المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المضاربات والعقود الوهمية وراء الأزمة المالية



الصاعق الحارق
23-01-2009, 06:43 PM
فؤاد مطرجي لـ "السياسة": المضاربات والعقود الوهمية وراء الأزمة المالية وانهيار أسعار النفط

السياسة 21/01/2009

عزا مدير عام بيت التمويل العربي الدكتور فؤاد مطرجي ارتفاع أسعار النفط الجنوني ثم هبوطه بهذا الشكل المفاجئ واللافت إلى المضاربات الإلكترونية من دون الحاجة الحقيقية له. وقال في حديث خاص ل¯ "السياسة" انه عندما بدأ انهيار الأسواق ومن ضمنها العقود الوهمية عادت الأسعار إلى حجمها الطبيعي وتقلص الإنتاج وبقيت الأسعار تنخفض أكثر فأكثر, ما يعني وجود خطأ ما, في مكان ما.

مطرجي وفي حواره مع "السياسة" وصف القيمين على بيت التمويل العربي, بالفريق الخلاق الذي ابتكر أدوات استثمار عدة شكلت نظرة إيجابية للاقتصاد في لبنان, وقال إن تصنيف بيت التمويل العربي حصل على الرقم 40 في العالم كمؤسسة مالية إسلامية رائدة, والمصرف هو لكل الناس وليس للمسلمين فقط.

ورأى أن المصارف الإسلامية لا تتعاطى بالدين لا بيعاً ولا شراءً ولا متاجرةً ولا الاتجار بالوهم كما فعل الآخرون, ولذلك كانت هذه المصارف ومنها بيت التمويل العربي الأكثر مناعة والأكثر حصانة, واصفاً النهضة العقارية التي شهدتها "دبي" بأنها لم تكن مبنية على أسس واضحة للاستهلاك النهائي, وأن تشييد العمارات الشاهقة والأبراج لم يكن نتيجة لطلب حقيقي عليها, لأن النظرة إليها مستقبلية لاستيعاب العديد من الوافدين الذين يرغبون العيش في دبي, ولكن العديد من المستثمرين أساؤوا هذا التقدير.

مطرجي رأى أن لبنان بنظرته الواضحة والجلية منع المصارف اللبنانية من الدخول في الأوراق التي كانت متداولة في العالم وأدت إلى هذه الأزمة الكبيرة, لكنه في المقابل ضيَّع عليه فرصتين مهمتين من الفورات النفطية التي حصلت في العقود الثلاثة الماضية, وأمامه اليوم فرصة ذهبية باعتباره ملاذاً مالياً آمناً باعتراف المؤسسات المالية العالمية, وعليه الاستفادة منها من خلال الاستتباب الأمني الدائم. وهذا نص الحوار:


بعد تصاعد أسعار النفط بشكل عمودي بلغ سعر البرميل الواحد 150 دولاراً, ثم عاد بعد هذه الأزمة التي أصابت العالم إلى الهبوط بشكل جنوني مخيف وسريع. ما تأثير هذه التحولات المفاجئة على اقتصاديات العالم العربي؟

ما تشهده أسعار النفط من انخفاض مساوئه رهيبة:

أولاً: عندما ارتفعت الأسعار بشكل جنوني كانت هناك طلبات إلكترونية لا تعبر عن حاجة طلب حقيقية. هذه من مساوئ الاقتصاد العالمي الحر حيث تستطيع أن تشتري وتبيع ما لا تملك, وهذه طبعاً المصارف الإسلامية تحذر منها, ونحن حذرنا منها ووقعنا بالمحظور..

عندما تستطيع أن تبيع ما لا تملك تساهم بارتفاع الأسعار بطريقة وهمية. المضاربات الإلكترونية رفعت هذه الأسعار, وبنت العديد من الدول ميزانياتها وطريقة توسعها في الاستثمار في البنى التحتية والبنى الفوقية على هذه الأسعار, ولكن, عندما بدأ انهيار الأسواق ومن ضمنها العقود الوهمية أصبح مالكوها يستغنون عنها بطريقة عشوائية لتسكير ما عليهم من ديون عادت الأسعار إلى حجمها الطبيعي ومما زاد الطين بلة, أنه عندما أصبح هذا الركود موجوداً خف الاستهلاك الحقيقي للبترول. وفي الوقت نفسه خفضت الإنتاجية فهبطت الأسعار لعدم الاستهلاك الكثير, وسوف تنخفض الأسعار أكثر وأكثر, ما سيؤثر على الاقتصاديات التي لديها نظرة خاصة في موازناتها للتنمية أكثر وأكثر في مناطقها, ما يؤدي إلى عجز كبير في موازنات 2009 أو 2010 للعديد من دول الخليج.

* ما يحصل اليوم, هل سيؤدي بالدول العربية المنتجة للنفط إلى أن تعيد النظر في سياستها الإنتاجية؟

- هذا من شأن الاختصاصيين في هذا الموضوع, وهم لديهم وجهة نظرهم وأفكارهم, لأن خفض الإنتاج وتحديد الأسعار وفوق ذلك انخفاض الأسعار, هذا يعني وجود خطأ في مكانٍ ما والواضح أن عدم الاستهلاك, يعني أن الإنتاجية خفَّت كثيراً في المصانع, والركود بدأ يرمي بأثقاله على الاقتصاد العالمي. من هنا ينبغي الاحتراس, لكيفية النظر لها.

* من الواضح أن المصارف الإسلامية خلقت نوعاً من المنافسة الجديدة بين مجموع المصارف في لبنان وبعض الدول العربية. كيف بدأت هذه المصارف تستثمر في لبنان؟ وما الحوافز التي أوجدتها لتحول الناس إليها؟ وكيف وصل بيت التمويل العربي إلى هذه الشهرة؟

- بالدرجة الأولى بيت التمويل العربي تأسس في العام 2004 وبدأ انطلاقته الحقيقية في أول 2007 وبين 2004 و2006 كنا في مراحل التأسيس, وكانت مرحلة صعبة ترافقت مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما أعقبه من أحداث أمنية. ولكن الإيمان الكبير لمالكي بيت التمويل العربي ورئيس مجلس الإدارة محمد عبد اللطيف المانع ورئيس اللجنة التنفيذية صلاح الجيدة ونظرتهما الإيجابية التفاؤلية إلى لبنان, إضافة لشركائنا الكويتيين وهما شركة "أصول" وشركة "كفيل" لإيمانهم باقتصادنا اللبناني إيماناً كبيراً جداً وفعالاً.

من هنا رسمت الفكرة الرئيسية لإطلاق بيت التمويل العربي وقامت الإدارة المركزية بتنفيذها وإحداث خطوات متقدمة في هذا الموضوع, فتمَّ الانتقال من المركز الرئيسي في الأشرفية إلى كورنيش المزرعة وتملك برج بيت التمويل العربي وافتتاح ثلاثة فروع, إضافة للفرع الرئيسي وقريباً سنفتح فرعاً جديداً في ضاحية بيروت الجنوبية, وبعد ستة أشهر سيكون عندنا فرع في البقاع, فالسياسة التوسعية مستمرة, عدا عن أن فريق العمل الموجود في بيت التمويل العربي خلاق جداً ابتكر العديد من أدوات الاستثمار التي شكلت نظرة إيجابية للاقتصاد في لبنان وتعاطف مع اللبنانيين بطريقة شجَّعتهم على التعامل مع بيت التمويل العربي, ما دفعه لهذا النمو المميز.

نحن في أواخر 2007 جنينا أرباحاً بنسبة 400 في المئة مقارنة بسنة 2006, وبنهاية 2008 زادت أرباحنا بنسبة 50 في المئة عن العام 2007 ونسبة النمو بلغت 125 في المئة وأصبحنا كبيت تمويل عربي نملك أكثر من 50 في المئة من السوق المصرفي الإسلامي في لبنان.

كما أن النجاح الذي تم دفع مؤسسات دولية لتمنحنا جوائز عدة مثل (غلوبل فايننس وورد) وهي من أهم الجوائز حالياً, وهي أفضل مؤسسة مالية في لبنان. اليورو أوضح لنا أن بيت التمويل العربي سينال جائزة أسرع المصارف نمواً في لبنان, كما أنه تم تصنيفنا كرقم 40 في العالم كمؤسسة مالية إسلامية رائدة. من هنا فالتعاطي معنا كان إيجابياً جداً حتى في المؤسسات الرسمية وبصفتي كمدير عام لبيت التمويل العربي منحت من رئيس الجمهورية اللبنانية وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط تقديراً للجهود التي تقوم بها الصيرفة الإسلامية وانعكاسها الإيجابي على الاقتصاد اللبناني. والحمد لله كان التعاطي إيجابياً جداً, من مختلف شرائح المجتمع, كما سعينا ووجدنا إيجابية أيضاً, لأن اللبنانيين تفهَّموا أن المصرف اللبناني هو لكل الناس وليس فقط للمسلمين. وتعاطينا كان إيجابياً بهذا الموضوع, وقمنا بإصدار أول بطاقة ائتمان إسلامية في لبنان تم منحها للبطريرك (نصر الله) صفير كمؤشر بأن المصارف الإسلامية هي لكل الناس وليست حكراً على المسلمين.

* هل تضررت المصارف الإسلامية من الأزمة المالية العالمية وأزمة الركود التي يشهدها العالم؟

- لا, بل كانت المصارف الإسلامية الأكثر مناعة والأكثر حصانة في مثل أزمات كهذه.

أولاً: المصارف الإسلامية لا تتعاطى بالدين لا بيعاً ولا شراءً, ولا متاجرةً فنحن لا نتاجر بالديون, وهذه الأزمة أساسها أوراق الديون للرهن العقاري, لقد كانت عندنا استثمارات في الخارج, لكنها لم تكن بالأوراق المالية الوهمية, ولكن كانت استثماراتنا واقعية, كما كل المصارف الإسلامية, في الغرب وفي مناطقنا وفي أي مكان في العالم, عملنا هو فقط دائماً موجود بالأصول الموجودة التي نستطيع التحكم بها ولا تتبخر هذه الأصول.

لكن بالواقع الذي حصل مع المصارف الأخرى أنها تاجرت بالوهم, وبالأوراق الوهمية التي لم تكن لديها أصول جيدة, ولا أصول معلومة, وعندما تبخَّرت هذه الأصول تبخر ما يملكون. ولكن نحن في حال تدنَّت الأصول فالأصل يبقى موجوداً, هكذا فإنه لا ضرر على المصارف الإسلامية, لأنها الأكثر حصانة والأكثر منعة والأقل ضرراً بكل ما حصل في هذه الأزمة المالية العالمية.


انتشار بيت التمويل

* هل تتوقع انتشاراً لبيت التمويل العربي في المنطقة العربية؟

- بيت التمويل العربي حالياً هو مصرف إسلامي لبناني يملكه بالأساس مصرف قطر الإسلامي, ومصرف قطر الإسلامي لديه العديد من المصارف المنتشرة في العالم; في لبنان, ماليزيا وإنكلترا إلى جانب مساهمات في بعض الدول.

الفكرة لتجميع هذه المؤسسات تحت مظلة واحدة تعود للمالكين الأساسيين, ولكن بيت التمويل العربي هو رديف لمصرف قطر الإسلامي.


نهضة دبي

* لماذا تأثرت بعض الدول العربية بالأزمة المالية العالمية, في وقت كان تأثر معظم الدول العربية خفيفاً جداً, ما المعيار في ذلك؟

- النهضة العقارية الكبيرة التي شهدتها دبي لم تكن مبنية على أسس واضحة للاستهلاك النهائي, يعني أحياناً تجد أبراجاً وعمارات شاهقة. ولكن لم يكن هنالك طلب حقيقي على هذه العمارات والأبراج. كانت فقط أبراجاً تُشيَّد فقط نتيجة نزوة أصحابها ومن دون تخطيط أو جدوى استثمارية, ومن دون أن يكون عليها طلب حقيقي. النظرة كانت تجاهها نظرة مستقبلية لاستيعاب العديد من الوافدين الذين يرغبون العيش في دبي ولكن العديد من المستثمرين أساؤوا هذا التقدير وأصبح المستثمر العادي يقوم بشراء أربع أو خمس شقق بدفعات صغيرة ثم يبيعها لمؤسسات أخرى.

من هنا هذا البيع المتواصل للتجارة وليس للاستهلاك أدى إلى هذا الضرر الكبير, أما لبنان فبنظرته الواضحة والجلية منع من البداية المصارف اللبنانية من الدخول في هذه الأوراق التي كانت موجودة في العالم, ووضع شروطاً كبيرة جداً على أي استثمار عقاري موجود في لبنان, والأهم من ذلك أن يكون تمويل المصارف فقط بحدود 60 في المئة من قيمة العقار وليس أكثر. من هنا أي شخص يريد أن يستثمر يترتب عليه 40 في المئة من ثمن الشقة وليس 5 في المئة. وكان دائماً الطلب أكثر من العرض, لذلك فإن لبنان لم يتأثر في الموضوع العقاري ولم يتأثر في الموضوع المالي مع المصارف. الضرر كان محدوداً لبعض الأشخاص الراغبين بالدخول في هذه الأوراق, ولكن حصانة لبنان في قطاعه المصرفي كانت محصنة بدرجة عالية جداً, نظراً للنظرة الكبيرة والمستقبلية التي يتمتع بها حاكم مصرف لبنان.

* ماذا أفاد تمدد المصارف اللبنانية في العالم العربي؟

- الموضوع كان محصوراً بإنعاش المصارف اللبنانية, ونقل خبرات واستثمار الأموال في السوق اللبناني وانعكست إيجاباً عليها, لكن إذا لحقها بعض الضرر فلا نستطيع تحديد ذلك, قبل صدور النتائج الموحدة لهذه المصارف, ولكن التأكيد عليه أن المصارف اللبنانية لم تتأثر, وكان الضرر محصوراً جداً ببعض الزبائن الذين كانت لم رغبة مباشرة للاستثمار في مواضيع كهذه.


الأمن.. الأمن

* بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وانكفاء المستثمر العربي عن الاستثمار في الولايات المتحدة وأوروبا, لم يشهد لبنان فورة استثمارية بالشكل الذي كان متوقعاً, ما أسباب ذلك برأيك؟

- لبنان ضيَّع عليه فرصتين مهمتين هما, الفورات النفطية التي كانت موجودة خلال ثلاثة عقود, لكن اليوم أمامه فرصة ذهبية. لبنان هو ملاذ مالي آمن باعتراف المؤسسات المالية وباعتراف كل المؤسسات العالمية المالية. وإذا لم يحسن لبنان الاستفادة من هذه الفرصة سيكون هناك ضرر كبير عليه, ولكن دونها محاذير, يجب أن يكون هناك استتباب أمني كبير جداً للحياة السياسية في لبنان. يبقى الخلاف موجوداً, ولكن في إطار ديموقراطي, ويجب علينا أن نحافظ بطريقة قوية جداً وشفافة جداً على الأمن ثم الأمن ثم الأمن. الأمن يجب ألا يُمس في لبنان كي يبقى البلد بيئة استثمارية واضحة لا تؤثر عليها أية تجاذبات مما يجري حولنا مع علمنا أن سنة 2009 ستكون صعبة جداً سياسياً وأمنياً, خصوصاً بعد الذي شاهدناه من أهوال في غزة ودماء الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء التي تراق, الذين لا ذنب لهم, قضوا ضحية الغطرسة الإسرائيلية, لأنه على ما يبدو فإن آلة الحرب الإسرائيلية لا تميز بين مقاتل وطفل وتعيث في الأرض فساداً.

ما نشاهده في غزة سيؤدي إلى فورة في الشارع العربي لا نعرف مدى تأثيرها السياسي والأمني على مناطقنا.

* هل ستوحِّد القمة الاقتصادية ما فرقته السياسة بين القادة العرب؟

- نحن نسعى لأن تكون القمة الاقتصادية قمة تخرج بمقررات موحدة لحماية الاقتصاد ولقمة العيش للعالم العربي. وإذا لم يكن هناك وعي من المسؤولين والرؤساء العرب لهذا الموضوع, نعرف تماماً أن الفقر والعوز بؤرة ممتازة وجيدة جداً للتمرد والعصيان.

فإذا أحسنت إدارة هذه القمة وخرجت بقرارات تستطيع أن تضبط الوضع الاقتصادي وتكون هناك منظومة اقتصادية موحدة تمنع علينا الانحدار, وعدم الدخول في نفق الركود الاقتصادي لما يشهده العالم, نكون جنبنا البلاد العربية خطراً كبيراً, ولكن مع هذا الاحتقان السياسي الكبير وفوقه احتقان اقتصادي ومالي نكون قد وضعنا العالم العربي على فوهة البركان.


المصدر
http://www.argaam.com/Portal/Content/ArticleDetail.aspx?articleid=91532