ميعاد
23-12-2008, 03:25 AM
مقال الكاتبة / عبير تميم العدناني / جريدة الشرق / الخميس 4/12/2008مبلا وطن
كنت أقلب قصاصات أوراق حوتها ملفات خبأتها على
مدى الأيام والأعوام.، فوجدت قصاصة لخبر في إحدي
الصحف يقول، إن الشركة القائمة على برج بيزا المائل في
ايطاليا قد طرحت مناقصة لتنظيف برج بيزا من أعشاش
الطيور، فضج نباح العدالة المدافع عن حقوق الحيوان
(كيف تهدم الاعشاش الآمنة) ؟؟!!
وكيف تصبح تلك الطيور بلا مأوى، وقد اعتادت على
أعشاشها ووضعت صغارها هناك وكيف ستصبح تلك
الطيور بلا وطن؟؟؟
فانتابتني موجة عارمة من الضحك التي مالبثت أن تحولت
الى بكاء، وقد تتعجبون من السبب ولكنني سأقول لكم ما
الحكاية!!
الحكاية أنني قبل أن أمسك بتلك القصاصة التي تحوي
ذلك الخبر كنت اقرأ رسالة كتبتها فتاة تبلغ العاشرة من
عمرها لأمها التي باعدت الظروف بينهما لاسباب قهرية،
تقول فيها:
امي الحبيبة لقد اشتقت اليك يا أغلى ام في الدنيا،
واشتقت لحضنك الدافيء الذي لا اجد الحنان الا فيه،
وعندما تحدثينني بالهاتف لا استطيع ان اقول لك كل ما
اشعر به في الغربة هنا، فأحببت ان اقول لك في رسالتي
كيف اعيش هذه الايام، أو سأكتفي بان اقول لك احداث
يوم واحد اعيشه هنا ياماما.
افقت من نومي ذلك الصباح فخرجت بعد ان قبلت
جدتي لألعب مع الاطفال الذين يسكنون بجوارنا، وبدأنا
نلعب ونتحدث، وبين كلمة وأخرى اجد احدهم يسألني ماذا
تعني هذه الكلمة؟؟ ماذا تقولين؟؟ ما معنى هذه الكلمة
هنا بلهجتنا؟؟
1) فادخل مسرعة لأخي الذي يكبرني بثلاثة أعوام )
واسأله عن معناها باللهجة المحلية لذلك البلد فيجيبني،
وهكذا، وما أن اعود لهم اجدهم يتهامسون ويضحكون،
ويقولون لي لماذا لاتعرفين كيف تتحدثين مثلنا فأجيبهم
لأنني (...) ولست من هذا البلد، فيجيبونني بل جدتك
تقول إنك قد فقدت تلك الجنسية لذلك اتيت لتسكني
هنا مع اخيك، وهنا اخفضت رأسي ودخلت مسرعة لأسأل
جدتي، واذا بها تحتضنني وتغير الموضوع وتنادي بخالتي
لتأخذني الى بركة للسباحة في ناد مجاور لهم، فما أن بدأت
اسبح حتى احسست ان لون الماء غير لون ماء البحر الذي
اعتدت ان اسبح فيه هناك في بلدي الأول، فجلست على
حافة البركة وبدأت اتذكر تلك الايام، حتى حضرت خالتي
ورأت الدموع في عيني، فاحتضنتني واخذتني لأبدل
ملابسي وعدنا الى المنزل، وبينما وضع العشاء بحثت عما
كنت احبه هناك من الأكلات الشعبية التي عودتنا عليها
يا أمي ولكنني لم اجد شيئا منها ووجدتني انا واخي نسأل
جدتنا ما هذا؟؟ وما هو ذاك؟؟ حتى شعرت انني لا ارغب
في ان آكل شيئا لانني لا اعرف هذا الطعام.
بعد ذلك توجهت لانام فاستلقيت على فراش خالتي،
فاحسسته باردا، ولم اجد فيه العابي التي اعتدت ان
احضنها وآخذها لاستلقي معها بحضنك يا أمي واسمع منك
انا واخي قصة قبل النوم، وتلفت يا أمي فلم اجدك ولم اجد
حضنك الدافيء، ولم اجد يدك التي احب ان انام عليها..
ولم اجد نفسي الا وانا ابكي وألتفت الي أخي فيقوم
من السرير المجاور لي ويقول لي لا تبكى يا أختي فلابد
ان نرجع الى بلدنا والى أمنا الحبيبة والى مدارسنا والى
اصدقائنا.. وهنا وجدت جدتي تدخل علينا وتضمني انا
واخي وتقول لنا ارفعا ايديكما الى السماء فأنتما طفلان
ظاهران وسوف يستجيب الله تعالي لدعائكما: (اللهم فرج
عنا كربنا، وأرجعنا الي بلادنا، وأهدى من كان سببا لما نحن
فيه الى الصواب، اللهم اجمعنا بأمنا قريبا من غير ضراء
مضرة ولافتنة مضلة.. اللهم آمين).
2) وبعدها تغمض الصغيرة عينيها الدامعتين، وتغط )
في النوم لترى في منامها أنها عائدة لبلدها الاول وأن
امها الحبيبة تأتي لتوقظها على مدرستها ويأتي والدها
ليصطحبها واخاها الى المدرسة حيث معلماتها وصديقاتها
وتلعب وتمرح هناك وتعود لتجد امها قد اعدت لها ولأخيها
الغداء، ولكن يسقط القلم بجوار سريرها فتستفيق الصغيرة
من ذلك الحلم لتجد نفسها في سرير غير سريرها، وفي بيت
غير اليبت الذي ولدت فيه، وفي بلد غير البلد الذي حملت
هويته منذ ان رأت نور الحياة.
فتمسك القلم الذي سقط على الأرض وتأخذه لتدون
به رسالة لأمها وتقول فيها: (أمي الحبيبة لقد اشتقت
اليك كثيرا.. أمي لا أستطيع ان اعيش بدونك.. أمي هل
سنعيش أنا وأخي بلا وطن)؟؟
وأجدني اكفكف دموعي ممسكة بتلك القصاصة وتلك
الرسالة.. مقارنة بين حال الطيور عندهم وحال الإنسان
عندنا .. وكلي عجب .
aladnani_qtr@hotmail.com
كنت أقلب قصاصات أوراق حوتها ملفات خبأتها على
مدى الأيام والأعوام.، فوجدت قصاصة لخبر في إحدي
الصحف يقول، إن الشركة القائمة على برج بيزا المائل في
ايطاليا قد طرحت مناقصة لتنظيف برج بيزا من أعشاش
الطيور، فضج نباح العدالة المدافع عن حقوق الحيوان
(كيف تهدم الاعشاش الآمنة) ؟؟!!
وكيف تصبح تلك الطيور بلا مأوى، وقد اعتادت على
أعشاشها ووضعت صغارها هناك وكيف ستصبح تلك
الطيور بلا وطن؟؟؟
فانتابتني موجة عارمة من الضحك التي مالبثت أن تحولت
الى بكاء، وقد تتعجبون من السبب ولكنني سأقول لكم ما
الحكاية!!
الحكاية أنني قبل أن أمسك بتلك القصاصة التي تحوي
ذلك الخبر كنت اقرأ رسالة كتبتها فتاة تبلغ العاشرة من
عمرها لأمها التي باعدت الظروف بينهما لاسباب قهرية،
تقول فيها:
امي الحبيبة لقد اشتقت اليك يا أغلى ام في الدنيا،
واشتقت لحضنك الدافيء الذي لا اجد الحنان الا فيه،
وعندما تحدثينني بالهاتف لا استطيع ان اقول لك كل ما
اشعر به في الغربة هنا، فأحببت ان اقول لك في رسالتي
كيف اعيش هذه الايام، أو سأكتفي بان اقول لك احداث
يوم واحد اعيشه هنا ياماما.
افقت من نومي ذلك الصباح فخرجت بعد ان قبلت
جدتي لألعب مع الاطفال الذين يسكنون بجوارنا، وبدأنا
نلعب ونتحدث، وبين كلمة وأخرى اجد احدهم يسألني ماذا
تعني هذه الكلمة؟؟ ماذا تقولين؟؟ ما معنى هذه الكلمة
هنا بلهجتنا؟؟
1) فادخل مسرعة لأخي الذي يكبرني بثلاثة أعوام )
واسأله عن معناها باللهجة المحلية لذلك البلد فيجيبني،
وهكذا، وما أن اعود لهم اجدهم يتهامسون ويضحكون،
ويقولون لي لماذا لاتعرفين كيف تتحدثين مثلنا فأجيبهم
لأنني (...) ولست من هذا البلد، فيجيبونني بل جدتك
تقول إنك قد فقدت تلك الجنسية لذلك اتيت لتسكني
هنا مع اخيك، وهنا اخفضت رأسي ودخلت مسرعة لأسأل
جدتي، واذا بها تحتضنني وتغير الموضوع وتنادي بخالتي
لتأخذني الى بركة للسباحة في ناد مجاور لهم، فما أن بدأت
اسبح حتى احسست ان لون الماء غير لون ماء البحر الذي
اعتدت ان اسبح فيه هناك في بلدي الأول، فجلست على
حافة البركة وبدأت اتذكر تلك الايام، حتى حضرت خالتي
ورأت الدموع في عيني، فاحتضنتني واخذتني لأبدل
ملابسي وعدنا الى المنزل، وبينما وضع العشاء بحثت عما
كنت احبه هناك من الأكلات الشعبية التي عودتنا عليها
يا أمي ولكنني لم اجد شيئا منها ووجدتني انا واخي نسأل
جدتنا ما هذا؟؟ وما هو ذاك؟؟ حتى شعرت انني لا ارغب
في ان آكل شيئا لانني لا اعرف هذا الطعام.
بعد ذلك توجهت لانام فاستلقيت على فراش خالتي،
فاحسسته باردا، ولم اجد فيه العابي التي اعتدت ان
احضنها وآخذها لاستلقي معها بحضنك يا أمي واسمع منك
انا واخي قصة قبل النوم، وتلفت يا أمي فلم اجدك ولم اجد
حضنك الدافيء، ولم اجد يدك التي احب ان انام عليها..
ولم اجد نفسي الا وانا ابكي وألتفت الي أخي فيقوم
من السرير المجاور لي ويقول لي لا تبكى يا أختي فلابد
ان نرجع الى بلدنا والى أمنا الحبيبة والى مدارسنا والى
اصدقائنا.. وهنا وجدت جدتي تدخل علينا وتضمني انا
واخي وتقول لنا ارفعا ايديكما الى السماء فأنتما طفلان
ظاهران وسوف يستجيب الله تعالي لدعائكما: (اللهم فرج
عنا كربنا، وأرجعنا الي بلادنا، وأهدى من كان سببا لما نحن
فيه الى الصواب، اللهم اجمعنا بأمنا قريبا من غير ضراء
مضرة ولافتنة مضلة.. اللهم آمين).
2) وبعدها تغمض الصغيرة عينيها الدامعتين، وتغط )
في النوم لترى في منامها أنها عائدة لبلدها الاول وأن
امها الحبيبة تأتي لتوقظها على مدرستها ويأتي والدها
ليصطحبها واخاها الى المدرسة حيث معلماتها وصديقاتها
وتلعب وتمرح هناك وتعود لتجد امها قد اعدت لها ولأخيها
الغداء، ولكن يسقط القلم بجوار سريرها فتستفيق الصغيرة
من ذلك الحلم لتجد نفسها في سرير غير سريرها، وفي بيت
غير اليبت الذي ولدت فيه، وفي بلد غير البلد الذي حملت
هويته منذ ان رأت نور الحياة.
فتمسك القلم الذي سقط على الأرض وتأخذه لتدون
به رسالة لأمها وتقول فيها: (أمي الحبيبة لقد اشتقت
اليك كثيرا.. أمي لا أستطيع ان اعيش بدونك.. أمي هل
سنعيش أنا وأخي بلا وطن)؟؟
وأجدني اكفكف دموعي ممسكة بتلك القصاصة وتلك
الرسالة.. مقارنة بين حال الطيور عندهم وحال الإنسان
عندنا .. وكلي عجب .
aladnani_qtr@hotmail.com