المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من كتاب القرضاوي : تعاون العمل ورأس المال



diamondman
28-12-2005, 10:54 PM
تعاون العمل ورأس المال

ربما قال قائل: إن الله وزع المواهب والحظوظ على الناس بقدر وحكمة ، فكثيراً مانجد عند إنسان الكفاية والخبرة ، ولانجد عنده الكثير من المال ، أو لانجد عنده مالاً أصلاً وبإزائه نجد آخر عنده المال الكثير ، مع الخبرة القليلة ، أو لاخبرة له. فلماذا لايعطي صاحب المال ماله لصاحب الكفاية والخبرة ، يعمل فيه ويستثمره ، على أن يجزى مقابل ماله بفائدة محددة ، وبذلك ينتفع ذو الكفاية بالمال ، وينتفع الغني بالكفاية . وبخاصة إن هناك مشروعات كبيرة تحتاج إلى مساهمة أفراد كثيرين بأموالهم ، وفي الناس كثيرون عندهم فضل أموال ، وليس عندهم الفراغ أو القدرة على استثمارها .. فلماذا لاتستغل هذه الأموال في تلك المشروعات الحيوية الكبيرة يديرها أناس من ذوي الدراية والخبرة؟ .

ونقول : إن شريعة الإسلام لم تمنع أن يتعاون رأس المال والخبرة أو المال والعمل – كما يقول الفقه الاسلامي- ولكنها أقامت هذا التعاون على أساس عادل ومنهج سديد ، فإذا كان رب المال قد رضيها شركة بينه وبين صاحبه ، فعليه أن يتحمل مسؤولية الشركة بكل نتائجها . ولهذا تشترط الشريعة الإسلامية في مثل هذه المعاملة التي سماها الفقهاء ((المضاربة)) أو ((القراض)) أن يشترك كل من الطرفين المتعاقدين في الربح إذا ربحا ، وفي الخسارة إن خسرا ، ونسبة الربح والخسارة تكون وفق اتفاقهما ،فلهما أن يجعلا لأحدهما النصف أو الثلث أو الربع ، أو أدنى من ذلك أو أكثر ، وللآخر الباقي. وإذاً يكون التعاون بين رأس المال والعمل تعاون الشريكين المتكافلين ، لكل نصيبه من الغنم قل أو كثر . فإذا ربحا تقاسما الربح كما اشترطا ، وأن خسرا كانت الخسارة من الربح ، فان استغرقت الربح وزادت أخذ من رأس المال بقدرها ، ولا غرابة في أن يخسر رب المال جزءاً من ماله ، كما خسر شريكه جهده وعرقه.

ذلك هو قانون الإسلام في هذه المعاملة . أما أن يفرض لصاحب المال ربح محدد مضمون لايزيد ولاينقص وإن تضاعف الربح أو تفاقمت الخسارة فهذا مجافاة للعدل الصريح وتحيز لرأس المال ضد الخبرة والعمل ، ومعاندة لقوانين الحياة التي تعطي وتمنع ، وتشجيع لحب الكسب المضمون دون عمل ولا مخاطرة ، وذلك هو روح الربا الخبيث .

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ، في المزارعة على الارض (أخرجه مسلم ، ت : 357)، أن يجعل في العقد لأحدهما غلة مساحة معينة من الأرض ، أو مقدار محدد من الخارج ، كقنطار أو قنطارين مثلاً لما في ذلك من شبه بالمراباة والمقامرة . فقد لاتخرج الأرض غير المقدار المشروط أو لا تخرج شيئاً فيكون لأحدهما الغنم كله ، وعلى الآخر الغرم كله . وهذا مالاترضاه العدالة .
هذا الشرط المفسد للمزارعة بالنص الصريح ، هو في رأيي أصل لإجماع الفقهاء على الاشتراط في ((المضاربة)) ألا يحدد نصيب لأحدهما يضمنه على كل حال ، فهم يقولون هنا : إنه إذا شرط أحدهما دراهم معلومة احتمل ألا يربح غيرها فيحصل على جميع الربح ، واحتمل ألا يربحها .. وقد يربح كثيراً فيستضر من شرطت له الدراهم .
وهذا تعليل موافق لروح الإسلام الذي يبني كل معاملاته على العدالة المحكمة الواضحة.


منقول من كتاب فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي : الحلال والحرام في الاسلام .