سهم بن سهم
07-04-2009, 09:57 AM
هل يُساء فهم إسرائيل؟
إن العدوان الذي شنّته القوات الإسرائيلية على قطاع غزة في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير الماضيين تجسّد عدداً هائلاً من الضحايا وتبريراً سياسياً قبل الانتخابات، سجّل منعطفاً بارزاً في المعالجة الإعلامية للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وتحليل استراتيجية الدولة العبرية ونواياها.
يعتبر الصحافي الإسرائيلي العامل في جريدة هآرتز برادلي بورستون أن "الظروف الراهنة (...) ترجّع صدى التساؤلات المطروحة حول تمثيل إسرائيل في المؤسسات الإعلامية الدولية".
فإذا به يتساءل: "لمَ يروق الصحافة الدولية كره إسرائيل إلى هذا الحد؟" ويبدو أن التعتيم الإعلامي الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية على مختلف المؤسسات الإعلامية العالمية هو الرد الأول على السؤال الذي يطرحه برادلي بورستون. ولكنه قد نسي (لعله عمداً؟) أن يذكره. إن مركز الدوحة لحرية الإعلام ينقل رأي برادلي بورستون ويطلق النقاش موسّعاً إطار السؤال المطروح: لمَ تعطي الصحافة العالمية نفسها، في سياق جغرافي سياسي وإعلامي خاضع للعولمة، حق الكره في حين أن واجبها يملي عليها الإفهام أولاً؟
ـ ـ ـ
لمَ يروق الصحافة الدولية كره إسرائيل إلى هذا الحد؟
بقلم برادلي بورستون
عدت للتو من الولايات المتحدة التي توجهت إليها تلبيةً لدعوة إلى إلقاء محاضرات وجهتها إليّ جمعية أمينو المعنية بالدفاع عن أفكار ليبرالية في سبيل إسرائيل تقدّمية. وبالرغم من الظروف الراهنة، إلا أن هذه الجمعية لا تزال تدعم السلام ودولة إسرائيل.
ومن بين غيرها من المواضيع، طُلب مني التطرّق إلى صورة الدولة اليهودية في وسائل الإعلام. أما السؤال المجرّد الذي طرح فعلياً فتمثل بـ: "لمَ يروق الصحافة كره إسرائيل إلى هذا الحد؟"
إن هذا السؤال لملحّ بقدر الظروف الراهنة التي ترجّع صداه ذلك أنه يذكّر بالحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة، والجدل المطروح حول العلاقات مع إيران السلاح النووي، والمؤتمر الدولي حول العنصرية (دوربان 2)، وحدة أفيغدور ليبرمان ضد العرب في خلال حملة الانتخابات التشريعية، وأخيراً وخاصة تصاريح الجنود الإسرائيليين (في صحيفتي "هآرتز" و"معاريف" والتلفزيون والإذاعة الإسرائيليين) بأن بعضهم قد أخفق في العدوان على غزة.
لمَ يروق الصحافة كره إسرائيل إلى هذا الحد؟
لنتوقف عند أول سؤال متفرّع عن هذا التساؤل.
هل من صحافيين يكرهون اليهود فعلاً ولا يتورّعون عن إظهار كرههم هذا في مقالاتهم؟
نعم. التقيت عدداً منهم وقد عملت مع بعضهم أحياناً. بطبيعة الحال، لا غرابة في أن يكون بعضهم يهوداً. فهل يكفي هذا الواقع لتفسير أو تبرير المعاملة السيئة التي تلقاها إسرائيل في الصحافة؟ كلا، بالطبع لا.
إذاً، كيف يمكن تفسير ذلك؟ تتوفر ستة أسباب.
1. ما تقوله إسرائيل وما تفعله.
أ. ما من تصاريح أكثر استفزازاً من تلك التي تدلي بها إسرائيل وتفيد فيها بأن قواتها المسلّحة هي "الأفضل سلوكاً في العالم". وكأن به جليات لا يدرك كيفية التصرّف في المجتمع ويحمل يافطة ترد عليها كلمة "اضربوني!". كيف يمكن المقاومة في هذه الحال؟
ب. إن كل من شارك في الحرب كمحارب، أو مراسل، أو مشاهد مدني، يدرك أن الحرب، مهما كانت، تؤدي إلى جرائم حرب. وفي عملية "الرصاص المصبوب" في غزة، لا بدّ من التحقق من توفّر أي ظروف مختلفة وما إذا كانت أسباب استثنائية ومتعمّدة وحتى سياسية وعسكرية قد أدت إلى استهداف مدنيين وأسفرت عن مأساة إنسانية هي أسوأ من الحرب نفسها.
بمعنى آخر، هل كانت هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب الأخرى؟ هل أثارت هذه الحرب موجة من المشاعر المعادية للإسرائيليين يمكن وصفها بغير المتناسبة مع الواقع؟
لا يمكننا الجزم في غياب أي تحليل مستقل ولكننا نستطيع الإجابة إيجاباً على هذين السؤالين.
ج. تتوفّر عدة أسباب تدفعنا إلى الظن أن بعض الوحدات استخدمت أسلحتها بكثافة، ومع بعض التراجع، بإفراط. ويبدو أن هذا الوضع قد فرض نفسه بسبب سوء تحديد المواقع التي أخذ مجاهدو حماس يشنون المعارك منها وسوء تحليل الوسائل المتاحة. ومع أن رجال حركة حماس قد قاتلوا القوات الإسرائيلية حتى الموت في السابق، إلا أنهم لم يباشروا بأي معركة ضدها هذه المرة.
لا بدّ من إجراء تحقيق نزيه ومعمّق للتحقق من فداحة وأسباب الأفعال التي أودت بحياة الأبرياء.
د. إن أصعب ما يمكن لمعارضي إسرائيل ومؤيّديها على حد سواء تقبّله يكمن في تحلّي القوات المسلّحة الإسرائيلية باستقلالية تامة دائماً، حتى آخر جندي منها.
لذا، رأينا جنوداً إسرائيليين يجازفون بحياتهم لإنقاذ الأبرياء فيما كان غيرهم مستعدين لقتلهم بلا مبرر.
2. ما تفعله إسرائيل وفقاً للفلسطينيين.
يوافق بعض الصحافيين على ما يقوله الفلسطينيون عن تصرّفات الجنود الإسرائيليين بلا تحفّظ أو تأكيد خارجي. وتعمد بعض قنوات التلفزة بتمويل من قطر إلى تغطية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ببث صور غير لائقة لأطفال مصابين أو مقتولين في خلال المعارك باستمرار حتى في المقابلات.
في الأرض المقدسة، يفترض بالصحافيين أن يدركوا، ولعل الشيء الوحيد الذي يفترض بهم أن يدركوه هو أن...
3. الكل يكذب على الصحافيين. الكل. باستمرار.
وكأننا نقول إن...
4. أخبار الشرق الأدنى، كغيرها من الأخبار، تصب في خانة التسويق.
نقوم جميعنا بالتسويق. نسعى جميعنا إلى بيع الروايات: الشهود، والضحايا، والقادة العسكريون، والمسؤولون في حركة حماس، والمتحدثون الإسرائيليون، والذين تعرّضوا للخيانة، والذين يرتدون ثياب الحداد، وفريق التصوير، والخبراء.
تقوم كل مؤسسة إعلامية بتقديم تقريرها بالطريقة التي تبدو لها أكثر إرباحاً فيما يزداد المشاهدون لامبالاة بالأخبار. إن كل إسرائيلي وكل فلسطيني يحقد على الآخر ويتذرّع بأفضل الأسباب لذلك.
5. لا تقدَّم إسرائيل دائماً بأفضل حال. قد يكون ذلك متعمّداً أحياناً. وقد تبدو أفعال إسرائيل عنيفة أحياناً أخرى لأنها كذلك بكل بساطة.
كتب الكثير عن المصطلح العبري الأكثر تمنّعاً على الترجمة: حسبارا، السبب.
يعلّق الجندي الإسرائيلي السابق جيفري غولدبرغ على التصاريح المنشورة في هآرتز الأسبوع الماضي بالقول: "لا تحب الصحافة العالمية إسرائيل كثيراً بالإجمال وغالباً ما تنحاز ضدها. ولكنه لسبب (حسبارا) وجيه، ينبغي البدء بمنع الجنود الإسرائيليين عن تدمير منازل الفلسطينيين وقتل الفلسطينيات".
بأي حال، لا تندرج العلاقات العامة في أي فئة أخلاقية بارزة. ويكمن السؤال الفعلي في معرفة كيفية تصرّف دولة متحضّرة حيال الهمجية السائدة. بالتسلّح بالهمجية أم باحترام حياة الأبرياء؟ إنني لأعبّر عن بالغ أسفي لاضطراري لقول ذلك ولكن اليهود لم يناضلوا طيلة حياتهم في سبيل المساواة الوطنية، والعدالة، والحرية، ليتصرّف بعض من أبنائهم كرجال أحرار.
إلا أنني لا أشبّه أخلاقيات الجيش الإسرائيلي بأخلاقيات حركة حماس أبداً. تكمن غاية حركة حماس في قتل الأبرياء فيما يسعى الجيش الإسرائيلي إلى تفادي اغتيالهم. وعندما يخفق هذا الجيش في بلوغ هدفه ويتسبب بالدمار والمعاناة، يتسربل بالخزي ويجلل الدولة اليهودية بالعار. وبهذا، يساهم في إعطاء الانطباع بأن القضية العادلة المتمثلة بقيام الدولة اليهودية هي قضية جائرة، ما يسلط سيف التهديد على ما يفترض به حمايته.
6. إن الإسرائيليين، أفراداً وجماعةً، فاشلون في العلاقات العامة: يكرهون هذا المفهوم ويحذرونه.
يتوفّر سبب وجيه لفشل الإسرائيليين في الترويج لقضيتهم.
لا يكمن هذا السبب فقط في المحاولة الصادقة والمغلوطة لتقويم سنوات من الأخطاء أو تحوّل الحرب بين اليهود والعرب المندلعة منذ أكثر من قرن إلى حجر عثرة يحول دون تقدير إنسانية الآخر.
وإنما أيضاً في كره الإسرائيليين لفكرة العلاقات العامة بحد ذاتها. فلطالما كانت دولتهم على هامش المجتمع الدولي. وأصبح الانفتاح المطلق لمجتمعهم عائقاً لهم نظراً إلى التفاوت الزمني والمكاني بين لغتهم واللغة الإنكليزية المتداولة على الشاشات. إنهم غارقون في ثقافة تزداد انعزالاً وتقوقعاً، ثقافة قلّما تملك الأسباب الكفيلة بمعالجتها بإنصاف. ولا شك في أن الإسرائيليين يتشاركون حقيقة يخفونها وتقوم جزئياً على عجز الآخرين عن فهم تصرّفاتهم. إنهم مقتنعون بأن قسماً كبيراً من العالم سيدينهم مهما فعلوا. وقد أثبتت التجارب أنهم لم يخطئوا في ذلك في معظم الأحيان.
منقول
إن العدوان الذي شنّته القوات الإسرائيلية على قطاع غزة في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير الماضيين تجسّد عدداً هائلاً من الضحايا وتبريراً سياسياً قبل الانتخابات، سجّل منعطفاً بارزاً في المعالجة الإعلامية للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وتحليل استراتيجية الدولة العبرية ونواياها.
يعتبر الصحافي الإسرائيلي العامل في جريدة هآرتز برادلي بورستون أن "الظروف الراهنة (...) ترجّع صدى التساؤلات المطروحة حول تمثيل إسرائيل في المؤسسات الإعلامية الدولية".
فإذا به يتساءل: "لمَ يروق الصحافة الدولية كره إسرائيل إلى هذا الحد؟" ويبدو أن التعتيم الإعلامي الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية على مختلف المؤسسات الإعلامية العالمية هو الرد الأول على السؤال الذي يطرحه برادلي بورستون. ولكنه قد نسي (لعله عمداً؟) أن يذكره. إن مركز الدوحة لحرية الإعلام ينقل رأي برادلي بورستون ويطلق النقاش موسّعاً إطار السؤال المطروح: لمَ تعطي الصحافة العالمية نفسها، في سياق جغرافي سياسي وإعلامي خاضع للعولمة، حق الكره في حين أن واجبها يملي عليها الإفهام أولاً؟
ـ ـ ـ
لمَ يروق الصحافة الدولية كره إسرائيل إلى هذا الحد؟
بقلم برادلي بورستون
عدت للتو من الولايات المتحدة التي توجهت إليها تلبيةً لدعوة إلى إلقاء محاضرات وجهتها إليّ جمعية أمينو المعنية بالدفاع عن أفكار ليبرالية في سبيل إسرائيل تقدّمية. وبالرغم من الظروف الراهنة، إلا أن هذه الجمعية لا تزال تدعم السلام ودولة إسرائيل.
ومن بين غيرها من المواضيع، طُلب مني التطرّق إلى صورة الدولة اليهودية في وسائل الإعلام. أما السؤال المجرّد الذي طرح فعلياً فتمثل بـ: "لمَ يروق الصحافة كره إسرائيل إلى هذا الحد؟"
إن هذا السؤال لملحّ بقدر الظروف الراهنة التي ترجّع صداه ذلك أنه يذكّر بالحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة، والجدل المطروح حول العلاقات مع إيران السلاح النووي، والمؤتمر الدولي حول العنصرية (دوربان 2)، وحدة أفيغدور ليبرمان ضد العرب في خلال حملة الانتخابات التشريعية، وأخيراً وخاصة تصاريح الجنود الإسرائيليين (في صحيفتي "هآرتز" و"معاريف" والتلفزيون والإذاعة الإسرائيليين) بأن بعضهم قد أخفق في العدوان على غزة.
لمَ يروق الصحافة كره إسرائيل إلى هذا الحد؟
لنتوقف عند أول سؤال متفرّع عن هذا التساؤل.
هل من صحافيين يكرهون اليهود فعلاً ولا يتورّعون عن إظهار كرههم هذا في مقالاتهم؟
نعم. التقيت عدداً منهم وقد عملت مع بعضهم أحياناً. بطبيعة الحال، لا غرابة في أن يكون بعضهم يهوداً. فهل يكفي هذا الواقع لتفسير أو تبرير المعاملة السيئة التي تلقاها إسرائيل في الصحافة؟ كلا، بالطبع لا.
إذاً، كيف يمكن تفسير ذلك؟ تتوفر ستة أسباب.
1. ما تقوله إسرائيل وما تفعله.
أ. ما من تصاريح أكثر استفزازاً من تلك التي تدلي بها إسرائيل وتفيد فيها بأن قواتها المسلّحة هي "الأفضل سلوكاً في العالم". وكأن به جليات لا يدرك كيفية التصرّف في المجتمع ويحمل يافطة ترد عليها كلمة "اضربوني!". كيف يمكن المقاومة في هذه الحال؟
ب. إن كل من شارك في الحرب كمحارب، أو مراسل، أو مشاهد مدني، يدرك أن الحرب، مهما كانت، تؤدي إلى جرائم حرب. وفي عملية "الرصاص المصبوب" في غزة، لا بدّ من التحقق من توفّر أي ظروف مختلفة وما إذا كانت أسباب استثنائية ومتعمّدة وحتى سياسية وعسكرية قد أدت إلى استهداف مدنيين وأسفرت عن مأساة إنسانية هي أسوأ من الحرب نفسها.
بمعنى آخر، هل كانت هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب الأخرى؟ هل أثارت هذه الحرب موجة من المشاعر المعادية للإسرائيليين يمكن وصفها بغير المتناسبة مع الواقع؟
لا يمكننا الجزم في غياب أي تحليل مستقل ولكننا نستطيع الإجابة إيجاباً على هذين السؤالين.
ج. تتوفّر عدة أسباب تدفعنا إلى الظن أن بعض الوحدات استخدمت أسلحتها بكثافة، ومع بعض التراجع، بإفراط. ويبدو أن هذا الوضع قد فرض نفسه بسبب سوء تحديد المواقع التي أخذ مجاهدو حماس يشنون المعارك منها وسوء تحليل الوسائل المتاحة. ومع أن رجال حركة حماس قد قاتلوا القوات الإسرائيلية حتى الموت في السابق، إلا أنهم لم يباشروا بأي معركة ضدها هذه المرة.
لا بدّ من إجراء تحقيق نزيه ومعمّق للتحقق من فداحة وأسباب الأفعال التي أودت بحياة الأبرياء.
د. إن أصعب ما يمكن لمعارضي إسرائيل ومؤيّديها على حد سواء تقبّله يكمن في تحلّي القوات المسلّحة الإسرائيلية باستقلالية تامة دائماً، حتى آخر جندي منها.
لذا، رأينا جنوداً إسرائيليين يجازفون بحياتهم لإنقاذ الأبرياء فيما كان غيرهم مستعدين لقتلهم بلا مبرر.
2. ما تفعله إسرائيل وفقاً للفلسطينيين.
يوافق بعض الصحافيين على ما يقوله الفلسطينيون عن تصرّفات الجنود الإسرائيليين بلا تحفّظ أو تأكيد خارجي. وتعمد بعض قنوات التلفزة بتمويل من قطر إلى تغطية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ببث صور غير لائقة لأطفال مصابين أو مقتولين في خلال المعارك باستمرار حتى في المقابلات.
في الأرض المقدسة، يفترض بالصحافيين أن يدركوا، ولعل الشيء الوحيد الذي يفترض بهم أن يدركوه هو أن...
3. الكل يكذب على الصحافيين. الكل. باستمرار.
وكأننا نقول إن...
4. أخبار الشرق الأدنى، كغيرها من الأخبار، تصب في خانة التسويق.
نقوم جميعنا بالتسويق. نسعى جميعنا إلى بيع الروايات: الشهود، والضحايا، والقادة العسكريون، والمسؤولون في حركة حماس، والمتحدثون الإسرائيليون، والذين تعرّضوا للخيانة، والذين يرتدون ثياب الحداد، وفريق التصوير، والخبراء.
تقوم كل مؤسسة إعلامية بتقديم تقريرها بالطريقة التي تبدو لها أكثر إرباحاً فيما يزداد المشاهدون لامبالاة بالأخبار. إن كل إسرائيلي وكل فلسطيني يحقد على الآخر ويتذرّع بأفضل الأسباب لذلك.
5. لا تقدَّم إسرائيل دائماً بأفضل حال. قد يكون ذلك متعمّداً أحياناً. وقد تبدو أفعال إسرائيل عنيفة أحياناً أخرى لأنها كذلك بكل بساطة.
كتب الكثير عن المصطلح العبري الأكثر تمنّعاً على الترجمة: حسبارا، السبب.
يعلّق الجندي الإسرائيلي السابق جيفري غولدبرغ على التصاريح المنشورة في هآرتز الأسبوع الماضي بالقول: "لا تحب الصحافة العالمية إسرائيل كثيراً بالإجمال وغالباً ما تنحاز ضدها. ولكنه لسبب (حسبارا) وجيه، ينبغي البدء بمنع الجنود الإسرائيليين عن تدمير منازل الفلسطينيين وقتل الفلسطينيات".
بأي حال، لا تندرج العلاقات العامة في أي فئة أخلاقية بارزة. ويكمن السؤال الفعلي في معرفة كيفية تصرّف دولة متحضّرة حيال الهمجية السائدة. بالتسلّح بالهمجية أم باحترام حياة الأبرياء؟ إنني لأعبّر عن بالغ أسفي لاضطراري لقول ذلك ولكن اليهود لم يناضلوا طيلة حياتهم في سبيل المساواة الوطنية، والعدالة، والحرية، ليتصرّف بعض من أبنائهم كرجال أحرار.
إلا أنني لا أشبّه أخلاقيات الجيش الإسرائيلي بأخلاقيات حركة حماس أبداً. تكمن غاية حركة حماس في قتل الأبرياء فيما يسعى الجيش الإسرائيلي إلى تفادي اغتيالهم. وعندما يخفق هذا الجيش في بلوغ هدفه ويتسبب بالدمار والمعاناة، يتسربل بالخزي ويجلل الدولة اليهودية بالعار. وبهذا، يساهم في إعطاء الانطباع بأن القضية العادلة المتمثلة بقيام الدولة اليهودية هي قضية جائرة، ما يسلط سيف التهديد على ما يفترض به حمايته.
6. إن الإسرائيليين، أفراداً وجماعةً، فاشلون في العلاقات العامة: يكرهون هذا المفهوم ويحذرونه.
يتوفّر سبب وجيه لفشل الإسرائيليين في الترويج لقضيتهم.
لا يكمن هذا السبب فقط في المحاولة الصادقة والمغلوطة لتقويم سنوات من الأخطاء أو تحوّل الحرب بين اليهود والعرب المندلعة منذ أكثر من قرن إلى حجر عثرة يحول دون تقدير إنسانية الآخر.
وإنما أيضاً في كره الإسرائيليين لفكرة العلاقات العامة بحد ذاتها. فلطالما كانت دولتهم على هامش المجتمع الدولي. وأصبح الانفتاح المطلق لمجتمعهم عائقاً لهم نظراً إلى التفاوت الزمني والمكاني بين لغتهم واللغة الإنكليزية المتداولة على الشاشات. إنهم غارقون في ثقافة تزداد انعزالاً وتقوقعاً، ثقافة قلّما تملك الأسباب الكفيلة بمعالجتها بإنصاف. ولا شك في أن الإسرائيليين يتشاركون حقيقة يخفونها وتقوم جزئياً على عجز الآخرين عن فهم تصرّفاتهم. إنهم مقتنعون بأن قسماً كبيراً من العالم سيدينهم مهما فعلوا. وقد أثبتت التجارب أنهم لم يخطئوا في ذلك في معظم الأحيان.
منقول