ابن قطر
25-03-2009, 01:04 AM
الرأي الآخر .. أوجدوا صحافتكم أولا ليكون لها قانون و جمعية..!!
بقلم الكاتبة : مريم آل سعد .. في اللقاء النقاشي الذي نظمه مركز الدوحة لحرية الإعلام بين السيد إيدن وايت الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين ومجموعة من بعض رؤساء تحرير و كتاب الصحافة المحلية تركز النقاش على أهمية تنقيح قانون الصحافة، وضرورة إنشاء جمعية الصحفيين القطريين ومواجهة التحديات التي تعرقل عملية إنشائها.
لم يضف النقاش الأمر الجديد على الساحة المحلية التي منيت بتجميد البث بهذين المشروعين وذلك ربما لعدم إيمان السلطات بوجود صحافة قطرية مؤثرة ومتفاعلة تستحق تطوير القانون القديم ليواكب تحركها أو استحقاقها لقيام جمعية لصحفييها العاملين في بلاطها لترعى أمورهم وتحل مشاكلهم.
يبلغ عمر صحافتنا المحلية حوالي الأربعين عاما يديرها تقريبا الأخوة العرب وتندرج مساهمة القطريين في كتابة الأعمدة ورئاسة تحريرها، وقد توافد على مسيرتها مجموعة رائعة من رؤساء التحرير الذين تركوا بصماتهم المميزة عليها، وحاليا يعتبر رؤساء التحرير الموجودين في ساحتها على درجة عالية من المتابعة والوعي والاهتمام، نلمسه من قدرة صحفهم على المنافسة والاستمرار والتطوير، واستقطاب الكتاب من جهة وجذب القراء والمعلنين من جهات أخرى.
طرح في هذا اللقاء الذي دعا إليه مركز الدوحة لحرية الإعلام العديد من الأفكار والهموم التي تبلورت من خبرة وتطلع المشاركين لمستقبل أفضل للصحافة القطرية، ولكن نركز في هذا المقال على تنفيس تقدم به أحد الصحفيين الشباب على هامش الحوار، لأنه يمثل الباكورة المرجوة التي نتطلع إليها لتغيير مساهمات العنصر المحلي من مجرد تعاون كتابي بالمقال الصحفي إلى عمل بدوام كامل لتستحق صحافتنا أن تدخل دائرة المهنية المحلية، فربما من أسباب عدم الاعتراف بالصحافة أنها لم تصبح محلية وقطرية وإنما تدار من الألف إلى الياء بأيد وافدة، ما عدا بعض كتاب الأعمدة، وبعض العناصر المعدودة والتي يمثل هذا الشاب أحدها رغم انه قد هدد بالانسحاب لأنه لم يجد ما يبحث عنه، فعلى حد قوله، لا تشجيع ، ولا تدريب، ولا حوافز، ولا راتب يكفيه كمصدر رزق. إذن.. كيف يمكن أن يعمل العنصر المحلي في الصحافة كمهنة ان كانت بأبسط الأمور لا تضمن عيشه بكرامة أولا..؟؟ ثم لا تشبع طموحه الذي جذبه إليها وتوفر له التأهيل والخبرة المفروضة، وجعله يبدأ من الصفر بأروقتها ثانيا..؟؟
ربما لا يعلم الصحفيون الشباب ان التاريخ يعيد نفسه..!! فعندما ظهرت الصحافة مع رائحة أحبار مجلة العروبة وجريدة العرب ظهرت أقلام وعناصر محلية قوية ومندفعة ومحبة للصحافة ولكن الزمن كان ضدها، وتعرقلت حركتها وعملت في مجالات متضادة مع شغفها بالصحافة لأن الصحافة لم تقدم لها الضمانات الوظيفية التي تكفل لها لقمة عيشها، والمضحك المبكي ان جهات عملها كانت تطالبها بالدوام لتؤدي لا شيء، بينما تتبدد جهودها التي لو وجهتها كاملة للعمل الصحفي لأصبح لدينا اليوم مجموعة متمرسة مهنيا من العناصر الصحفية المحلية.
ولو كانت وزارة الإعلام مهتمة بإعداد أجيال من الصحفيين المحليين لبادرت بمنحهم انتدابا للعمل في الجرائد المحلية، وقد كانت أيامها الكشوف في جميع وزارات الدولة تحوي أسماء موظفين لا يداومون، ويستلمون رواتبهم كاملة في ظل الفوضى الوظيفية التي تعم البلاد قبل أن يتم تعديل الأمور وضبطها منذ سنوات قليلة.
نعود إلى هذا الشاب المحبط الذي ستتهاوى مقاومته بمدة يعلم الله عمرها، وينسحب من العمل الصحفي المهني ويبحث عن وظيفة أخرى توفر له الاستقرار والدعم وتكفيه شر التفكير بالمستقبل، وان كانت ستحرمه من تحقيق حلمه وشغفه، وربما تبعده عن مجال الصحافة، فقد خسرنا أقلاماً ومواهب صحفية على المدى الطويل بحثت لها عن مواقع مضمونة تحقق استقرارها المهني خلالها، ربما أبرزها صاحب عامود (إضاءة) الدكتور جاسم النصر، فمكافأة ألفين ريال لا أظنها تبني بيتا وتعلم أطفالا..؟؟
مشكلة صحافتنا أن الجميع راضون بوضعها، فلا السلطات المسؤولة ولا المؤسسات الصحفية يتذمرون من عدم وطنيتها، فبالنسبة للسلطات فان الأقلام المحلية موجودة من خلال كتاب الأعمدة ومناصب رؤساء التحرير، وبالنسبة للمؤسسات الصحفية فإنها تريد تقليص النفقات وتحقيق المزيد من الأرباح.
وهي مؤسسات تجارية بالأساس وليست وزارات إعلام تركز على تبني ودعم العناصر المحلية، وليست وزارات للتعليم لتدربها وتشرف عليها، فنفس هذه المؤسسات لها مشاكلها ومتاعبها وهمومها، لذلك على العناصر المحلية الحرب والكفاح وإثبات الوجود بنفسها، والتضحية والصبر لتصل إلى المستوى الذي يفرضها غصبا على أصحاب القرار، لأنهم حينها سيجدون لديها شيئا يفتقدونه ويحتاجونه، ورأينا هذا الشيء في السيد جابر الحرمي الذي وصل بنضاله الشخصي لمنصب مدير تحرير ثم رئيس تحرير جريدة الشرق، وأيضا السيدين صادق محمد العماري رئيس قسم المحليات وعبد الله طالب المري رئيس القسم الرياضي في جريدة الراية اللذين نهنئهما على ترقيتهما الجديدة - التي جاءت بعد سهر ومتابعة- كنائبين لمدير التحرير بالإضافة إلى عملهما الحالي.
هذا هو الحال بصحافتنا..!! لا مجال لانتظار تكرم الدولة ورعايتها، ولا ترقب لحدب المؤسسات الصحفية وتفضلها بالاهتمام والعناية، على الصحافيين القطريين المحبين للعمل الصحفي بأنفسهم القتال والصبر والتغاضي والعمل وإثبات الوجود، وليتأكدوا أن الموهبة في هذا العمل والإخلاص والضمير المهني والالتزام الخلقي هي المحاور التي سيصنعون أسماءهم بها ويمنحونها التقدير الذي تستحقه.
في العمل الصحفي بالذات لا تكفي الرغبة بالعمل، فلا بد أن يكون الشخص متميزا وموهوبا سواء في التحرير أو الإخراج أو كمراسل أو كفني أو أي وظيفة تتناول الصناعة الصحفية، لأنها فن وتجويد ومتابعة وإخلاص.
إن الحقوق تنتزع ولا تعطى، لذلك على الصحافيين أن يكونوا أنفسهم أولا ويشكلون نواتهم ومجموعاتهم الصغيرة حتى يرغموا الآخرين على احترامهم والاعتراف بهم. والملاحظ انه على الرغم أننا العاملين- في المجال الإعلامي في خندق واحد إلا ان قلوبنا شتى..!! وعلى الرغم إننا في كل مجال نعد على الأصابع إلا إننا نكاد نفترس بعضنا بعضا..!!
ويوجد من يذكي الإشاعات و ينشرها ليزيد أوار المنافسة والحقد بين بعضنا البعض، أو كما يقولون يصيد في الماء العكر..!!
وقد وجد المتلاعبون من وراء الكواليس أن انجح الوسائل لجعل أسباب فشل المشاريع يعود للمطالبين بها ذاتهم هي بوضع حيل العناصر المحلية بينها، ونقل العداء بين بعضها البعض ببث الإشاعات التي تؤجج الحسد والفرقة في النفوس، وقد كان من نتيجة هذه الأجواء ابتعاد بعض العناصر المحلية عن المشاركة وحضور الاجتماعات والندوات لئلا يربطوا بينهم وبين البروز ومناطحة غيرهم.
لذلك فان أول بوادر الحلول إذابة الخلافات الوهمية بين الزملاء، ومعالجة استبسال بعض المتقدمين بالإطاحة بمنافسيهم وذلك إذا عرفوا ان هناك من لا رغبة لهم بتولي الكراسي من باب أن الله قسم التطلعات، ومثلما تتوهج في صدور أناس فإنها تخمد في صدور آخرين، وبذلك فان هؤلاء المحسودين والمتهمين بتصدر الترشيحات قد لا يوافقون ولا يرغبون بها، وإنما يستعمل البعض أسماءهم ليثير الآخرين عليهم ويفسد الود بينهم. وفي النهاية يحصدها آخرون لم يظهروا بالصورة ولكنهم يحظون بالمباركة والتزكية الرسمية.
ولقد رأينا معارك كثيرة أسفرت عن ظهور أسماء لم يسمع بها أحد وذلك دليل على وجود من يبث النعرات ويتلاعب بالاختلافات ليجعل العداوة بين الوسط الإعلامي نفسه، ويفلت غريمهم الحقيقي و يبقون مكانك سر يأكلون ببعضهم بعضا، وتخوض مسيرتهم الوحل بدلا من ان ترتقي بنفسها وتكون أكبر من دناءتها وتتمنى الخير لغيرها.
وبهذا الصدد، لا يوجد عنصر محلي لا يستحق ان ينال الترشيح، لكل مميزاته وقدراته، وقد رأينا كيف بتعيين الأستاذين أحمد السليطي رئيس تحرير جريدة الوطن وصالح عفصان الكواري رئيس التحرير الحالي لجريدة الراية قد كسبنا عنصرين إعلاميين مهمين كان لظهورهما أثره الكبير على صحافتنا، وكانت مفاجأة قلم السليطي لم تخطر على بال، حيث حازت مواضيعه التي كتبها على شعبية واهتمام كبيرين لم يعتقد بأنها لكاتب لم يعرف قبل توليه رئاسة التحرير.
وكذلك فان صالح عفصان كان من صحافيي وكالة الأنباء القطرية، وقد وجد فرصته في الراية ليكشف عن مهنيته واهتماماته بخطواته التطويرية التي أسهمت في تغيير شكل ومضمون الراية وضخها بالتجديد.
ان عناصرنا المحلية قليلة وبإمكانها تقديم الكثير ولكن المنصة تحتها تهتز من فوران مشاعر الزملاء الذين يعتقدون بأن نجاح أحدهم معناه ضياع فرصته الخاصة، ولا يعلمون بأنهم كالزهور لكل رحيقه ورائحته وطلته المميزة.
لقد تحول الوسط الإعلامي والأدبي كالغابة التي يأكل القوي فيها الضعيف وتنتشر الشللية والتحالفات، وهذا أمر بشع بالنسبة لمجتمع صغير لا يملك إلى الآن تقاليده ومؤسساته الإعلامية الخاصة به، وقد كان من جراء ذلك هرب العناصر النزيهة وبحثها عن الظل للاحتماء والاختباء والاحتفاظ بنقائها وعدم التلوث بالقيل والقال.
ولعل أول بوادر انفراج الأزمات والتوترات هو سعي أعضاء الأسرة الصحفية لتقبل بعضهم البعض، والإيمان بأنهم اخوة وأبناء وطن واحد، وعليهم قبول ما يحصل عليه زميلهم بصدر رحب، والحرص ألا تصيبهم المرارة لنجاحه والكمد لاختياره، بل يتقدمون بنفوس متحررة من الحسد والإحباط ويهنئونه ويعملون تحت لوائه، فذلك من تعاليم ديننا الحنيف، عليهم أن يقفوا معه ويدعموه بالنصيحة والرأي، وإذا أخطأ يصوبونه بالسر والعلانية بموضوعية وشفافية وصدق.
ومن أهم الصفات التي يجب أن تتحلى بها العناصر الإعلامية كافة التحلي بأخلاقيات المهنة، حيث تأتي المصداقية قبل الحرفية، وخصوصا للصحفيين الباحثين عن الحقيقة، فأين التزام وضمير هذا الجندي الرابض وراء ترس القلم إذا كان متسلقا باحثا عن الشهرة بالتهجم على غيره قاذفا الخصوم بالباطل، لاويا ذراع الحقيقة أو مبتزا للأوضاع الراهنة في سبيل حصد مصالحه الخاصة وإبراز ذاته..؟؟ ان العدالة تأتي إلى جانب حرية الكلمة من هنا فان مشروع قانون الصحافة يحتاج إلى القانونيين المختصين ليبحثوا مدى التوازن بين حرية الصحافة وعدم إساءة استخدامها، بين تنفس الأقلام الحرة الشريفة وحمايتها من الانكسار والتهشم وبين الغوغائية وإثارة الفتن والنعرات الكيدية.
ان الصحافة والإعلام عموما يعتبران رسالة وسلاحا جبارا وخطيرا إذا أسيء استخدامه قد يقوض المجتمع، كما بإمكانه البناء والتنوير والتوعية وكشف الفساد ومحاربة الظلم ونقل صور معاناة الشعوب كما فعلت الجزيرة في تغطياتها في حرب غزة، وكما ساهمت التحقيقات والمقالات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المحلية في تعاون الوزارات والمؤسسات الحكومية مع الإعلام وتسهيل عمله، حيث نلاحظ اليوم ان هناك اهتماما بما ينشر في الإعلام وحرص كل مؤسسة على التوضيح واحترام فكر الرأي العام والاستجابة لملاحظاته، وتعاون الجهاز التنفيذي ومجلس الوزراء لما يطرح من قبل الجمهور، والإحساس العام بوجود صدى لمعاناة المواطنين نلمسها من تجاوب المسؤولين المواطنين الذين ينبعون من شريحة المجتمع نفسها، وقد تميز الجهاز الوزاري بوجود نخبة مميزة من شباب الوطن المخلص الكفء الذي لا شك في إخلاصه وتفانيه وتفاعله مع هموم المواطنين.
في النهاية، كلما كان الإعلام والصحافة راقيين وفوق المصالح الشخصية فرضا احترامهما على الدولة والمؤسسات الصحفية، واستطاع منتسبوهما إثبات وجودهم، وواصلوا العمل الجاد بأقسى الظروف لتوصيل الكلمة الصادقة، والسعي لخدمة الناس تحت الضغوط والمنع والحجب، وأصلوا هوياتهم الصحفية ونحتوا لوحة تمرسهم المهني. فقد كانت هناك صحافة جريئة في البلاد حتى أيام مقص الرقيب، وكانت الكتابات تلجأ إلى الرمز كلغة مفهومة وقادرة على النطق والتوصيل لتعبر عن ما تريد قوله وحمله إلى متلقيها، لذلك فإن من المهم وجود القضية الصادقة التي يدافع عنها الصحفي، ولا يقلق من ضبابية مساحة الحرية الممنوحة له، فان كلماته ستصل لقارئها ولو بربع مقالها الحقيقي، أما إذا ظل حالهم كما هو من الغوغائية والفوضوية والكيد لبعضهم البعض، فللأسف فهم بعيدون جدا عن قانون صحافة ينصفهم، وعن جمعية تمثلهم، وعن من يسمع شكواهم وتذمرهم ليفسح المجال لاتساع المظلة التي تحتويهم وتضمهم، وترحب بالأقلام والمواهب الشابة التي تضمن لقمة رزقها ومستقبل أسرها وتزرع جذورها في الجسد الصحفي الوطني.
mariam.alsaad@gmail.com
بقلم الكاتبة : مريم آل سعد .. في اللقاء النقاشي الذي نظمه مركز الدوحة لحرية الإعلام بين السيد إيدن وايت الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين ومجموعة من بعض رؤساء تحرير و كتاب الصحافة المحلية تركز النقاش على أهمية تنقيح قانون الصحافة، وضرورة إنشاء جمعية الصحفيين القطريين ومواجهة التحديات التي تعرقل عملية إنشائها.
لم يضف النقاش الأمر الجديد على الساحة المحلية التي منيت بتجميد البث بهذين المشروعين وذلك ربما لعدم إيمان السلطات بوجود صحافة قطرية مؤثرة ومتفاعلة تستحق تطوير القانون القديم ليواكب تحركها أو استحقاقها لقيام جمعية لصحفييها العاملين في بلاطها لترعى أمورهم وتحل مشاكلهم.
يبلغ عمر صحافتنا المحلية حوالي الأربعين عاما يديرها تقريبا الأخوة العرب وتندرج مساهمة القطريين في كتابة الأعمدة ورئاسة تحريرها، وقد توافد على مسيرتها مجموعة رائعة من رؤساء التحرير الذين تركوا بصماتهم المميزة عليها، وحاليا يعتبر رؤساء التحرير الموجودين في ساحتها على درجة عالية من المتابعة والوعي والاهتمام، نلمسه من قدرة صحفهم على المنافسة والاستمرار والتطوير، واستقطاب الكتاب من جهة وجذب القراء والمعلنين من جهات أخرى.
طرح في هذا اللقاء الذي دعا إليه مركز الدوحة لحرية الإعلام العديد من الأفكار والهموم التي تبلورت من خبرة وتطلع المشاركين لمستقبل أفضل للصحافة القطرية، ولكن نركز في هذا المقال على تنفيس تقدم به أحد الصحفيين الشباب على هامش الحوار، لأنه يمثل الباكورة المرجوة التي نتطلع إليها لتغيير مساهمات العنصر المحلي من مجرد تعاون كتابي بالمقال الصحفي إلى عمل بدوام كامل لتستحق صحافتنا أن تدخل دائرة المهنية المحلية، فربما من أسباب عدم الاعتراف بالصحافة أنها لم تصبح محلية وقطرية وإنما تدار من الألف إلى الياء بأيد وافدة، ما عدا بعض كتاب الأعمدة، وبعض العناصر المعدودة والتي يمثل هذا الشاب أحدها رغم انه قد هدد بالانسحاب لأنه لم يجد ما يبحث عنه، فعلى حد قوله، لا تشجيع ، ولا تدريب، ولا حوافز، ولا راتب يكفيه كمصدر رزق. إذن.. كيف يمكن أن يعمل العنصر المحلي في الصحافة كمهنة ان كانت بأبسط الأمور لا تضمن عيشه بكرامة أولا..؟؟ ثم لا تشبع طموحه الذي جذبه إليها وتوفر له التأهيل والخبرة المفروضة، وجعله يبدأ من الصفر بأروقتها ثانيا..؟؟
ربما لا يعلم الصحفيون الشباب ان التاريخ يعيد نفسه..!! فعندما ظهرت الصحافة مع رائحة أحبار مجلة العروبة وجريدة العرب ظهرت أقلام وعناصر محلية قوية ومندفعة ومحبة للصحافة ولكن الزمن كان ضدها، وتعرقلت حركتها وعملت في مجالات متضادة مع شغفها بالصحافة لأن الصحافة لم تقدم لها الضمانات الوظيفية التي تكفل لها لقمة عيشها، والمضحك المبكي ان جهات عملها كانت تطالبها بالدوام لتؤدي لا شيء، بينما تتبدد جهودها التي لو وجهتها كاملة للعمل الصحفي لأصبح لدينا اليوم مجموعة متمرسة مهنيا من العناصر الصحفية المحلية.
ولو كانت وزارة الإعلام مهتمة بإعداد أجيال من الصحفيين المحليين لبادرت بمنحهم انتدابا للعمل في الجرائد المحلية، وقد كانت أيامها الكشوف في جميع وزارات الدولة تحوي أسماء موظفين لا يداومون، ويستلمون رواتبهم كاملة في ظل الفوضى الوظيفية التي تعم البلاد قبل أن يتم تعديل الأمور وضبطها منذ سنوات قليلة.
نعود إلى هذا الشاب المحبط الذي ستتهاوى مقاومته بمدة يعلم الله عمرها، وينسحب من العمل الصحفي المهني ويبحث عن وظيفة أخرى توفر له الاستقرار والدعم وتكفيه شر التفكير بالمستقبل، وان كانت ستحرمه من تحقيق حلمه وشغفه، وربما تبعده عن مجال الصحافة، فقد خسرنا أقلاماً ومواهب صحفية على المدى الطويل بحثت لها عن مواقع مضمونة تحقق استقرارها المهني خلالها، ربما أبرزها صاحب عامود (إضاءة) الدكتور جاسم النصر، فمكافأة ألفين ريال لا أظنها تبني بيتا وتعلم أطفالا..؟؟
مشكلة صحافتنا أن الجميع راضون بوضعها، فلا السلطات المسؤولة ولا المؤسسات الصحفية يتذمرون من عدم وطنيتها، فبالنسبة للسلطات فان الأقلام المحلية موجودة من خلال كتاب الأعمدة ومناصب رؤساء التحرير، وبالنسبة للمؤسسات الصحفية فإنها تريد تقليص النفقات وتحقيق المزيد من الأرباح.
وهي مؤسسات تجارية بالأساس وليست وزارات إعلام تركز على تبني ودعم العناصر المحلية، وليست وزارات للتعليم لتدربها وتشرف عليها، فنفس هذه المؤسسات لها مشاكلها ومتاعبها وهمومها، لذلك على العناصر المحلية الحرب والكفاح وإثبات الوجود بنفسها، والتضحية والصبر لتصل إلى المستوى الذي يفرضها غصبا على أصحاب القرار، لأنهم حينها سيجدون لديها شيئا يفتقدونه ويحتاجونه، ورأينا هذا الشيء في السيد جابر الحرمي الذي وصل بنضاله الشخصي لمنصب مدير تحرير ثم رئيس تحرير جريدة الشرق، وأيضا السيدين صادق محمد العماري رئيس قسم المحليات وعبد الله طالب المري رئيس القسم الرياضي في جريدة الراية اللذين نهنئهما على ترقيتهما الجديدة - التي جاءت بعد سهر ومتابعة- كنائبين لمدير التحرير بالإضافة إلى عملهما الحالي.
هذا هو الحال بصحافتنا..!! لا مجال لانتظار تكرم الدولة ورعايتها، ولا ترقب لحدب المؤسسات الصحفية وتفضلها بالاهتمام والعناية، على الصحافيين القطريين المحبين للعمل الصحفي بأنفسهم القتال والصبر والتغاضي والعمل وإثبات الوجود، وليتأكدوا أن الموهبة في هذا العمل والإخلاص والضمير المهني والالتزام الخلقي هي المحاور التي سيصنعون أسماءهم بها ويمنحونها التقدير الذي تستحقه.
في العمل الصحفي بالذات لا تكفي الرغبة بالعمل، فلا بد أن يكون الشخص متميزا وموهوبا سواء في التحرير أو الإخراج أو كمراسل أو كفني أو أي وظيفة تتناول الصناعة الصحفية، لأنها فن وتجويد ومتابعة وإخلاص.
إن الحقوق تنتزع ولا تعطى، لذلك على الصحافيين أن يكونوا أنفسهم أولا ويشكلون نواتهم ومجموعاتهم الصغيرة حتى يرغموا الآخرين على احترامهم والاعتراف بهم. والملاحظ انه على الرغم أننا العاملين- في المجال الإعلامي في خندق واحد إلا ان قلوبنا شتى..!! وعلى الرغم إننا في كل مجال نعد على الأصابع إلا إننا نكاد نفترس بعضنا بعضا..!!
ويوجد من يذكي الإشاعات و ينشرها ليزيد أوار المنافسة والحقد بين بعضنا البعض، أو كما يقولون يصيد في الماء العكر..!!
وقد وجد المتلاعبون من وراء الكواليس أن انجح الوسائل لجعل أسباب فشل المشاريع يعود للمطالبين بها ذاتهم هي بوضع حيل العناصر المحلية بينها، ونقل العداء بين بعضها البعض ببث الإشاعات التي تؤجج الحسد والفرقة في النفوس، وقد كان من نتيجة هذه الأجواء ابتعاد بعض العناصر المحلية عن المشاركة وحضور الاجتماعات والندوات لئلا يربطوا بينهم وبين البروز ومناطحة غيرهم.
لذلك فان أول بوادر الحلول إذابة الخلافات الوهمية بين الزملاء، ومعالجة استبسال بعض المتقدمين بالإطاحة بمنافسيهم وذلك إذا عرفوا ان هناك من لا رغبة لهم بتولي الكراسي من باب أن الله قسم التطلعات، ومثلما تتوهج في صدور أناس فإنها تخمد في صدور آخرين، وبذلك فان هؤلاء المحسودين والمتهمين بتصدر الترشيحات قد لا يوافقون ولا يرغبون بها، وإنما يستعمل البعض أسماءهم ليثير الآخرين عليهم ويفسد الود بينهم. وفي النهاية يحصدها آخرون لم يظهروا بالصورة ولكنهم يحظون بالمباركة والتزكية الرسمية.
ولقد رأينا معارك كثيرة أسفرت عن ظهور أسماء لم يسمع بها أحد وذلك دليل على وجود من يبث النعرات ويتلاعب بالاختلافات ليجعل العداوة بين الوسط الإعلامي نفسه، ويفلت غريمهم الحقيقي و يبقون مكانك سر يأكلون ببعضهم بعضا، وتخوض مسيرتهم الوحل بدلا من ان ترتقي بنفسها وتكون أكبر من دناءتها وتتمنى الخير لغيرها.
وبهذا الصدد، لا يوجد عنصر محلي لا يستحق ان ينال الترشيح، لكل مميزاته وقدراته، وقد رأينا كيف بتعيين الأستاذين أحمد السليطي رئيس تحرير جريدة الوطن وصالح عفصان الكواري رئيس التحرير الحالي لجريدة الراية قد كسبنا عنصرين إعلاميين مهمين كان لظهورهما أثره الكبير على صحافتنا، وكانت مفاجأة قلم السليطي لم تخطر على بال، حيث حازت مواضيعه التي كتبها على شعبية واهتمام كبيرين لم يعتقد بأنها لكاتب لم يعرف قبل توليه رئاسة التحرير.
وكذلك فان صالح عفصان كان من صحافيي وكالة الأنباء القطرية، وقد وجد فرصته في الراية ليكشف عن مهنيته واهتماماته بخطواته التطويرية التي أسهمت في تغيير شكل ومضمون الراية وضخها بالتجديد.
ان عناصرنا المحلية قليلة وبإمكانها تقديم الكثير ولكن المنصة تحتها تهتز من فوران مشاعر الزملاء الذين يعتقدون بأن نجاح أحدهم معناه ضياع فرصته الخاصة، ولا يعلمون بأنهم كالزهور لكل رحيقه ورائحته وطلته المميزة.
لقد تحول الوسط الإعلامي والأدبي كالغابة التي يأكل القوي فيها الضعيف وتنتشر الشللية والتحالفات، وهذا أمر بشع بالنسبة لمجتمع صغير لا يملك إلى الآن تقاليده ومؤسساته الإعلامية الخاصة به، وقد كان من جراء ذلك هرب العناصر النزيهة وبحثها عن الظل للاحتماء والاختباء والاحتفاظ بنقائها وعدم التلوث بالقيل والقال.
ولعل أول بوادر انفراج الأزمات والتوترات هو سعي أعضاء الأسرة الصحفية لتقبل بعضهم البعض، والإيمان بأنهم اخوة وأبناء وطن واحد، وعليهم قبول ما يحصل عليه زميلهم بصدر رحب، والحرص ألا تصيبهم المرارة لنجاحه والكمد لاختياره، بل يتقدمون بنفوس متحررة من الحسد والإحباط ويهنئونه ويعملون تحت لوائه، فذلك من تعاليم ديننا الحنيف، عليهم أن يقفوا معه ويدعموه بالنصيحة والرأي، وإذا أخطأ يصوبونه بالسر والعلانية بموضوعية وشفافية وصدق.
ومن أهم الصفات التي يجب أن تتحلى بها العناصر الإعلامية كافة التحلي بأخلاقيات المهنة، حيث تأتي المصداقية قبل الحرفية، وخصوصا للصحفيين الباحثين عن الحقيقة، فأين التزام وضمير هذا الجندي الرابض وراء ترس القلم إذا كان متسلقا باحثا عن الشهرة بالتهجم على غيره قاذفا الخصوم بالباطل، لاويا ذراع الحقيقة أو مبتزا للأوضاع الراهنة في سبيل حصد مصالحه الخاصة وإبراز ذاته..؟؟ ان العدالة تأتي إلى جانب حرية الكلمة من هنا فان مشروع قانون الصحافة يحتاج إلى القانونيين المختصين ليبحثوا مدى التوازن بين حرية الصحافة وعدم إساءة استخدامها، بين تنفس الأقلام الحرة الشريفة وحمايتها من الانكسار والتهشم وبين الغوغائية وإثارة الفتن والنعرات الكيدية.
ان الصحافة والإعلام عموما يعتبران رسالة وسلاحا جبارا وخطيرا إذا أسيء استخدامه قد يقوض المجتمع، كما بإمكانه البناء والتنوير والتوعية وكشف الفساد ومحاربة الظلم ونقل صور معاناة الشعوب كما فعلت الجزيرة في تغطياتها في حرب غزة، وكما ساهمت التحقيقات والمقالات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المحلية في تعاون الوزارات والمؤسسات الحكومية مع الإعلام وتسهيل عمله، حيث نلاحظ اليوم ان هناك اهتماما بما ينشر في الإعلام وحرص كل مؤسسة على التوضيح واحترام فكر الرأي العام والاستجابة لملاحظاته، وتعاون الجهاز التنفيذي ومجلس الوزراء لما يطرح من قبل الجمهور، والإحساس العام بوجود صدى لمعاناة المواطنين نلمسها من تجاوب المسؤولين المواطنين الذين ينبعون من شريحة المجتمع نفسها، وقد تميز الجهاز الوزاري بوجود نخبة مميزة من شباب الوطن المخلص الكفء الذي لا شك في إخلاصه وتفانيه وتفاعله مع هموم المواطنين.
في النهاية، كلما كان الإعلام والصحافة راقيين وفوق المصالح الشخصية فرضا احترامهما على الدولة والمؤسسات الصحفية، واستطاع منتسبوهما إثبات وجودهم، وواصلوا العمل الجاد بأقسى الظروف لتوصيل الكلمة الصادقة، والسعي لخدمة الناس تحت الضغوط والمنع والحجب، وأصلوا هوياتهم الصحفية ونحتوا لوحة تمرسهم المهني. فقد كانت هناك صحافة جريئة في البلاد حتى أيام مقص الرقيب، وكانت الكتابات تلجأ إلى الرمز كلغة مفهومة وقادرة على النطق والتوصيل لتعبر عن ما تريد قوله وحمله إلى متلقيها، لذلك فإن من المهم وجود القضية الصادقة التي يدافع عنها الصحفي، ولا يقلق من ضبابية مساحة الحرية الممنوحة له، فان كلماته ستصل لقارئها ولو بربع مقالها الحقيقي، أما إذا ظل حالهم كما هو من الغوغائية والفوضوية والكيد لبعضهم البعض، فللأسف فهم بعيدون جدا عن قانون صحافة ينصفهم، وعن جمعية تمثلهم، وعن من يسمع شكواهم وتذمرهم ليفسح المجال لاتساع المظلة التي تحتويهم وتضمهم، وترحب بالأقلام والمواهب الشابة التي تضمن لقمة رزقها ومستقبل أسرها وتزرع جذورها في الجسد الصحفي الوطني.
mariam.alsaad@gmail.com