سهم بن سهم
03-06-2009, 09:48 AM
فخامة الرئيس،
تحية طيبة وبعد،
لقد قطعتم وعداً، وأنتم تفون بوعودكم. في حملتكم الانتخابية، تعهدتم بمخاطبة المسلمين. وبعد بضعة أيام، ستقومون بذلك من القاهرة. وأنتم محقون: فإن كان من منطقة في العالم ارتكب فيها سلفكم الأخطاء والأغلاط وحتى الجرائم، فهي بلاد الإسلام، إلى حد أن الكلمات الجميلة شأن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" فقدت اليوم من قيمتها واعتبارها لشدة ما تذكّر بغزو العراق، والدعم الأعمى لإسرائيل، ومساندة أنظمة من الشرق الأوسط هي الأكثر قمعاً في العالم. نأمل أن تضعوا حداً لكل هذا.
لكنني أرغب، يا فخامة الرئيس، في أن ألفت انتباهكم إلى بعض المسائل. إن قدّم جورج بوش الغرب بوجه كاريكاتوري – متغطرس وعسكري -، فلا يجوز لاستئناف العلاقات مع هذا الجزء من العالم أن يؤدي إلى الخلط بين بعض الأنظمة القائمة والشعوب التي يقمعها هؤلاء الحكّام أنفسهم. ومع أنه من الضروري القضاء على سياسة المكيالين التي انتهجتها واشنطن بصلافة على مر السنين، إلا أنه لا يجدر بكم أن تنسوا، بيدكم الممدودة إلى الأنظمة القائمة، الكم الهائل من ضحايا الطغاة المحليين.
إن مركزنا المستقر في قلب العالم العربي يحصي ويكافح يومياً الإخلالات التي تمس بالحريات والالتزامات المتعهَّد بها، والعواقب التي تعترض الوعود المقطوعة وتميّز لسوء الحظ سياسة يتبنّاها عدد كبير من النافذين في العالم الإسلامي. في مجالنا وحده، مجال الدفاع عن حرية الصحافة، لم نعد نحتسب عدد ضحايا أنظمة تسارع إلى فضح انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الغربية – على أراضيها كما في خلال حملاتها العسكرية – ولكنها لا تحرّك ساكناً عندما تكون هي المسؤولة عن هذه الانتهاكات التي تشكل أساس سير عملها. وهي نفسها التي تندد في هذا الصدد بتصرّفات الجيش الإسرائيلي – وقد رفعنا بأنفسنا قضية "جرائم الحرب" التي ارتكبها هذا الجيش إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية – وتلتزم الصمت عندما يقوم المسؤولون في حركة حماس بالاعتداء بعنف على أعدائهم اللدودين من حركة فتح (والعكس صحيح أيضاً). ولا يمكن التغاضي عن صمتهم المدوّي في أثناء الاعتداءات المرتكبة ضد المدنيين الإسرائيليين. واليوم، لا يزال أكثر من ثلاثين صحافياً ومعاوناً إعلامياً ومدوّناً محتجزين في المعتقلات العربية ولا سيما في سوريا، وإيران، وفلسطين، ومصر حيث اخترتم أن تلقوا خطابكم. نأمل أن تذكروا كريم عامر بوقفة أو كلمة، هذا المدوّن المصري الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر وحكمت عليه إحدى محاكم القاهرة بالسجن لمدة أربعة أعوام لاستنكاره التجاوزات الدينية والسلطوية للدولة. إلا أن مصر ليست أكثر الدول قمعاً في مجال حرية التعبير. فنصف المحترفين الإعلاميين المسجونين في المنطقة متواجدون في إيران. وقد تابعتم مؤخراً قضية إخلاء سبيل روكسانا صابري. ولكن، ليس الجميع محظوظين ليحظوا بتعبئة دولية مماثلة.
إذا كان واجبكم، يا فخامة الرئيس، يملي عليكم وضع حد للدعم غير المشروط الذي تقدّمه بلادكم إلى القادة الإسرائيليين – ويحمل إدارة واشنطن على غض الطرف عن التصرّفات الإجرامية -، يبدو لنا من الضروري ألا تخدم إعادة التوازن إلى سياستكم مصلحة أنظمة عربية استبدادية وفاسدة. فيحتاج الديمقراطيون والصحافيون المستقلون في المغرب كما الشرق الأوسط إلى أن يعرفوا أنكم تساندونهم. صحيح أن مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية وتزوّدها بالنفط والغاز مشروعة، ولكنها لا تبرر التخلّي في أرض مكشوفة عن أولئك الذين يناضلون في سبيل مزيد من الحرية.
قد تجيبوننا بأن الأمر ليس بيدكم وحدكم. وإنما يتوجّب على مجمل الديمقراطيات الساعية إلى مكافحة الإرهاب التوقف عن دعم أنظمة تعتبر نفسها السور الأخير الرادع لتصاعد الأصوليات في حين أنها أول المسؤولين عن نجاحها، بتصرّفها كمفترسة فعلية تنهب ثروات البلاد وتفرض خوّة على شعبها. هذا صحيح، ليست كل المسائل بيدكم. ولكن بعض الأعمال تتوقف عليكم وحدكم. فمن يمنعكم، على سبيل المثال، عن إخلاء سبيل الصحافي العراقي ابراهيم جسام الذي تعتقله قواتكم المسلّحة في بغداد منذ أكثر من 250 يوماً في خرق تام لكل القواعد القانونية وبما يتنافى مع قرار صادر عن القضاء العراقي الذي طلب بنفسه خروجه من السجن.
إن أعمالاً مماثلة لتفرض نفسها إن كنتم لا تريدون أن يشعر رجال ونساء العالم العربي مجدداً بأنهم مغشوشون ومخدوعون بغربيين يجاهرون بمبادئ عظيمة ولكنهم يدعمون سراً أسوأ الطغاة. والله يعرف كم من طاغٍ تحوي هذه المنطقة من العالم... تذكّروا، يا فخامة الرئيس، الفترة السابقة لسقوط جدار برلين. كان قادة العالم الحر يؤدون في ذلك الوقت واجب وشرف تقديم المساعدة والتقدير لمعارضي الاتحاد السوفياتي السابق والدول التابعة لموسكو. لمَ لا تتبنوا السياسة نفسها حيال الديمقراطيين العرب؟ إنهم مستقبل بلادهم الوحيد وحلفاءنا في مكافحة الإرهاب. وليس دعمهم بواجب أخلاقي وحسب – وكم تحدثتم عن هذا الواجب في حملتكم الانتخابية – وإنما يناسب مصالحكم المفهومة: فالديمقراطية هي الرد الوحيد الممكن لتصاعد التطرّف.
وأنتم تدركون حتماً، يا فخامة الرئيس، أن الصحافة الحرة والتعددية والمسؤولة ليست بترف، وإنما ضرورة لكل من يرغب في مكافحة الانحرافات والتجاوزات والأعمال الدنيئة التي يرتكبها عدد كبير من رجال السلطة. وننتظر منكم أن تعيدوا التأكيد على ذلك أمام أنظمة غالباً ما ترى وراء كل الانتقادات تصرفات جديرة بالعقاب من شأنها أن تزج بمطلقها مباشرة في السجن. ولا ضرورة لإعداد لائحة بأسماء هؤلاء القادة: فهي طويلة وأنتم على بيّنة منها.
واسمحوا لي بكلمة أخيرة. إن تسوية النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني أولوية للضحايا بالدرجة الأولى. صحيح أنهم متواجدون في المعسكرين ولكن الفلسطينيين يدفعون الثمن الأفدح على الإطلاق. وهي أولوية لأنها تشكل عذراً يتذرّع به عدد لا يستهان به من الأنظمة العربية كي لا يتغيّر، ولأنها أيضاً الدليل الدامغ على ازدواجية الدول الغربية – بدءاً بدولتكم – التي تلقي خطابات على منابر المحافل الدولية حيث تدّعي تمسّكها بقيم تقبل بمراقبة انتهاكها يومياً على الأراضي الفلسطينية. بالنسبة إلينا كمدافعين عن حقوق الإنسان، تبقى إزالة هذا الحاجز، الهائل حتماً، الدرب الوحيد الممكن لنساهم في تقدّم هذه الحريات التي نتمسّك بها كما حضرتكم.
على أمل أن تلبوا نداءنا وتستجيبوا لالتماسنا، نتقدّم منكم، يا فخامة الرئيس، بفائق الاحترام والتقدير.
روبير مينار
مدير عام
مركز الدوحة لحرية الإعلام
تحية طيبة وبعد،
لقد قطعتم وعداً، وأنتم تفون بوعودكم. في حملتكم الانتخابية، تعهدتم بمخاطبة المسلمين. وبعد بضعة أيام، ستقومون بذلك من القاهرة. وأنتم محقون: فإن كان من منطقة في العالم ارتكب فيها سلفكم الأخطاء والأغلاط وحتى الجرائم، فهي بلاد الإسلام، إلى حد أن الكلمات الجميلة شأن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" فقدت اليوم من قيمتها واعتبارها لشدة ما تذكّر بغزو العراق، والدعم الأعمى لإسرائيل، ومساندة أنظمة من الشرق الأوسط هي الأكثر قمعاً في العالم. نأمل أن تضعوا حداً لكل هذا.
لكنني أرغب، يا فخامة الرئيس، في أن ألفت انتباهكم إلى بعض المسائل. إن قدّم جورج بوش الغرب بوجه كاريكاتوري – متغطرس وعسكري -، فلا يجوز لاستئناف العلاقات مع هذا الجزء من العالم أن يؤدي إلى الخلط بين بعض الأنظمة القائمة والشعوب التي يقمعها هؤلاء الحكّام أنفسهم. ومع أنه من الضروري القضاء على سياسة المكيالين التي انتهجتها واشنطن بصلافة على مر السنين، إلا أنه لا يجدر بكم أن تنسوا، بيدكم الممدودة إلى الأنظمة القائمة، الكم الهائل من ضحايا الطغاة المحليين.
إن مركزنا المستقر في قلب العالم العربي يحصي ويكافح يومياً الإخلالات التي تمس بالحريات والالتزامات المتعهَّد بها، والعواقب التي تعترض الوعود المقطوعة وتميّز لسوء الحظ سياسة يتبنّاها عدد كبير من النافذين في العالم الإسلامي. في مجالنا وحده، مجال الدفاع عن حرية الصحافة، لم نعد نحتسب عدد ضحايا أنظمة تسارع إلى فضح انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الغربية – على أراضيها كما في خلال حملاتها العسكرية – ولكنها لا تحرّك ساكناً عندما تكون هي المسؤولة عن هذه الانتهاكات التي تشكل أساس سير عملها. وهي نفسها التي تندد في هذا الصدد بتصرّفات الجيش الإسرائيلي – وقد رفعنا بأنفسنا قضية "جرائم الحرب" التي ارتكبها هذا الجيش إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية – وتلتزم الصمت عندما يقوم المسؤولون في حركة حماس بالاعتداء بعنف على أعدائهم اللدودين من حركة فتح (والعكس صحيح أيضاً). ولا يمكن التغاضي عن صمتهم المدوّي في أثناء الاعتداءات المرتكبة ضد المدنيين الإسرائيليين. واليوم، لا يزال أكثر من ثلاثين صحافياً ومعاوناً إعلامياً ومدوّناً محتجزين في المعتقلات العربية ولا سيما في سوريا، وإيران، وفلسطين، ومصر حيث اخترتم أن تلقوا خطابكم. نأمل أن تذكروا كريم عامر بوقفة أو كلمة، هذا المدوّن المصري الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر وحكمت عليه إحدى محاكم القاهرة بالسجن لمدة أربعة أعوام لاستنكاره التجاوزات الدينية والسلطوية للدولة. إلا أن مصر ليست أكثر الدول قمعاً في مجال حرية التعبير. فنصف المحترفين الإعلاميين المسجونين في المنطقة متواجدون في إيران. وقد تابعتم مؤخراً قضية إخلاء سبيل روكسانا صابري. ولكن، ليس الجميع محظوظين ليحظوا بتعبئة دولية مماثلة.
إذا كان واجبكم، يا فخامة الرئيس، يملي عليكم وضع حد للدعم غير المشروط الذي تقدّمه بلادكم إلى القادة الإسرائيليين – ويحمل إدارة واشنطن على غض الطرف عن التصرّفات الإجرامية -، يبدو لنا من الضروري ألا تخدم إعادة التوازن إلى سياستكم مصلحة أنظمة عربية استبدادية وفاسدة. فيحتاج الديمقراطيون والصحافيون المستقلون في المغرب كما الشرق الأوسط إلى أن يعرفوا أنكم تساندونهم. صحيح أن مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية وتزوّدها بالنفط والغاز مشروعة، ولكنها لا تبرر التخلّي في أرض مكشوفة عن أولئك الذين يناضلون في سبيل مزيد من الحرية.
قد تجيبوننا بأن الأمر ليس بيدكم وحدكم. وإنما يتوجّب على مجمل الديمقراطيات الساعية إلى مكافحة الإرهاب التوقف عن دعم أنظمة تعتبر نفسها السور الأخير الرادع لتصاعد الأصوليات في حين أنها أول المسؤولين عن نجاحها، بتصرّفها كمفترسة فعلية تنهب ثروات البلاد وتفرض خوّة على شعبها. هذا صحيح، ليست كل المسائل بيدكم. ولكن بعض الأعمال تتوقف عليكم وحدكم. فمن يمنعكم، على سبيل المثال، عن إخلاء سبيل الصحافي العراقي ابراهيم جسام الذي تعتقله قواتكم المسلّحة في بغداد منذ أكثر من 250 يوماً في خرق تام لكل القواعد القانونية وبما يتنافى مع قرار صادر عن القضاء العراقي الذي طلب بنفسه خروجه من السجن.
إن أعمالاً مماثلة لتفرض نفسها إن كنتم لا تريدون أن يشعر رجال ونساء العالم العربي مجدداً بأنهم مغشوشون ومخدوعون بغربيين يجاهرون بمبادئ عظيمة ولكنهم يدعمون سراً أسوأ الطغاة. والله يعرف كم من طاغٍ تحوي هذه المنطقة من العالم... تذكّروا، يا فخامة الرئيس، الفترة السابقة لسقوط جدار برلين. كان قادة العالم الحر يؤدون في ذلك الوقت واجب وشرف تقديم المساعدة والتقدير لمعارضي الاتحاد السوفياتي السابق والدول التابعة لموسكو. لمَ لا تتبنوا السياسة نفسها حيال الديمقراطيين العرب؟ إنهم مستقبل بلادهم الوحيد وحلفاءنا في مكافحة الإرهاب. وليس دعمهم بواجب أخلاقي وحسب – وكم تحدثتم عن هذا الواجب في حملتكم الانتخابية – وإنما يناسب مصالحكم المفهومة: فالديمقراطية هي الرد الوحيد الممكن لتصاعد التطرّف.
وأنتم تدركون حتماً، يا فخامة الرئيس، أن الصحافة الحرة والتعددية والمسؤولة ليست بترف، وإنما ضرورة لكل من يرغب في مكافحة الانحرافات والتجاوزات والأعمال الدنيئة التي يرتكبها عدد كبير من رجال السلطة. وننتظر منكم أن تعيدوا التأكيد على ذلك أمام أنظمة غالباً ما ترى وراء كل الانتقادات تصرفات جديرة بالعقاب من شأنها أن تزج بمطلقها مباشرة في السجن. ولا ضرورة لإعداد لائحة بأسماء هؤلاء القادة: فهي طويلة وأنتم على بيّنة منها.
واسمحوا لي بكلمة أخيرة. إن تسوية النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني أولوية للضحايا بالدرجة الأولى. صحيح أنهم متواجدون في المعسكرين ولكن الفلسطينيين يدفعون الثمن الأفدح على الإطلاق. وهي أولوية لأنها تشكل عذراً يتذرّع به عدد لا يستهان به من الأنظمة العربية كي لا يتغيّر، ولأنها أيضاً الدليل الدامغ على ازدواجية الدول الغربية – بدءاً بدولتكم – التي تلقي خطابات على منابر المحافل الدولية حيث تدّعي تمسّكها بقيم تقبل بمراقبة انتهاكها يومياً على الأراضي الفلسطينية. بالنسبة إلينا كمدافعين عن حقوق الإنسان، تبقى إزالة هذا الحاجز، الهائل حتماً، الدرب الوحيد الممكن لنساهم في تقدّم هذه الحريات التي نتمسّك بها كما حضرتكم.
على أمل أن تلبوا نداءنا وتستجيبوا لالتماسنا، نتقدّم منكم، يا فخامة الرئيس، بفائق الاحترام والتقدير.
روبير مينار
مدير عام
مركز الدوحة لحرية الإعلام