المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دروس الأزمــــــة المالية



( الفهد )
22-01-2009, 10:52 AM
دروس الأزمــــــة المالية

الاتحاد- د.محمد العسومي 22/01/2009

في تقرير رُفع للقمة الاقتصادية العربية التي عقدت بدولة الكويت بداية هذا الأسبوع قدرت الخسائر العربية من جراء الأزمة المالية العالمية بمبلغ 2.5 تريليون دولار، وهو رقم خيالي لا يمكن استيعاب أصفاره بسهولة.

للمقارنة، فإن خطة انقاذ الاقتصاد الأميركي، وهو أكبر اقتصاد في العالم خصص لها 700 مليار دولار، أي أن الخسائر العربية تبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف خطة الانقاذ الأميركية، كما أن حجمها يصل إلى ضعف المبالغ المخصصة للخطتين الأميركية والأوروبية.

وتتجاوز هذه الخسائر مجموع الناتج المحلي الاجمالي للبلدان العربية مجتمعة، أي مجموع قيمة الانتاج العربي من السلع والخدمات، بما فيها النفط والغاز والانتاج الصناعي والزراعي والخدمات والتجارة.

وشمل ذلك كافة البلدان العربية تقريباً، كما شمل استثمارات القطاعين العام والخاص على حد سواء، بل إن الخسائر العربية تأتي في مرتبة متقدمة إلى جانب الخسائر الأميركية والأوروبية، وهي تتجاوز بذلك خسائر بلدان كبيرة، كاليابان والصين والهند.

بالتأكيد بعض هذه الخسائر، هي عبارة عن خسائر دفترية، فأسعار الأسهم في الأسواق العالمية سوف ترتفع وتعوض جزءاً من خسائرها في حالة الاحتفاظ بها، أما في حالة بيعها، فإنها ستتحول إلى خسائر فعلية. أما الجزء الآخر من هذه الخسائر، كالودائع في "بنك ليمان براذرز" على سبيل المثال، فإنها خسائر فعلية بعد أن أشهرت هذه المؤسسة العريقة منذ بداية الأزمة إفلاسها.

البلدان العربية الغنية سوف تتمكن من التأقلم مع هذه الخسائر وربما يتم تعويضها بعد حين، أما البلدان العربية الفقيرة، فإن ذلك يشكل كارثة حقيقية، وبالأخص للقطاع الخاص، الذي يملك الجزء الأكبر من الاستثمارات الخارجية في هذه البلدان.

السؤال الأهم في مثل هذه الظروف يتمحور حول مدى إمكانية استفادة البلدان العربية من هذه التجربة القاسية؟
فهذه الخسائر جاءت على حساب برامج التنمية، كما صرح وزير الخارجية الكويتي الذي أشار إلى أن 60% من المشاريع المعلنة، إما إنها ألغيت أو تم تأجيلها.

قبل الأزمة اعتبر معظم المراقبين والمستشارين أن الاستثمار في الولايات المتحدة والغرب إجمالًا مثالي بكل المقاييس، سواء من ناحية الضمانات التي توفرها الأنظمة والقوانين هناك، أو من خلال الاستقرار والعائد المجزي لهذه الاستثمارات.

ربما يكون ذلك صحيحاً إذا ما اختار المستثمر قنوات الاستثمار الآمنة والتي تتماشى مع المنطق الاستثماري والعائد، الذي يعكس طبيعة الاستثمار الحقيقي، وليس الركض وراء المشتقات المالية التي تضاعفت بصورة حسابية لا مبرر لها والدخول في مضاربات ذات مخاطر عالية ومكلفة.

لو قدر استثمار نصف مبلغ هذه الخسائر في البلدان العربية لتم القضاء على البطالة تقريباً، والتي تهدد استقرار العديد من هذه البلدان ولأمكن إقامة الكثير من المشاريع، وبالأخص مشاريع البنى التحتية، بما فيها المدارس والمستشفيات ووسائل المواصلات والاتصالات والطرق التي تساهم في تسهيل زيادة التبادل التجاري بين البلدان العربية وزيادة وتائر النمو فيها.

والحال أنه رغم ظروف الأزمة القاسية، فإن أوضاع ما بعد الأزمة يفترض أن تشكل هاجساً لاستخلاص الدروس، وبالأخص الاستفادة من التجربة الاستثمارية الخارجية للبلدان العربية، وإعادة توزيع هذه الاستثمارات، فهناك مناطق استثمارية جاذبة جديدة أفرزتها هذه الأزمة تتيح عوائد جيدة، وتتمتع في الوقت نفسه بالاستقرار وتوفر الأنظمة والقوانين المرنة.

وفيما يتعلق بالاستثمار في البلدان العربية ذاتها، فإن هذا الأمر يكتسب أهمية استثنائية، فالقطاع الخاص بالذات يمكنه المساهمة في عملية التنوع الاستثماري المحلية والخارجية، كما يمكنه المساعدة في تعزيز الثقة في اقتصادات البلدان، التي ينتمي إليها من خلال المساهمة في تحديث الأنظمة الاستثمارية وتقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين وتعزيز الشفافية والإفصاح في النظام الاقتصادي.

وفي الوقت نفسه، يمكن للبلدان العربية الأقل نمواً تطوير أنظمتها الاستثمارية وتوفير الضمانات الضرورية لجذب رؤوس الأموال من البلدان العربية الغنية وعدم اقحام الخلافات السياسية العربية، التي لا تنتهي في التعاون الاقتصادي العربي.

هذه مسائل مهمة يمكن استيعابها من خلال الخسائر الهائلة التي منيت بها البلدان العربية، والتي كان بالإمكان التقليل من حجمها فيما لو توفرت ظروف وبيئة استثمارية ملائمة ومرنة في البلدان العربية مشابهة لتلك المتوفرة في البلدان المتقدمة.