المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـــــــــــــــــــــعودة إلى الأصول



( الفهد )
12-01-2009, 11:52 AM
الــــــــــــــــعودة إلى الأصول


بدأ العام بداية مبشرة بتراجع دور المضاربين وبالتالي العودة إلى التعامل مع أساسيات السوق .

فالعام الماضي لم يتميز فقط بارتفاع صاروخي في سعر البرميل ثم تراجعه بالطريقة نفسها منذ فصل الصيف، وإنما في بعض الأوقات بدا وكأن أساسيات السوق وقواعد العرض والطلب لم تعد تفعل فعلها. ويظهر هذا في أنه في الوقت الذي كانت فيه المؤسسات الثلاث التي تتابع حركة السوق وتصدر تقارير شهرية بهذا المعنى وهي الوكالة الدولية للطاقة، منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقول شهرا إثر شهر إن الطلب في تراجع، إلا أن سعر البرميل كان في تصاعد. ووصل الأمر في بعض المحللين إلى التركيز على الانطباعات العامة للمتعاملين كعامل أساسي في تحريك السوق. فالانطباع بعدم وجود نفط كاف أو الخوف من حدوث انقطاع في الإمدادات كان كافيا لإبقاء الأسعار مرتفعة حتى إذا لم يكن واقع السوق يساند هذا الانطباع.

ولهذا برز دور المضاربين محركا أساسيا للتصاعد الغير مبرر لسعر البرميل العام الماضي، وتراجعت وبصورة ملحوظة التأثيرات الأخرى المرتبطة بهذه السلعة من جوانب سياسية وأمنية مثلما كان سائدا في عامي 2006 و2007 من تأثير لأحداث العنف في منطقة دلتا النيجر النيجيرية على إنتاج تلك البلاد لدرجة تراجعها من مرتبة أكبر منتج إفريقي لمصلحة أنجولا، أو تطورات المواجهة الغربية مع إيران بسبب ملفها النووي.

ومع استمرار عمليات التقلب في سعر البرميل، إلا أنه يلاحظ بعض التطورات المهمة: أولها أنه رغم التقلب السعري، إلا أنه ظل أخيرا يراوح بين منتصف الأربعينيات من الدولارات إلى 50 دولارا سعرا للبرميل، وهذا يعني من ناحية أنه لا يبدو في الأفق عودة إلى سعر للبرميل من رقم واحد، كما شهد مطلع العقد الماضي وقبل ذلك فترة حرب الأسعار في منتصف عقد الثمانينيات. والفضل في ذلك يعود إلى نجاح عمليات خفض الإنتاج ولو بصورة جزئية.

الأمر الثاني أن أحد أسباب الارتفاع الأخير في سعر البرميل يعود إلى أحداث غزة والخوف من اتساعها بما يمكن أن يؤثر بصورة ما على وضع الإمدادات. وهذه عودة إلى العامل الجيوسياسي الذي غاب تقريبا طوال العام الماضي. فإلى حد كبير ظل تاريخ الصناعة النفطية وتحديدا ما يتعلق منها في حدوث انقطاع في الإمدادات مرتبطا بتطورات الصراع العربي الإسرائيلي، وهو الوضع الذي بلغ ذروته في عام 1973 بالحظر النفطي العربي.

المفارقة أنه في ذلك الوقت لم تتقيد إيران بالحظر الذي اكتسب صفة عربية خالصة وقتها، إلا أن هذه المرة تبدو لاعبا أساسيا على المسرح السياسي في منطقة الشرق الأوسط، فهي داعم رئيس لحركة حماس وحزب الله وللدرجة التي تجعل من المواجهة الجارية حاليا في غزة والانتخابات المقبلة في لبنان مؤشرا إلى حجم ونوعية النفوذ الإيراني، وهو ما دفع بعض المحللين إلى التكهن أن الصراع في المنطقة انتقل إلى مرحلة جديدة، إذ لم يعد صراعا عربيا - إسرائيليا، وإنما إلى حد كبير صراع إيراني - إسرائيلي. ويدللون بذلك على أن كلا من حرب غزة الجارية حاليا وقبلها تلك التي جربت في لبنان قبل عامين جاءت في وجه اعتراضات عربية مباشرة ومن قوى مؤثرة.

وإذا صحت هذه التحليلات، فإنها تعني في نهاية الأمر صراع على النفوذ والتأثير في الأوضاع في المنطقة بين الإيرانيين والإسرائيليين. ومع أن ذلك البعد لم يكن غائبا كليا، إلا أن الجديد التأثير الإيراني المباشر في تطور الأحداث وبصورة لم تكن معروفة بهذا الشكل في السابق. وستكون السوق في انتظار ما ستسفر عليه المواجهات العسكرية الإسرائيلية في غزة وأيضا نتائج الانتخابات اللبنانية.

عندما اشتعلت الحرب العربية الإسرائيلية في تشرين الأول (أكتوبر) 1973 كانت هناك جولات من التفاوض بين الشركات ووفد من "أوبك" لتحديد سعر البرميل. وبعد اندلاع الحرب طلبت الشركات مهلة فهمها جانب "أوبك" على إنها فترة انتظار لمعرفة كيف ستسير الأمور في أرض المعركة وانعكاساتها على السوق. الجانب العربي نجح في بداية المعارك في تحقيق انتصار جزئي أبرز علاماته النجاح في عبور خط بارليف ثم إعلان الحظر النفطي، الأمر الذي أضعف من موقف الشركات النفطية الأجنبية ونزع عنها والى الأبد حق المشاركة في تحديد سعر البرميل، الذي أصبح ملكية لـ "أوبك" وحدها.

وهذا ما يبدو أن السوق تنتظره لتقييم ما سيترتب على المواجهات الجارية حاليا في منطقة الشرق الأوسط. لكن حتى تلك المرحلة، فإن السوق استعادت بعض توازنها على الأقل فيما يخص بروز التأثير للعوامل الأساسية وليس أدل على ذلك من قيام شركة أرامكو السعودية برفع سعر مبيعاتها إلى السوقين الأمريكية والآسيوية، رغم المعدل المنخفض للأسعار، الأمر الذي يشير إلى مستقبل السوق.



الاقتصادية ـ السر سيد أحمد 11/01/2009