المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أما لهـــــــــــــــــذا الصمت من نهـــــــــــاية ؟



( الفهد )
17-02-2009, 11:16 AM
أما لهـــــــــــــــــذا الصمت من نهـــــــــــاية

الاقتصادية - د.عبد العزيز محمد الدخيل 16/02/2009

تشتد الأزمة المالية العالمية يوماً بعد يوم
ويتسع نطاقها الذي تجاوز سوق المال وسوق الأسهم
إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية.
تحركت دول العالم فأعادت ترتيب أولوياتها القومية
ووضعت التصدي للأزمة المالية العالمية
وتداعياتها على اقتصادياتهم المحلية في أعلى سلم الأولويات .
المملكة العربية السعودية من أكبر المتضررين من الأزمة المالية
حيث هوى سعر البترول الداعم الأساسي والحيوي للاقتصاد السعودي
من 147 دولارا للبرميل إلى 34 دولارا للبرميل
في أقل من عـام والقادم قد يكـون أسـوأ.

صحيح أن لدينا فوائض مالية تساعد على امتصاص الصدمة الأولى
، لكن الفوائض المالية وحدها لا تكفي
خصوصاً أنها وجدت بسبب ارتفاع البترول ويمكن أن ينهيها انخفاضه.
إنها معادلة منطقية بسيطة لا تحتاج إلى جهابذة الفكر الاقتصادي.

إن البترول هو العمود الفقري لاقتصادنا الوطني.
عليه تقوم وتعتمد الحركة الاقتصادية إن في القطاع الخاص أو العام.
لكن على الرغم من هذا الأثر السلبي الكبير على صادراتنا البترولية
ناهيك عن التداعيات الأخرى المرتبطة بسوق الأسهم وسوق المال،
فإننا لم نر تحركاً يتناسب مع هذه الآثار السلبية للأزمة على اقتصادنا المحلي
من قبل الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية بالشأن الاقتصادي,
بل إنه يمكن أن يوصف ما قامت به بالموقف السلبي تجاه عاصفة مالية
ستحدث أضرارا اقتصادية كبيرة إن لم يتم التصدي لها مبكراً وقبل فوات الأوان .


قد يقول قائل أي سلبية هذه التي تتحدث عنها، فقد:

1) وضعنا ميزانية لعام 2009م الإنفاق فيها يتجاوز إنفاق العام الماضي.

2) أتحنا للبنوك مجالاً كبيراً وسعراً منخفضاً للاقتراض من مؤسسة النقد العربي السعودي .

3) سنوسع مجال الإقراض لدى صندوق الاستثمارات العامة وبعض الصناديق الحكومية.

وأقول لهم، إن ما ذكر أعلاه هو بالتمام والكمال ما عنيته بالسلبية، فتداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها السلبي الواضح في اقتصادنا الوطني يتطلب سياسات وإجراءات قوية فاعلة وواضحة، وفيما يلي بعض مظاهر الأزمة المالية على الاقتصاد الوطني:

1) الانخفاض الحاد للصادرات البترولية الممول الأكبر والرئيس للدخل الحكومي.

2) الانخفاض الحاد لصادرات الصناعة البتروكيماوية حجر الزاوية في منظومة الصناعة الوطنية.

3) الانخفاض الحاد لسوق الأسهم السعودي وهو الوعاء الأكبر الحاضن لمدخرات المواطنين, حيث أدى انهيار الأسعار إلى فقدان كثيرين مدخراتهم ورؤوس أموالهم.

4) إحجام وتردد البنوك عن تقديم التسهيلات الائتمانية والقروض للقطاعات الاقتصادية وخصوصاً قطاع المقاولات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة والأفراد, وسيكون لذلك أثر سلبي على حجم الطلب والانتعاش الاقتصادي.

5) بسبب انخفاض التمويل البنكي واتساع رقعة الكساد الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب على البترول وعدم وجود رؤية وموقف واضح وصريح من قبل الحكومة بخصوص دعم مؤسسات وشركات الاقتصاد الوطني، فإن الركود الاقتصادي الذي وصلت طلائعه إلى حدودنا وبدأ يأخذ طريقه إلى قطاعاتنا الاقتصادية المختلفة، سيؤدي إلى ركود اقتصادي عام وتراجع في الاستثمارات وزيادة في حجم البطالة وهروب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية بحثاً عن استثمارات جيدة .

6) الاتجاه نحو العجز في الميزانية الذي سيبدأ بعجز مالي بنهاية ميزانية 2009م، والذي سيؤدي إلى إنقاص الفائض المالي الوطني تدريجياً، إن استمر العجز واستمر انخفاض أسعار البترول .

7) عدم وضوح الرؤية القريبة والمستقبلية أمام المستثمر السعودي والأجنبي للاقتصاد السعودي بسبب عدم وجود سياسة واضحة وصريحة للتعاطي مع تداعيات الأزمة المالية, مما أدى وسيؤدي إلى تناقص الثقة والرغبة في الاستثمار المتوسط وطويل الأجل، الذي سيؤثر سلباً وبشكل مباشر في النمو الاقتصادي.

إن كل هذه العناوين الرئيسية والمجال لا يتسع للتفصيل، تتطلب موقفاً وإجراءات وسياسات اقتصادية من الأجهزة الحكومية المعنية أقوى وأوضح مما تم حتى تاريخه.

إن مشكلتنا الرئيسية أمام هذه الأزمة ليست في شح الإمكانات والقدرات المالية الاقتصادية ولكن في ضعف قدرتنا الإدارية على إدارة الأزمة، إن الاقتصاد ككل والمواطن بشكل عام عانى وسيعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية والعالمية أكثر مما يمكن قبوله كأمر يفرضه واقع مادي أو دولي لا حول لنا فيه ولا قوة، فلو كان الأمر كذلك لهان على المواطن ومؤسسات القطاع الخاص القبول بالأمر الواقع، عنوانهم في ذلك ليس بالإمكان أفضل مما كان. لكن الأمر غير كذلك. فالعبء المالي والاقتصادي الذي حمله المواطن والاقتصاد، أكثر مما تفرضه علينا الإمكانات الاقتصادية المحلية، والسبب في ذلك هو ضعف قدراتنا الإدارية على التعامل مع الأزمة العالمية، وليس بسبب ضعف إمكاناتنا الاقتصادية والمالية المتاحة. وهنا مصدر التساؤل ومكمن الحيرة والداعي إلى رفع النداء إلى صاحب القرار السياسي الأول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي, إضافة إلى تشرفه بخدمة الحرمين الشريفين, شرف نفسه أيضاً بخدمة شعبه كما أكد على ذلك بنفسه. ولا شك أن كل المواطنين وكل من أصابه شيء من تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد السعودي يتطلعون في مثل هذه الظروف والأحوال إلى قرار سياسي يضع الإطار المؤسسي السليم للتعامل مع الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد السعودي. وفي هذا المجال أطرح مقترحات أرى أنها قد تساعد على التصدي لآثـار الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد السعودي. وقد أوردت بعضاً منها في مقال بعنوان "ما هكذا تواجه الأزمة المالية " في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي 2008م .


أولاً: إعداد استراتيجية بترولية تتعلق بتداعيات الأزمة العالمية وأثرها في صادراتنا البترولية تأخذ في الاعتبار أولاً مصالح الشعب السعودي على الأمدين القصير والطويل، في ضوء الظروف الاقتصادية الدولية.

ثانياً: إعداد خطة استراتيجية للتعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها في الصناعة البتروكيماوية تحافظ على هذه الصناعة، التي جعلت منها الدولة على مدى العقود الماضية حجر الزاوية للصناعة الوطنية، وإعطاء المؤشرات ووضع السياسات التي تؤكد دعم الدولة لهذه الصناعة، والوقوف إلى جانبها وحمايتها من السقوط والانهيار.

ثالثاً: الاستمرار في النهج المحافظ بالنسبة لما يتعلق بملاءة البنوك ومراقبة العلاقة بين رأس المال والودائع من جهة والقروض والاستثمارات من جهة أخرى.

رابعاً: الأخذ بسياسة منفتحة ومرنة فيما يتعلق بتأمين السيولة اللازمة للبنوك.

خامساً: إعداد خطة يتفق عليها بين مؤسسة النقد (البنك المركزي) والبنوك, وذلك من أجل الاستمرار في تقديم التسهيلات الائتمانية والقروض للشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والأفراد كما كان الأمر عليه قبل الأزمة دعماً لحركة الاستثمار والاستهلاك ومنعاً للركود الاقتصادي, وبموجب هذه الخطة تساهم مؤسسة النقد في حماية جزء من خسائر البنوك الناجمة عن قبول بعض المخاطر في الإقراض وذلك ضمن ضوابط محددة ولمدة محددة.

سادساً : اتخاذ إجراءات أساسية من أجل إصلاح وتقويم أداء سوق الأسهم السعودية ومنها:

أ- الطلب من هيئة سوق المال استخدام أفضل القدرات والآليات البحثية والقانونية لرصد حركة المتلاعبين بالأسعار في سوق الأسهم، تحت اسم المضاربة. إن حركة أسعار بعض الأسهم في السوق يصعب تفسيرها بأي معيار إلا بوجود مجموعة متعاونة متضامنة، تؤثر في حركة الأسعار، لجني مصالح خاصة على حساب خسارة العامة من الناس، وهذا هو تعريف الجرم في سوق الأسهم الذي يعاقب من تثبت إدانته به بالسجن والغرامة المالية، لكننا لم نسمع ولم نر أن أحداً أودع السجن لجرم كهذا، فمن أمن العقاب أساء استخدام السوق.

ب- حض البنوك على إعطاء أصحاب المحافظ الاستثمارية في سوق الأسهم وخصوصاً المتوسطة والصغيرة وقتاً أطول لترتيب موقفهم المالي والامتناع عن التسييل (الأوتوماتيكي)، وهنا أيضاً تشارك مؤسسة النقد البنوك في تحمل بعض الخسائر التي قد تنجم عن استمرار البنوك في الاحتفاظ بالأسهم عند انخفاض قيمة المحفظة عن قيمة الضمان الذي يحدده البنك، وسيساعد ذلك على الحد من الضغوط التي يمارسها المتلاعبون في السوق للهبوط بها بأسعار بعض الأسهم إلى مستويات متدنية يجمعونها بثمن بخس ثم يعاودون دفعها إلى أعلى ضمن تنسيق وترتيب خارج آلية السوق وإطاره وهكذا دواليك.

ج- تشجيع البنوك على عدم تسييل صناديقها في الأسهم السعودية، وأخذ رؤية مستقبلية أطول بالنسبة لهذه الاستثمارات.

د- حث الصناديق السيادية، وصندوق الاستثمارات العامة وصندوق معاشات التقاعد على زيادة حجم استثماراتها (الشراء) في أسهم الشركات القيادية ذات الأسس الاقتصادية والمالية المتينة والأرباح المستقبلية الجيدة، فأسعار هذه الأسهم اليوم منخفضة وهذا يشجع على الاستثمار فيها الذي يمكن أن يعود بالربح لهذه الصناديق عندما تبدأ الأسعار في الارتفاع، كما أن هذه الخطوة تعكس مصداقية الحكومة عندما تقول إن الاقتصاد جيد، لأنها بذلك تتبع القول بالفعل، كما أن هذا التحرك من شأنه دعم الثقة في السوق وتحفيز المستثمرين على العودة إلى سوق الأسهم وضخ أموالهم فيه.

هـ - السماح للشركات بشراء أسهمها إذا أقرت جمعيتها العمومية أو مجلس إدارتها المخول ذلك ضمن ضوابط ومعايير تضعها هيئة السوق المالية.

سابعاً: تكليف وزير المالية ووزير التخطيط، بإعادة دراسة المشاريع التي خطط للإنفاق عليها في ميزانية 2009/ 2010م، وإعادة ترتيب الأولويات بحيث تقدم تلك التي لها علاقة مباشرة بعمليات الاستثمار في الاقتصاد الوطني أو في توسيع وإصلاح البنى التحتية أو تلك المتعلقة بالصرف المباشر على الجوانب الصحية والسكنية والتعليمية للمواطن، وتأجيل المشاريع الأخرى التي تصب خارج الاقتصاد أو تلك التي ليس لها عائد اقتصادي أو اجتماعي كبير، بناءً على معايير دقيقة ودراسة وافية لهذه المشاريع ومدى أهميتها وارتباطها المباشر بدفع عملية الإنتاج لمواجهة احتمالات الركود الاقتصادي العالمي والإقليمي في السنتين المقبلتين.

ثامناً: تكثيف الجهود لصرف المال العام في منافذه التي تعود بأفضل عائد اجتماعي واقتصادي للمواطن, والعمل على الحد من الفساد المالي والإداري، ووضع الضوابط الجيدة للحفاظ على المال العام من الهدر والضياع وزيادة فاعلية وأداء الأجهزة الحكومية وموظفيها .

تاسعاً : تشكيل مجموعة عمل تضم خبراء اقتصاديين محليين وعالميين، ذوي استقلالية مهنية وقادرين على تقييم الأزمة ونتائجها على الاقتصاد الوطني ومتابعة حركتها خلال عام 2009م وما بعده وتقدم تقاريرها وتوصياتها إلى خادم الحرمين الشريفين بكل صدق وشفافية دون تخفيف أو تلطيف. إن الأزمة المالية العالمية متحركة وليست ثابتة وكل يوم تظهر لها مستجدات، وبالتالي فإن هذا الفريق يجب أن يعمل بشكل مستمر ويتم دعمه بمحللين وإمكانات، كي يكون الجهة الاستشارية المستقلة التي تقدم استشارتها لصاحب القرار السياسي.

عاشراً : الإفصاح المباشر والصريح من قبل الوزراء وكبار المسؤولين عن الشؤون المالية والاقتصاد للمواطنين عن تطورات الأزمة والإجراءات التي تتخذها الحكومة في هذا الصدد. إن الإعلان والوضوح والمصارحة والشفافية تساعد كثيراً على إيضاح الرؤية للمواطنين والمستثمرين، وهذا يساعد على كبح الإشاعات وإزالة الغموض عن القادم سواء في الأمد القصير أو المتوسط .

ختاماً أود أن أقول إن الاقتصاد الحر لا يلغي تدخل الدولة في وقت الأزمات الكبرى التي تصيب آلية السوق بالشلل وتوقفها عن العمل فالتستر وراء هذه المقولة إن هو إلا تخل عن الدور المهم الذي يجب أن تلعبه الدولة وقت الأزمات الاقتصادية. وعندما تعود الأمور إلى طبيعتها، وتُزال الضغوط المعطلة لعمل آلية السوق، تعود الدولة إلى مكانها الطبيعي خارج السوق تراقب أداءه وتحافظ على شفافيته، وعلى دعم المنافسة الحرة بين أعضائه.


منقول للفائدة :nice: