصادية العالمية، فهذه الدول يشاركها في الرأي كثير من الخبراء والعلماء في مجال الاقتصاد أن النهوض الاقتصادي بالدول الفقيرة سيعود بمنافع كبيرة على العالم، منها الدول الغنية نفسها, فالأموال الضخمة التي تبخرت في هذه الأزمة كان بالإمكان استثمارها في مشاريع منتجة ومجدية اقتصاديا في الدول الفقيرة، فهناك فرص استثمارية حقيقية في الدول الفقيرة، ولكن المتحكمين في رؤوس الأموال من بنوك ومؤسسات مالية وبما أتيح لهم من حرية شبه مطلقة في تصرفاتهم وعدم وجود رقابة أو توجيه لتحديد خططهم وخياراتهم الاستثمارية توجهوا بالأموال المودعة عندهم لاستثمارها في منتجات مالية وهمية طلبا للربح السريع، وبهذا حرمت شعوب تلك الدول الغنية ومعها الدول الفقيرة من الاستفادة من هذه الأموال لتعزيز الاقتصاد المحلي والعالمي وعدم التسبب في حدوث هذه الأزمة، التي ستكلف الكثير اقتصاديا واجتماعيا.

وخوف الدول الفقيرة من هذه الأزمة ليس فقط اقتصاديا، وإن كانت الأمور الاقتصادية هي على درجة كبيرة من الأهمية، لأنه لا يمكن أن تكون هناك تنمية حقيقية دون نهوض اقتصادي ملموس, ولكن إلى جانب الشأن الاقتصادي هناك مشكلات وأزمات إنسانية تعانيها هذه الدول وليس بمقدورها أن تتصدى لها وأن تتجاوزها من دون أن يكون هناك دعم عالمي لها، فكثير من هذه الدول يعاني مشكلات صحية وانتشار الأمراض الصعبة فيها، وهذه الدول تأمل ألا تخفف الدول الغنية من مساعداتها في هذا المجال، فالحاجة كبيرة إلى بناء مستشفيات ومراكز صحية وتوفير الأدوية، وكل هذه الأمور يجب ألا تتأثر بانشغال الدول الغنية بحل أزمتها المالية والاقتصادية. ولا ننسى الفقر وتوفير مستلزمات العيش الضرورية للفقراء، الذي التزمت به دول العالم فهو الآخر مشكلة قد تتأثر سلبا بهذه الأزمة الاقتصادية.

هناك إصرار عالمي تقوده بعض الدول الغنية وتساندها في ذلك مؤسسات مالية دولية على ضرورة الخروج بنظام اقتصادي جديد وبأسس مغايرة لما سبق, وتريد الدول الفقيرة أن يأتي هذا النظام الجديد عادلا ومستوعبا قضاياها وهمومها الاقتصادية، فهذه الأزمة الكبيرة قد كشفت للعالم أن التنمية المتوازنة والعادلة هي القادرة على حماية الاقتصاد العالمي من الوقوع في أزمات كبيرة بمثل التي يعانيها العالم في الوقت الحاضر, فهل سيستفيد العالم من دروس هذه الأزمة؟ وهل ستنال هموم الدول الفقيرة نصيبها فيما سيأخذ به العالم من حلول لأزمته الاقتصادية؟