المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 5,6 مليارات دولار خسائر خليجية في سندات حكومية أميركية خلال 4 أشهر



الوعب
21-12-2008, 05:08 AM
إعداد: رزان عدنان
ذكر تقرير صدر أخيرا عن مجموعة سامبا المالية حول الاستثمارات الاجنبية لدول مجلس التعاون وكيفية تغيير الاستراتيجيات في الاسواق اثر الازمة المالية الحالية انه خلال الاعوام الخمسة الماضية، كان هناك اهتمام كبير في كيفية ومكان استثمار دول التعاون لمكاسب البترودولارات، وجذبت الفكرة اهتماماً كبيراً في الظروف الاخيرة بعد الازمة المالية العالمية والقلق حيال ندرة رأس المال العالمي.
ولهذا تحاول «سامبا» عبر التقرير تقييم مقدار وانتشار تدفقات رأس المال الخليجية في الخارج، والقاء نظرة عن كثب على تطور هذه التدفقات في الظروف الراهنة.
واشار التقرير في الوقت ذاته الى ان قيمة عمليات الاستحواذ التراكمية على الاصول الاجنبية لدول التعاون زادت الى 900 مليار دولار في الاعوام الخمسة الماضية وحتى يونيو الماضي، لكن وبسبب محدودية البيانات، يمكن تحديد 40 في المائة من هذه الفوائض حسب المكان الجغرافي او فئة الاصول.
وفي سياق اضطراب الاسواق المالية العالمية المستمر، والقلق المتزايد حول شح السيولة على المستوى العالمي، يبرز اهتمام كبير في كيفية توزيع استثمار تدفقات البترودولارات لدول التعاون.
يقول التقرير انه منذ منتصف عام 2003 وحتى منتصف هذا العام، تضاعفت اسعار النفط اربع مرات، من 30 دولاراً للبرميل الواحد الى 140 دولاراً، وعزز ارتفاع سعر النفط والزيادة في حجم الصادرات من ارباح الصادرات المتراكمة لدول التعاون ابان تلك الفترة حتى وصلت الى 2,2 تريليون دولار.
وتم انفاق جزء كبير من هذه الارباح على واردات البضائع والخدمات، مع بذل دول التعاون الست جهدها لتطوير قاعدة الخدمات والصناعات في اقتصاداتها.
الا ان ارتفاع اسعار النفط زاد من فوائض الحساب الجاري بطريقة دراماتيكية من 50 مليار دولار في 2003 و2004 الى نحو 400 مليار دولار في العامين 2007 و2008، وبالاجمالي سجل الحساب الجاري فوائض تراكمية اثناء تلك الفترة بلغت 912 مليار دولار.
وتم استخدام جزء صغير نسبياً من هذه الاموال في بناء احتياطيات صرف عملات اجنبية في البنوك المركزية، اما معظم هذه الاموال فتم توزيعها في عدد من فئات الاصول وفي عدد من الدول المختلفة.
ويقول التقرير انه في حين يعد تتبع تدفقات الحساب الجاري سهلا نسبياً، الا ان تعقب تدفقات رأسمال دول التعاون يمثل تحديا كبيراً، والبيانات المتوافرة في هذا الصدد متجزأة وتعاني من عدم وجود بيانات زمنية حديثة مهمة.
وعلى سبيل المثال تتوافر بيانات عن تدفق رأس المال بشكل عام المسجلة في النواحي الصافية، لكن حتى لو تواجدت بيانات عن التدفقات الواردة والصادرة، فانه لا تظهر طبيعة التدفقات الصادرة، ولهذا من الضروري استخدام بيانات موازية اخرى او بيانات من مصادر خارجية بهدف رسم صورة عن تدفقات راس المال في دول التعاون.
ويورد التقرير ثلاثة مصادر دولية رئيسية لاستقاء مثل هذه البيانات وهي كالتالي:
اولاً: المصدر الرئيسي لتتبع تدفقات الاستثمار الى الولايات المتحدة هو نظام الخزينة لرأس المال الدولي، ويوفر هذا النظام بيانات عن الاصول في القطاع المصرفي والالتزامات مع المؤسسات الاجنبية الموجودة في الولايات المتحدة، اضافة الى السندات المالية الاميركية المملوكة من قبل اجانب.
ثانيا: بنك التسويات الدولية من خلال تقارير المراجعة التي تصدر عنه كل اربعة اشهر، وتتعقب هذه البيانات الاصول والالتزامات الكلية للمصارف المسجلة لديها مقابل كل بلد على حدةٍ، وتشكل بيانات عن كل دولة عربية من دول التعاون الست.
ومع ذلك، قد لا تظهر بيانات هذا البنك التوزع الجغرافي للبنوك المذكورة في تقاريرها على حدة، سوى انها موجودة خارج الولايات المتحدة.
ثالثا: يمكن استقاء المعلومات المطلوبة من قاعدة بيانات «بلومبرغ» عن عمليات الاستحواذ والاندماج.
وتوفر هذه القاعدة معلومات مفصلة عن عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية، وتجريد عملية الاستحواذ حسب النوع والقيمة بالدولار الاميركي والعلاوة، وهي مفيدة في تعقب عمليات شراء الاسهم الرئيسية، وعلى سبيل المثال الاستثمار الاجنبي المباشر لشركات وحكومات دول التعاون.
لكن كما هو حال بيانات بنك التسويات الدولية، توفر نشرة بلومبرغ معلومات نوعية مفصلة عن الاتجاه الجغرافي لتدفقات عمليات الاستحواذ والاندماج.

توزيع الأصول
كيف يمكن لطلب دول التعاون على الاوراق المالية الاميركية الاستمرار على المدى الطويل في مواجهة الازمة؟
بشكل عام، يبدو ان الطلب الخليجي على هذه الاوراق استمر على نحو جيد، على الاقل حتى نهاية شهر يونيو الماضي، وانخفض صافي عمليات شراء دول التعاون للاوراق المالية الاميركية على المدى الطويل بعد حدوث الازمة في اغسطس من عام 2007، لكن ليس بدرجة كبيرة، لكن سرعان ما استعادت هذه الدول شهيتها، اذ في ديسمبر من العام الماضي، وصل صافي عمليات شراء الاوراق المالية طويلة المدى الى 5 مليارات دولار، وبقي الطلب الخليجي على اوراق الدين قصيرة الاجل الاميركية قويا، ووصل صافي المعاملات التجارية بين اغسطس 2007 ويونيو 2008 الى معدل ايجابي بلغ 18,7 مليار دولار.
ولكن ما الذي يدعم شهية دول التعاون على الاوراق المالية طويلة الامد الاميركية؟
يجيب التقرير انه ربما يكون الصافي التراكمي الكبير هو من يعزز الطلب على اسهم الشركات الاميركية، وبدرجة اقل سندات الشركات اكثر من الطلب على اوراق الدين قصيرة الأجل الاميركية، ففي اغسطس من عام 2007 وحتى يونيو 2008، وصل صافي مشتريات الاوراق المالية للشركات الاميركية 23,6 مليار دولار، ونتج هذا المبلغ بشكل كبير عن عمليات الشراء الاستثنائية، مثل عملية شراء هيئة ابو ظبي للاستثمار 4,9 في المائة من اسهم مجموعة سيتي غروب في ديسمبر الماضي بمبلغ قدره 7,5 مليارات دولار، ومع هذا، كان الطلب الاساسي هائلا هو الآخر، اذ استطاعت الميزانية العامة القوية لكثير من الشركات الاميركية جذب الاموال الخليجية، وعزز هذا الامر نمو الانتاجية العالمية نسبيا للاقتصاد الاميركي.
ومع ذلك، يظهر الخوض في البيانات بعض تذبذب المؤشرات بسبب الازمة المالية العالمية، اذ يعود السبب الرئيسي في ذلك الى ان الطلب على السندات الصادرة عن وكالات اميركية قد انخفض بحدة في بداية هذا العام، ويعكس هذا الامر بشكل رئيسي القلق المتنامي حيال الوضع المالي لأكبر مؤسستي تمويل رهون عقارية في اميركا هما مؤسسة فاني ماي وفريدي ماك، اذ تتعلق المخاوف بشأن نمو اصولهما الاساسية.
وتملك دول التعاون في المؤسستين حجما كبيرا من الديون، وبناء على ما سبق، سجلت المؤسسات الخليجية خسارة صافية بمقدار 5,6 مليارات دولار من مارس وحتى يونيو الماضيين نتيجة استثمارها في السندات الحكومية الاميركية على الاساس الصافي.
وتعرض الطلب على سندات الخزينة الاميركية والكمبيالات التجارية لكثير من التقلب.
وما بين اغسطس 2007 ويناير 2008، سحبت دول التعاون وحدها 5,3 مليارات دولار من قيمة الاوراق المالية هذه على الاساس الصافي، ومع ذلك، تبع هذا الامر انتعاشا هائلا، اذ نما صافي عمليات شراء سندات الخزينة الى 6,5 مليارات دولار في الفترة ما بين فبراير ويونيو الماضيين.
من ناحية اخرى، اظهرت ودائع دول التعاون الصافية في بنك التسويات الدولية بعض التقلب، اذ انخفض صافي خيارات دول التعاون من ودائع بنك التسويات الدولية في الفترة بين يونيو 2007 ومارس 2008 إلى نحو 11 مليار دولار، في حين انخفض صافي الرصيد إلى 74 مليار دولار.

التدفقات المجهولة
يقول التقرير إن نحو 538 مليار دولار أو 59 في المائة من مجموع الأصول المتضمنة لا يمكن تصنيفها حسب الفئة أو الموقع الجغرافي. وأن نحو 78 مليار دولار، أو 9 في المائة من إجمالي التدفقات القادمة من دول التعاون يمكن تحديدها كاحتياطيات أجنبية رسمية، وقد يُحتفظ بها على شكل أدوات سائلة بدرجة كبيرة. ومع ذلك، لا توجد مصادر توفر مكان وتركيبة هذه الممتلكات.
لكن بالنسبة لبقية التدفقات يمكن تسليط الضوء على طبيعتها أو مكانها عبر تجميع أدلة من مصادر مختلفة.
وبحسب تقديرات التقرير فإن حوالي 30 في المائة من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول التعاون تتركز في مؤسسات مقرها الولايات المتحدة. وبالتالي فإن عمليات الاستحواذ الخليجية على الأصول الأميركية في الفترة بين 2003 و2008 قد تصل إلى 450 مليار دولار أو 49 في المائة من إجمالي عمليات الاستحواذ.
من ناحية أخرى، يقول تقرير مجموعة سامبا إن سوق تمويل المشاريع في الشرق الأوسط كان الأكبر في عام 2007، إذ بلغ حجم عمليات بيع السندات في المؤسسات في المنطقة العام الماضي 23,7 مليار دولار، بعد ان كان 14,6 مليار دولار في 2006.
واستقطب التمويل الإسلامي جزءاً متنامياً من هذه العمليات، مما سمح للمستثمرين الخليجيين بدخول فرص استثمارية ذات دخل ثابت لم تكن موجودة في السابق.
ومع ذلك، كان تأثير تقييد الائتمان العالمي في 2008 على أسواق رأس المال والائتمان في دول التعاون حاداً، وتوقف إصدار السندات منذ منتصف العام الجاري.
وتبعاً لتقديرات «سامبا» فإن قيمة الاستثمارات الخليجية في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي تشمل تركيا تبلغ حوالي 120 مليار دولار أو 13 في المائة من إجمالي الاستثمارات. وهذه الأرقام تستثني التدفقات داخل دول التعاون، التي أخذت تنمو هي الأخرى بمعدل سريع في الأعوام الأخيرة.
كذلك تمثل استثمارات دول التعاون في منطقة شرق آسيا نحو 120 مليار دولار أو 13 في المائة من إجمالي التدفقات في الفترة بين 2003 و2008.

النظرة المستقبلية
يقول التقرير إن انخفاض أسعار النفط العالمية في النصف الثاني من هذا العام كان سريعاً، ووصلت ذروة انخفاضه إلى 48 في المائة بين 3 يوليو و12 نوفمبر الماضي.
ولا تزال النظرة العامة لأسعار النفط غير مستقرة إلى درجة كبيرة، لكن توقعات «سامبا» ترى ان متوسط أسعار النفط سيصل إلى 60 دولاراً للبرميل في 2009، وهذا المعدل ليس أدنى من المتوسط المحقق في 2007.
ومن المتوقع أن يحقق برميل النفط معدلاً طفيفاً في 2010 ليصل إلى سعر 75 دولاراً مع عودة الطلب العالمي للانتعاش.
ونظرا الى هذا، يتوقع التقرير ان تصل تدفقات رأس المال في دول التعاون الى 430 مليار دولار في الفترة ما بين يونيو 2008 ويونيو 2010.
لكن كيف سيُوزع رأس المال؟
من الواضح ان الاضطراب الاخير الذي يعيشه السوق، والخسائر التي تكبدها عدد من المصارف، وعمليات خطط انقاذ اسواق الاسهم والمال العالمية، من المرجح ان تؤثر في قرار مديري الصناديق الخليجية على المدى القصير، خصوصا ان عددا من هذه الصناديق يمتلك اسهما في المؤسسات المالية الاميركية.
لكن التقرير يقول ان البيانات المتوافرة لا ترصد تأثير هذه المشاكل في تحركات رأسمال دول التعاون، الا انها يمكن ان تقدم تصورا مفاده ان المستثمرين الخليجيين قد يبحثون عن نوعية الاصول وجودتها وعن تعزيز حيازاتهم في سندات الخزينة الاميركية، وفي الوقت ذاته تخفيض ممتلكاتهم في اوراق الديون التجارية القصيرة الامد.
وبالتالي من المرجح ان يكون هناك ابتعاد للتدفقات النقدية الخليجية عن الاسهم وديون الشركات في النصف الثاني من هذا العام.

شهية الاستثمار الأجنبي مفتوحة رغم كل المخاطر المحدقة بالأسواق
يرى التقرير ان شهية الاستثمار الاجنبي المباشر لن تخف كليا، والمثال على ذلك عملية شراء مجموعة مستثمرين من قطر وابوظبي لاكثر من 16 في المائة من اسهم بنك باركليز، وبلغت قيمة الصفقة 12 مليار دولار في اكتوبر من هذا العام.
وعلى صعيد 2009، يقول التقرير ان من الواضح تأثر توقعات النمو الخاصة بدول الاويسد على نحو سلبي بسبب الازمة الاخيرة. ومن المرجح استمرار المستهلكين في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بتخفيض المصاريف وزيادة معدل الادخار في مواجهة انهيار اسعار الاصول.
وهذا بدوره من المرجح ان يضعف ربحية الشركات، ويجعل من الاسهم الاوروبية والاميركية وخيارات الاستثمار في الاسواق الناشئة اقل جاذبة ان لم تكن ارخص.
وسيؤثر انخفاض الطلب في دول الاويسد في نمو الصادرات الآسيوية.
لكن مع ذلك تعززت التوقعات بشأن الصين مع اعلان حكومتها زيادة الانفاق الحكومي الهائل الذي من المفروض ان يساعد على تحفيز الطلب المحلي.
اما بالنسبة للدول التي هي اقل تداخلا مع النظام المالي العالمي، فمن المرجح ان تصبح اكثر جاذبية.
وبالتالي ستزيد دول اخرى في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من عروضها المغرية امام المستثمرين الخليجيين، خصوصا اذا نظرنا الى الاتصال الثقافي واللغوي في ما بينها.
وبشكل عام، يتوقع التقرير ان يشهد السوق استقطاب بعض التدفقات الاستثمارية خلالالاشهر الثمانية عشر القادمة، حيث سيكون التوجه نحو الاوراق المالية الآمنة جدا، مثل اوراق الدين الحكومي في دول الاويسد.