مغروور قطر
03-01-2009, 11:22 AM
هل سيتم إطلاق العملة الخليجية الموحدة في 2010؟
نشرت «القبس» بتاريخ 29ــ12ــ2008 تصريحاً للوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، الذي شكك بقوة في منفعة العملة الخليجية الموحدة، وأكد فيه أن سلطنة عمان التي سبق أن انسحبت من المشروع لن تنضم الى المشروع أبدا، وأنها ليست طرفا في هذا المشروع المثير للجدل، استنادا الى أن هذه العملة ليس لها مزايا أو مكاسب لكي تكون بديلا لعملات قائمة حاليا تتمتع بالقوة والاستقرار.
وعلى الرغم من أن الصوت العماني هو الصوت الذي يغرد، على الأقل في العلن، خارج السرب في موضوع العملة الخليجية الموحدة، فإنه من الناحية الواقعية الصوت العقلاني الوحيد الذي يقيم الأمور بموضوعية شديدة بعيدا عن العاطفة والشعارات الخاوية من المحتوى الذي لا يجد له صدى على أرض واقع التعاون الاقتصادي بين دول المجلس.
وتشير الدراسات المتاحة، خصوصا الحديثة منها، الى أن دول مجلس التعاون لا تستوفي الكثير من الشروط الأساسية لاطلاق العملة الموحدة وفقا لنظرية منطقة العملة المثلى. اذ تحتاج دول المجلس الى تنويع الهياكل الاقتصادية لدول المجلس، وتوسيع نطاق التجارة البينية، حيث أن هذه الدول تتاجر مع الدول الأخرى أكثر من تجارة بعضها مع بعض، وتنسيق السياسات الاقتصادية بحيث تؤخذ في الاعتبار المصالح فوق القومية لتحتل أولوية على المصالح القطرية للدول الأعضاء. كما تحتاج العملة الموحدة الى سياسات مالية متناسقة وضبط المالية العامة للدول الأعضاء.
المسألة معقدة
ان اعلان الاستمرار في خطط اطلاق العملة الموحدة في موعدها المحدد يعد بمنزلة تبسيط شديد لمسألة في غاية التعقيد، وربما عدم ادراك لطبيعة المشكلات التي يمكن أن تترتب على اطلاق عملة موحدة من دون أرضية ممهدة لاطلاقها. ان أرضية التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون التي يستند اليها في اطلاق عملة موحدة ليست متينة بالشكل الذي يبدو للعيان، ذلك أن هناك الكثير من الخطوات التي لم تتخذ بعد في بناء التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، والتي ينبغي أن يوجه اليها اهتمام اكبر من مسألة اطلاق العملة الموحدة.
فهل يعقل أن يتم اطلاق عملة موحدة بعد 3 سنوات فقط من انشاء سوق خليجية مشتركة؟ وهل يعقل انشاء سوق مشتركة قبل أن يتم اكتمال الاتحاد الجمركي؟ ان خطورة مثل هذا الوضع تتمثل في انه مع اطلاق المزيد من المشروعات الناقصة في مجال التعاون، تتعقد طبيعة المشكلات التي تواجه كل مرحلة وتتضاعف، ربما بالشكل الذي قد يجعل عملية التغلب على العقبات المصاحبة لها مسألة معقدة، وقد تؤثر بشكل سلبي على مسيرة التعاون برمته.
بدائل العملة الخليجية الموحدة
اذا كانت عملية الغاء العملات الحالية لدول المجلس وانشاء عملة موحدة جديدة يحف بها الكثير من المخاطر، فلماذا لا تبحث دول المجلس عن حل وسط يحقق حلم دول مجلس التعاون في أن تكون لها عملة موحدة، وفي الوقت ذاته تتجنب الآثار السلبية لاطلاق عملة موحدة قبل تهيئة الأرضية اللازمة لعملية الاطلاق، من وجهة نظري هذا الحل الوسط يتمثل في تبني الريال السعودي كعملة خليجية موحدة، ذلك أن استعمال الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس أفضل من انشاء عملة موحدة جديدة للأسباب الآتية:
1- ان الاقتصاد السعودي هو أقوى اقتصادات المنطقة، حيث يتم فيه انتاج أكثر من 50% من الناتج المحلي لدول مجلس التعاون في المتوسط وهو ما يضفي قوة استقرار للريال السعودي، بدلا من انشاء عملة جديدة يحيط بها الكثير من عوامل عدم التأكد وتتأثر بما يدور في اقتصادات كل دولة على حدة.
2- الغاء الحاجة الى انشاء بنك مركزي خليجي، حيث يمثل هذا البنك مصدرا كامنا للخلاف بين الدول الأعضاء في ما يتعلق بالكثير من القضايا الحساسة، مثل أين سينشأ، ومن سيرأسه، وما هي حصة كل دولة في موظفيه، وكيف تدار عملياته ... الخ، بينما نجد أن مؤسسة النقد السعودي مؤسسة قائمة تدير شؤون السياسة النقدية للمملكة منذ زمن طويل، وتتمتع بخبرة طويلة في اصدار وادارة أحوال الريال.
3- ان الريال السعودي يحميه رصيد كبير من الاحتياطيات الدولية التي تملكها مؤسسة النقد السعودي، خصوصا هذه الأيام، الأمر الذي يمكن المملكة من التدخل في الوقت المناسب لحماية الريال ضد مخاطر تقلب معدلات صرفها أمام العملات الرئيسية في العالم.
4- ان العملة الموحدة المزمع انشاؤها يحيط بها الكثير من عوامل عدم التأكد، الأمر الذي يمثل مصدرا كامنا لعدم الاستقرار النقدي في دول المجلس، خصوصا أن تلك الدول سوف تستبدل عملات قوية ومستقرة بعملة جديدة يحيط بها العديد من المخاطر.
5- ان المملكة العربية السعودية هي الدولة صاحبة النفوذ الأقوى سياسيا داخل المنطقة، وهو نفوذ يفوق تأثير ألمانيا في الاتحاد الأوروبي.
مجموعة متطلبات
غير أن تبني الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس يقتضي توافر مجموعة من المتطلبات أهمها:
1- الاتفاق على آلية لاقتسام ايرادات عملية اصدار الريال السعودي بين السعودية ودول المجلس، لتعويض الدول الأخرى عن الفقد في الايرادات الناجم عن التوقف عن اصدار عملاتها المحلية، واستبدالها بالريال السعودي. وهو اجراء تتبعه الدول التي تتفق على استخدام عملة احدى الدول كعملة موحدة لها.
2-اعادة صياغة نظام معدل صرف الريال السعودي من خلال تبني سلة عملات تتوافق مع شركاء التجارة في دول مجلس التعاون، بدلا من النظام الحالي القائم على الربط مع الدولار، لاحداث قدر اكبر من الاستقرار في القيمة الحقيقية للريال.
3- اضافة وظائف أخرى لمؤسسة النقد السعودي منها أن تصبح الملجأ الأخير للدول الأعضاء لتوفير احتياجات الائتمان المطلوبة، في حال حاجتها لذلك، وأن تتولى رسم سياسة نقدية تتناسب مع الظروف الاقتصادية السائدة في دول المجلس أجمع، وليس فقط للظروف السائدة في المملكة، أي أن تضطلع المؤسسة بمهام البنك المركزي الاقليمي لدول المجلس.
4-اعادة هيكلة ادارة المؤسسة بحيث تتكون من لجنة ادارة تضم الدول الست الأعضاء في المجلس، من خلال نظام للحصص في مجلس الادارة يتم الاتفاق عليها بين الدول الأعضاء.
5- اعادة تصميم الريال بحيث لا يحمل أي صور تجنبا للحساسية التي يمكن أن تنشأ عن تداول الريال السعودي بتصميمه الحالي خارج حدود المملكة في الدول الأعضاء في المجلس.
ان عملية تبني الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس تستند الى تحليل للعوائد/التكاليف، التي تبدو في مصلحة الريال السعودي حاليا، أكثر من العملة المنتظرة التي ربما لن ترى النور.
أ. د. محمد إبراهيم السقا
نشرت «القبس» بتاريخ 29ــ12ــ2008 تصريحاً للوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، الذي شكك بقوة في منفعة العملة الخليجية الموحدة، وأكد فيه أن سلطنة عمان التي سبق أن انسحبت من المشروع لن تنضم الى المشروع أبدا، وأنها ليست طرفا في هذا المشروع المثير للجدل، استنادا الى أن هذه العملة ليس لها مزايا أو مكاسب لكي تكون بديلا لعملات قائمة حاليا تتمتع بالقوة والاستقرار.
وعلى الرغم من أن الصوت العماني هو الصوت الذي يغرد، على الأقل في العلن، خارج السرب في موضوع العملة الخليجية الموحدة، فإنه من الناحية الواقعية الصوت العقلاني الوحيد الذي يقيم الأمور بموضوعية شديدة بعيدا عن العاطفة والشعارات الخاوية من المحتوى الذي لا يجد له صدى على أرض واقع التعاون الاقتصادي بين دول المجلس.
وتشير الدراسات المتاحة، خصوصا الحديثة منها، الى أن دول مجلس التعاون لا تستوفي الكثير من الشروط الأساسية لاطلاق العملة الموحدة وفقا لنظرية منطقة العملة المثلى. اذ تحتاج دول المجلس الى تنويع الهياكل الاقتصادية لدول المجلس، وتوسيع نطاق التجارة البينية، حيث أن هذه الدول تتاجر مع الدول الأخرى أكثر من تجارة بعضها مع بعض، وتنسيق السياسات الاقتصادية بحيث تؤخذ في الاعتبار المصالح فوق القومية لتحتل أولوية على المصالح القطرية للدول الأعضاء. كما تحتاج العملة الموحدة الى سياسات مالية متناسقة وضبط المالية العامة للدول الأعضاء.
المسألة معقدة
ان اعلان الاستمرار في خطط اطلاق العملة الموحدة في موعدها المحدد يعد بمنزلة تبسيط شديد لمسألة في غاية التعقيد، وربما عدم ادراك لطبيعة المشكلات التي يمكن أن تترتب على اطلاق عملة موحدة من دون أرضية ممهدة لاطلاقها. ان أرضية التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون التي يستند اليها في اطلاق عملة موحدة ليست متينة بالشكل الذي يبدو للعيان، ذلك أن هناك الكثير من الخطوات التي لم تتخذ بعد في بناء التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، والتي ينبغي أن يوجه اليها اهتمام اكبر من مسألة اطلاق العملة الموحدة.
فهل يعقل أن يتم اطلاق عملة موحدة بعد 3 سنوات فقط من انشاء سوق خليجية مشتركة؟ وهل يعقل انشاء سوق مشتركة قبل أن يتم اكتمال الاتحاد الجمركي؟ ان خطورة مثل هذا الوضع تتمثل في انه مع اطلاق المزيد من المشروعات الناقصة في مجال التعاون، تتعقد طبيعة المشكلات التي تواجه كل مرحلة وتتضاعف، ربما بالشكل الذي قد يجعل عملية التغلب على العقبات المصاحبة لها مسألة معقدة، وقد تؤثر بشكل سلبي على مسيرة التعاون برمته.
بدائل العملة الخليجية الموحدة
اذا كانت عملية الغاء العملات الحالية لدول المجلس وانشاء عملة موحدة جديدة يحف بها الكثير من المخاطر، فلماذا لا تبحث دول المجلس عن حل وسط يحقق حلم دول مجلس التعاون في أن تكون لها عملة موحدة، وفي الوقت ذاته تتجنب الآثار السلبية لاطلاق عملة موحدة قبل تهيئة الأرضية اللازمة لعملية الاطلاق، من وجهة نظري هذا الحل الوسط يتمثل في تبني الريال السعودي كعملة خليجية موحدة، ذلك أن استعمال الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس أفضل من انشاء عملة موحدة جديدة للأسباب الآتية:
1- ان الاقتصاد السعودي هو أقوى اقتصادات المنطقة، حيث يتم فيه انتاج أكثر من 50% من الناتج المحلي لدول مجلس التعاون في المتوسط وهو ما يضفي قوة استقرار للريال السعودي، بدلا من انشاء عملة جديدة يحيط بها الكثير من عوامل عدم التأكد وتتأثر بما يدور في اقتصادات كل دولة على حدة.
2- الغاء الحاجة الى انشاء بنك مركزي خليجي، حيث يمثل هذا البنك مصدرا كامنا للخلاف بين الدول الأعضاء في ما يتعلق بالكثير من القضايا الحساسة، مثل أين سينشأ، ومن سيرأسه، وما هي حصة كل دولة في موظفيه، وكيف تدار عملياته ... الخ، بينما نجد أن مؤسسة النقد السعودي مؤسسة قائمة تدير شؤون السياسة النقدية للمملكة منذ زمن طويل، وتتمتع بخبرة طويلة في اصدار وادارة أحوال الريال.
3- ان الريال السعودي يحميه رصيد كبير من الاحتياطيات الدولية التي تملكها مؤسسة النقد السعودي، خصوصا هذه الأيام، الأمر الذي يمكن المملكة من التدخل في الوقت المناسب لحماية الريال ضد مخاطر تقلب معدلات صرفها أمام العملات الرئيسية في العالم.
4- ان العملة الموحدة المزمع انشاؤها يحيط بها الكثير من عوامل عدم التأكد، الأمر الذي يمثل مصدرا كامنا لعدم الاستقرار النقدي في دول المجلس، خصوصا أن تلك الدول سوف تستبدل عملات قوية ومستقرة بعملة جديدة يحيط بها العديد من المخاطر.
5- ان المملكة العربية السعودية هي الدولة صاحبة النفوذ الأقوى سياسيا داخل المنطقة، وهو نفوذ يفوق تأثير ألمانيا في الاتحاد الأوروبي.
مجموعة متطلبات
غير أن تبني الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس يقتضي توافر مجموعة من المتطلبات أهمها:
1- الاتفاق على آلية لاقتسام ايرادات عملية اصدار الريال السعودي بين السعودية ودول المجلس، لتعويض الدول الأخرى عن الفقد في الايرادات الناجم عن التوقف عن اصدار عملاتها المحلية، واستبدالها بالريال السعودي. وهو اجراء تتبعه الدول التي تتفق على استخدام عملة احدى الدول كعملة موحدة لها.
2-اعادة صياغة نظام معدل صرف الريال السعودي من خلال تبني سلة عملات تتوافق مع شركاء التجارة في دول مجلس التعاون، بدلا من النظام الحالي القائم على الربط مع الدولار، لاحداث قدر اكبر من الاستقرار في القيمة الحقيقية للريال.
3- اضافة وظائف أخرى لمؤسسة النقد السعودي منها أن تصبح الملجأ الأخير للدول الأعضاء لتوفير احتياجات الائتمان المطلوبة، في حال حاجتها لذلك، وأن تتولى رسم سياسة نقدية تتناسب مع الظروف الاقتصادية السائدة في دول المجلس أجمع، وليس فقط للظروف السائدة في المملكة، أي أن تضطلع المؤسسة بمهام البنك المركزي الاقليمي لدول المجلس.
4-اعادة هيكلة ادارة المؤسسة بحيث تتكون من لجنة ادارة تضم الدول الست الأعضاء في المجلس، من خلال نظام للحصص في مجلس الادارة يتم الاتفاق عليها بين الدول الأعضاء.
5- اعادة تصميم الريال بحيث لا يحمل أي صور تجنبا للحساسية التي يمكن أن تنشأ عن تداول الريال السعودي بتصميمه الحالي خارج حدود المملكة في الدول الأعضاء في المجلس.
ان عملية تبني الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس تستند الى تحليل للعوائد/التكاليف، التي تبدو في مصلحة الريال السعودي حاليا، أكثر من العملة المنتظرة التي ربما لن ترى النور.
أ. د. محمد إبراهيم السقا