The Edge
08-01-2006, 01:28 AM
كسوة الكعبة.. تاريخ الفن والإيمان
http://www.islamonline.net/arabic/arts/2006/01/images/pic02.jpg
صورة نادرة للكعبة بدون كسوة
التعلق بأستار الكعبة من الأمور ذات الدلالة الهامة في موروث التدين الشعبي للمسلمين، فعند غالبية المسلمين يرتبط الدعاء متعلقا بأستار الكعبة عادة بدرجة عالية من الإلحاح في الدعاء، ومن تتاح له الفرصة لزيارة بيت الله الحرام، وتواتيه القوة للوصول إلى الكعبة المشرفة سيجد أن هذا الموروث ما زال متصلا، بل ربما شاهد بعضا من آثار التعلق بأستار الكعبة.
وكما كان عامة المسلمين دوما يحلمون بنيل شرف التعلق أو حتى التمسح بأستار الكعبة، فإن حكام المسلمين على مر العصور ظل يداعب خيالهم الحصول على شرف القيام بإعمار بيت الله الحرام وكسوة الكعبة المشرفة، ومن هنا احتلت كسوة الكعبة المشرفة مكانا خاصا في الوعي المسلم على المستوى الرسمي أو الشعبي، ويتناول هذا الملف تاريخ كسوة الكعبة المشرفة.
كسوة الكعبة قبل الإسلام
http://www.islamonline.net/arabic/arts/2006/01/images/pic02a.jpg
عمل بمهارة وفرح
اختلف المؤرخون في أول من قام بكسوة الكعبة المشرفة؛ فقيل إن أول من كسا الكعبة هو نبي الله "إسماعيل" عليه السلام، وقيل إن أول من كساها هو "عدنان بن أد"، بعدما خاف أن ُيدرس الحرم فوضع أنصابه، فكان أول من وضعها وأول من كسا الكعبة، وأشار "البلاذري" أن "عدنان" هذا هو حفيد نبي الله إسماعيل -عليه السلام- ويليه بخمسة أجيال كاملة.
غير أن الثابت تاريخيا أن أول مَن كساها هو "تبع أبي كرب أسعد" ملك حمير سنة 220 قبل الهجرة بعد عودته لغزوة يثرب؛ فروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن سب تُبَّع ملك حمير بقوله: "لا تسبوا تبعا، فإنه كان قد أسلم"، رواه أحمد في مسنده عن سهل بن سعد.
وكان تُبّع هو أول مَن كسا الكعبة كسوة كاملة – كساها "الخصف"، وتدرج في كسوتها حتى كساها "المعافير" وهي كسوة يمنية، كما كساها "الملاء" وهي كسوة لينة رقيقة، وعمل لها بابا ومفتاحا، ولم يكن يغلق الباب قبل ذلك، ثم تبعه خلفاؤه من بعده فكانوا يكسونها.
وكانت قريش ترافد في كسوة الكعبة، وذلك بأن يقدروا بعضا من المال على القبائل بقدر احتمالها، في عهد "قصي بن كلاب" حتى جاء "أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي"، وكان من الأثرياء فقال لقريش: "أنا أكسو الكعبة وحدي سنة، وجميع قريش سنة"، وظل يكسو الكعبة، إلى أن مات، فكانت قريش تلقبه بـ"العدل" وذلك لأنه كان يعدل قريشا وحده في كسوة الكعبة.
أما أول امرأة كست الكعبة في الجاهلية فهي "نبيلة بنت حباب" أم العباس بن عبد المطلب، وكانت قد نذرت ذلك.
ومن المعلوم أن الكعبة قبل الإسلام كانت تُكسى في يوم عاشوراء، ثم صارت تُكسى في يوم النحر، وصاروا يعمدون إليها في ذي القعدة فيعلقون كسوتها إلى نحو نصفها، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم، فإذا حل الناس يوم النحر كسوها الكسوة الجديدة.
الكسوة في العصر الإسلامي
لبست الكعبة أول كسوة إسلامية في العام التاسع الهجري بعد أن فتح المسلمون مكة، وكسا النبي -صلى الله عليه وسلم - الكعبة مرة واحدة في حجة الوداع كساها الثياب اليمانية، كما أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتحمل بيت مال المسلمين نفقتها.
وعلى خطى النبي -صلى الله عليه وسلم- صار الخلفاء الراشدون في تقليد كساء الكعبة مرة كل عام حيث كسيت بالقباطي في عهد أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان –رضي الله عنهم-، و"القباطي المصرية" هي أثواب بيضاء رقيقة كانت تُصنَع في مصر، غير أنها لم تكس في عهد علي بن أبي طالب.
وكان "عثمان" أول من ظاهر كسوتين القباطي والبرود، وكان عمر بن الخطاب يكسوها من بيت المال، وينزع ثياب الكعبة في كل سنة فيقسمها على الحجيج.
ولقـد حظيت مصـر بشرف صناعة كسوة الكعبة منذ أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطـاب -رضي الله عنه- حيث كتب إلى عامله في مصر لكي تحاك الكسوة بالقماش المصري المعروف باسم "القباطي" الذي كان يصنع في مدينة الفيوم.
وقد اهتم الخلفاء الأمويون بكسوة الكعبة المشرفة اهتماما بالغا، فكسا "معاويـة بن أبي سفيان" -رضي الله عنه- الكعبة كسوتين في العام، كسوة الديباج تعلق يوم عاشوراء، وكسوة القباطي في آخر شهر رمضان ابتهاجا واستعدادا لعيد الفطر، ومعاوية هو أول من طيب الكعبة وأجرى لها الطيب لكل صلاة فكان يبعث بالطيب في موسم الحج وفي رجب، وخصص لها عبيدا بعث بهم إليها ليخدموها، ثم اتبع ذلك الولاة من بعده.
وعندما انتهى "عبد الله بن الزبير" -رضي الله عنه- من بناء الكعبة المشرفة عام (64هـ) كساها بالقباطي والديباج الخسرواني، وكان يبعث إلى أخيه مصعب بن الزبير ليبعث بالكسوة كل سنة فكان يكسوها يوم عاشوراء"، كما كان يطيب الكعبة الشريفة في كل يوم برطل من الطيب ويوم الجمعة برطلين، ويقال أيضا إنه أول من طيب جوف الكعبة.
كذلك كساها بالديباج (الحرير) "الحجاج بن يوسف الثقفي" بأمر الخليفة "عبد الملك بن مروان" طوال حكمه، فكان عبد الملك بن مروان يبعث بالكسوة من الشام، فيمر بها على المدينة المنورة؛ فتنشر يوما في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم تطوى ويبعث بها إلى مكة.
وفي عام (91هـ) قدم الخليفة الوليد بن عبد الملك إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وأحضر معه كسوة للكعبة مصنوعة من الديباج، وتكرر نفس الشيء منْ هشام بن عبد الملك، الذي يقال إنه أول من دعي له على الكعبة، وكذلك فعل سائر خلفاء بني أمية.
العباسيون.. والكسوة
http://www.islamonline.net/arabic/arts/2006/01/images/pic02b.jpg
عدد من المسئولين السعوديين يحملون قطعة من كسوة الكعبة
لم يهتم خلفاء الدولة العباسية في بداية عهد التأسيس بكسوة الكعبة المشرفة؛ نظرا لكثرة القلاقل والاضطرابات داخل الدولة، وعندما تولى "المهدي" الخلافة قام بكساء الكعبة المشرفة كسوة جديدة، بعد أن قام بتجريدها مما اجتمع عليها من كسوة.
وقد بلغ اهتمام خلفاء بني العباس بكسوة الكعبة شأنا كبيرا، فكانت تصنع من أجود أنواع الحرير، وكانت تكسى في بعض السنوات ثلاث مرات في السنة، كما أن الخلفاء من بني العباس كانوا يصنعون كسوة الكعبة من الديباج الأحمر والقماش الأبيض القباطي، والديباج الأبيض والحرير الفاخر وخاصة في أيام قوة الدولة العباسية وقوة خلفائها.
وقد أمر الخليفة "المأمون" أن تكسى الكعبة ثلاث مرات كل سنة، فتكسى الديباج الأحمر يوم التروية، وتكسى القباطي أول رجب، وتكسى الديباج الأبيض في عيد الفطر.
وظل العباسيون يهتمون بأمر كسوة الكعبة حتى إذا ضعف أمرهم صارت ترسل الكسوة تارة من بعض ملوك الهند، وفارس، واليمن، وأخرى من مصر حتى اختصت مصر بكسوة الكعبة.
ومع انتهاء دولة بني العباس سنة 656هـ انتهى تقريبا دورها الحضاري في كسوة الكعبة المشرفة، وبدأت دول أخرى تنافسها هذا الشرف العظيم، من المشرق ومن المغرب، وخاصة مصر التي أخذت قوتها تبزغ وتنفصل عن التبعية للدولة العباسية، ويصبح لها الكيان المستقبل المنفرد، وكانت آخر كسوة عباسية للخليفة الناصر، وتحدد لونها في اللون الأسود، واستمر ذلك من بعده إلى أن انتهت الدولة العباسية.
مصر.. وكسوة الكعبة
شهد عصر الدولة الفاطمية بداية التحول نحو بروز دور مصر في كسوة الكعبة وهو الدور الذي استمر حتى القرن الرابع عشر الهجري بصور متعددة، فمنذ العصر الفاطمي حرص حكام مصر على إرسال كسوة الكعبة في كل عام.
وتميزت الكسوات الفاطمية بطابعها الغريب، فخليفتهم الثاني العزيز بالله كسا الكعبة في عام 381هـ بكسوة بيضاء اللون، أما كسوة الحاكم بأمر الله فقد ذكر بن إياس" ضمن حوادث سنة 387هـ أن جماعة من العربان وثبوا على كسوة الكعبة وانتهبوها جميعا، فكسيت الكعبة في تلك السنة بنوع من القماش يُسمى الشنفاص الأبيض.
ومع بداية الدولة المملوكية اختصت مصر بإرسال كسوة الكعبة، فأرسلها السلطان الظاهر بيبرس في القرن السابع الهجري حيث كانت أول كسوة مصرية للكعبة سنة (661هـ=1262م) وظلت تكسى من مصر طوال العصر المملوكي باستثناء سنوات قليلة، حيث تشبث المماليك بما اعتبروه حقهم في كسوة الكعبة رافضين أن ينال أحد غيرهم هذا الشرف، حتى وإن اقتضى ذلك التصدي لأي طامع في نيل شرف كسوة الكعبة بالسلاح.
وتعددت محاولات بعض ملوك وأمراء الأقاليم الإسلامية الأخرى في القيام بكسوة الكعبة، مستعينين في ذلك بالقوة تارة وبالحيلة تارة أخرى، إلا أن كل ذلك لم يجد نفعا مع المصريين.
ففي عام 751هـ أراد ملك اليمن "المجاهد" أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ويكسوها كسوة من عنده باسمه، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسل مصفدا في الأغلال إلى القاهرة، وبعد مرور نحو نصف قرن على هذه الحادثة، تجددت محاولات اليمنيين مرة أخرى لكسوة الكعبة، إلا أن مصير تطلعات اليمنيين لكسوة الكعبة لم تكن أحسن حالا من مصير المحاولة السابقة، حيث منع أمير الحج المصري دخول حجاج اليمن ومعهم الكسوة اليمنية التي جهزها صاحب اليمن "إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد" وعادت الكسوة اليمنية إلى جبال اليمن، وماتت تطلعات اليمنيين في كسوة الكعبة.
ولم يكن اليمنيون وحدهم من سعوا إلى منافسة المصريين شرف كسوة الكعبة، بل حدث نفس الأمر من العراقيين والفرس أيضا إلا أن هذه المحاولات كان مصيرها الفشل أمام تمسك سلاطين المماليك بشرف كسوة الكعبة الذي كان في حقيقته يحمل أهدافا سياسية؛ حيث إن كسوة الكعبة دليل على القوة والنفوذ في العالم الإسلامي.
وقد انعكس حرص السلاطين المماليك ورعايتهم للكسوة الشريفة، في الوقفيات التي خصصت للكسوة؛ ففي عام 751هـ أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر وقفا خاصا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وكان هذا الوقف عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما بيسوس وأبو الغيث، وكان المتحصل منهما سنويا 8900 درهم، وبذلك تم تأسيس نظام الوقف على الكسوة وغيرها؛ ما أعطى لها الاستمرار والاستقرار، وظل هذا هو النظام القائم إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني.
http://www.islamonline.net/arabic/arts/2006/01/images/pic02.jpg
صورة نادرة للكعبة بدون كسوة
التعلق بأستار الكعبة من الأمور ذات الدلالة الهامة في موروث التدين الشعبي للمسلمين، فعند غالبية المسلمين يرتبط الدعاء متعلقا بأستار الكعبة عادة بدرجة عالية من الإلحاح في الدعاء، ومن تتاح له الفرصة لزيارة بيت الله الحرام، وتواتيه القوة للوصول إلى الكعبة المشرفة سيجد أن هذا الموروث ما زال متصلا، بل ربما شاهد بعضا من آثار التعلق بأستار الكعبة.
وكما كان عامة المسلمين دوما يحلمون بنيل شرف التعلق أو حتى التمسح بأستار الكعبة، فإن حكام المسلمين على مر العصور ظل يداعب خيالهم الحصول على شرف القيام بإعمار بيت الله الحرام وكسوة الكعبة المشرفة، ومن هنا احتلت كسوة الكعبة المشرفة مكانا خاصا في الوعي المسلم على المستوى الرسمي أو الشعبي، ويتناول هذا الملف تاريخ كسوة الكعبة المشرفة.
كسوة الكعبة قبل الإسلام
http://www.islamonline.net/arabic/arts/2006/01/images/pic02a.jpg
عمل بمهارة وفرح
اختلف المؤرخون في أول من قام بكسوة الكعبة المشرفة؛ فقيل إن أول من كسا الكعبة هو نبي الله "إسماعيل" عليه السلام، وقيل إن أول من كساها هو "عدنان بن أد"، بعدما خاف أن ُيدرس الحرم فوضع أنصابه، فكان أول من وضعها وأول من كسا الكعبة، وأشار "البلاذري" أن "عدنان" هذا هو حفيد نبي الله إسماعيل -عليه السلام- ويليه بخمسة أجيال كاملة.
غير أن الثابت تاريخيا أن أول مَن كساها هو "تبع أبي كرب أسعد" ملك حمير سنة 220 قبل الهجرة بعد عودته لغزوة يثرب؛ فروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن سب تُبَّع ملك حمير بقوله: "لا تسبوا تبعا، فإنه كان قد أسلم"، رواه أحمد في مسنده عن سهل بن سعد.
وكان تُبّع هو أول مَن كسا الكعبة كسوة كاملة – كساها "الخصف"، وتدرج في كسوتها حتى كساها "المعافير" وهي كسوة يمنية، كما كساها "الملاء" وهي كسوة لينة رقيقة، وعمل لها بابا ومفتاحا، ولم يكن يغلق الباب قبل ذلك، ثم تبعه خلفاؤه من بعده فكانوا يكسونها.
وكانت قريش ترافد في كسوة الكعبة، وذلك بأن يقدروا بعضا من المال على القبائل بقدر احتمالها، في عهد "قصي بن كلاب" حتى جاء "أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي"، وكان من الأثرياء فقال لقريش: "أنا أكسو الكعبة وحدي سنة، وجميع قريش سنة"، وظل يكسو الكعبة، إلى أن مات، فكانت قريش تلقبه بـ"العدل" وذلك لأنه كان يعدل قريشا وحده في كسوة الكعبة.
أما أول امرأة كست الكعبة في الجاهلية فهي "نبيلة بنت حباب" أم العباس بن عبد المطلب، وكانت قد نذرت ذلك.
ومن المعلوم أن الكعبة قبل الإسلام كانت تُكسى في يوم عاشوراء، ثم صارت تُكسى في يوم النحر، وصاروا يعمدون إليها في ذي القعدة فيعلقون كسوتها إلى نحو نصفها، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم، فإذا حل الناس يوم النحر كسوها الكسوة الجديدة.
الكسوة في العصر الإسلامي
لبست الكعبة أول كسوة إسلامية في العام التاسع الهجري بعد أن فتح المسلمون مكة، وكسا النبي -صلى الله عليه وسلم - الكعبة مرة واحدة في حجة الوداع كساها الثياب اليمانية، كما أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتحمل بيت مال المسلمين نفقتها.
وعلى خطى النبي -صلى الله عليه وسلم- صار الخلفاء الراشدون في تقليد كساء الكعبة مرة كل عام حيث كسيت بالقباطي في عهد أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان –رضي الله عنهم-، و"القباطي المصرية" هي أثواب بيضاء رقيقة كانت تُصنَع في مصر، غير أنها لم تكس في عهد علي بن أبي طالب.
وكان "عثمان" أول من ظاهر كسوتين القباطي والبرود، وكان عمر بن الخطاب يكسوها من بيت المال، وينزع ثياب الكعبة في كل سنة فيقسمها على الحجيج.
ولقـد حظيت مصـر بشرف صناعة كسوة الكعبة منذ أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطـاب -رضي الله عنه- حيث كتب إلى عامله في مصر لكي تحاك الكسوة بالقماش المصري المعروف باسم "القباطي" الذي كان يصنع في مدينة الفيوم.
وقد اهتم الخلفاء الأمويون بكسوة الكعبة المشرفة اهتماما بالغا، فكسا "معاويـة بن أبي سفيان" -رضي الله عنه- الكعبة كسوتين في العام، كسوة الديباج تعلق يوم عاشوراء، وكسوة القباطي في آخر شهر رمضان ابتهاجا واستعدادا لعيد الفطر، ومعاوية هو أول من طيب الكعبة وأجرى لها الطيب لكل صلاة فكان يبعث بالطيب في موسم الحج وفي رجب، وخصص لها عبيدا بعث بهم إليها ليخدموها، ثم اتبع ذلك الولاة من بعده.
وعندما انتهى "عبد الله بن الزبير" -رضي الله عنه- من بناء الكعبة المشرفة عام (64هـ) كساها بالقباطي والديباج الخسرواني، وكان يبعث إلى أخيه مصعب بن الزبير ليبعث بالكسوة كل سنة فكان يكسوها يوم عاشوراء"، كما كان يطيب الكعبة الشريفة في كل يوم برطل من الطيب ويوم الجمعة برطلين، ويقال أيضا إنه أول من طيب جوف الكعبة.
كذلك كساها بالديباج (الحرير) "الحجاج بن يوسف الثقفي" بأمر الخليفة "عبد الملك بن مروان" طوال حكمه، فكان عبد الملك بن مروان يبعث بالكسوة من الشام، فيمر بها على المدينة المنورة؛ فتنشر يوما في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم تطوى ويبعث بها إلى مكة.
وفي عام (91هـ) قدم الخليفة الوليد بن عبد الملك إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وأحضر معه كسوة للكعبة مصنوعة من الديباج، وتكرر نفس الشيء منْ هشام بن عبد الملك، الذي يقال إنه أول من دعي له على الكعبة، وكذلك فعل سائر خلفاء بني أمية.
العباسيون.. والكسوة
http://www.islamonline.net/arabic/arts/2006/01/images/pic02b.jpg
عدد من المسئولين السعوديين يحملون قطعة من كسوة الكعبة
لم يهتم خلفاء الدولة العباسية في بداية عهد التأسيس بكسوة الكعبة المشرفة؛ نظرا لكثرة القلاقل والاضطرابات داخل الدولة، وعندما تولى "المهدي" الخلافة قام بكساء الكعبة المشرفة كسوة جديدة، بعد أن قام بتجريدها مما اجتمع عليها من كسوة.
وقد بلغ اهتمام خلفاء بني العباس بكسوة الكعبة شأنا كبيرا، فكانت تصنع من أجود أنواع الحرير، وكانت تكسى في بعض السنوات ثلاث مرات في السنة، كما أن الخلفاء من بني العباس كانوا يصنعون كسوة الكعبة من الديباج الأحمر والقماش الأبيض القباطي، والديباج الأبيض والحرير الفاخر وخاصة في أيام قوة الدولة العباسية وقوة خلفائها.
وقد أمر الخليفة "المأمون" أن تكسى الكعبة ثلاث مرات كل سنة، فتكسى الديباج الأحمر يوم التروية، وتكسى القباطي أول رجب، وتكسى الديباج الأبيض في عيد الفطر.
وظل العباسيون يهتمون بأمر كسوة الكعبة حتى إذا ضعف أمرهم صارت ترسل الكسوة تارة من بعض ملوك الهند، وفارس، واليمن، وأخرى من مصر حتى اختصت مصر بكسوة الكعبة.
ومع انتهاء دولة بني العباس سنة 656هـ انتهى تقريبا دورها الحضاري في كسوة الكعبة المشرفة، وبدأت دول أخرى تنافسها هذا الشرف العظيم، من المشرق ومن المغرب، وخاصة مصر التي أخذت قوتها تبزغ وتنفصل عن التبعية للدولة العباسية، ويصبح لها الكيان المستقبل المنفرد، وكانت آخر كسوة عباسية للخليفة الناصر، وتحدد لونها في اللون الأسود، واستمر ذلك من بعده إلى أن انتهت الدولة العباسية.
مصر.. وكسوة الكعبة
شهد عصر الدولة الفاطمية بداية التحول نحو بروز دور مصر في كسوة الكعبة وهو الدور الذي استمر حتى القرن الرابع عشر الهجري بصور متعددة، فمنذ العصر الفاطمي حرص حكام مصر على إرسال كسوة الكعبة في كل عام.
وتميزت الكسوات الفاطمية بطابعها الغريب، فخليفتهم الثاني العزيز بالله كسا الكعبة في عام 381هـ بكسوة بيضاء اللون، أما كسوة الحاكم بأمر الله فقد ذكر بن إياس" ضمن حوادث سنة 387هـ أن جماعة من العربان وثبوا على كسوة الكعبة وانتهبوها جميعا، فكسيت الكعبة في تلك السنة بنوع من القماش يُسمى الشنفاص الأبيض.
ومع بداية الدولة المملوكية اختصت مصر بإرسال كسوة الكعبة، فأرسلها السلطان الظاهر بيبرس في القرن السابع الهجري حيث كانت أول كسوة مصرية للكعبة سنة (661هـ=1262م) وظلت تكسى من مصر طوال العصر المملوكي باستثناء سنوات قليلة، حيث تشبث المماليك بما اعتبروه حقهم في كسوة الكعبة رافضين أن ينال أحد غيرهم هذا الشرف، حتى وإن اقتضى ذلك التصدي لأي طامع في نيل شرف كسوة الكعبة بالسلاح.
وتعددت محاولات بعض ملوك وأمراء الأقاليم الإسلامية الأخرى في القيام بكسوة الكعبة، مستعينين في ذلك بالقوة تارة وبالحيلة تارة أخرى، إلا أن كل ذلك لم يجد نفعا مع المصريين.
ففي عام 751هـ أراد ملك اليمن "المجاهد" أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ويكسوها كسوة من عنده باسمه، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسل مصفدا في الأغلال إلى القاهرة، وبعد مرور نحو نصف قرن على هذه الحادثة، تجددت محاولات اليمنيين مرة أخرى لكسوة الكعبة، إلا أن مصير تطلعات اليمنيين لكسوة الكعبة لم تكن أحسن حالا من مصير المحاولة السابقة، حيث منع أمير الحج المصري دخول حجاج اليمن ومعهم الكسوة اليمنية التي جهزها صاحب اليمن "إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد" وعادت الكسوة اليمنية إلى جبال اليمن، وماتت تطلعات اليمنيين في كسوة الكعبة.
ولم يكن اليمنيون وحدهم من سعوا إلى منافسة المصريين شرف كسوة الكعبة، بل حدث نفس الأمر من العراقيين والفرس أيضا إلا أن هذه المحاولات كان مصيرها الفشل أمام تمسك سلاطين المماليك بشرف كسوة الكعبة الذي كان في حقيقته يحمل أهدافا سياسية؛ حيث إن كسوة الكعبة دليل على القوة والنفوذ في العالم الإسلامي.
وقد انعكس حرص السلاطين المماليك ورعايتهم للكسوة الشريفة، في الوقفيات التي خصصت للكسوة؛ ففي عام 751هـ أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر وقفا خاصا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وكان هذا الوقف عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما بيسوس وأبو الغيث، وكان المتحصل منهما سنويا 8900 درهم، وبذلك تم تأسيس نظام الوقف على الكسوة وغيرها؛ ما أعطى لها الاستمرار والاستقرار، وظل هذا هو النظام القائم إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني.