سوق واقف
17-05-2009, 07:22 PM
مخلوق عجيب من مخلوقات الله و آية من آياته البديعة وصدق الله : {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِه } لقمان11
خلق الله هو الغاية في الحسن و الغاية في الإعجاز و الغاية في الإبداع و صدق الله : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7 يقول سيد رحمه الله : [ اللهم إن هذا هو الحق الذي تراه الفطرة وتراه العين ويراه القلب ويراه العقل . الحق المتمثل في أشكال الأشياء , ووظائفها . وفي طبيعتها منفردة وفي تناسقها مجتمعة . وفي هيئاتها وأحوالها ونشاطها وحركاتها . وفي كل ما يتعلق بوصف الحسن والإحسان من قريب أو من بعيد .
سبحانه ! هذه صنعته في كل شيء . هذا كل شيء خلقه يتجلى فيه الإحسان والإتقان ; فلا تجاوز ولا قصور , ولا زيادة عن حد الإحسان ولا نقص , ولا إفراط ولا تفريط , في حجم أو شكل أو صنعة أو وظيفة . كل شيء مقدر لا يزيد عن حد التناسق الجميل الدقيق ولا ينقص ].
لله في الأفاق آيــات *** لعل أقلها هو ما إليه هداك
و الكون مشحون بأسرار *** إذا حاولت تفسيراً لها أعياك
و لعل ما في الكون من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك
المخلوق الذي أتحدث عنه عجيب في شدة صلابته وقسوته إلا أنه يتصدع من خشية الله فقد تكون قلوب بني آدم أحياناً أشد منه قسوة , لعلكم قد عرفتم هذا المخلوق العجيب إنه الحجر .
الحجر والحجارة خلق من خلق ذكره الله في غير موضع من القرآن و تكرر ذكره في السنة النبوية ومنه تكون الجبال التي أكثر الله من ذكرها على أنها آية عظيمة تبهر العقول و الألباب و تدل على عظمة خالقها و بديع صنعه ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (الغاشية: 17 ـ 19) فهي أوتاد الأرض حتى لا تميد بمن عليها فتعالوا معنا نتعرف على بعض صفات هذا المخلوق و نأخذ منه الدرس و العبرة :
أولاً : المخلوق العجيب يخشى الله عز وجل:
المخلوق العجيب رغم صلابة إلا أنه يتشقق و يتصدّع من خشية الله عز وجل قال تعالى :( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74) وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن الحجر ليقع على الأرض ولو اجتمع عليه فئام من الناس ما استطاعوه وأنه ليهبط من خشية الله
قال مجاهد كل حجر تفجر منه الماء أو تشقق عن ماء أو تردى من رأس جبل فهو من خشية الله تعالى نزل به القرآن.
بل أخبر الله جل و علا أن القرآن لو أنزل على جبل من جبال الدنيا لتشقق و تصدع خشية لله عز وجل قال تعالى : {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21
الدرس و العبرة
1/ أذا كان الحجر الصلد يسقط من أعالي الجبال خوفاً من الله و الجبل الأشم لو نزل عليه القرآن لتصدع فرقاً من الله و خشية له سبحان فنحن أولى بخشية الله عز وجل كيف لا و قد أمرنا الله بها فقال : { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ }المائدة44 و مدح الله أهل خشيته فقال : { إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{60} أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{61} ومن تأمل حياة النبي صلى الله عليه و سلم وجده أشد الناس خشية لله و هو مع ذلك يسأل الله خشيته فيقول: [ اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ...] رواه أحمد وابن حبان.
بل أخبر صلى الله عليه و سلم أن خشية الله أمان من دخول فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : [ لا يلج النار رجل يبكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ] رواه الترمذي وحسنه وصححه فحري بالمؤمن أن يخشى الله و يتقيه و يلهج بالدعاء أن يرزقه الله خشيته في الغيب و الشهادة .
2/ على المؤمن أن يقرأ القرآن و يتدبره و يخشع عند آياته و يتأثر به فيرق القلب و تدمع العين قال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الانفال{2}
ثانياً :المخلوق العجيب يسبح الله و يذكره قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }سبأ10 و قال تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء79 قال تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ص 17ـ18 قال ابن كثير رحمه الله [ يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين وجمع له بين النبوة والملك المتمكن والجنود ذوي العدد والعدد وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات ] .
قال الشوكاني رحمه الله : [ وفي هذا بيان ما أعطاه الله من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه قال مقاتل : كان داود إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه وكان يفقه تسبيح الجبال ].
قال السعدي رحمه الله : [أي: ولقد مننا على عبدنا ورسولنا, داود عليه الصلاة والسلام, وآتيناه فضلا من العلم النافع, والعمل الصالح, والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه, ما خصه به من أمره تعالى الجمادات, كالجبال والحيوانات, من الطيور, أن تُؤَوِّب معه, وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها, مجاوبة له، وفي هذا من النعمة عليه, أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده, وأن ذلك يكون منهضاً له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات, تتجاوب بتسبيح ربها, وتمجيده, وتكبيره, وتحميده, كان ذلك مما يهيج على ذكر اللّه تعالى ].
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( إني لشاهد عند رسول الله في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فسمع تسبيحهن من في الحلقة ) أخرجه الطبراني في الأوسط مجمع البحرين، والبزار واسناد الطبراني صحيح رجاله ثقات .
و تسبيح الحصى بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم ذكر لله جل و علا و حمد له سبحانه على أن مكّنه من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك نعمة بادر الحصى بشكرها
لئن سبحت صـم الجبال مجيبــه *** لداود أو لان الحديد المصفـح
فإن الصخور الصُـــمَّ لانت بكفه *** و إن الحصا في كفـه ليسبِّـح
وإن كان موسى أنبع الماء من العصـا *** فمن كفه قد أصبح الماء يطفـح
و قد بين النبي صلى الله عليه و سلم أن الحجر يسمع تلبية الملبي فيلهج بالتلبية فعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا ) رواه ابن ماجه و الطبراني والبيهقي وصححه الألباني و قال الألباني رحمه الله معلقاً على هذا الحديث : [ فإن قيل ما فائدة تلبية الحجر و الشجر و غيرها ؟ قلت : إتباعها إياه في هذا الذكر دليل على فضله و شرفه و مكانته عند الله تعالى ، على أنه يجوز أن يكتب له أجر هذه الأشياء لأنها صدرت عنها تبعاً له فصار المؤمن بالذكر دال على الخير ] .
و بعد هذه النصوص فإن الدرس الذي نتعلمه من المخلوق العجيب في هذا الباب أن المسلم عليه أن يلهج بالذكر لله عز وجل و يستشعر أن الكون كله ذاكر لله عز وجل و كلما كان موافق له في ذكره لله رزق طمأنينة النفس و سعادة القلب قال تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )
خلق الله هو الغاية في الحسن و الغاية في الإعجاز و الغاية في الإبداع و صدق الله : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7 يقول سيد رحمه الله : [ اللهم إن هذا هو الحق الذي تراه الفطرة وتراه العين ويراه القلب ويراه العقل . الحق المتمثل في أشكال الأشياء , ووظائفها . وفي طبيعتها منفردة وفي تناسقها مجتمعة . وفي هيئاتها وأحوالها ونشاطها وحركاتها . وفي كل ما يتعلق بوصف الحسن والإحسان من قريب أو من بعيد .
سبحانه ! هذه صنعته في كل شيء . هذا كل شيء خلقه يتجلى فيه الإحسان والإتقان ; فلا تجاوز ولا قصور , ولا زيادة عن حد الإحسان ولا نقص , ولا إفراط ولا تفريط , في حجم أو شكل أو صنعة أو وظيفة . كل شيء مقدر لا يزيد عن حد التناسق الجميل الدقيق ولا ينقص ].
لله في الأفاق آيــات *** لعل أقلها هو ما إليه هداك
و الكون مشحون بأسرار *** إذا حاولت تفسيراً لها أعياك
و لعل ما في الكون من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك
المخلوق الذي أتحدث عنه عجيب في شدة صلابته وقسوته إلا أنه يتصدع من خشية الله فقد تكون قلوب بني آدم أحياناً أشد منه قسوة , لعلكم قد عرفتم هذا المخلوق العجيب إنه الحجر .
الحجر والحجارة خلق من خلق ذكره الله في غير موضع من القرآن و تكرر ذكره في السنة النبوية ومنه تكون الجبال التي أكثر الله من ذكرها على أنها آية عظيمة تبهر العقول و الألباب و تدل على عظمة خالقها و بديع صنعه ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (الغاشية: 17 ـ 19) فهي أوتاد الأرض حتى لا تميد بمن عليها فتعالوا معنا نتعرف على بعض صفات هذا المخلوق و نأخذ منه الدرس و العبرة :
أولاً : المخلوق العجيب يخشى الله عز وجل:
المخلوق العجيب رغم صلابة إلا أنه يتشقق و يتصدّع من خشية الله عز وجل قال تعالى :( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74) وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن الحجر ليقع على الأرض ولو اجتمع عليه فئام من الناس ما استطاعوه وأنه ليهبط من خشية الله
قال مجاهد كل حجر تفجر منه الماء أو تشقق عن ماء أو تردى من رأس جبل فهو من خشية الله تعالى نزل به القرآن.
بل أخبر الله جل و علا أن القرآن لو أنزل على جبل من جبال الدنيا لتشقق و تصدع خشية لله عز وجل قال تعالى : {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21
الدرس و العبرة
1/ أذا كان الحجر الصلد يسقط من أعالي الجبال خوفاً من الله و الجبل الأشم لو نزل عليه القرآن لتصدع فرقاً من الله و خشية له سبحان فنحن أولى بخشية الله عز وجل كيف لا و قد أمرنا الله بها فقال : { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ }المائدة44 و مدح الله أهل خشيته فقال : { إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{60} أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{61} ومن تأمل حياة النبي صلى الله عليه و سلم وجده أشد الناس خشية لله و هو مع ذلك يسأل الله خشيته فيقول: [ اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ...] رواه أحمد وابن حبان.
بل أخبر صلى الله عليه و سلم أن خشية الله أمان من دخول فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : [ لا يلج النار رجل يبكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ] رواه الترمذي وحسنه وصححه فحري بالمؤمن أن يخشى الله و يتقيه و يلهج بالدعاء أن يرزقه الله خشيته في الغيب و الشهادة .
2/ على المؤمن أن يقرأ القرآن و يتدبره و يخشع عند آياته و يتأثر به فيرق القلب و تدمع العين قال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الانفال{2}
ثانياً :المخلوق العجيب يسبح الله و يذكره قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }سبأ10 و قال تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء79 قال تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ص 17ـ18 قال ابن كثير رحمه الله [ يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين وجمع له بين النبوة والملك المتمكن والجنود ذوي العدد والعدد وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات ] .
قال الشوكاني رحمه الله : [ وفي هذا بيان ما أعطاه الله من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه قال مقاتل : كان داود إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه وكان يفقه تسبيح الجبال ].
قال السعدي رحمه الله : [أي: ولقد مننا على عبدنا ورسولنا, داود عليه الصلاة والسلام, وآتيناه فضلا من العلم النافع, والعمل الصالح, والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه, ما خصه به من أمره تعالى الجمادات, كالجبال والحيوانات, من الطيور, أن تُؤَوِّب معه, وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها, مجاوبة له، وفي هذا من النعمة عليه, أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده, وأن ذلك يكون منهضاً له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات, تتجاوب بتسبيح ربها, وتمجيده, وتكبيره, وتحميده, كان ذلك مما يهيج على ذكر اللّه تعالى ].
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( إني لشاهد عند رسول الله في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فسمع تسبيحهن من في الحلقة ) أخرجه الطبراني في الأوسط مجمع البحرين، والبزار واسناد الطبراني صحيح رجاله ثقات .
و تسبيح الحصى بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم ذكر لله جل و علا و حمد له سبحانه على أن مكّنه من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك نعمة بادر الحصى بشكرها
لئن سبحت صـم الجبال مجيبــه *** لداود أو لان الحديد المصفـح
فإن الصخور الصُـــمَّ لانت بكفه *** و إن الحصا في كفـه ليسبِّـح
وإن كان موسى أنبع الماء من العصـا *** فمن كفه قد أصبح الماء يطفـح
و قد بين النبي صلى الله عليه و سلم أن الحجر يسمع تلبية الملبي فيلهج بالتلبية فعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا ) رواه ابن ماجه و الطبراني والبيهقي وصححه الألباني و قال الألباني رحمه الله معلقاً على هذا الحديث : [ فإن قيل ما فائدة تلبية الحجر و الشجر و غيرها ؟ قلت : إتباعها إياه في هذا الذكر دليل على فضله و شرفه و مكانته عند الله تعالى ، على أنه يجوز أن يكتب له أجر هذه الأشياء لأنها صدرت عنها تبعاً له فصار المؤمن بالذكر دال على الخير ] .
و بعد هذه النصوص فإن الدرس الذي نتعلمه من المخلوق العجيب في هذا الباب أن المسلم عليه أن يلهج بالذكر لله عز وجل و يستشعر أن الكون كله ذاكر لله عز وجل و كلما كان موافق له في ذكره لله رزق طمأنينة النفس و سعادة القلب قال تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )