المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غاندي والقضية الفلسطينية



أمير الود
16-01-2009, 10:49 AM
يقول دبلوماسي هندي في الأمم المتحدة (الخطاب السياسي العربي بشأن القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة ليس موحداً, فكيف سيكون موقفنا من العرب)?

في الماضي كان الخطاب العربي موحداً إلى حد ما بشأن القضية الفلسطينية, كان يعتبرها (قضية العرب المركزية .. وأن الصراع مع الصهيونية صراع وجود .. وأن العلاقة مع دول العالم تقوم على مدى قرب أو بعد هذه الدول من القضية الفلسطينية).‏

هل مازال هذا الخطاب قائماً ؟! ربما في الشكل مازال قائماً .. لكنه لم يعد موجوداً في الواقع سوى عند خط المقاومة والممانعة الذي تشكل سورية قلعته.‏

تحت شعار استقلالية القرار الفلسطيني الذي رفع كيافطة راح الخطاب العربي يتفكك وراح التلاحم الفلسطيني يتفكك .. وبتنا اليوم أمام أكثر من خطاب فلسطيني .. وأكثر من موقف فلسطيني, وأكثر من رؤية حول القضايا الجوهرية بشأن الدولة الفلسطينية .. على أي حال كل رؤية لا ترضاها أميركا يطلق عليها الرصاص لأنها إرهابية.‏

كان هناك في قديم الأيام مكتب (مقاطعة إسرائيل) وكان هذا المكتب يلعب دوراً كبيراً في التأثير على إسرائيل وعلى دول الغرب كما نشرت الخارجية البريطانية مؤخراً في وئاثقها التي أفرج عنها.. ولكن هذا المكتب فقد دوره .. وراح التعامل مع الشركات الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل يتم جهاراً .. أليس هو الاعتدال والبراغماتية الجديدة البوشية.‏

كانت منظمة (دول عدم الانحياز) تشكل ظهراً قوياً وحقيقياً للدول العربية بشأن القضية الفلسطينية وغيرها .. عندما تفكك موقفنا من القضية الفلسطينية .. وتفكك ترابطنا القومي .. لم يعد ثمة وجود لدور لهذه المنظمة.‏

الأحزاب الوطنية واليسارية في العالم شكلت على مدى عقود جبهة قوية مع الدول العربية في صراعها مع الامبريالية والصهيونية .. للأسف كل ذلك تهدم الآن بتهدم الموقف العربي الموحد وللأسف أيضاً حتى القضية الفلسطينية - بين الفلسطينيين أنفسهم - صارت بين معتدلين و متطرفين بحسب رأي إدارة بوش في التصنيف.‏

كانت الهند من أهم الدول المساندة للحق العربي .. يوم كان الخطاب العربي موحداً والخطاب الإسلامي موحداً .. ويوم كان العرب وبالرغم من ضعف إمكاناتهم الاقتصادية والعسكرية والإعلامية يقاومون .. ويقاطعون بضائع الغرب بشكل فاعل وليس كما يحدث الآن حيث بضائع الغرب وبضائع إسرائيل تتصدر بعض الأسواق العربية.. كانت الهند أقوى حليف للعرب .. وأعتى عدو لإسرائيل سياسيا ًَ.. الهند وإسرائيل هما اليوم متعاونتان على كل الأصعدة لماذا حدث ذلك؟!

يقول دبلوماسي هندي في الأمم المتحدة (هل سنكون عرباً أكثر من العرب؟!‏

العلاقات الهندية الإسرائيلية التي راحت تتعاظم على حساب علاقات الهند التاريخية مع العرب وقضاياهم.. توقظ في ذاكرتي ماكتبه المهاتما غاندي في مقال تضمنه كتابه المنشور باللغة الانكليزية بعنوان ( non violence) بتاريخ 26/11/1938 عن موقفه من الهجرة اليهودية وأبعاد هذه الهجرة في فلسطين يقول فيه:‏

لقد تسلمت عدة رسائل تدعوني إلى التصريح بأرائي حول المسألة العربية اليهودية في فلسطين .. وحول ما يقع على اليهود من اضطهاد في ألمانيا .. ودون أي تردد أبادر إلى تقديم وجهة نظري في هذه المسألة المعقدة غاية التعقيد..‏

وأتوجه بداية بالتعبير عن تعاطفي مع جميع اليهود .. والذين تعرفت عليهم بصورة وثيقة في جنوب إفريقيا بل غدا بعضهم من بين الرفاق مدى الحياة.‏

ومن خلال هؤلاء الأصدقاء أتيح لي أن أتعرف على ما يعانونه من اضطهاد منذ زمن بعيد حيث كانوا أشبه بطائفة (من لا يمسون) لدى أنصارالديانة المسيحية والحاصل أن تعامل المسيحيين معهم أقرب ما يكون بتعامل الهندوس مع الطائفة (من لايمسون) في الهندي وفي كلا الحالين تثار الأسانيد الدينية تبريراً للمعاملة اللا إنسانية لأولئك ولهؤلاء.‏

ومع ذلك فإنه بصرف النظر عن علاقات الصداقة هذه فما يدعونا إلى هذا التعاطف نحو اليهود إنما هو العامل الإنساني العام والمشترك بيننا كبشر.‏

بيد أن تعاطفي هذا لا يعميني عن مطالب العدالة .. وأعني بذلك تلك الصيحة للمطالبة بوطن قومي لليهود .. إذ إنها لا تلقى لدي كثيراً من الاجتذاب نحوها.‏

وأتساءل لماذا لا يتخذ اليهود, كغيرهم من شعوب الأرض, وطنهم حيث يولدون وحيث يتكسبون ؟ إن فلسطين تنتمي إلى العرب بنفس الدلالة التي تنتمي فيها انجلترا إلى الانجليز وفرنسا إلى الفرنسيين .. إنها لخطيئة وعمل لا إنساني أن يفرض اليهود على العرب إن ما يحدث في فلسطين اليوم لا يمكن تبريره بأي قانون من قوانين السلوك الأخلاقي .. ثم إن سلطة الانتداب ليس لها أي سند سوى أنها من نتاج الحرب السابقة (الحرب العالمية الأولى ومعاهدة سايكس بيكو وتصريح بلفور 1917).‏

إن مثل هذا الكلام يؤكد لنا نحن العرب أن السنوات الأخيرة من القرن العشرين والتي شهدت اتفاقية كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقات أوسلو .. والاتفاقيات السرية .. ذهبت بوهج العرب .. وجعلت دول العالم في أفريقيا وآسيا وفي أميركا اللاتينية تقيم علاقات مع إسرائيل يفقد من خلالها العرب تضامن هذه الدول معهم.‏

إن تصريحات بوش الأخيرة في الذكرى الستين للدولة الصهيونية المغتصبة لفلسطين وإعلان بوش انبهاره بهذه الدولة .. وإعلان دعمه ليهوديتها ولعدم عودة الفلسطينيين إلى أرضهم .. ما كانت لتتم لولا إدراكه بأن الخطاب العربي بات ضعيفاً ومفككاً .. وأن حرارة دمه في شرايين الحياة العربية والدولية قد تجمدت.‏