um abdulla
04-03-2009, 11:40 AM
صباحات الدوحة ..
تطبيق القانون بين التسامح والتجاوز
بقلم : لطيفة خالد
كاتبة قطرية
.. قد يواجه الفرد منا إشكالية وحرجاً حين يعمل في وظيفة، ويضطر فيها أحيانا للاختيار بين تجاوز قوانين العمل لمصلحة قريب أو صديق، بغض النظر عما يمكن أن يحدثه هذا الخيار من فوضى، أو تطبيقه والوقوع في حرج مع ذاك القريب، وربما خلافات عائلية لا قبل له بها؟!!
سألت نفسي هذا السؤال وأنا أقرأ هذه الحادثة التي وقعت للدكتور عبدا لوهاب المسيري الموسوعي الكبير، حين عاد لمصر بعد سنوات طوال من الدراسة في أمريكا، حيث اصطدمت حافلة للنقل العام بسيارته من الخلف،فذهب هو وسائق الحافلة لأقرب قسم شرطة لتحرير مخالفة للسائق حتى يتمكن - في ظنه- من مطالبة النقل العام بتعويض يصلح به سيارته.
وحين دخل إلى قسم الشرطة اتضح له أن السائق معروف لدى الجميع هناك ربما لأنه معتاد على مثل هذا الإجرام المروري – كما أسماه الدكتور- فبدأ بمصافحة الجميع وبادروا بتقديم كرسي للسائق ليجلس عليه وطلبوا له شايا، بينما الدكتور المسيري واقفاً ينتظر الإجراءات القانونية لمثل هذه الأمور.
وحين فرغ السائق من طقوسه التراحمية مع أعضاء مركز الشرطة من سلام وسؤال عن الحال، التفت الضابط المسئول، للدكتور المسيري، وبلهجة صارمة، ووجه متجهم طلب منه بطاقته العائلية، وحين نظر فيها انفرجت أساريره، فقد اكتشف أنه من بلدياته أو من (بني عمه بالمصطلح الدارج عندنا) وهنا حدث تحول فجائي، إذ انقلب حضرة الضابط على سائق الحافلة، وأخذ يعنفه، وكيف أنه يقود بطريقة مؤذية، وأنه "طايح في خلق الله" وإنه... وإنه ... وهنا أدرك السائق أن موازيين القوى قد تحولت، فهرع يستسمح الدكتور ويقبل رأسه، ويطلب منه العفو.
والسائق هنا لم يكن خائفا في البداية من ذهابه لقسم الشرطة لأنه يعرف كيفية العمل هناك، فقد كان مقتنعا، بما أنه صاحب معرفة وعلاقات واسعة في هذا السلك، فهو الذي سيربح في النهاية ولاشك.
فالقانون هنا يضيع وتحل بدلا عنه قيم التراحم والتعارف (والحمية لابن عمي ومعارفي)، بغض النظر عما إذا كان هذا الأمر سيؤدي إلى فوضى وضياع حقوق.
فتخيل أخي القارئ نفسك مكان الدكتور المسيري، ولكن لم يكن لك أي معرفة بأحد في سلك الشرطة، بينما سائق السيارة الأخرى له قرابة أو معرفة بالضابط، فموهت الحقيقة وتخطي القانون باسم القرابة والمعرفة، كيف سيكون موقفك؟!!
هذا الأمر -وللأسف الشديد- يحدث كثيرا وفي كل مكان تقريبا، ألا تعتقدون أن مثل هذا الأمر سيقوض ترابط المجتمع و يثير الضغائن والحقد في النفوس.
قد يسوغ تجاوز القانون حين لا يكون فيه ظلم للآخرين أو هضم حقوق آخرين، ويكون فيه إعطاء لمستحق حق، وجد صعوبة في الحصول عليه بالسبل القانونية ،فالقوانين الهدف منها تنظيم و تسيير شؤون الناس، ولمصلحة الناس، لذلك الخروج عنها أو تجاوزها ينبغي أن يكون أولا: استثناء، وثانيا:أن تراعى المصلحة عامة، والدافع الإنساني، وليس لمصلحة خاصة وبدافع حمية لقريب أو صديق، وإلا تحولت لمعول هدم يثير الفوضى، و يستعدي الناس بعضهم على بعض، مما قد يؤدي لتقويض أمن المجتمع وترابطه.
ففي السابق كان الناس قلة ويعرف بعضهم بعضا، والقانون غير مكتوب وإنما متعارف عليه كأعراف و(سلوم)، فكان الناس يتعاملون بشكل تكافلي، هناك رجل القبيلة أو الكبير في المجموعة يسند له الأمر ويتشاور مع من حوله ويطبقون ما يعرفونه مما ورثوه من تعاليم دينهم أو من التجربة من أبائهم، وإن كان ثمة تجاوز في القانون فهو على الأغلب لهدف إنساني وليس لأسباب شخصية بحتة،ومهما وجدت صور من تجاوزات لأسباب شخصية، إلا أنهم لم يكونوا يسمحون باستفحال الخلل الذي يمكن أن يقوض أمن المجتمع وترابطه.
وبعد أن كثر الناس وكثرت حاجياتهم وتنوعت معاملاتهم و أقضيتهم، وتوسعوا أفقيا ورأسيا، والتحق بالمجتمع عناصر من غير نسيجه، يؤدون مهام وظيفية كالخادم والسائق وعامل البناء والكهربائي والمدرس و... و... الخ تك القائمة التي لا غنى للمجتمع عنها،لذلك أصبح من الضروري لأمن المجتمع أن تستصدر قوانين تنظم شئون المجتمع وتحفظ أمنه، ولابد أن يتعامل مع القوانين بهذا الاعتبار، أنها في النهاية لمصلحة الناس والمجتمع.
لطالما كانت تلك القيم الراسخة (التكامل والتراحم والتعاون) سبب لأمن مجتمعاتنا، ونحن الآن أشد ما نحتاجه هو ترسيخها في نفوس الأجيال الجديدة، ولكن ومع تغير الحال وطبيعة العلاقات بسبب التوسع والتكاثر، أصبح من الضروري أن نعيد النظر في صور تطبيق هذه القيم، فنعلم أبناءنا أن التمثل بها لا يعني بأي حال أن أسعد أبن عمي أو صديقي على حساب مصلحة المجتمع، ولا أطبقها إلا للهدف والغرض الذي وجدت لأجله، تكريس التراحم الإنساني الذي لا يفرق بين جنس أو لون أو اسم، ويضع ترابط المجتمع وإشاعة التراحم بين جميع فئاته فوق أي اعتبارات أخرى.
lateefhkhald@yahoo.com
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=425067&version=1&template_id=168&parent_id=167
تطبيق القانون بين التسامح والتجاوز
بقلم : لطيفة خالد
كاتبة قطرية
.. قد يواجه الفرد منا إشكالية وحرجاً حين يعمل في وظيفة، ويضطر فيها أحيانا للاختيار بين تجاوز قوانين العمل لمصلحة قريب أو صديق، بغض النظر عما يمكن أن يحدثه هذا الخيار من فوضى، أو تطبيقه والوقوع في حرج مع ذاك القريب، وربما خلافات عائلية لا قبل له بها؟!!
سألت نفسي هذا السؤال وأنا أقرأ هذه الحادثة التي وقعت للدكتور عبدا لوهاب المسيري الموسوعي الكبير، حين عاد لمصر بعد سنوات طوال من الدراسة في أمريكا، حيث اصطدمت حافلة للنقل العام بسيارته من الخلف،فذهب هو وسائق الحافلة لأقرب قسم شرطة لتحرير مخالفة للسائق حتى يتمكن - في ظنه- من مطالبة النقل العام بتعويض يصلح به سيارته.
وحين دخل إلى قسم الشرطة اتضح له أن السائق معروف لدى الجميع هناك ربما لأنه معتاد على مثل هذا الإجرام المروري – كما أسماه الدكتور- فبدأ بمصافحة الجميع وبادروا بتقديم كرسي للسائق ليجلس عليه وطلبوا له شايا، بينما الدكتور المسيري واقفاً ينتظر الإجراءات القانونية لمثل هذه الأمور.
وحين فرغ السائق من طقوسه التراحمية مع أعضاء مركز الشرطة من سلام وسؤال عن الحال، التفت الضابط المسئول، للدكتور المسيري، وبلهجة صارمة، ووجه متجهم طلب منه بطاقته العائلية، وحين نظر فيها انفرجت أساريره، فقد اكتشف أنه من بلدياته أو من (بني عمه بالمصطلح الدارج عندنا) وهنا حدث تحول فجائي، إذ انقلب حضرة الضابط على سائق الحافلة، وأخذ يعنفه، وكيف أنه يقود بطريقة مؤذية، وأنه "طايح في خلق الله" وإنه... وإنه ... وهنا أدرك السائق أن موازيين القوى قد تحولت، فهرع يستسمح الدكتور ويقبل رأسه، ويطلب منه العفو.
والسائق هنا لم يكن خائفا في البداية من ذهابه لقسم الشرطة لأنه يعرف كيفية العمل هناك، فقد كان مقتنعا، بما أنه صاحب معرفة وعلاقات واسعة في هذا السلك، فهو الذي سيربح في النهاية ولاشك.
فالقانون هنا يضيع وتحل بدلا عنه قيم التراحم والتعارف (والحمية لابن عمي ومعارفي)، بغض النظر عما إذا كان هذا الأمر سيؤدي إلى فوضى وضياع حقوق.
فتخيل أخي القارئ نفسك مكان الدكتور المسيري، ولكن لم يكن لك أي معرفة بأحد في سلك الشرطة، بينما سائق السيارة الأخرى له قرابة أو معرفة بالضابط، فموهت الحقيقة وتخطي القانون باسم القرابة والمعرفة، كيف سيكون موقفك؟!!
هذا الأمر -وللأسف الشديد- يحدث كثيرا وفي كل مكان تقريبا، ألا تعتقدون أن مثل هذا الأمر سيقوض ترابط المجتمع و يثير الضغائن والحقد في النفوس.
قد يسوغ تجاوز القانون حين لا يكون فيه ظلم للآخرين أو هضم حقوق آخرين، ويكون فيه إعطاء لمستحق حق، وجد صعوبة في الحصول عليه بالسبل القانونية ،فالقوانين الهدف منها تنظيم و تسيير شؤون الناس، ولمصلحة الناس، لذلك الخروج عنها أو تجاوزها ينبغي أن يكون أولا: استثناء، وثانيا:أن تراعى المصلحة عامة، والدافع الإنساني، وليس لمصلحة خاصة وبدافع حمية لقريب أو صديق، وإلا تحولت لمعول هدم يثير الفوضى، و يستعدي الناس بعضهم على بعض، مما قد يؤدي لتقويض أمن المجتمع وترابطه.
ففي السابق كان الناس قلة ويعرف بعضهم بعضا، والقانون غير مكتوب وإنما متعارف عليه كأعراف و(سلوم)، فكان الناس يتعاملون بشكل تكافلي، هناك رجل القبيلة أو الكبير في المجموعة يسند له الأمر ويتشاور مع من حوله ويطبقون ما يعرفونه مما ورثوه من تعاليم دينهم أو من التجربة من أبائهم، وإن كان ثمة تجاوز في القانون فهو على الأغلب لهدف إنساني وليس لأسباب شخصية بحتة،ومهما وجدت صور من تجاوزات لأسباب شخصية، إلا أنهم لم يكونوا يسمحون باستفحال الخلل الذي يمكن أن يقوض أمن المجتمع وترابطه.
وبعد أن كثر الناس وكثرت حاجياتهم وتنوعت معاملاتهم و أقضيتهم، وتوسعوا أفقيا ورأسيا، والتحق بالمجتمع عناصر من غير نسيجه، يؤدون مهام وظيفية كالخادم والسائق وعامل البناء والكهربائي والمدرس و... و... الخ تك القائمة التي لا غنى للمجتمع عنها،لذلك أصبح من الضروري لأمن المجتمع أن تستصدر قوانين تنظم شئون المجتمع وتحفظ أمنه، ولابد أن يتعامل مع القوانين بهذا الاعتبار، أنها في النهاية لمصلحة الناس والمجتمع.
لطالما كانت تلك القيم الراسخة (التكامل والتراحم والتعاون) سبب لأمن مجتمعاتنا، ونحن الآن أشد ما نحتاجه هو ترسيخها في نفوس الأجيال الجديدة، ولكن ومع تغير الحال وطبيعة العلاقات بسبب التوسع والتكاثر، أصبح من الضروري أن نعيد النظر في صور تطبيق هذه القيم، فنعلم أبناءنا أن التمثل بها لا يعني بأي حال أن أسعد أبن عمي أو صديقي على حساب مصلحة المجتمع، ولا أطبقها إلا للهدف والغرض الذي وجدت لأجله، تكريس التراحم الإنساني الذي لا يفرق بين جنس أو لون أو اسم، ويضع ترابط المجتمع وإشاعة التراحم بين جميع فئاته فوق أي اعتبارات أخرى.
lateefhkhald@yahoo.com
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=425067&version=1&template_id=168&parent_id=167