المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ما جاء في التحريض على الجهاد



(السيف)
16-02-2009, 06:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


قال تعالى :{ و حرض المؤمنين عسى الله ان يكفَّ بأس الذين كفروا و الله أشد بأسا و أشد تنكيلا } ( النساء : 84) .

{ يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين و إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون } ( الأنفال : 65 ) .

{ يا أيها الذين امنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم ، تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } ( الصف : 10 ـ 11 ) .

و الآيات التي حرض الله فيها عباده على الجهاد في سبيله ، ورغَّبهم فيما عنده من الأجر و الثواب كثيرة جدا .

و إن سنة الله ماضية في التحريض على الجهاد و الترغيب فيه ، و آيات القرآن لا تخفى على أحد في التحريض على الجهاد ، و السنة النبوية مشحونة بذلك .

و لم يزل الصحابة و التابعون و تابعوهم و أئمة السلف الصالح رضوان الله عليهم مستمرين في التحريض على الجهاد .

و قد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : من حرّض أخاه على الجهاد كان له مثل أجره . .
و الدليل على ذلك حديث رسول الله عليه الصلاة و السلام : { من دل على خير فله مثل أجر فاعله } رواه مسلم .

و كانت الشاعرة الخنساء بنت عمرو تحرض أبناؤها على الجهاد ، فقد حضرت معركة القادسية ، و كان معها أربعة من أبنائها ، فحرضتهم على القتال و رغبتهم في الجنة و حثتهم على الاستشهاد ، فأبلوا في القتال و استشهدوا جميعا !

يتبع . . . .

(السيف)
16-02-2009, 06:10 AM
ومن القصص في التحريض على القتال :

ما حكاه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي عن أبي المظفر سبط ابن الجوزي . . انه جلس في ستمائة و سبع من الهجرة في مسجد دمشق يحرض الناس على قتال التتار ، الذين عاثوا في الأرض فسادا .

قال سبط ابن الجوزي : إن الذين حضروا درسه كانوا حوالي ثلاثين ألفا ، وكان يوما مشهودا في دمشق ، و كثر فيه التائبون و الراغبون في الجهاد و تبرعت فيه كثيرٌ من النساء بشعرهن ليكون لجاما و عقالا لخيل المجاهدين ، و صنعوا من شعر النساء ثلاثمائة عقال لخيل المجاهدين .

و خرج الناس للجهاد من دمشق ، وتوجهوا جنوبا نحو ( الكسوة ) ، وانضم إليهم المتطوعون للجهاد في (الكسوة ) و ( زملكا ) و غيرها .

و توجهت ألوف المجاهدين نحو الجولان ، و نزلت عقبة ( أُفيق ) من الجولان إلى غور الأردن ، ثم قطعوا الغور و توجهوا نحو مدينة ( نابلس ) و رحّب بنا و جلست في جامع نابلس أحرضُ الناس على الجهاد في سبيل الله .

وخرج الآلاف من المجاهدين من مدينة نابلس ، و هاجموا البلاد التي يحتلها الفرنج و قتلوا منهم جماعة ، و أسروا جماعة و عادوا سالمين . (1)

----------------------------------
(1) أوردنا خلاصة قصة سبط ابن الجوزي ببعض التصرف ، وانظرها في الأصل 1 : 214 ـ 215 .

يتبع . . . .

(السيف)
16-02-2009, 06:11 AM
ومن القصص الجهادية المؤثرة قصة العابدة ( أم إبراهيم الهاشمية ) ، وقد أوردها ( أبو جعفر أحمد بن جعفر بن اللبان ) في كتابه ( تنبيه ذوي الأقدار على مسالك الأبرار ) .

وقد روى هذه القصة الإمام العالم المجاهد عبد الواحد بن زيد البصري ، وخلاصتها :
أغار الكافرون على ثغر من ثغور المسلمين ، ونفر الناس في البصرة للجهاد ، ووقف عبد الواحد بن زيد خطيبا يحضُّ المسلمين على الجهاد ، ويندبهم للخروج لقتال المعتدين .
واستخدم ابن زيد في تحريضه مختلف المؤثرات ، فأورد الآيات و الأحاديث ، وأورد الأشعار في وصف حور العين ، وترغيب المسلمين في الجهاد و الاستشهاد ، ليكرمهم الله بهنَّ في الجنة .
وكانت أم إبراهيم الهاشمية من الحاضرات ، وتأثرت بما سمعت من صفات الحور العين ، فأتت ابن زيد وأخبرته أنَّ ابنها إبراهيم لم يتزوج ، وأن أشراف ورؤساء أهل البصرة ، يتمنى كلٌّ منهم لو زوَّجه ابنته ، ولكنها تريد أن تزوجه جارية من الحور العين التي سمعت وصفها من ابن زيد !

أعطت أم إبراهيم ــ وكانت غنية صالحة ــ عبد الواحد بن زيد عشرة آلاف دينار مهرَ الجارية الحورية التي تحدَّث عنها ، على أن يخرج ابنها إبراهيم معه للجهاد ، لعل الله يرزقه الشهادة ، فيتزوج تلك الحورية ، وبذلك يكون شفيعا لأمه وأبيه يوم القيامة .
قال لها ابن زيد : لئن فعلتِ لتفوزنَّ أنت وولدك وأبو ولدك فوزاً عظيماً .
فنادت ولدها إبراهيم ، فوثب من وسط آلاف الناس الجالسين في مسجد البصرة ، وقال لها : لبيكِ يا أماه .
قالت له : رضيت بتلك الجارية الحورية زوجة ً لك ، على أن تخرج للجهاد وتبذل روحك لله ، وتنال الشهادة .
قال لها إبراهيم : نعم رضيت .
فقالت على مسمع من الموجودين : اللهمّ إني أشهدك أني زوّجت ولدي من الحورية ، ببذل روحه في سبيلك ، وترك العودة للذنوب ! فتقبَّله منّي يا أرحم الراحمين !! .
وأحضرت العشرة آلاف دينار ، وطلبت من عبد الواحد بن زيد أن يجهز بها المجاهدين ، وابتاعت لابنها فرسا وسلاحا للجهاد .

وقبل أن يخرج المجاهدين للجهاد ، أرادت أم إبراهيم فراق ابنها فقدمت له كفنا وحنوطا ، وقالت له : عندما يحين لقاء العدو ، فتكفن بهذا الكفن ، وتحنط بهذا الحنوط ! . . وإياك أن يراك الله مقصراً في سبيله !! .
ثم ضمته إلى صدرها وقبّلت بين عينيه ، وقالت له : يا بني ، أسأل الله أن لا يجمع بيني وبينك إلا في ساحة العرض يوم القيامة !! .

وسار المجاهدون لقتال الكفار ، وكان الإمام عبد الواحد بن زيد في مقدمتهم ، ونشبت المعركة حامية مع الأعداء .
ونظر ابن زيد إلى إبراهيم فإذا به في مقدمة المجاهدين ، يصول ويجول ، فقتل من الكفار خلقا كثيرا ، ثم اجتمع عليه الكفار ، فقتلوه . . ولقي الله شهيدا .

وعاد المجاهدون إلى البصرة ، وخرج الناس يتلقّونهم ، ورأت أم إبراهيم ابن زيد ، فسألته عن ابنها قائلة : يا أبا عبيد ، هل قُبِلَت مني هديتي فأهنـّأ ؟ أم ردت عليَّ فأُعَزّى ؟
قال ابن زيد لها : قد قبلت والله هديتكِ ، وإن ابنك إبراهيم الآن حيٌّ يرزق مع الشهداء !
فسجدت شكرا لله ، وقالت : الحمد الله الذي لم يخيب ظني ، وتقبل مني عبادتي !

وفي الغد أتت أم إبراهيم إلى ابن زيد في مسجده ، وقالت له : السلام عليك يا أبا زيد ، بشراك !
قال لها : لا زلت مبشَّرة بالخير ، فماذا عندك ؟
قالت رأيت الليلة ولدي إبراهيم في روضة حسناء ، وعليه قبة خضراء ، وهو على سرير من لؤلؤ ، وعلى رأسه تاج وإكليل !
وقال لي : يا أماه أبشري ، فقد قـُبلَ المهر ، وزفـَّتِ العروس !! (1)



--------------------------------
(1) انظر : قصة ( أم إبراهيم الهاشمية ) في الأصل 1 : 215 ـ 218 .

يتبع . . . .

(السيف)
16-02-2009, 06:12 AM
نوم المجاهد أفضل من قيام غيره الليل وصيامه النهار وأن الطاعم المفطر في سبيل الله كالصائم في غيره


قال أبو هريرة رضي الله عنه : أيستطيع أحدكم أن يقوم فلا يفتر ، ويصوم فلا يفطر ، ما كان حيا ؟
قيل : ومن يطيق ذلك يا أبا هريرة ؟
قال : والذي نفسي بيده إن نوم المجاهد في سبيل الله أفضل منه وإذا كانت ــ أكرمكم الله ــ هذه درجة النائم من المجاهدين فكيف درجة قائمهم ؟
وإذا كانت هذه رتبة غافلهم فكيف بعاملهم ؟ وإذا كان خطر شراك نعالهم ، فكيف بخطير أفعالهم ؟

إن هذا لهو الفضل المبين ، لمثل هذا فليسعى الصادقون ، وعلى فواتهم فليبكِ العاجزون المقصِّرون ، وعلى ضياع العمر في غيره فليحزن المفرّطون .

اللهم بصِّرنا بأسباب النجاة ، ويسرها علينا ، وانظر بعين رعايتك ورحمتك إلينا ، فقد ذهب العمر هباء في غير طائل ، وأنت على كل شيء قدير .

روى النسَائي وابن المبارك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن مثل المجاهد في سبيل الله ــ والله أعلم بمن يجاهد في سبيله ــ كمثل القائم الصائم الخاشع الراكع الساجد } .

وروى أحمد عن النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من عبدٍ يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا } .

وكان كثيرٌ من السلف الصالح يصومون في الجهاد ، ويقاتلون ولا يفطرون ، احتسابا لذلك عند الله ، وطلبا لمرضاته ، ورغبة في جزيل ثوابه .
ومن الأمثلة على ذلك :
الأول : ( الصحابي عبد الله بن مخرمة ) رضي الله عنه :
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه : توافقتُ أنا وعبد الله بن مخرمة وسالم مولى أبي حذيفة عام اليمامة ، وكان الرعي على كل امرئ منا يوما ، ولما كان يوم المعركة كلن الرعيُ عليَّ .
فأقبلت إلى الميدان ، فوجدت عبد الله بن مخرمة صريعا ، فوقفت عليه وبه رمق ، وكان صائما ، فلما رآني قال : هل أفطر الصائم ؟
قلت : لا .
قال : فجعل لي في هذا المجن ــ الإناء ــ ماءً ، لعلي أفطر عند مغيب الشمس !
ففعلت ، ثم رجعت إليه فوجدته قد مات ! .

الثاني : الفتى المجاهد ( خاطب العيقال ثابت البـَناني )
جاهد فتى من الفتيان زمانا ، وتعرض للشهادة ، وتمنـّاها ولكنه لم يصبها .
فحدّث نفسه قائلا : لقد طلبت الشهادة فلم أصبها ، ولو رجعتُ إلى أهلي فسوف أتزوج !
وحان وقت القيلولة فنام الفتى . .
ولما حان وقت صلاة الظهر أيقظه أصحابه من قيلولته ليصلي معهم ، ولما استيقظ صار يبكي ، فخاف أصحابه أن يكون قد أصابه شيء فأشفقوا عليه .

فقال لهم : ليس بي بأس ، ولا أبكي إلا أنه أتاني آتٍ وأنا في النوم .
فقال لي : انطلق إلى زوجتك العيناء !!!
فقمت معه ، فانطلق بي في أرض بيضاء نقية ، فأتينا على روضة ما رأيت قط روضة أحسن منها !! فإذا فيها عشر جوارٍ ، ما رأيت قط أحسن منهن ، فرجوت أن تكون العيناء إحداهن ، فقلت : أفيكنَّ العيناء ؟
قلّن : هي بين أيدينا ، ونحن جواريها !
فمضيت مع صاحبي ، فإذا روضة أخرى ، يضعف حسنها على التي قبلها ، فيها عشرون جارية ، يضاعف حسنهنّ على حسن الجواري العشرة اللائي خلّفت ، فرجوت أن تكون إحداهن ، فقلت : أفيكن العيناء ؟!
قلّن : هي بين أيدينا ، ونحن جواريها !
حتى ذكر ثلاثين جارية !
ثم انتهيت إلى قبةٍ من ياقوتةٍ حمراء مجوفة ، قد أضاء لها ما حولها ! فقال لي صاحبي : ادخل .
فدخلت فإذا امرأةٌ ليس للقبة معها ضوء ، فجلست فتحدثت ساعة .
فجعلت تحدثني !
فقال صاحبي اخرج انطلق ، ولا استطيع أن أعصيه ، فقمت . .
فأخذت الجارية بطرف ردائي ، فقالت : أفطر عندنا الليلة . .
فلما أيقظتموني رأيت إنما هو حلمٌ فبكيت . . .
فلم يلبثوا أن نودي في الخيل ، فركب الناس الخيل ونشبت المعركة ، وما زالوا يقاتلون الأعداء حتى غابت الشمس ، ولما غابت الشمس وحلَّ للصائم الإفطار ، أصيب ذلك الفتى الصائم المجاهد ، ولقي الله شهيدا .

إن عبادة المجاهد في سبيل الله مضاعفة ٌ إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، سواء كانت هذه العبادة صياما أو صلاة أو قراءةً للقرآن ، أو ذكرا أو تسبيحا أو استغفاراً لله .

يتبع . . . . . .
.

(السيف)
16-02-2009, 06:13 AM
خلق الله الإنسان ، وزرع فيه حب الحياة وكراهية الموت . . وهيأه للدفاع عن نفسه بوسائل ذاتية عديدة ، منها ما هو إرادي ومنها ما هو غير إرادي ، فالإنسان يرفع يده مدافعا عن نفسه إن أحس خطرا متجها نحو وجهه ، وقد يقفز ، وقد يطرف بعينيه دونما تفكير مستجيبا بشكل غير إرادي إلى غريزة حب الحياة ، وقد يفر ناجيا بنفسه ، وغالبا ما يعمل ذهنه ويقدح فكره في إيجاد وسيلة للخلاص إن ألم به خطب أو أصابه مكروه أو وقع في مشكلة . . وهو يسعى في كل ذلك إلى الحفاظ على حياته وتأمين سلامته .
وعندما نجد إنسانا يخالف هذه الغريزة ، ويطلب الموت ، ويقدم عليه بنفس راضية فلا بد أن تكون هناك عوامل أقوى من غريزة حب الحياة تدفع للتغلب عليها ، كفكر أو فلسفة أو مغريات تزين الموت وتجعل حبه شيئا خلاف العادة .

وأحيانا قد تطغى إرادة الموت على حب الحياة حينما تصبح الحياة بغيضة لصاحبها لا يلقى فيها سوى الأسى والحزن والمصائب ، ويكون الإيمان لديه ضعيفا فيجره انهزامه أمام المصائب وضعفه أمام الامتحان إلى الانتحار فرارا من المواجهة ، ومثل هذا الموقف الذي تأباه الشرائع وترفضه القوانين ويشجبه العقل لا يدل على شجاعة وإنما هو جبن وفرار من مواجهة المشكلات ، ويكون الانتحار وصمة عار على جبين صاحبه ، وهو ليس انتصار على غريزة حب الحياة ، وإنما هو ضعف أمام الحياة لأن المنتحر لم يصمد لمصائب الحياة وبلوائها وإنما خضع لها ، وانهزم أمامها ففر منها .

ويبقى حب الحياة غريزة متأصلة في نفس الإنسان تدفعه للدفاع عن نفسه و الحفاظ عليها لكننا نجد أحيانا أشخاصا رغم حبهم للحياة يضحون بها ، ويطلبون الموت ويقبلون عليه بنفس راضية وتصميم عظيم ويفتخرون بذلك بل يطلبونه ويجعلونه أقصى أمانيهم .

وموقف هؤلاء يحتاج إلى تفكير وتحليل لمعرفة الدوافع والأسباب التي تدفعهم إلى مثل هذا الموقف والتصرف والقضية في حقيقتها مزيج من فكر وسلوك يتضافران ويمتزجان حتى يحققا هذا الموقف ، أما الفكر فهو الفلسفة التي تدفع إلى الاقتناع بأن الموت خير من الحياة ولكن من غير هروب وانتحار كما أسلفنا قبل قليل ، وأما السلوك فهو طريقة التحقيق لهذه الفلسفة بما يتفق معها و المتتبع لتعاليم الشريعة الإسلامية يجد أن الإسلام قد حرص حرصا شديدا على حياة الإنسان وجعله أحد المقاصد الخمسة لهذه الشريعة ، وقد حفلت كتب الفقه الإسلامي بالأحكام الكثيرة جدا التي تحدد أنواع العقوبات التي توقع بمن حاول أن يعتدي على هذه الحياة أو أحد مظاهرها .

وكذلك فإن الشريعة الإسلامية بينت قيمة الحياة العظيمة وأهميتها الكبرى ، وجعلت هذه الحياة كنزا قيما وسلعة هامة { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.

وهذه السلعة لا يفرط بها إلا مقابل ما هو أعظم قيمة ، وأكثر أهمية ، وأجمل وجودا ، وأوفر سعادة وحبورا ، فإن الإسلام حرض أتباعه على بيع الحياة الدنيا وذلك عن طريق الاستشهاد في سبيل الله ، وجعل الثمن لهذه الحياة . . حياة أبدية خالدة ، في هناء دائم سعيد وجعل الشهيد حيا عند ربه يرزق من فضل الله :
{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } .
{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } .

فالله الكريم هو مالك النفوس والأرواح والحياة يتصرف بعباده كيف يشاء يحيي من يشاء ويميت من يشاء وله الأمر من قبل ومن بعد ، ولكنه ــ وكرما منه ــ يعقد صفقة شراء مع المؤمنين تقوم على عمل وجزاء . . فالعمل هو تنازل الإنسان عن حياة لا يملكها إلا مالكها ، وذلك بإسهامه في الجهاد خالصا في سبيل الله . . والجزاء جنة عرضها السموات والأرض مع الخلود فيها .

وهذه الصفقة التجارية قد أدركها الصحابة الأوائل أعظم إدراك فسمت نفوسهم وعلت ، وأصبحت الشهادة أغلى أمانيهم ، فهذا عمير رضي الله عنه . . في غزوة بدر يمسك بيده تمرات يأكلها ونفسه تتوق للشهادة ، ونيلها أعظم أمنية لديه فيقول : أليس بيني وبين الجنة سوى هذه التمرات ، لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة ثم يلقي بالتمرات من يده ويقذف بنفسه في المعركة فينال شرف الشهادة ، بالعديد من الطعنات والضربات في جسده .

إن الحصول على رضا الله هو المحرك الأول للشهادة ، والموت في سبيله ، والسمو على الحياة وملذاتها وهذا الرضا هو الذي دفع أولئك الأبطال العظام إلى الخروج من بيوتهم وبلدانهم ، وترك أموالهم وأهاليهم والاندفاع في أصقاع الأرض ينشرون دين الحق ويقضون على الطاغوت و الظلم ، وينشرون دين الإسلام ، والصورة الأولى والاهم لهم تحرير الإنسان من عبودية الإنسان إلى عبودية الله الواحد القهار وذلك بالجهاد و الاستشهاد .

والتضحية بالحياة هنا في سبيل الآخرة ليست انهزاما ولا بخسا لقيمة الحياة بل إن الحياة هنا تصبح وسيلة للنجاح والفوز فمن ضحى بنفسه هنا ليس كارها ولا فارّاً من مصائبها فقد يكون يعيش في أرغد عيش ، ولكنه يضحي في سبيل رضا الله وحياة أفضل لا يوصله إليها إلا التضحية بهذه الحياة .

للحديث صلة . .
.

(السيف)
16-02-2009, 06:14 AM
وفي تاريخنا الاسلامي مواقف عظيمة لأعداد لا تحصى من الصحابة والتابعين والمسلمين هانت لديهم الحياة في سبيل رضا الله والحصول على الجنة وسنتعرض لبعض هذه المواقف متوقفين عند موقف فذّ وفريد يجسد روعة الإيمان وأثره في سلوك الإنسان .

ومن هذه المواقف العظيمة موقف الصحابي { عمرو بن الجموح }

وهو رجل أعرج شديد العرج قد عذره الله فلم يوجب عليه الجهاد ، وكان له بنون أربعة مثل الأُسدِ يشهدون مع الرسول عليه الصلاة والسلام المشهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا : إن الله عز وجل قد عذرك ، فأتى رسول الله عليه وسلم فقال : إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة ، فقال رسول الله عليه وسلم : أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه : ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة ، فخرج معه فقتل يوم أحد وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام في قبر واحد لأنهما كانا متصافيين في الدنيا .

ترى ما الذي دفع ابن الجموح وقد عذره الله وأعفاه من الجهاد أن يصر على دخول المعركة غير أنه كان يسعى إلى رضاء الله وجنة عرضها السموات والأرض وقد بيّن لنا الصحابي عبد الله بن مسعود ثواب الشهداء في أحد حين سئل عن الآيات :
{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } .
فقال : أما أنا قد سألت عنها فقيل لي : إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فيطلع الله عز وجل عليهم إطلاعة فيقول :
يــا عبادي ما تشتهون فأزيدكم ؟ فيقولون : ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، الجنة نأكل منها حيث شئنا ، إلا أنا نحب أن ترد أرواحنا في أجسادنا ثم نرد إلى الدنيا فنقاتل فيك حتى نقتل مرة أخرى .

يتبع . . . .
.
.

(السيف)
16-02-2009, 06:15 AM
{ شهادة ودعوة مستجابة } . . موقف وعبرة .


على أن الموقف الفذّ والطريف . . هو موقف الصحابي الجليل { عبد الله بن جحش } وهو موقف جدير بأن يقف الإنسان عنده ويفكر فيه ويستخرج منه العبر ، ويرى أثره في نفوس القراء حيث يحرك المشاعر ويثير العواطف ويستدر الدموع ، ويثير الإعجاب . . هذا الموقف الذي ندر أن تجد له مثيلا لدى أي أمة غير أمة الإسلام ، والمنطلق من إيمان عميق لا تحركه الزلازل بالله عز وجل وما وعد به من حسن الثواب للشهيد .

إن الأمم في حروبها تخسر كثيرا من شبابها ورجالها ، يقتلون كرها وطوعا دفاعا عن أرض أو ملك أو بلد أو مال . . إلى أخره . . . . .
لكن الطريف هنا أنك تجد إنسانا يخطط لموته ويتمناه على صورة خاصة فريدة وكأنه ذاهب في رحلة أو منطلق إلى متعة ، والحقيقة أن الإحساس الذي يجده الإنسان عند الاطلاع على موقف هذا الصحابي يعجز الحرف والقلم عن التعبير عن أثره في النفس .

فقد اجتمع في غزوة أحد كل من الصحابيين سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن جحش ، فقال أحدهما للآخر ألا تأتي فندعو لله فجلسا في ناحية ، فدعا سعد فقال : يــا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه ، شديد حرده ، أقاتله فيك ويقاتلني ، ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه . . .
فأمن عبد الله بن جحش ثم قال : الله ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه ، شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلني . . فيقتلني ، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني ، فإذا لقيتك ، قلت : يــا عبـد الله فيما جدع أنفك وأذنك فأقول : فيك وفي رسولك ، فتقول : صدقت .
قال سعد : لقد كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي ، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه معلقان جميعا في خيط .

إن ما قدمنا من مواقف مختلفة هي مواقف زرعها الإسلام في نفوس أبنائه المؤمنين وما كان لواحد من هؤلاء أن يحمل عقيدة الإسلام إلا وكان الجهاد وسيلته للدفاع عن هذا الدين وطريقه لبلوغ أعظم أمنية له وهي الشهادة في سبيل الله .

والمواقف العديدة التي رأيناها كانت كلها متشابهة وتدور حول أمور واضحة : حرص على رضاء الله وطاعته والجهاد في سبيله وبلوغ السعادة في الشهادة .

لكن موقف عبد الله بن جحش كان أمرا أخر . . كان صورة جديدة مغايرة لبقية الصور ، وأول من أحس بالمغايرة الصحابي سعد بن أبي وقاص حين قال : لقد كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي ، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه معلقان جميعا في خيط .

لقد كان الصحابة الأوائل يرغبون في الشهادة لا تهمهم الصورة ولا الكيفية ترجمانهم في ذلك قول الشاعر :
ولســت أبالـي حـيــن أقتـل مســلما
على أي جنب كان في الله مصرعي

لكن عبد الله بن جحش كان يريد أكثر من ذلك ، كان يريد مبررات لرضى الله ودخول الجنة وعلامات متفردة متوحدة ، فهو لا يريد أن يموت بغير قتال ولا أن يموت بيسر وسهولة بل يريد قرنا شديدا حرده يقاتله ويجاهد الله فيه ويبذل في جهاده أقصى ما يملك من طاقة ، وتكون النتيجة جواز مرور إلى الجنة .

وإمعانا في تحديد العلامات على طريق الشهادة كانت أمنية عبد الله إضافة إلى الشهادة أن يجدع أنفه وأن تصلم أذنيه حتى إذا بعث يوم القيامة مجدوعا مصلوما وسأله رب العالمين عن أذنه وأنفه أين هما أجاب بأنه فقدهما في سبيل الله . .
وما أروعه من تصديق من رب العالمين حين يقول له : ( صدقت ) .

هذا الموقف الرائع الذي طلبه عبد الله وناله كان صورة رائعة من صور التضحية دفعت آخرين إلى التشبه بهذه الصورة ولعل من أقربها أمنية الشاعر الطرماح بن حكيم حيث يقول :
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن
على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيله
بجو السماء في نسور عواكف


ترى أتكون مواقف عبد الله . . وعمرو بن الجموح وعمير بن الحمام بواعث لشبابنا اليوم في سبيل رفعة هذا الدين ؟!
إذ هي نماذج تحتذى ... ؟؟؟ !!!

روميت
19-02-2009, 01:59 PM
بااااارك الله فيك