ROSE
14-01-2006, 01:21 PM
Lord Of The Rings
http://www.lordoftherings.net/media/desktops/teaser_theatrical_800.jpg
لم يكن أستاذ اللغويات الأيسلندية يعتقد أن القصة التي يحكيها لأولاده كوسيلة لإمتاعهم وتسليتهم في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين ستكون سبيله للشهرة والمال في آن واحد. ولكن هذا ما حدث!!
كان "جون رويل رونالد تولكين" يحكي لأولاده كل يوم قصة "الهوبيت" ذلك المخلوق الصغير الذي يحب المرح واللعب والألعاب النارية والذي تقصده مجموعة من الأقزام، بتدبير من ساحر طيب، كي يسرق لهم كنزهم من التنين الشرير في الجبل الوحيد. وكانت "الحدوتة" تنمو أثناء القص، كما قال هو عندما سئل عن كيفية كتابة القصة، وعندما أبدى أصدقاء له إعجابهم بالمخطوطة وطالبوه بعرضها على إحدى دور النشر لم يكن البروفيسور تولكين شديد الحماس للفكرة، ولكنه أرسلها لدار "ألان وانوين"، ولدهشته نُشرت القصة وحققت نجاحًا مذهلاً في عالم قصص الأطفال، وصارت أسماء "بيلبو الهوبيت"، و"جاندالف" الساحر، و"جيملي" القزم من أشهر الأسماء في قصص الأطفال مثلها مثل "ساندريلا" و"علاء الدين" و"علي بابا" والآخرين!!
وانتظرت دار النشر من الكاتب خبير اللغويات الكتاب التالي، ولكن اندلعت الحرب العالمية الثانية وأبطأ الرجل في إتمام قصته التالية، فقد كان العالم مشغولاً بأشياء كثيرة غير قصص الأطفال. أيضًا كان الرجل منغمسًا في عالمه الخاص المنسوج من اللغة واللغويات.
وانطلاقًا من اللغات القديمة بدأ تولكين في كتابة روايته التالية التي كان الناشر ينتظرها كتتمة "للهوبيت". استخدم تولكين اللغات الأيسلندية الميتة كي يبدع عوالم ومخلوقات تتحدث بهذه اللغات، ومن ثم تخيل عالما كاملا متعدد المخلوقات فيه: أقزام، وغيلان، وجن، وبشر، وأشجار متحركة متكلمة أسماها "الإنت"، وتنانين، وأشباح، وأخيار، وأشرار، وأطلق على هذا العالم اسم "الأرض الوسطى"، ومع عام 1950 مع ذروة الحرب الباردة قدم تولكين الجزء الأول من روايته التي أسماها "سيد الخواتم".
كانت الرواية تعتمد على تفصيلة صغيرة من روايته السابقة "خاتم ذهبي لامع" عثر عليه "بيلبو" بطل الهوبيت في أعماق جبل وأخذه واكتشف أنه يعطي القدرة على الاختفاء، ويستخدمه حتى نهاية القصة. قدم تولكين الجزء الأول من ثلاثيته للناشرين وأسقط في يدهم ماذا سيفعلون؟
الرواية ليست كتاب أطفال كالهوبيت وليست رواية كبار، إنها أقرب للسيرة الشعبية أو الملحمة العربية مثلها مثل حمزة البهلوان والهلالية وسيف بن ذي يزن وغيرها. هل تغامر دار النشر باتخاذ قرار ثوري بنشرها أم ماذا؟
جاءت تقارير القراء المتخصصين متضاربة؛ البعض رأى أن الرواية ستنجح، والبعض حذر منها تماما.. تدخلت ابنة الناشر التي أعجبت بالرواية، وقالت دعونا ننشرها بالمشاركة؛ أي ليأخذ البروفسور تولكين حقه المادي من أرباح الرواية.
وافق تولكين وصدر الجزء الأول وطبع في نفس العام أكثر من 10 مرات، لقد نجحت الرواية نجاحا ساحقا ليس فقط في موطنها الأصلي بريطانيا، ولكن أيضا في كل أوروبا؛ حيث ترجمت إلى عشرات اللغات (للأسف ليس من بينها العربية)، وكان النجاح الأبرز في أمريكا، حيث تكونت الجمعيات الأهلية للكتابة على نسق تولكين، ونظمت المهرجانات لعمل ألعاب نارية جاندالفية (نسبة لجاندالف الساحر الذي اشتهر بألعابه النارية)، وأنتجت هوليود فيلم رسوم متحركة عن الثلاثية في الثمانينيات لم ينجح كثيرا.
في نهاية التسعينيات قدم المخرج النيوزيلندي بيتر جاكسون سيناريو لعمل فيلم ثلاثي (أي فيلم من ثلاثة أجزاء) عن رواية تولكين إلى شركة "ميراماكس"، ولكن رغم قبول المديرين للفكرة فإنهم رأوا أنها صعبة التنفيذ، ومن ثم أخذ جاكسون السيناريو إلى شركة "نيولاين" التي رأت أن الفيلم الثلاثي سيوفر كثيرًا في تكاليف الإنتاج؛ لأن التصوير سيتم بشكل عام للأجزاء الثلاثة وكأنها فيلم واحد، ومن ثم ستكون الأجور أقل بكثير مما لو أنتجوا فيلمًا واحدا ثم أتبعوا ذلك بجزأين.
بدأ جاكسون الإعداد للفيلم عام 2000 وصوَّره في نفس العام، وخرج الجزء الأول للشاشة عام 2001. وحقق الفيلم نجاحًا منقطع النظير متفوقا على كافة أفلام 2001، ومتخلفا فقط عن "هاري بوتر" الذي حقق أكبر إيرادات في تاريخ السينما الأمريكية. وهكذا حققت "نيولاين" أرباحًا من إنتاج الفيلم الأول عوضت كل مصاريف إنتاج الثلاثية. وصار السؤال المطروح هو: هل سيحقق الفيلم الثاني نفس نجاح الفيلم الأول؟
بدأ عرض الفيلم الثاني (البرجان) في أواخر نوفمبر 2002 في أمريكا، وحقق أيضا إيرادات عالية جدا.
في عمله السينمائي كان جاكسون أمينًا جدًّا في نقله لرواية تولكين والتزم بكل التفاصيل الدقيقة الموجودة فيها، سواء من حيث رسم الشخصيات أو من حيث المواقع أو الملابس أو الإكسسوارات، وقد يستغرب البعض هذا، لكن الواقع هو أن تولكين في روايته وفي ملاحظاته وشذراته وتعليقاته وحواشيه حول "سيد الخواتم" كان يفصل كل شيء؛ المقاييس والمكاييل والملابس وتطوراتها والألوان وأشكال الأسلحة وأدوات المطبخ، وكل شيء يمكن تخيله في عالم كامل. وقد عانى جاكسون كثيرًا للوصول إلى هذه الدقة في النقل والالتزام الشديد بالرواية وبتفاصيل تولكين الدقيقة، ولكن لاقى ثمرة هذه المعاناة في النجاح المذهل الذي حققه الفيلم.
الجزء الثالث تم عرضه في نهاية 2003، وحقق نجاحًا ساحقًا كذلك. السؤال الذي طرح نفسه بعد النجاح الساحق هذا هو: لماذا؟
بداية الرواية مليئة بإشارات اعتبرها البعض وقت نشرها أيديولوجية؛ حيث فسر بعض النقاد جيوش الشرق الشرير بأنها الجيوش الشيوعية، وأن "ساورون" ملك الشر وسيد الخواتم هو ستالين، ومن ثم تساءل النقاد الحاليون ما جدوى هذا التفسير الأيديولوجي الآن؟ وهل يتقبل الجمهور هذه الأفكار بعد سقوط الشيوعية؟ من الواضح أن التفسير السابق لم يكن سبب نجاح الرواية في المقام الأول، وبالتالي لا علاقة له بنجاح الأفلام الحالي.
تساءل آخرون عن تماشي الرواية مع النسق الحالي للكتابة، سواء الرواية الإبداعية أو حتى الإخبارية، والذي يدعى باسم النسق المنضبط سياسيا. حيث يفترض ألا يمس الكاتب مشاعر الأقليات العرقية أو الجنسية أو العمرية، بمعنى ألا يكون هناك تحريض ضد عرق أو لون أو تمثيل سيئ لبعض المراحل العمرية أو عدم اهتمام بالمرأة أو الطفل. ويرى النقاد أن الفيلم من هذه الناحية وبسبب التزامه التام بالرواية يمثل "مواد مشعة شديدة الخطورة"؛ حيث الأبطال كلهم رجال بيض، والأشرار ملونون، ولا يوجد دور إيجابي للمرأة، وإنما هو الدور التقليدي الذي يصفه البعض "بالإقطاعي" أحيانا، وهو الأمر المتماشي مع القصة التي تتحدث عن عصر من عصور الفروسية والنبالة. ومن ثم فلا يمكن أن يعزى نجاح الفيلم إلى انضباطه والتزامه بما يسمى بالكلام المنضبط سياسيا.
أعتقد أنه لكي نجيب على سؤال لماذا نجح الفيلم هذا النجاح الساحق؟ علينا أن نفهم حالة الحلم التي يعيشها المجتمع الأمريكي الآن، وخاصة بعد انتهاء الاستقطاب الدولي وزوال الخطر العسكري الشيوعي.
الفضاء لم يعد حلما كبيرا بعيد المنال كما كان في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات. مكوك الفضاء لم يعد مثيرًا ولا أمرًا صعب المنال، لقد أصبح بوسع المواطن العادي -إن امتلك المال- أن يسافر في رحلة فضائية. الحلم الآن مختلف.
الحلم هو العودة لعصر ذهبي؛ وإن أمكن صناعة هذا العصر الذهبي فليكن. الناس تريد الحياة في الأسطورة؛ تريد أن تستعيد قيم النبالة والفروسية والشجاعة والأسرة والحب ومساعدة الضعيف والتغلب على الإغراء، إنها تحتاج لهذه الأسطورة التكوينية التي تخبرها أن ثمة خيرًا في العالم وأن الشر يجب أن يهزم وأن الإصرار والعزم يحققان ما نعتقد أنه مستحيل كما يقول "سام جامجي" الخادم الأمين لـ "فرودو باجينز" بطل الرواية أو الهوبيت الصغير المنوط به إنقاذ الأرض.
الفيلم/الرواية يمثلان الملحمة الأسطورية متعددة الخطوط والأبطال. إنهما يشبهان السيرة الهلالية، وسيف بن ذي يزن، وحمزة البهلوان، والأميرة ذات الهمة عندنا في التراث العربي. تلك القصص التي ما زالت تعيش في الوجدان الشعبي، وينهل منها الروائيون ويكتبون.
الفارق أن عندنا نصر على تحويل الملحمة إلى أيدلوجية، بينما المواطن العادي يرى الأيديولوجية في الملحمة ذاتها، إنها الفكرة الحلم التي تجعله يتغلب على الواقع ويجد فيه قدرًا كبيرًا من الحلاوة رغم مرارته الظاهرة.
"سيد الخواتم" فيلم جديد، ولكنه أسطورة قديمة تكلمنا عن الزمن الجميل والخير الموجود وإمكانية الانتصار على الشر، وبالرغم من عدم انضباطه السياسي أو ربما لعدم انضباطه السياسي فإنه ينجح؛ لأننا نريد أن نحلم ونتنفس، وقليل من عدم الانضباط لا يضر بل يعيدنا لطفولتنا.
http://www.lordoftherings.net/media/desktops/teaser_theatrical_800.jpg
لم يكن أستاذ اللغويات الأيسلندية يعتقد أن القصة التي يحكيها لأولاده كوسيلة لإمتاعهم وتسليتهم في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين ستكون سبيله للشهرة والمال في آن واحد. ولكن هذا ما حدث!!
كان "جون رويل رونالد تولكين" يحكي لأولاده كل يوم قصة "الهوبيت" ذلك المخلوق الصغير الذي يحب المرح واللعب والألعاب النارية والذي تقصده مجموعة من الأقزام، بتدبير من ساحر طيب، كي يسرق لهم كنزهم من التنين الشرير في الجبل الوحيد. وكانت "الحدوتة" تنمو أثناء القص، كما قال هو عندما سئل عن كيفية كتابة القصة، وعندما أبدى أصدقاء له إعجابهم بالمخطوطة وطالبوه بعرضها على إحدى دور النشر لم يكن البروفيسور تولكين شديد الحماس للفكرة، ولكنه أرسلها لدار "ألان وانوين"، ولدهشته نُشرت القصة وحققت نجاحًا مذهلاً في عالم قصص الأطفال، وصارت أسماء "بيلبو الهوبيت"، و"جاندالف" الساحر، و"جيملي" القزم من أشهر الأسماء في قصص الأطفال مثلها مثل "ساندريلا" و"علاء الدين" و"علي بابا" والآخرين!!
وانتظرت دار النشر من الكاتب خبير اللغويات الكتاب التالي، ولكن اندلعت الحرب العالمية الثانية وأبطأ الرجل في إتمام قصته التالية، فقد كان العالم مشغولاً بأشياء كثيرة غير قصص الأطفال. أيضًا كان الرجل منغمسًا في عالمه الخاص المنسوج من اللغة واللغويات.
وانطلاقًا من اللغات القديمة بدأ تولكين في كتابة روايته التالية التي كان الناشر ينتظرها كتتمة "للهوبيت". استخدم تولكين اللغات الأيسلندية الميتة كي يبدع عوالم ومخلوقات تتحدث بهذه اللغات، ومن ثم تخيل عالما كاملا متعدد المخلوقات فيه: أقزام، وغيلان، وجن، وبشر، وأشجار متحركة متكلمة أسماها "الإنت"، وتنانين، وأشباح، وأخيار، وأشرار، وأطلق على هذا العالم اسم "الأرض الوسطى"، ومع عام 1950 مع ذروة الحرب الباردة قدم تولكين الجزء الأول من روايته التي أسماها "سيد الخواتم".
كانت الرواية تعتمد على تفصيلة صغيرة من روايته السابقة "خاتم ذهبي لامع" عثر عليه "بيلبو" بطل الهوبيت في أعماق جبل وأخذه واكتشف أنه يعطي القدرة على الاختفاء، ويستخدمه حتى نهاية القصة. قدم تولكين الجزء الأول من ثلاثيته للناشرين وأسقط في يدهم ماذا سيفعلون؟
الرواية ليست كتاب أطفال كالهوبيت وليست رواية كبار، إنها أقرب للسيرة الشعبية أو الملحمة العربية مثلها مثل حمزة البهلوان والهلالية وسيف بن ذي يزن وغيرها. هل تغامر دار النشر باتخاذ قرار ثوري بنشرها أم ماذا؟
جاءت تقارير القراء المتخصصين متضاربة؛ البعض رأى أن الرواية ستنجح، والبعض حذر منها تماما.. تدخلت ابنة الناشر التي أعجبت بالرواية، وقالت دعونا ننشرها بالمشاركة؛ أي ليأخذ البروفسور تولكين حقه المادي من أرباح الرواية.
وافق تولكين وصدر الجزء الأول وطبع في نفس العام أكثر من 10 مرات، لقد نجحت الرواية نجاحا ساحقا ليس فقط في موطنها الأصلي بريطانيا، ولكن أيضا في كل أوروبا؛ حيث ترجمت إلى عشرات اللغات (للأسف ليس من بينها العربية)، وكان النجاح الأبرز في أمريكا، حيث تكونت الجمعيات الأهلية للكتابة على نسق تولكين، ونظمت المهرجانات لعمل ألعاب نارية جاندالفية (نسبة لجاندالف الساحر الذي اشتهر بألعابه النارية)، وأنتجت هوليود فيلم رسوم متحركة عن الثلاثية في الثمانينيات لم ينجح كثيرا.
في نهاية التسعينيات قدم المخرج النيوزيلندي بيتر جاكسون سيناريو لعمل فيلم ثلاثي (أي فيلم من ثلاثة أجزاء) عن رواية تولكين إلى شركة "ميراماكس"، ولكن رغم قبول المديرين للفكرة فإنهم رأوا أنها صعبة التنفيذ، ومن ثم أخذ جاكسون السيناريو إلى شركة "نيولاين" التي رأت أن الفيلم الثلاثي سيوفر كثيرًا في تكاليف الإنتاج؛ لأن التصوير سيتم بشكل عام للأجزاء الثلاثة وكأنها فيلم واحد، ومن ثم ستكون الأجور أقل بكثير مما لو أنتجوا فيلمًا واحدا ثم أتبعوا ذلك بجزأين.
بدأ جاكسون الإعداد للفيلم عام 2000 وصوَّره في نفس العام، وخرج الجزء الأول للشاشة عام 2001. وحقق الفيلم نجاحًا منقطع النظير متفوقا على كافة أفلام 2001، ومتخلفا فقط عن "هاري بوتر" الذي حقق أكبر إيرادات في تاريخ السينما الأمريكية. وهكذا حققت "نيولاين" أرباحًا من إنتاج الفيلم الأول عوضت كل مصاريف إنتاج الثلاثية. وصار السؤال المطروح هو: هل سيحقق الفيلم الثاني نفس نجاح الفيلم الأول؟
بدأ عرض الفيلم الثاني (البرجان) في أواخر نوفمبر 2002 في أمريكا، وحقق أيضا إيرادات عالية جدا.
في عمله السينمائي كان جاكسون أمينًا جدًّا في نقله لرواية تولكين والتزم بكل التفاصيل الدقيقة الموجودة فيها، سواء من حيث رسم الشخصيات أو من حيث المواقع أو الملابس أو الإكسسوارات، وقد يستغرب البعض هذا، لكن الواقع هو أن تولكين في روايته وفي ملاحظاته وشذراته وتعليقاته وحواشيه حول "سيد الخواتم" كان يفصل كل شيء؛ المقاييس والمكاييل والملابس وتطوراتها والألوان وأشكال الأسلحة وأدوات المطبخ، وكل شيء يمكن تخيله في عالم كامل. وقد عانى جاكسون كثيرًا للوصول إلى هذه الدقة في النقل والالتزام الشديد بالرواية وبتفاصيل تولكين الدقيقة، ولكن لاقى ثمرة هذه المعاناة في النجاح المذهل الذي حققه الفيلم.
الجزء الثالث تم عرضه في نهاية 2003، وحقق نجاحًا ساحقًا كذلك. السؤال الذي طرح نفسه بعد النجاح الساحق هذا هو: لماذا؟
بداية الرواية مليئة بإشارات اعتبرها البعض وقت نشرها أيديولوجية؛ حيث فسر بعض النقاد جيوش الشرق الشرير بأنها الجيوش الشيوعية، وأن "ساورون" ملك الشر وسيد الخواتم هو ستالين، ومن ثم تساءل النقاد الحاليون ما جدوى هذا التفسير الأيديولوجي الآن؟ وهل يتقبل الجمهور هذه الأفكار بعد سقوط الشيوعية؟ من الواضح أن التفسير السابق لم يكن سبب نجاح الرواية في المقام الأول، وبالتالي لا علاقة له بنجاح الأفلام الحالي.
تساءل آخرون عن تماشي الرواية مع النسق الحالي للكتابة، سواء الرواية الإبداعية أو حتى الإخبارية، والذي يدعى باسم النسق المنضبط سياسيا. حيث يفترض ألا يمس الكاتب مشاعر الأقليات العرقية أو الجنسية أو العمرية، بمعنى ألا يكون هناك تحريض ضد عرق أو لون أو تمثيل سيئ لبعض المراحل العمرية أو عدم اهتمام بالمرأة أو الطفل. ويرى النقاد أن الفيلم من هذه الناحية وبسبب التزامه التام بالرواية يمثل "مواد مشعة شديدة الخطورة"؛ حيث الأبطال كلهم رجال بيض، والأشرار ملونون، ولا يوجد دور إيجابي للمرأة، وإنما هو الدور التقليدي الذي يصفه البعض "بالإقطاعي" أحيانا، وهو الأمر المتماشي مع القصة التي تتحدث عن عصر من عصور الفروسية والنبالة. ومن ثم فلا يمكن أن يعزى نجاح الفيلم إلى انضباطه والتزامه بما يسمى بالكلام المنضبط سياسيا.
أعتقد أنه لكي نجيب على سؤال لماذا نجح الفيلم هذا النجاح الساحق؟ علينا أن نفهم حالة الحلم التي يعيشها المجتمع الأمريكي الآن، وخاصة بعد انتهاء الاستقطاب الدولي وزوال الخطر العسكري الشيوعي.
الفضاء لم يعد حلما كبيرا بعيد المنال كما كان في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات. مكوك الفضاء لم يعد مثيرًا ولا أمرًا صعب المنال، لقد أصبح بوسع المواطن العادي -إن امتلك المال- أن يسافر في رحلة فضائية. الحلم الآن مختلف.
الحلم هو العودة لعصر ذهبي؛ وإن أمكن صناعة هذا العصر الذهبي فليكن. الناس تريد الحياة في الأسطورة؛ تريد أن تستعيد قيم النبالة والفروسية والشجاعة والأسرة والحب ومساعدة الضعيف والتغلب على الإغراء، إنها تحتاج لهذه الأسطورة التكوينية التي تخبرها أن ثمة خيرًا في العالم وأن الشر يجب أن يهزم وأن الإصرار والعزم يحققان ما نعتقد أنه مستحيل كما يقول "سام جامجي" الخادم الأمين لـ "فرودو باجينز" بطل الرواية أو الهوبيت الصغير المنوط به إنقاذ الأرض.
الفيلم/الرواية يمثلان الملحمة الأسطورية متعددة الخطوط والأبطال. إنهما يشبهان السيرة الهلالية، وسيف بن ذي يزن، وحمزة البهلوان، والأميرة ذات الهمة عندنا في التراث العربي. تلك القصص التي ما زالت تعيش في الوجدان الشعبي، وينهل منها الروائيون ويكتبون.
الفارق أن عندنا نصر على تحويل الملحمة إلى أيدلوجية، بينما المواطن العادي يرى الأيديولوجية في الملحمة ذاتها، إنها الفكرة الحلم التي تجعله يتغلب على الواقع ويجد فيه قدرًا كبيرًا من الحلاوة رغم مرارته الظاهرة.
"سيد الخواتم" فيلم جديد، ولكنه أسطورة قديمة تكلمنا عن الزمن الجميل والخير الموجود وإمكانية الانتصار على الشر، وبالرغم من عدم انضباطه السياسي أو ربما لعدم انضباطه السياسي فإنه ينجح؛ لأننا نريد أن نحلم ونتنفس، وقليل من عدم الانضباط لا يضر بل يعيدنا لطفولتنا.